الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ هُوَ غَشَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَقَدْ دَخَلَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فِي الْقِسْمِ الَّذِي تَبَرَّأَ مِنْهُ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ.
وَمِنْ الْغِشِّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقُمَاشُ عِنْدَهُ مُخْتَلِفَ الْحَالِ فَبَعْضُهُ جَيِّدٌ وَبَعْضُهُ رَدِيءٌ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الْجَيِّدَ فَيَعْرِضُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا تَعَاقَدَا عَلَى ثَمَنٍ مَعْلُومٍ لِكُلِّ خِرْقَةٍ مِنْهَا أَخْرَجَ الْبَائِعُ الْجَيِّدَ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِإِخْرَاجِ الرَّدِيءِ لِيَأْخُذَ الْمُشْتَرِي الرَّدِيءَ بِمِثْلِ ثَمَنِ الْجَيِّدِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْجَوْدَةِ وَالْحُسْنِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ غِشٌّ وَإِذْ كَانَ غِشًّا؛ فَتَمْتَحِقُ الْبَرَكَةُ مِنْ الْمَالِ بِسَبَبِهِ، وَالتَّاجِرُ قَدْ تَعِبَ فِي السَّفَرِ وَخَاطَرَ وَفَارَقَ أَهْلَهُ لِلْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِتَنْمِيَةِ الْمَالِ وَإِصْلَاحِهِ فَيَقَعُ لَهُ الْعَكْسُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْلِطُ الطَّيِّبَ بِالرَّدِيءِ فَإِذَا جَاءَ الْمُشْتَرِي وَكَرِهَ مَا دَفَعَهُ لَهُ مِنْ الرَّدِيءِ يُكَابِرُهُ فِيهِ وَيَقُولُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: هُوَ مِثْلُ الْجَيِّدِ أَوْ يُقَارِبُهُ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْغِشِّ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ بَلْ النَّصِيحَةُ تُوجِبُ أَنْ يَبِيعَ الْجَيِّدَ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءَ وَحْدَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا رَدِيءٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَكَتَ عَلَيْهِ ظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مِنْ الْعَالِ أَوْ الْوَسَطِ، وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَخْلِطَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ وَذَلِكَ طَرِيقُ السَّلَامَةِ لِمَنْ أَرَادَهَا.
أَمَّا لَوْ خَلَطَ الْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ وَبَاعَهُ بِسِعْرِ الرَّدِيءِ فَهَذَا جَائِزٌ إذَا كَانَ الْمَالُ لَهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْهِبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِيهِ وَكِيلًا أَوْ كَانَ الْمَالُ لِيَتِيمٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَصْلًا وَمَا التَّوْفِيقُ إلَّا بِاَللَّهِ.
[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ أَنْ لَا يُنْقِصَ الْبَائِعَ مِنْهُ شَيْئًا]
(فَصْلٌ)
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ أَنْ لَا يُنْقِصَ الْبَائِعَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ نَقَصَهُ فَذَلِكَ مِنْ بَابِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ تَعَمَّرَتْ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ وَغَالِبُ أَحْوَالِ النَّاسِ الْمُشَاحَّةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِذَا نَقَصَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْبَائِعِ الرِّضَا فَالْغَالِبُ عَدَمُ رِضَاهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ
الْعَوَائِدِ وَمِنْ رَغْبَةِ النُّفُوسِ فِي أَخْذِهَا جَمِيعَ حَقِّهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا ذُلُّ السُّؤَالِ فِي أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ شَيْئًا مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ لَكَانَ كَافِيًا فِي الذَّمِّ فَكَيْفَ وَقَدْ جَمَعَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِشْرَافَ النَّفْسِ وَالشَّرَهَ سِيَّمَا إنْ كَانَ غَنِيًّا وَالْبَائِعُ فَقِيرًا فَذَلِكَ أَقْبَحُ وَأَشْنَعُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ وَكِيلًا لِلْغَيْرِ أَوْ وَلِيًّا أَوْ وَصِيًّا لِيَتِيمٍ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَهَذَا الذَّمُّ إنَّمَا هُوَ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ وَعَقْدِ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا حَرَجَ فِي الْمُسَاوَمَةِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَاكِسُوا الْبَاعَةَ فَإِنَّ فِيهِمْ الْأَرْذَلِينَ» وَسَوَاءٌ كَانَا غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَالِبًا (فَصْلٌ)
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْأَلُ الْبَائِعَ أَنْ يُنْقِصَ عَنْهُ وَلَكِنْ يَسْأَلُهُ التَّأْخِيرَ مَعَ كَوْنِ الْبَيْعِ وَقَعَ عَلَى الْحُلُولِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مُلْتَحِقٌ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَعْنِي فِي نُقْصَانِ الثَّمَنِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْأَلُهُ نُقْصَانَ الثَّمَنِ، وَلَا التَّأْخِيرَ وَلَكِنْ يُمَاطِلُهُ بِقَوْلِهِ: غَدًا وَبَعْدَ غَدٍ وَغُدْوَةً وَعَشِيَّةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ عَوَائِدِهِمْ مَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا يَدْخُلُ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ قَادِرًا عَلَى إعْطَاءِ الثَّمَنِ كُلِّهِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ إنَّهُ يَقْطَعُهُ عَلَى صَاحِبِهِ مِرَارًا كَثِيرَةً وَهَذَا مُلْتَحِقٌ بِمَا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَطْلِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِتَأْخِيرِ بَعْضِهِ كَمَا يَتَضَرَّرُ بِتَأْخِيرِ كُلِّهِ غَالِبًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ الثَّمَنَ عَلَى مَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَصْدُهُ بِذَلِكَ أَنْ يَضْجَرَ الْبَائِعُ مِنْ كَثْرَةِ التَّرَدُّدِ إلَيْهِ سِيَّمَا إنْ كَانَ غَرِيبًا يَقْصِدُ السَّفَرَ فَيَفْعَلُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ مَعَهُ حَتَّى يُضْطَرَّ إلَى أَنْ يَتْرُكَ لَهُ بَعْضَ الثَّمَنِ الَّذِي تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهُ وَيَذْهَبَ لِشَأْنِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَيْعُ وَقَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّأْجِيلِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ الْمُعَيَّنُ بَيْنَهُمَا صَارَ الْحُكْمُ فِي