الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بُيُوتَ الْمُسْلِمِينَ وَتَقِفُ لَهُ الْجَارِيَةُ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ الْحَرَائِرِ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ يَجِيءُ فِي وَقْتٍ لَا يَكُونُ فِي الْبَيْتِ إلَّا النِّسَاءُ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ غَضَّ بَصَرَهُ وَقَدْ لَا يَكُونُ فِي الْبَيْتِ إذْ ذَاكَ إلَّا الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ فَتَحْصُلُ الْخَلْوَةُ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ وَإِنْ غَضَّ طَرْفَهُ. بَلْ يَضَعُ الدَّقِيقَ عَلَى الْبَابِ وَيُعْلِمُ مَنْ فِي الْبَيْتِ بِذَلِكَ وَيَتَوَارَى قَلِيلًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ وَيَمُرُّ لِسَبِيلِهِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي أَخْذِهِ الْقَمْحَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ إلَّا الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ الَّذِي يُبَاشِرُ مَا ذُكِرَ لَا يُعْهَدُ مِنْهُ الدِّينُ، وَلَا يُعْرَفُ حَالُهُ بَلْ يَطَّلِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى سُوءِ حَالِهِ ثُمَّ يَبْعَثُهُ فَيَدْخُلُ بُيُوتَ الْمُسْلِمِينَ وَالْغَالِبُ وُقُوعُ الْفِتَنِ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَوْ تَوَقُّعُهَا وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَتَّخِذُ الصَّبِيَّ الَّذِي يُبَاشِرُ ذَلِكَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَحَّالِ الْيَهُودِيِّ وَمَا جَرَى لَهُ مَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا
[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ عَلَى صَاحِبِ الطَّاحُونِ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ تَبْدِيدِ الْقَمْحِ]
فَصْلٌ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى صَاحِبِ الطَّاحُونِ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ تَبْدِيدِ الْقَمْحِ حِينَ إتْيَانِ الْحَمَّالِينَ بِهِ إلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّيْلِ وَالْحَطِّ وَحِينَ إعْطَائِهِ لِلصُّنَّاعِ وَمُحَاوَلَتِهِمْ لَهُ قَبْلَ الطَّحْنِ فَرُبَّمَا كَانَ فِي الْوِعَاءِ خَرْقٌ فَيَزِيدُ تَبْدِيدُ الْقَمْحِ بِسَبَبِهِ وَيَبْقَى بَيْنَ الْأَرْجُلِ يَمْشِي عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ بَابِ الطَّاحُونِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَأْتُونَ بِهِ إلَيْهَا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْقُوتَ إذَا اُمْتُهِنَ يَسْتَغِيثُ لِرَبِّهِ عز وجل أَنْ يُكْرِمَهُ. وَإِذَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَفَعَ سِعْرَهُ فَيَتَحَفَّظُ مِنْ هَذَا جَهْدُهُ وَيَتْرُكُ مَنْ يَكْنُسُ تِلْكَ الْمَوَاضِعَ وَيَلْتَقِطُ مَا يَبْقَى بَعْدَهُ، وَلَوْ بَقِيَتْ حَبَّةٌ وَلَمْ يَزَلْ هَذَا مِنْ شَأْنِ النَّاسِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِمْ وَلِأَنَّ فِعْلَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَبَبٌ لِوُقُوعِ الْبَرَكَةِ وَإِبْقَاءِ النِّعْمَةِ عَلَى مَنْ هِيَ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ يَتَحَفَّظُ فِي مَوْضِعِ وَزْنِ الدَّقِيقِ وَشَيْلِهِ وَحَطِّهِ وَالْخُرُوجِ بِهِ. وَكَذَلِكَ يَتَحَفَّظُ عَلَى الْوِعَاءِ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَرْقٌ أَوْ قَطْعٌ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ، وَلَا يَكِلُ أَمْرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَى الصُّنَّاعِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ
أَنَّهُمْ لَا يُؤْتَمَنُونَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُمْ يَتَهَاوَنُونَ بِهَا فِي الْعَادَةِ وَالْعَوَائِدُ يَقِلُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا إلَّا بِتَوْفِيقٍ مِنْ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى وَتَأْيِيدٍ.
وَالتَّحَفُّظُ عَلَى الدَّقِيقِ آكَدُ مِنْ التَّحَفُّظِ عَلَى الْقَمْحِ وَإِنْ كَانَا مَعًا مُحْتَرَمَيْنِ لَكِنَّ الدَّقِيقَ إذَا وَقَعَ وَمَشَى عَلَيْهِ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ النَّاظِرِ إلَيْهِ غَالِبًا فَيُمْتَهَنُ بِالدَّوْسِ عَلَيْهِ وَقَلَّ أَنْ يَأْتِيَ إنْسَانٌ فَيُزِيلَهُ أَوْ يَحْتَرِمَهُ فَلَا يَدُوسَ عَلَيْهِ لِجَهَالَتِهِ بِهِ بَعْدُ بِخِلَافِ الْقَمْحِ فَإِنَّهُ يُرَى فِي الْغَالِبِ فَلَوْ تَرَكَهُ بَعْضُ مَنْ يَمُرُّ بِهِ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَتَحَفَّظُ لَهُ آخَرُ مِمَّنْ يَعْرِفُ قَدْرَ نِعَمِ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْصِيَةٌ قَدْ عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ السَّاحِلِ وَالْشُّوَنِ فَإِنَّ الْمَارَّ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ يُعَايِنُ الْقَمْحَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْحُبُوبِ يُدَاسُ بِالْأَقْدَامِ وَيَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ تَأَكُّدًا كَبِيرًا أَنْ لَا يَمُرَّ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى الْمَشْيِ فِيهَا فَلَا يَمُرُّ بِهَا رَاكِبًا أَوْ مُنْتَعِلًا بَلْ يَحْتَفِي ثُمَّ يَمْشِي وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَإِنْ تَنَجَّسَتْ قَدَمُهُ بِمَا هُنَاكَ غَسَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا خَيْرُهَا مُتَعَدٍّ وَضَرَرُهَا مُتَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ مَنْ يُكْرِمُ النِّعْمَةَ يُدِيمُهَا اللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبِسَبَبِ مَنْ يُهِينُهَا يَعُمُّ غُلُوُّ السِّعْرِ جَمِيعَهُمْ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ
(فَصْلٌ) وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ لَا يُحْوِجَ أَهْلَهُ، وَلَا أَحَدًا مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ إلَى الْوُقُوفِ لِصَبِيِّ الطَّاحُونِ وَمَنْ أَشْبَهَهُ مِنْ الطَّوَّافِينَ، وَلَا يُسَامِحُهُمْ فِي ذَلِكَ بَلْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَلِّيهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ مَحَارِمِ أَهْلِهِ أَوْ عَبْدِهَا أَوْ عَبْدِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَحْذَرُ مِنْ حُصُولِ الْخَلْوَةِ فِي حَقِّ الْعَبِيدِ فَإِنَّ التَّهَاوُنَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ مَا لَا يَنْبَغِي.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يُسَامِحَ فِي الْوَسِيلَةِ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَدْوَاءَ إذَا وَقَعَتْ يَسْهُلُ فِي ابْتِدَائِهَا مُدَاوَاتُهَا وَيَصْعُبُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِحْكَامِهَا، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الشِّفَاءَ حَصَلَ بَعْدُ فَمَا فَاتَ لَا يُسْتَدْرَكُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْقُلُوبِ مَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ الْمَيْلِ إلَى الْأَغْرَاضِ الْخَسِيسَةِ فِي الْغَالِبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