الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيُخَالِفُ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ بِالْإِبْطَاءِ عَمَّا تُحِبُّهُ وَتَشْتَهِيهِ وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ إلَى الْأَهْلِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ الْحُكْمَ بِفِعْلِهِ وَبِقَوْلِهِ وَهُوَ أَنَّ سُرْعَةَ الْأَوْبَةِ تَكُونُ بَعْدَ زِيَارَةِ الْمَرْءِ بَيْتَ رَبِّهِ عز وجل وَالصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعَطَّارُ مِنْ تَحْسِينِ النِّيَّةِ وَالْآدَابِ]
قَدْ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ تَاجِرِ الْبَزِّ مَا تَقَدَّمَ فَفِي الْعَطَّارِ مِثْلُهُ أَعْنِي فِي بَيْعِهِ السِّلَعَ الَّتِي فِي دُكَّانِهِ فَيَجْتَنِبُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَفَاسِدِ بِبَيَانِهَا لِلْمُشْتَرِي حِينَ شِرَائِهَا مِنْهُ.
ثُمَّ إنَّ الْعَطَّارَ لَا يَخْلُو أَمْرُهُ مِنْ أَحَدِ قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي يَشْتَرِي مِنْ الْكَارِمِ. أَوْ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي يَشْتَرِي مِنْ الْعَطَّارِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَخْلِيصِ نِيَّتِهِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى لَا غَيْرَهُ إذْ إنَّ أَكْثَرَ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مُحَاوَلَةِ مَا هُوَ يُحَاوِلُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْعَطَّارِينَ الضُّعَفَاءِ إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الزَّبَادِ أُوقِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا أَوْ مِنْ الْمِسْكِ أَوْ غَيْرِهِمَا بِحَسَبِ حَالِ تِلْكَ السِّلْعَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى شِرَائِهَا مِنْ الْكَارِمِ فِي الْغَالِبِ فَيَكُونُ هُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ التَّيْسِيرَ عَلَى إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ.
مِثَالُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمِسْكِ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ مِنْ الزَّبَادِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ السِّلَعِ فَيَبِيعُهُ هُوَ فِي دُكَّانِهِ بِالْخَمْسَةِ دَرَاهِمِ وَالْعَشَرَةِ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ فَهَذَا الْفِعْلُ يَكُونُ مُعِينًا فِيهِ لِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَإِذَا كَانَ اللَّهُ عز وجل فِي عَوْنِ هَذَا الْعَبْدِ بِسَبَبِ إعَانَتِهِ الْوَاحِدَ مِنْ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ السِّلَعِ عَلَى قَدْرِ قِلَّتِهَا أَوْ كَثْرَتِهَا، وَبِذَلِكَ تَكْثُرُ الْحَسَنَاتُ وَيَزِيدُ الثَّوَابُ فَمَا بَالُك بِإِعَانَتِهِ لِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْهُمْ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَغْتَنِمَ مَا سِيقَ لَهُ مِنْ هَذَا الْخَيْرِ الْعَظِيمِ وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ
فَيُصَحِّحَ نِيَّتَهُ وَيُجَرِّدَهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَيُخَلِّصَهَا مِنْ دَنَسِ مَا تَتَعَلَّلُ بِهِ النُّفُوسُ مِنْ تَحْصِيلِ الدُّنْيَا وَكَثْرَتِهَا وَطَلَبِ الرِّزْقِ وَالزِّيَادَةِ مِنْهُ إذْ إنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ وَقَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ.
لِمَا وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ الْأَرْزَاقَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْبَاحَ بِأَلْفَيْ عَامٍ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالرِّزْقُ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَا يَسُوقُهُ حِرْصُ حَرِيصٍ. وَيَعْمَلُ عَلَى التَّخْلِيصِ مِنْ هَذِهِ الدَّنَاءَةِ وَيَرْجِعُ إلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ رَبِّهِ. فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ إذَنْ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ الْمُتَطَوِّعِ بِهِمَا وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ إذْ إنَّهَا كُلَّهَا أَعْمَالٌ يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى رَبِّهِ عز وجل وَيَزِيدُ بِسَبَبِهَا فَضِيلَةً فَإِنَّهُ خَيْرٌ مُتَعَدٍّ وَالْخَيْرُ الْمُتَعَدِّي أَرْجَحُ مِمَّا هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَرْءِ نَفْسِهِ فَيَعْمَلُ عَلَى هَذَا يَنْجَحُ سَعْيُهُ وَيَظْفَرُ بِمُرَادِهِ سِيَّمَا عِنْدَ انْكِشَافِ غُبَارِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى لَمَّا أَنْ عَدَّ عليه الصلاة والسلام أَشْرَاطَ السَّاعَةِ عَدَّ مِنْهَا تَقَارُبَ الزَّمَانِ وَقَدْ وَجَدْنَا الزَّمَانَ وَاحِدًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ سَلَفِنَا رضي الله عنهم لَمْ يَزِدْ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَنْقُصْ لَنَا مِنْهُ شَيْءٌ لَكِنْ لَمَّا أَنْ كَانَ تَسَبُّبُهُمْ وَحَرَكَاتُهُمْ وَسَكَنَاتُهُمْ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ لِرَبِّهِمْ عز وجل رَبِحُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ أَعْمَارَهُمْ إذْ إنَّ الْعُمْرَ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ إلَّا وُقُوعَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهِ فَكَانُوا رضي الله عنهم كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَمَّا أَنْ كَانَتْ حَرَكَاتُهُمْ وَسَكَنَاتُهُمْ كُلُّهَا لِرَبِّهِمْ عز وجل لَيْسَ لِلنَّفْسِ فِيهَا حَظٌّ، وَلَا لِلَّهْوِ فِيهَا مَطْمَعٌ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ رَجَاءَ الثَّوَابِ وَآخَرُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الرُّبُوبِيَّةِ وَاتِّصَافًا بِرَسْمِ الْعُبُودِيَّةِ وَهَذَا أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَأَرْفَعُهَا بِخِلَافِ أَحْوَالِنَا الْيَوْمَ إذْ إنَّ.
