الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَبَبُهُ مُخَالَفَةُ لِسَانِ الْعِلْمِ أَوَّلًا وَهَذَا التَّنْبِيهُ كَافٍ لِمَنْ فِيهِ عُرُوبِيَّةٌ وَغَيْرَةٌ إسْلَامِيَّةٌ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْفَرَّانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
ِ فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ نِيَّتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ صَاحِبِ الطَّاحُونِ فَكُلُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ حُسْنِ النِّيَّاتِ فَمِثْلُهُ هُنَا. لَكِنْ يَحْذَرُ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ السُّفَهَاءِ مِنْهُمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَحْمُونَ الْفُرْنَ بِالنَّجَاسَةِ كَأَرْوَاثِ الْحَمِيرِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَيَتَنَجَّسُ الْفُرْنُ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، ثُمَّ إنَّهُ إذَا أَحْمَى الْفُرْنَ رَدَّ النَّارَ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ يَأْخُذُ الْمِمْسَحَةَ الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا وَهِيَ مَبْلُولَةٌ بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِبَلِّهَا فِيهِ فَيَمْسَحُ أَرْضَ الْفُرْنِ بِهَا فَيَزِيدُ الْفُرْنَ بِهَا تَنْجِيسًا ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَتُنَجِّسُهُ وَهَذَا إنْ كَانَ الْمَاءُ أَوَّلًا طَهُورًا ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ أَنْ تَبَتَّلَ يَدُهُ بِمَسِّهِ لِلْمِمْسَحَةِ وَبِذَلِكَ الْمَاءِ يَتَنَاوَلُ الْعَجِينَ بِيَدِهِ قَبْلَ غَسْلِهَا مِمَّا أَصَابَهَا مِنْ ذَلِكَ وَبَعْضُهُمْ يَغْسِلُ يَدَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَيَمَسُّ بِهَا الْعَجِينَ حِينَ تَنَاوُلِهِ لِرَمْيِهِ فِي الْفُرْنِ فَيَزِيدُهُ تَنْجِيسًا ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْعَجِينِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَهُوَ فِي دَاخِلِ الْفُرْنِ فَيُطْعِمُ النَّاسَ الْخُبْزَ الْمُتَنَجِّسَ.
وَطَرِيقُ السَّلَامَةِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْمِيَ الْفُرْنَ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ مِثْلَ الْحَلْفَاءِ وَالْقَشِّ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاهِرَاتِ. وَيَجُوزُ حَمْوُهُ بِأَرْوَاثِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَيَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ فِي أَرْوَاثِ الْخَيْلِ وَأَبْوَالِهَا وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَكْلِ لُحُومِهَا وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ بِالْجَوَازِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الْخَبْزُ بِأَرْوَاثِهَا، وَقَوْلٌ ثَانٍ بِالْمَنْعِ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ، وَقَوْلٌ ثَالِثٌ بِالْكَرَاهَةِ وَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ وَأَمَّا الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَأَرْوَاثُهَا نَجِسَةٌ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَمَنْ وَافَقَهُ فَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ. وَيَا لَيْتَهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله. وَإِذَا كَانَ
ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا أَحْمَى الْفُرْنَ بِالطَّاهِرَاتِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ مُصَانٌ مِمَّنْ لَا يَتَحَفَّظُ فَإِذَا أَرَادَ تَنَاوُلَ الْعَجِينَ فَلْيَنْظُرْ أَوَّلًا إنْ كَانَتْ أَصَابَتْ يَدَهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا فَإِنْ أَصَابَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ غَسْلُ يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ طَاهِرَةً وَتَعَلَّقَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ كَالْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ وَالْعَرَقِ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَسْلُهَا أَيْضًا إذْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِقْذَارِ وَصَاحِبُ الْعَجِينِ لَوْ أَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْعَجِينَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَئُولُ أَمْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَغُشُّ إخْوَانَهُ الْمُسْلِمِينَ وَيَأْكُلُ الْحَرَامَ وَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ تِلْكَ النِّيَّاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْلِعَ صَاحِبَ الْخُبْزِ عَلَى مَا جَرَى فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُغَرِّمَهُ لَهُ.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الَّذِي يَبُلُّ فِيهِ الْمِمْسَحَةَ طَاهِرًا نَظِيفًا أَوَّلًا وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ طَهُورًا ثُمَّ لَا يُبَالِي بَعْدَ ذَلِكَ بِإِضَافَتِهِ مِمَّا أَصَابَهُ مِنْ الْمِمْسَحَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَقْذَرًا وَيَحْذَرُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ وَمُسْتَقْذَرٌ بِالسَّوَادِ الَّذِي فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى يَدِهِ نَجَاسَةٌ فَأَدْخَلَهَا فِيهِ وَغَسَلَهَا مِنْهُ لَا تَطْهُرُ بِذَلِكَ الْمَاءِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبُلَّ الْمِمْسَحَةَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ
(فَصْلٌ) وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَلَى الْخُبْزِ إذَا حَصَلَ فِي الْفُرْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ::
أَحَدُهَا - أَنْ يَحْتَرِقَ.
