الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسَبَبِ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَةَ وَيَسْكَرُ بِهَا ثُمَّ يَمْشِي إلَى مَنْ يُبَاشِرُهُمْ مِنْ الْمَرْضَى فَيَصِفُ لَهُمْ مَا يَصِفُ وَهُوَ فِي غَيْرِ وَعْيِهِ، وَلَا يَعْرِفُ مَا زَادَ عَلَى الْمَرِيضِ، وَلَا مَا نَقَصَ، وَلَا مَا قِيلَ لَهُ، وَلَا مَا كَتَبَ أَوْ وَصَفَ وَهَذَا أَمْرٌ خَطَرٌ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.
وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَيْثُ سَدَّ هَذَا الْبَابَ بِقَوْلِهِ: مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَالسَّلَامُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَكَوْنُهُ أَقَامَهُمْ مِنْ أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: قَدْ أَغْنَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْكُمْ وَنَهَى عَنْ اسْتِعْمَالِهِمْ وَمُبَاشَرَتِهِمْ وَأَمَرَ أَنْ لَا يُسَاكِنُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرْفَعُوا عَلَيْهِمْ جِدَارًا بَلْ يَكُونُوا بِمَعْزِلٍ عَنْهُمْ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ لِسَدِّ ذَرِيعَةِ أَنْ يَقَعَ بَعْضُ مَا جَرَى مِنْ الضَّرَرِ مِنْهُمْ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
لُعِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ فَإِنَّهُمْ
…
بَلَغُوا بِمَكْرِهِمُو بِنَا الْآمَالَا
خَرَجُوا أَطِبَّاءً وَحُسَّابًا لِكَيْ
…
يَتَقَسَّمُوا الْأَرْوَاحَ وَالْأَمْوَالَا
[فَصْلٌ طِبُّ الْأَبَدَانِ وَالرُّقَى الْوَارِدَةُ]
ُ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَعُلِمَ فَلَا يَخْلُو أَمْرُ الْمَرِيضِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ أَعْلَاهَا وَأَحْسَنُهَا وَأَرْفَعُهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى سَعَةِ فَضْلِهِ وَعَظِيمِ كَرَمِهِ دُونَ أَنْ يَخْتَلِجَ فِي بَاطِنِهِ شَيْءٌ أَوْ يَسْتَعْمِلَ سَبَبًا ظَاهِرًا بَلْ يَكُونُ كَالْمَيِّتِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ بَيْنَ يَدَيْ غَاسِلِهِ، وَهَذَا إنْ وُجِدَ فَهُوَ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ وَهُوَ الَّذِي نُقِلَ عَنْ حَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: ذُنُوبِي، قَالَ: فَمَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي، قَالَ: أَلَا آمُرُ لَك بِطَبِيبٍ؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي، قَالَ: أَلَا آمُرُ لَك بِعَطَاءٍ؟ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، قَالَ: يَكُونُ لِبَنَاتِك، قَالَ: أَتَخْشَى عَلَى بَنَاتِي الْفَقْرَ إنِّي أَمَرْت بَنَاتِي بِقِرَاءَةِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ
تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا» وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ.
وَمِثْلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه لَمَّا أَنْ مَرِضَ فَعَادُوهُ وَقَالُوا: أَلَا نَدْعُو لَك بِطَبِيبٍ؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي.
وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا نُقِلَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه لَمَّا أَنْ قِيلَ لَهُ: أَلَا نَأْتِيك بِالطَّبِيبِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمْت أَنَّ شِفَائِي فِي رَفْعِ يَدِي إلَى شَحْمَةِ أُذُنِي مَا رَفَعْتهَا وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: أَذْنَبْت ذَنْبًا فَأَنَا أَبْكِي عَلَيْهِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قِيلَ لَهُ: وَمَا هُوَ الذَّنْبُ؟ قَالَ: طَلَعَ لِي طُلُوعٌ؛ فَرَقَيْتُهُ فَاسْتَرَاحَ فَجَعَلَ الرُّقْيَةَ ذَنْبًا يُسْتَغْفَرُ مِنْهُ فَمَا بَالُك بِالطِّبِّ عِنْدَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ السَّنِيَّةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ. فَهَذِهِ هِيَ الدَّرَجَةُ الْعُلْيَا
فَإِنْ عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ هَذِهِ الدَّرَجَةِ فَلْيَمْتَثِلْ السُّنَّةَ فِي اسْتِعْمَالِ الْأَدْوِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وَقَعَ النَّصُّ عَلَيْهَا مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ. وَهِيَ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «لَوْ كَانَ شَيْءٌ يَدْفَعُ الْمَوْتَ لَدَفَعَهُ السَّنَا» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ هِيَ الشُّونِيزُ وَهِيَ الْكَمُّونُ الْأَسْوَدُ وَالسَّامُّ الْمَوْتُ.
مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ: إنَّ الْأَطِبَّاءَ يَقُولُونَ: إنَّهَا تَنْفَعُ لَسَبْعَةَ عَشَرَ مَرَضًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مَحْمُولًا عَلَيْهَا.
قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا أَنْ يَسْأَلَ الْأَطِبَّاءَ عَنْهَا فَإِنْ أَخْبَرُوهُ أَنَّهَا تَنْفَعُ لِذَلِكَ الْمَرَضِ اسْتَعْمَلَهَا وَإِلَّا فَلَا أَوْ كَمَا قَالَ.
وَكَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله يَأْبَى ذَلِكَ وَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ أَقُولَ بِهَذَا الْقَوْلِ، صَاحِبُ النُّورِ الْأَكْمَلِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِشَيْءٍ فَنَعْرِضُهُ عَلَى رَأْيِ أَصْحَابِ الظُّلْمَةِ. فَقِيلَ لَهُ: فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ مَا قَالَتْ الْأَطِبَّاءُ؟ فَقَالَ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - أَنْ تَكُونَ الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ تَنْفَعُ لِجَمِيعِ الْأَمْرَاضِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ نَظَرَ بِالنُّورِ الْأَكْمَلِ الَّذِي وَهَبَهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى وَمَنَّ عَلَيْهِ بِهِ فَرَآهَا تَنْفَعُ لِجَمِيعِ الْأَمْرَاضِ، وَأَهْلُ الطِّبِّ نَظَرُوا بِظُلْمَةِ الْفِكْرِ الَّذِي
عِنْدَهُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ كَانَتْ تَنْفَعُ لَسَبْعَةَ عَشَرَ مَرَضًا كَمَا قَالَهُ الْأَطِبَّاءُ ثُمَّ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ تَنْفَعُ لِجَمِيعِ الْأَمْرَاضِ كَمَا خُصَّتْ بِخَصَائِصَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأُمَمِ إكْرَامًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ رحمه الله ظَاهِرٌ بَيِّنٌ. لَكِنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى نِيَّةِ الْمَرِيضِ فِيمَا يُحَاوِلُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَا يَصْدُرُ مِنْ الشَّارِعِ صلى الله عليه وسلم يُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ وَقُوَّةِ التَّصْدِيقِ، فَعَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ يَنْجَحُ السَّعْيُ وَيَظْفَرُ صَاحِبُهَا بِالْمُرَادِ.
وَقَدْ حَكَى سَيِّدِي الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله فِي هَذَا الْمَعْنَى حِكَايَةً فَقَالَ: إنَّ شَابًّا كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ الزَّيَّاتِ رحمه الله فَتَكَلَّمَ يَوْمًا عَلَى الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَأَنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَبَيَّنَ ذَلِكَ وَأَوْضَحَهُ وَعَلَّلَهُ فَبَعْدَ أَيَّامٍ انْقَطَعَ الشَّابُّ عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلَهُ الشَّيْخُ رحمه الله عَنْ مُوجِبِ غَيْبَتِهِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا بِعَيْنَيْهِ فَقَالَ الشَّيْخُ: وَمَا عَمِلْت لَهُمَا؟ فَقَالَ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ، قَالَ: وَكَيْفَ وَجَدْت حَالَك عَلَيْهَا؟ قَالَ: لَمَّا عَمِلْتهَا فِي عَيْنَيَّ كَادَتْ عَيْنَايَ أَنْ تَطِيرَا وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَيَّ وَكَثُرَ الْأَلَمُ فَقُلْت مُخَاطِبًا لَهُمَا: اذْهَبَا أَوْ لَا تَذْهَبَا أَوْجِعَا أَوْ لَا تُوجِعَا فَالشَّيْخُ مَا نَقَلَ إلَّا حَقًّا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ إلَّا صِدْقًا أَوْ كَمَا قَالَ؛ فَالْتَفَتَ الشَّيْخُ رحمه الله إلَى جُلَسَائِهِ وَقَالَ لَهُمْ: اجْعَلُوا بَالَكُمْ مَنْ مَرِضَ مِنْكُمْ بِالْعَيْنَيْنِ فَلَا يَكْتَحِلُ بِالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَا نَجَّاهُ إلَّا قُوَّةُ يَقِينِهِ فَأَشَارَ الشَّيْخُ رحمه الله إلَى أَنَّ الْأَدْوِيَةَ الْمَأْثُورَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأَصْلُ فِيهَا قُوَّةُ الْيَقِينِ وَالتَّصْدِيقِ فَمَنْ قَوَى يَقِينُهُ سَهُلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَحَصَلَ لَهُ الطِّبُّ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ، وَلَا مَشَقَّةٍ وَمَنْ لَمْ يَقْوَ يَقِينُهُ وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَحْوَالِنَا الْآنَ فَلْيَرْجِعْ إلَى وَصْفِ الْأَطِبَّاءِ الْعَارِفِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُخَلِّي نَفْسَهُ مِنْ التَّدَاوِي بِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ لِلتَّبَرُّكِ بِهَا فَيَسْتَعْمِلُ عَسَلَ النَّحْلِ وَغَيْرَهُ مِمَّا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ الْمُبَارَكَةِ.
وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الشَّهْرِ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى
وَعِشْرِينَ كَانَ لَهُ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ.
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْكَيِّ مَكْرُوهٍ بِدَلِيلِ كَيِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُبَيًّا يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ لَمَّا رُمِيَ.
وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَوَى نَفْسَهُ» حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ. وَكَوَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الَّذِي اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَقَدْ اكْتَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ.
وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَعْرَفَ النَّاسِ بِالطِّبِّ فَسُئِلَتْ عَنْ مُوجِبِ ذَلِكَ فَقَالَتْ: مِنْ كَثْرَةِ أَمْرَاضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى لَهُ: وَحُكِيَ أَنَّ طَبِيبًا عَارِفًا نَصْرَانِيًّا قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: لَيْسَ فِي كِتَابِكُمْ مِنْ عِلْمِ الطِّبِّ شَيْءٌ وَالْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ الْأَدْيَانِ وَعِلْمُ الْأَبَدَانِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: جَمَعَ اللَّهُ الطِّبَّ فِي نِصْفِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِنَا فَقَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ قَوْلُهُ عز وجل {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31] فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ، وَلَا يُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِكُمْ شَيْءٌ مِنْ الطِّبِّ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: رَسُولُنَا صلى الله عليه وسلم جَمَعَ الطِّبَّ فِي أَلْفَاظٍ يَسِيرَةٍ؛ فَقَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ «الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ كُلِّ دَوَاءٍ وَأَعْطِ كُلَّ جِسْمٍ مَا عَوَّدْته» فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: مَا تَرَكَ كِتَابُكُمْ، وَلَا نَبِيُّكُمْ لِجَالِينُوسَ طِبًّا.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُقَالُ: إنَّ مُعَالَجَةَ الطَّبِيبِ نِصْفَانِ: نِصْفٌ دَوَاءٌ وَنِصْفٌ حِمْيَةٌ، فَإِنْ اجْتَمَعَا فَكَأَنَّك بِالْمَرِيضِ وَقَدْ بَرِئَ وَصَحَّ وَإِلَّا فَالْحِمْيَةُ بِهِ أَوْلَى إذْ لَا يَنْفَعُ دَوَاءٌ مَعَ تَرْكِ الْحِمْيَةِ وَقَدْ تَنْفَعُ الْحِمْيَةُ مَعَ تَرْكِ الدَّوَاءِ.
وَلَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «أَصْلُ كُلِّ دَوَاءٍ الْحِمْيَةُ» وَالْمَعْنَى بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا تُغْنِي عَنْ كُلِّ دَوَاءٍ. وَلِذَلِكَ يُقَالُ: إنَّ أَهْلَ الْهِنْدِ جُلُّ مُعَالَجَتِهِمْ الْحِمْيَةُ يُمْنَعُ الْمَرِيضُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ عِدَّةَ أَيَّامٍ فَيَبْرَأُ وَيَصِحُّ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: أَكْبَرُ الدَّوَاءِ تَقْدِيرُ الْغِذَاءِ. وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا شَافِيًا يُغْنِي عَنْ كُلِّ كَلَامِ الْأَطِبَّاءِ فَقَالَ «مَا مَلَأَ
ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ ابْنَ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَوْ سَمِعَ بُقْرَاطُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ لَعَجِبَ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ. وَقَالُوا: لَيْسَ لِلْبِطْنَةِ أَنْفَعُ مِنْ جَوْعَةٍ تَتْبَعُهَا.
وَآكَدُ مَا عَلَى الْمَرِيضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قُوَّةُ الْيَقِينِ وَالتَّصْدِيقُ نَحْوٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ فَيَمْشِي عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي أَنَّ الْأَشْيَاءَ لَا تُؤَثِّرُ بِذَوَاتِهَا، وَلَا بِخَاصِّيَّةٍ فِيهَا بَلْ بِمَحْضِ اعْتِقَادِهِ بِأَنَّهُ لَا فَاعِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا اللَّهُ سبحانه وتعالى وَأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِشَيْءٍ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ فِي شَيْءٍ فَالدَّوَاءُ لَا يَنْفَعُ بِنَفْسِهِ بَلْ الشِّفَاءُ وَغَيْرُهُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عز وجل يَخْلُقُهُ عِنْدَهُ إنْ شَاءَ وَيَمْنَعُهُ إنْ شَاءَ وَيُمْرِضُ بِهِ إنْ شَاءَ وَمِثْلُهُ الْخُبْزُ لَا يُشْبِعُ بِنَفْسِهِ وَالْمَاءُ لَا يَرْوِي وَالنَّارُ لَا تُحْرِقُ وَالسِّكِّينُ لَا تَقْطَعُ فَلَوْ شَاءَ عز وجل أَنْ لَا يُشْبِعَ بِالْخُبْزِ لَفَعَلَ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ لَا يَرْوِيَ بِالْمَاءِ لَفَعَلَ.
وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى لَهُ قَالَ خَرَّجَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله بِإِسْنَادِهِ إلَى «أَبِي رِمْثَةَ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِي فَرَأَى الَّتِي بِظَهْرِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أُعَالِجُهَا فَإِنِّي طَبِيبٌ؟ قَالَ: لَا أَنْتَ رَفِيقٌ وَاَللَّهُ الطَّبِيبُ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ قَالَ: «فَقَالَ لَهُ: أَرِنِي هَذِهِ الَّتِي بِظَهْرِك فَإِنِّي رَجُلٌ طَبِيبٌ؛ قَالَ: اللَّهُ الطَّبِيبُ بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا» .
قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمُعَالِجَ لِلْمَرِيضِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَإِنْ كَانَ حَاذِقًا مُتَقَدِّمًا فِي صَنْعَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحِيطُ عِلْمًا بِنَفْسِ الدَّوَاءِ وَإِنْ عَرَفَهُ وَمَيَّزَهُ فَلَا يَعْرِفُ مِقْدَارَهُ، وَلَا مِقْدَارَ مَا اسْتَوَى عَلَيْهِ مِنْ بَدَنِ الْعَلِيلِ وَقُوَّتِهِ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى مُعَالَجَتِهِ إلَّا مُصَمِّمًا عَالِمًا بِالْأَغْلَبِ مِنْ رَأْيِهِ وَفَهْمِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ فِي مَنْزِلَةِ الدَّوَاءِ كَمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي عِلْمِ الدَّاءِ فَهُوَ كَذَلِكَ رُبَّمَا يُصِيبُ وَرُبَّمَا يُخْطِئُ وَرُبَّمَا يَزِيدُ فَيَغْلُو وَرُبَّمَا يُنْقِصُ فَيَلْغُو. فَاسْمُ الرَّفِيقِ إذَنْ أَوْلَى بِهِ مِنْ اسْمِ الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَرْفُقُ بِالْعَلِيلِ فَيَحْمِيه مِمَّا يُخْشَى أَنْ لَا يَتَحَمَّلَهُ بَدَنُهُ وَبِسَقْيِهِ
مَا يَرَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ.
فَأَمَّا الطَّبِيبُ فَهُوَ الْعَالِمُ بِحَقِيقَةِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَالْقَادِرُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ وَلَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ أَحَدٌ سِوَاهُ.
ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله: فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنْ لَا طَبِيبَ، وَلَا شَافِيَ، وَلَا مُصَحِّحَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ خَلَقَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ فَهُوَ الطَّبِيبُ فَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَيَنْقَطِعُ إلَيْهِ وَيَعْتَصِمُ بِهِ وَيَلْجَأُ فِي مَرَضِهِ وَصِحَّتِهِ إلَيْهِ ثِقَةً بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ أَيَّامَ الْمَرَضِ وَأَيَّامَ الصِّحَّةِ فَلَوْ حَرَصَ الْخَلْقُ عَلَى تَقْلِيلِ ذَلِكَ أَوْ زِيَادَتِهِ لَمَا قَدَرُوا.
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] ثُمَّ يَتَنَاوَلُ الدَّوَاءَ وَيَسْتَعْمِلُهُ كَمَا يَسْتَعْمِلُ جَمِيعَ الْأَسْبَابِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ فَإِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى إنْ أَوْصَلَهُ إلَى الدَّوَاءِ بَرِئَ وَإِنْ حَجَبَهُ بِمَانِعٍ يَمْنَعُهُ وَقَدَّرَ بِمَوْتِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ. لَكِنَّهُ مَأْجُورٌ عَلَى مَا أُمِرَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ. قَالَ اللَّهُ الْعَظِيمُ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] وَقَالَ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: «قَالَتْ الْأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً إلَّا دَاءً وَاحِدًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ؟ قَالَ الْهَرَمُ» قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أَصَابَ دَوَاءٌ الدَّاءَ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى» هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي إبَاحَةِ الدَّوَاءِ وَالِاسْتِرْقَاءِ وَشُرْبِ الدَّوَاءِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي خُزَامَةَ بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَأَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا أَتَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله -
فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنْ لَا شَافِيَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ لَا شَافِيَ إلَّا أَنْتَ فَيَعْتَقِدَ الشِّفَاءَ لَهُ وَبِهِ وَمِنْهُ وَأَنَّ الْأَدْوِيَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ لَا تُوجِبُ شِفَاءً وَإِنَّمَا هِيَ أَسْبَابٌ وَوَسَائِطُ يَخْلُقُ اللَّهُ عِنْدَهَا فِعْلَهُ وَهِيَ الصِّحَّةُ الَّتِي لَا يَخْلُقُهَا أَحَدٌ سِوَاهُ فَكَيْفَ يَنْسِبُهَا عَاقِلٌ إلَى جَمَادٍ مِنْ الْأَدْوِيَةِ أَوْ سِوَاهَا، وَلَوْ شَاءَ رَبُّك لَخَلَقَ الشِّفَاءَ بِدُونِ سَبَبٍ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الدُّنْيَا دَارَ أَسْبَابٍ جَرَتْ السُّنَّةُ فِيهَا بِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ عَلَى تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم وَأَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيك وَاَللَّهُ يَشْفِيك» فَبَيَّنَ أَنَّ الرُّقْيَةَ مِنْهُ وَهِيَ سَبَبٌ لِفِعْلِ اللَّهِ وَهُوَ الشِّفَاءُ.
وَهَذِهِ هِيَ الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ أَعْنِي الرُّقَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ وَذَلِكَ سُنَّةٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ رحمه الله: يُنْهَى عَنْ الرُّقَى إذَا كَانَتْ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ أَوْ بِمَا لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كُفْرٌ.
وَلَا بَأْسَ بِالتَّدَاوِي بِالنَّشْرَةِ تُكْتَبُ فِي وَرَقٍ أَوْ إنَاءٍ نَظِيفٍ سُوَرٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ بَعْضُ سُوَرٍ أَوْ آيَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ سُورَةٍ أَوْ سُوَرٍ مِثْلُ آيَاتِ الشِّفَاءِ.
فَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ رحمه الله أَنَّ وَلَدَهُ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا قَالَ: حَتَّى أَيِسْتُ مِنْهُ وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَيَّ فَرَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ فَشَكَوْت لَهُ مَا بِوَلَدِي فَقَالَ لِي: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ آيَاتِ الشِّفَاءِ؟ فَانْتَبَهْت فَفَكَّرْت فِيهَا فَإِذَا هِيَ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14] . {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: 57] . {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] . {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] . {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] . {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44] قَالَ: فَكَتَبْتهَا فِي صَحِيفَةٍ ثُمَّ حَلَلْتهَا بِالْمَاءِ وَسَقَيْته إيَّاهَا فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ أَوْ كَمَا قَالَ وَمَا زَالَ الْأَشْيَاخُ مِنْ الْأَكَابِرِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَكْتُبُونَ الْآيَاتِ مِنْ الْقُرْآنِ
وَالْأَدْعِيَةَ فَيُسْقَوْنَهَا لِمَرْضَاهُمْ وَيَجِدُونَ الْعَافِيَةَ عَلَيْهَا.
وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيُّ رحمه الله لَا تَزَالُ الْأَوْرَاقُ لِلْحُمَّى وَلِغَيْرِهَا عَلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ فَمَنْ كَانَ بِهِ أَلَمٌ أَخَذَ وَرَقَةً مِنْهَا فَاسْتَعْمَلَهَا فَيَبْرَأُ بِإِذْنِ اللَّهِ عز وجل، وَكَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهَا (اللَّهُ أَزَلِيٌّ لَمْ يَزَلْ، وَلَا يَزَالُ يُزِيلُ الزَّوَالَ وَهُوَ لَا يُزَالُ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله أَكْثَرَ تَدَاوِيهِ بِالنَّشْرَةِ يَعْمَلُهَا لِنَفْسِهِ وَلِأَوْلَادِهِ وَلِأَصْحَابِهِ فَيَجِدُونَ عَلَى ذَلِكَ الشِّفَاءَ. وَأَخْبَرَ رحمه الله أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا لَهُ فِي الْمَنَامِ. ثُمَّ أَخْبَرَ مَرَّةً ثَانِيَةً أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: مَا تَعْلَمُ مَا أَعْمَلُهُ مَعَك وَمَعَ أَصْحَابِك فِي هَذِهِ النَّشْرَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ خَادِمُهُ رحمه الله. وَهِيَ هَذِهِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] إلَى آخِرِ السُّورَةِ. {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] . {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر: 21] إلَى آخِرِ السُّورَةِ. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] كَامِلَةً. وَالْمُعَوِّذَتَانِ ثُمَّ تَكْتُبُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمُحْيِي وَأَنْتَ الْمُمِيتُ وَأَنْتَ الْخَالِقُ وَأَنْتَ الْبَارِئُ وَأَنْتَ الْمُبْتَلِي وَأَنْتَ الْمُعَافِي وَأَنْتَ الشَّافِي خَلَقْتنَا مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ وَجَعَلْتنَا فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَسْمَائِك الْحُسْنَى وَصِفَاتِك الْعُلْيَا يَا مَنْ بِيَدِهِ الِابْتِلَاءُ وَالْمُعَافَاةُ وَالشِّفَاءُ وَالدَّوَاءُ.