الْغَالِبَ عِنْدَنَا فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَهُمَا بِالنَّظَرِ إلَى تَصَرُّفِنَا قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَنَا لِرَاحَةِ النُّفُوسِ أَوْ لِحُظُوظِهَا أَوْ لِاكْتِسَابِ الدُّنْيَا أَوْ الزِّيَادَةِ مِنْهَا.
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ هَيِّنًا لَيِّنًا فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ.
مَعَ وُجُودِ
التَّحَفُّظِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْإِجْحَافِ بِهَا فِيمَا يُخِلُّ بِحَالِهَا فَإِذَا بَاعَ سَامَحَ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِحَالِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى يُسَامِحُ الْبَائِعَ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِهِ لِيَغْتَنِمَ بِذَلِكَ الدُّخُولَ فِي بَرَكَةِ دُعَائِهِ عليه الصلاة والسلام حَيْثُ يَقُولُ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمْحًا إذَا بَاعَ سَمْحًا إذَا اشْتَرَى» وَلْيَحْذَرْ مِنْ اسْتِشْرَافِ النَّفْسِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَزَّازِ فَإِذَا أَتَى الْمُشْتَرِي إلَى دُكَّانِهِ فَحِينَئِذٍ يَبِيعُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَارًّا أَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ فَلْيَغُضَّ طَرْفَهُ عَنْهُ، وَلَا يَنْظُرْ إلَى جِهَتِهِ بَلْ حَتَّى يَقْصِدَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَوْ يَسُومَ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ فَإِنْ فَعَلَهُ كَانَ حَرَامًا وَامْتَحَقَتْ الْبَرَكَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ.
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَخْلِطَ مَعَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْحَلِفِ بِالْأَيْمَانِ عَلَى مَا يُحَاوِلُونَهُ فِي بَيْعِهِمْ وَشِرَائِهِمْ وَذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «وَيْلٌ لِلتَّاجِرِ مِنْ تَاللَّهِ وَبِاَللَّهِ» وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ رضي الله عنهم؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّعَبُّدِ لِتَعْظِيمِهِ فِي قُلُوبِهِمْ وَكَانُوا يُحَافِظُونَ عَلَى امْتِثَالِ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ عليه الصلاة والسلام بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ أَيْمَانَهُمْ إنَّمَا هِيَ لِلرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَاسْتِجْلَابِهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ كَانَ عليه الصلاة والسلام يَحْلِفُ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «وَاَللَّهِ لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام.
فَالْجَوَابُ أَنَّ يَمِينَهُ عليه الصلاة والسلام لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا بَلْ هِيَ كُلُّهَا مِنْ بَابِ التَّرْغِيبِ وَالنَّدْبِ لِمَا شَرَعَهُ عليه الصلاة والسلام وَإِذَا تَتَبَّعْت ذَلِكَ وَجَدْته كَذَلِكَ.
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنَّهُ مَهْمَا قَدَرَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ بِالدَّيْنِ فَلْيَفْعَلْ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يَسُدُّ بِذَلِكَ بَابَ النِّزَاعِ وَالْخُلْفِ فِي الْوَعْدِ.
وَالثَّانِي - أَنَّهُ يُزِيلُ بِذَلِكَ
عَنْ نَفْسِهِ مَا يَتَوَقَّعُهُ مِنْ الذُّلِّ بِسَبَبِ الدَّيْنِ الَّذِي يَأْخُذُهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَانَ فِي الْغَالِبِ تَجِدُ عَلَيْهِ أَثَرَ الذُّلِّ. وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «الْمُؤْمِنُ لَا يُذِلُّ نَفْسَهُ» وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الدَّيْنَ رِيبَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الدَّيْنِ وَيَكُونَ مِنْ يُدَايِنُهُ مُتَّصِفًا بِالسَّمَاحَةِ وَالدِّينِ فَلَا بَأْسَ إذَنْ، وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ مِنْ قَدِيمِ الصُّحْبَةِ وَحُسْنِ الْمَوَدَّةِ فَإِنَّ أَعَزَّ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ دُنْيَاهُمْ وَالْحِرْصُ عَلَيْهَا وَتَرْكُ الْمُسَامَحَةِ بِهَا فَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
(فَصْلٌ)
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا دَفَعَ لِغَيْرِهِ أَرْجَحَ لَهُ وَإِذَا قَبَضَ لِنَفْسِهِ فَلْيَأْخُذْ شَحِيحًا لِيَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ. فَكَذَلِكَ فِي وَزْنِ السِّلَعِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ.