الثَّانِي - أَنْ تَقْوَى عَلَيْهِ النَّارُ وَلَمْ تُحْرِقْهُ كَالْأَوَّلِ.
الثَّالِثُ - أَنْ لَا يُخْرِجَهُ وَهُوَ عَجِينٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَضُرُّ بِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ.
فَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ فَفِيهِمَا إضَاعَةُ مَالٍ؛ لِأَنَّ النَّارَ قَدْ زَادَتْ فِي جَفَافِهَا عَنْ الرُّطُوبَةِ الْمُعْتَدِلَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالصَّبِيَّ الصَّغِيرَ وَالْمَرِيضَ وَمَنْ بِهِ وَجَعٌ فِي أَسْنَانِهِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ أَكْلُهُ. وَفِيهِ ضَرَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يُمْسِكُ الطَّبْعَ وَقَدْ يَحْتَاجُ بَعْضُ مَنْ يَتَنَاوَلُهُ إلَى الدَّوَاءِ وَالطَّبِيبِ بِسَبَبِ
أَكْلِهِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا أَخْرَجَهُ وَفِيهِ بَعْضُ عُجُونَةٌ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَكَلَهُ يَتَوَلَّدُ فِي بَطْنِهِ دُودٌ لِعُفُونَتِهِ فَيَتَوَلَّدُ مِنْهَا أَمْرَاضٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْأَدْوِيَةِ وَالطَّبِيبِ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ. وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِ الْخُبْزِ خُبْزَهُ إذَا أَصَابَهُ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَيَرُدُّهُ إلَى الْفُرْنِ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْطِي الْأُجْرَةَ لِلصَّانِعِ إلَّا أَنْ يُحْكِمَ صَنْعَتَهُ. وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْخُبْزِ إذَا وَقَعَ لَهُ فِي خُبْزِهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ وَكَانَ ذَلِكَ نَادِرًا أَنْ يُسَامِحَ الصَّانِعَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُغَرِّمَهُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ شَأْنُهُ فَلَهُ اتِّسَاعٌ فِي تَغْرِيمِهِ وَتَرْكِهِ فَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْخُبْزِ الْمُحْتَرِقِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَأْخُذَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَئِذٍ إنْ لَوْ كَانَ سَالِمًا مِنْ حَرْقِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَوْ أَرَادَ الْفَرَّانُ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ وَيَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَغْرَاضَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فِي تَحْصِيلِ أَقْوَاتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَخْتَلِطَ خُبْزُ النَّاسِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ
(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ أَنْ لَا يَخْبِزَ إلَّا فِي فُرْنِ خُبْزِ الْعَلَّامَةِ فَلْيَفْعَلْ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُمْ لَا يُحْمُونَ الْفُرْنَ إلَّا بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ بِخِلَافِ الْفُرْنِ الَّذِي يُخْبَزُ فِيهِ خُبْزُ الْبَيْتِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا لُبَابَ الرَّغِيفِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي يَدِ الْفَرَّانِ حِينَ يَرْمِيهِ فِي الْفُرْنِ إذْ إنَّ الْغَالِبَ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ عَدَمُ الِاحْتِرَازِ.
وَالْعَجَبُ مِنْهُمْ كَيْفَ يَخْبِزُونَ بِالْأَشْيَاءِ النَّجِسَةِ وَهِيَ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا، وَلَا بَيْعُهَا وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَهَا إلَّا بِالْعِوَضِ لِأَجْلِ أَنَّ عِوَضَهَا عِنْدَهُمْ يَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ لِثَمَنِ الطَّاهِرَاتِ
وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا بَعْضُهُمْ حُبُّ الدُّنْيَا، إذْ إنَّهُمْ بِحُبِّهَا شَحُّوا بِثَمَنِ مَا يُوقِدُونَهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَمَا نَحَا نَحْوَهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ»
ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يَرَى مَا يَفْعَلُونَهُ أَوْ يَسْمَعُ بِهِ مَنْ هُوَ ثِقَةٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّغْيِيرِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَفْعَلْ