الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ» وَالسُّلَامَى بِضَمِّ السِّينِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ هِيَ أَعْضَاءُ ابْنِ آدَمَ فَكَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ: عَلَى كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَيُعْطِي ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَحْتَاجُ الْمَرْءُ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَدَقَةً عَلَى عَدَدِ الْأَعْضَاءِ وَهَذَا عَسِيرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا.
وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مَا بَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى أَتَمَّ بَيَانٍ حِينَ «سَأَلَهُ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - حَيْثُ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ حَتَّى قَالَ: رَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِئُ عَنْهُ» فَعَلَى هَذَا فَرَكْعَتَا الضُّحَى لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ تُجْزِئُ عَنْ ثَلَثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَدَقَةً {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] وَلِأَجْلِ مَا فِيهِمَا مِنْ هَذِهِ الْبَرَكَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكْتهمَا فَعَلَى هَذَا فَرَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِئُ مَنْ عَجَزَ وَمَنْ قَدَرَ فَالْأَمْرُ لَهُ بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، وَلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ الصَّدَقَةَ مُحَالَةٌ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمَحْسُوسِ مِنْ إنْفَاقِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ كَانَ اللِّسَانُ كَانَتْ الْعَيْنَانِ كَانَتْ الْيَدَانِ كَانَتْ الرِّجْلَانِ. أَلَا تَرَى إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ عليه الصلاة والسلام فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» فَكُلُّ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ نَفَقَتُهَا طَاعَةُ اللَّهِ بِهَا فَاللِّسَانُ صَدَقَتُهُ وَنَفَقَتُهُ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تِلَاوَةُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِرَاءَةُ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَرْسُ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِرْشَادُ الضَّالِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ كَثِيرٌ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللِّسَانَ مِنْهَا إشَارَةً إلَى بَاقِيهَا
[فَصْلٌ آكُدُ الْأُمُورِ عَلَى الْمَرِيضِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ]
(فَصْلٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُسَافِرِ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ حَتَّى يُوصِيَ لِأَجْلِ مَا يَتَوَقَّعُ فِي سَفَرِهِ فَهُوَ فِي الْمَرِيضِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ فِيهِ أَقْوَى. ثُمَّ إذَا أَوْصَى فَلْتَكُنْ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ امْتِثَالَ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»