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ تَكُونَ السِّلَعُ عِنْدَهُ مَحْفُوظَةً لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا تَسْتَقْذِرُهُ النُّفُوسُ.
مِثَالُهُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ مَا عِنْدَهُ مِنْ السِّلَعِ الْيَابِسَةِ مَكْشُوفًا فَتَبُولُ فِيهِ الْفَأْرَةُ فَيَتَنَجَّسُ بَعْضُهُ بِذَلِكَ وَيُسْتَقْذَرُ بَاقِيهِ فَإِنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُبَيِّنْ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ دَخَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي الْغِشِّ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.
(فَصْلٌ)
فَإِنْ كَانَ الْعَطَّارُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي يَشْتَرِي مِنْ الْعَطَّارِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهُ فِيمَا يُحَاوِلُهُ فَيَجْعَلُهَا لِرَبِّهِ عز وجل. وَكَيْفِيَّتُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ قَبْلَهُ وَهُوَ أَنْ يُيَسِّرَ عَلَى إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ السِّلَعِ الَّتِي يُحَاوِلُهَا فَيُيَسِّرُهَا لَهُمْ قَرِيبَةً مِنْ مَوَاضِعِهِمْ؛ لِأَنَّ فِي خُرُوجِ بَعْضِهِمْ إلَى مَوْضِعِ الْعَطَّارِينَ الْكِبَارِ مَشَقَّةً عَلَيْهِمْ.
وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي الْأُوقِيَّةَ وَنِصْفَ الْأُوقِيَّةِ وَالرُّبْعَ وَالثُّمُنَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَالْعَطَّارُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ هَذَا بِشِرَائِهِ مِنْهُ مُيَسِّرًا عَلَى إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ سِيَّمَا إنْ كَانَتْ دُكَّانُهُ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْ الْعَطَّارِينَ الْكِبَارِ فَإِنَّهُ يَعْظُمُ ثَوَابُهُ
بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُضْطَرُّ الْمَرْأَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ أَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ أَنْ يَخْرُجُوا لِشِرَاءِ ذَلِكَ فَإِذَا وَجَدُوا مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِهِمْ زَالَ عَنْهُمْ التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ فِي مَشْيِهِمْ لِمَوْضِعِ الْعَطَّارِ الْكَبِيرِ فَكَأَنَّهُ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ بِلَا ثَمَنٍ إذْ إنَّ مَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الْمُضِيِّ إلَى تِلْكَ الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ أَكْثَرُ مَشَقَّةً. ثُمَّ كَذَلِكَ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ فِي تَيْسِيرِ كُلِّ مَا يُحَاوِلُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إخْوَانُهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ثُمَّ يَصْحَبُ ذَلِكَ بِنِيَّةِ الْإِيمَانِ وَالِاحْتِسَابِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(فَصْلٌ)
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلُ فِي الْبَزَّازِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ تَرَكَ كُلَّ مَا هُوَ فِيهِ وَاشْتَغَلَ بِحِكَايَةِ الْمُؤَذِّنِ وَمَضَى إلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لَهُ فَلْيُبَادِرْ إلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأَعْلَى ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى دُكَّانِهِ وَذَلِكَ أَبْرَكُ لَهُ فِي مَالِهِ وَأَنْجَحُ لَهُ فِي سَعْيِهِ.
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْذَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ فِي الْوَزْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْزُونُ قَدْ شَحَّ قَلِيلًا فَيُخْرِجَهُ وَيَدْفَعَهُ لِلْمُشْتَرِي وَيَزِيدَ عَلَيْهِ شَيْئًا بِغَيْرِ وَزْنٍ فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى وَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَخَذَ مَجْهُولًا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ نَاقِصَةً عَنْ حَقِّهِ أَوْ زَائِدَةً عَلَيْهِ فَتَقَعَ الْجَهَالَةُ فِي الْوَزْنِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ الْحَاصِلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَإِنْ قِيلَ: الْغَرَرُ الْيَسِيرُ مُغْتَفَرٌ فِي الْبِيَاعَاتِ. فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الصَّقَلِّيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ الْغَرَرُ الْيَسِيرُ إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ. وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهَا قَدْرُ حَقِّهِ لَكَانَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ حِينَ أَخَذَهُ أَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هِبَةُ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ وَالْمُشْتَرِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَدْ وَهَبَ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمَجْهُولَ لِبَائِعِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ هِبَةَ الْمَجْهُولِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَحَقُّقِ زِنَةِ