أَسْأَلُك بِمُعْجِزَاتِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَبَرَكَاتِ خَلِيلِك إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام وَحُرْمَةِ كَلِيمِك مُوسَى عليه الصلاة والسلام اشْفِهِ) وَأَعْطَاهُ عليه الصلاة والسلام نَشْرَةً أُخْرَى لِلْعَيْنِ وَهَذِهِ نُسْخَتُهَا تَكْتُبُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا ضُرَّ إلَّا ضُرُّك، وَلَا نَفْعَ إلَّا نَفْعُك، وَلَا ابْتِلَاءَ إلَّا ابْتِلَاؤُك، وَلَا مُعَافَاةَ إلَّا مُعَافَاتُك فَأَنْت الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا يُجَاوِزُك ظُلْمُ ظَالِمٍ مِنْ إنْسٍ، وَلَا جِنٍّ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِك التَّامَّةِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ، وَلَا فَاجِرٌ مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ أَسْأَلُك بِصِفَاتِك الْعُلْيَا الَّتِي لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى وَصْفِهَا وَبِأَسْمَائِك الْحُسْنَى الَّتِي لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُحْصِيَهَا وَأَسْأَلُك بِذَاتِك
الْجَلِيلَةِ وَنُورِ وَجْهِك الْكَرِيمِ وَبَرَكَاتِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَاتَمِ أَنْبِيَائِك أَنْ تَشْفِيَهُ وَتُعَافِيَهُ وَتَرُدَّ مَا بِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَكْمَلَ.
وَصِفَةُ اسْتِعْمَالِهَا أَنْ يُكْتَبَ بِزَعْفَرَانٍ فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ أَوْ فِي وَرَقَةٍ ثُمَّ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ بِالْمَاءِ أَوْ تُحَلُّ الْوَرَقَةُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَشْرَبُ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى الرِّيقِ ثُمَّ يَجْعَلُ يَدَيْهِ فِي الْبَلَلِ الَّذِي بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا مَا أَمْكَنَهُ مِنْ بَدَنِهِ.
وَقَدْ مَرِضَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَمِي إلَى الشَّيْخِ رحمه الله وَكَانَ يَرَى فِي مَنَامِهِ أَشْيَاءَ تُرَوِّعُهُ وَيَفْزَعُ مِنْهَا فَشَكَا إلَيْهِ رحمه الله مَا بِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ نَشْرَةً فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ بِزَعْفَرَانٍ وَيَشْرَبَهَا عَلَى الرِّيقِ وَهِيَ لِلسِّحْرِ وَالْغَمِّ وَالْأَمْرَاضِ. وَهَذِهِ نُسْخَتُهَا (تُكْتَبُ سُورَةُ يس وَالْوَاقِعَةِ وَالْفَاتِحَةِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَانِ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ وَآمَنَ الرَّسُولُ إلَى آخِرِ الْبَقَرَةِ وَقُلْ {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] فَإِذَا شَرِبَهَا يَأْخُذُ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً بَعْدَ أَنْ يَرْقِيَهَا بِرُقْيَةِ الزَّيْتِ الْمَرْقِيِّ وَيَأْكُلَهَا فَإِنَّ السِّحْرَ يَذْهَبُ عَنْهُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالزَّيْتُ الْمَرْقِيُّ صِفَتُهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الزَّيْتِ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَهُ فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ وَيَأْخُذَ عُودًا أَوْ غَيْرَهُ وَيُحَرِّكَ بِهِ الزَّيْتَ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ. وَ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ} [التوبة: 128] إلَى آخِرِ السُّورَةِ. {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] وَ {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر: 21] إلَى آخِرِ السُّورَةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَيَكْتُبُ لَهُ مَعَ هَذِهِ النَّشْرَةِ حِرْزًا يُعَلِّقُهُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ نُسْخَتُهُ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] إلَى آخِرِهَا. {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256] . {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ} [البقرة: 285] إلَى آخِرِ السُّورَةِ. {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] . {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] إلَى آخِرِ السُّورَةِ