الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُمْ فَيَنْفَعُهُمْ فِي الْحَالَيْنِ مَعًا.
[فَصْلٌ زِيَارَةَ التاجر لِلْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ]
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ زِيَارَةَ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مِمَّنْ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ الَّتِي هُوَ مُتَو مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَوْجُودًا فِي طَرِيقِهِ لِاغْتِنَامِ فَضِيلَةِ رُؤْيَتِهِمْ وَالتَّبَرُّكِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُوجَدُونَ فِي إقْلِيمٍ دُونَ إقْلِيمٍ وَيَكْثُرُونَ فِي مَوْضِعٍ دُونَ آخَرَ فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ وَوَجَدَ السَّبِيلَ إلَيْهِ حَصَلَ لَهُ أَجْرُ النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ مَعًا وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ مَانِعٌ حَصَلَ لَهُ أَجْرُ النِّيَّةِ. وَقَدْ وَرَدَ «مَنْ خَرَجَ يَزُورُ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ مَلَكًا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ» فَتَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فِيهَا بِغَيْرِ تَعَبٍ، وَلَا نَصَبٍ.
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ زِيَارَةَ قُبُورِ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَرَّ بِهِ أَوْ دَخَلَهُ إنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُقَدِّمُ زِيَارَةَ الْأَحْيَاءِ عَلَى زِيَارَةِ الْأَمْوَاتِ إذْ إنَّ حَقَّهُمْ مُتَعَيَّنٌ فِي وَقْتِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ فَلَوْ مَرَّ بِالْقُبُورِ أَوَّلًا بَدَأَ بِزِيَارَةِ أَهْلِهَا وَيَمْتَثِلُ السُّنَّةَ فِيمَا يَفْعَلُهُ هُنَاكَ مِنْ السَّلَامِ وَالتَّرَحُّمِ وَالدُّعَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَإِنْ كَانَ فِي الْقُبُورِ مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا بَدَأَ بِهِ إذْ إنَّهُ رَحِمٌ. لِمَا نُقِلَ فِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: مَعْرِفَةُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا رَحِمٌ وَصَلَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَهُ وَقَطَعَ مَنْ قَطَعَهُ.
[فَصْلٌ التاجر إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ أَنْ يَنْوِيَ السِّيَاحَةَ فِي أَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى]
(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ أَنْ يَنْوِيَ السِّيَاحَةَ فِي أَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يَنْظُرَ وَيَعْتَبِرَ فِي اخْتِلَافِ الْأَرْضِ وَبِقَاعِهَا وَسَهْلِهَا وَوَعْرِهَا وَتَفَجُّرِ الْأَنْهَارِ مِنْهَا وَجَرْيِهَا وَآثَارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَمَا جَرَى لَهُمْ وَكَيْفَ صَارُوا خَبَرًا وَأَثَرًا بَعْدَ أَنْ كَانُوا رُؤْيَةً وَنَظَرًا.
وَكَذَلِكَ يَعْتَبِرُ بِالنَّظَرِ إلَى اخْتِلَافِ سَاكِنِيهَا فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ وَالْأَلْوَانِ وَاللُّغَاتِ الْمُخْتَلِفَاتِ وَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْعَوَائِدِ وَالْعَجَائِبِ.
[فَصْلٌ أَنْ يَنْوِيَ فِي سَفَرِهِ الْخَلْوَةَ عَنْ النَّاسِ]
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ فِي سَفَرِهِ الْخَلْوَةَ عَنْ النَّاسِ وَفِي الْخَلْوَةِ مِنْ الْفَوَائِدِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إذْ إنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْخَلْوَةِ غَالِبًا إذْ إنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَخْلُو حَالُهُ
مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا فَالْمَاشِي الْخَلْوَةُ حَاصِلَةٌ لَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَهُمَا يَتَكَلَّمَانِ فِي الْعُلُومِ أَوْ الْأَعْمَالِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَلْوَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ وَالْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي فَإِنْ تَوَقَّعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَالْخَلْوَةُ أَوْجَبُ وَلْيَأْخُذْ طَرِيقًا غَيْرَ تِلْكَ أَعْنِي أَنَّهُ يَبْعُدُ عَمَّنْ هَذَا حَالُهُ وَلَكِنْ يَخْلُو بِنَفْسِهِ مَعَ رَبِّهِ عز وجل.
وَأَمَّا إنْ كَانَ رَاكِبًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحْمَلٍ وَمَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ هُوَ رَاكِبٌ وَحْدَهُ أَوْ هُوَ رَاكِبٌ فِي الْبَحْرِ فَإِنْ كَانَ رَاكِبًا وَحْدَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاشِي سَوَاءً بِسَوَاءٍ. وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا فِي مَحْمَلٍ مَعَ رَفِيقٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْمَاشِي مَعَ رَفِيقٍ فَإِنْ تَوَقَّعَ ضِدَّ مَا ذُكِرَ فَالِاشْتِغَالُ عَنْهُ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ مُتَعَيَّنٌ، وَلَوْ جَهَرًا بَلْ الْجَهْرُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ يَنْقَطِعُ كَلَامُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَقَدْ يَقْتَدِي بِهِ فَيُؤْجَرُ هَذَا إنْ كَانَ الرَّفِيقُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَوْرَادِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْآخَرُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَمَلِ فَالْإِسْرَارُ فِي حَقِّهِ مُتَعَيَّنٌ لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ بِسَبِيلِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالْخَيْرِ.
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَضْيِيعٌ لِلزَّمَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سَفَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ عز وجل وَهَذَا يُنَافِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَطَالَةِ الْوَقْتِ وَالْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي غَالِبًا.
، وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ الْمَاشِي وَالرَّاكِبُ مِنْ رَمْيِ الطُّيُورِ بِالْبُنْدُقِ وَالْمَقَالِيعِ وَالْحَذْفِ بِالْحَجَرِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيهَا، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهَا بِهِ مَا لَمْ تُدْرَكُ ذَكَاتُهَا مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِيهَا وَهُوَ نَادِرٌ قَلَّ أَنْ يَقَعَ؛ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّمْيَ بِالسِّهَامِ فَذَلِكَ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عَلَى مَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا مِنْ الشُّرُوطِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا انْتَفَعَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا آثَرَ بِهَا مَنْ يَحْتَاجُهَا فَلَهُ الثَّوَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَا يَشْتَغِلُ بِالْحِكَايَاتِ الْمُضْحِكَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَضْيِيعٌ لِلْوَقْتِ وَسَفَرُهُ إنَّمَا
نَوَاهُ لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَشُوبُهُ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ رَاكِبًا فِي الْبَحْرِ فَيَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِالطَّاعَةِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ إذْ إنَّهُ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ لِأَجْلِ مَا يُتَوَقَّعُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْأَهْوَالِ وَالْأَخْطَارِ مِمَّا جَرَى فِيهِ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ لِيَحْجِزَهُ عَنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِي وَيَحُثَّهُ عَلَى دَوَامِ الْإِقْبَالِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ عز وجل بِتِلَاوَةِ كِتَابِهِ وَذِكْرِهِ سبحانه وتعالى، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى صِحَّةِ نِيَّتِهِ وَعَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ فَلَا يُدَنِّسُهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُنَاسِبُهُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ فِي أَوَانِ الْخَوْفِ مِنْهُ غَالِبًا فَلَوْ رَكِبَهُ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ رُكُوبُهُ فِيهِ ثُمَّ هَاجَ عَلَيْهِ فَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى تَجْدِيدِ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ فِي الْمَرْكَبِ وَالرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى بِالضَّرَاعَةِ وَالِاسْتِكَانَةِ إذْ لَعَلَّ مَا أَصَابَهُمْ يَكُونُ بِسَبَبِ ذَنْبٍ وَاقَعَهُ بَعْضُهُمْ عُوقِبَ الْجَمِيعُ بِهِ فَإِذَا حَصَلَتْ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ وَالِاضْطِرَارُ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَمْتَثِلُونَ السُّنَّةَ فِي إخْرَاجِ الصَّدَقَةِ بِنِيَّةِ رَفْعِ هَذِهِ الشِّدَّةِ عَنْهُمْ فَيُعْطُونَهَا لِفُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ قَوِيَ الرَّجَاءُ فِي خَلَاصِهِمْ وَإِغَاثَتِهِمْ.
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكْتُبُ الصَّدَقَةَ الَّتِي تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِإِخْرَاجِهَا دُونَ أَنْ يُعْطُوهَا لِأَحَدٍ إذْ ذَاكَ مِنْ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ مَعَهُمْ بَلْ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الْبَلَدِ فَإِذَا وَصَلُوا إلَيْهَا اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُمْ فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُبْطِئُ بِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ بَعْضَهَا وَيُمْسِكُ بَعْضَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُخْرِجُ هَذَا وَلَا هَذَا، وَهَذَا أَمْرٌ شَنِيعٌ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ تَعَمَّرَتْ بِحَقِّ الْفُقَرَاءِ فَمَنْ لَمْ يُخْرِجْ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَقِيَتْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مِنْهُ بَرِيئَةً فَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ الْجَمِيعَ أَخْرَجُوا مَا ذَكَرُوهُ بَعْدَ وُصُولِهِمْ إلَى الْبَلَدِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ النَّذْرِ. وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «وَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَا كُشِفَ عَنْهُمْ فِي الْمَرْكَبِ إنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ فَضْلِ اللَّهِ لَا بِسَبَبِ صَدَقَتِهِمْ.
وَقَدْ وَقَعَ بِنَا بَعْضُ هَذَا فِي الْمَرْكَبِ الَّذِي جِئْنَا فِيهِ
مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ فَكَتَبَ النَّاسُ الصَّدَقَةَ عَلَى عَادَتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فَبَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى حَالِهِ مِنْ الشِّدَّةِ فَشَكَا أَهْلُ الْمَرْكَبِ ذَلِكَ لِسَيِّدِي مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيِّ رحمه الله وَكُنَّا فِي السَّفَرِ مَعَهُ وَفِي خَفَارَتِهِ وَحَصَلَتْ لَنَا النَّجَاةُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ بِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْ شَكَا النَّاسُ إلَيْهِ مَا أَصَابَهُمْ أَمَرَهُمْ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ التَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ وَالصَّدَقَةِ فَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا؛ فَقَالَ: وَأَيْنَ هِيَ الصَّدَقَةُ؟ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا جَرَى؛ فَقَالَ: لَا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا عَلَيْهِمْ الطَّلَبَ ثَانِيَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَذْكُرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا إلَّا وَيُعْطِيهِ الْآنَ فَجُمِعَتْ الصَّدَقَةُ وَجُعِلَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَفَرَّقَهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْمَرْكَبِ فَطَابَ الْوَقْتُ وَهَدَأَ الْبَحْرُ وَجَاءَتْ الرِّيحُ الْمُوَافِقَةُ فَلَمْ تَزَلْ مُسْتَمِرَّةً حَتَّى وَصَلْنَا إلَى الْمَقْصِدِ سَالِمِينَ وَسَبَبُ ذَلِكَ بَرَكَةُ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَالِاهْتِدَاءُ بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَشَايِخِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ رَحْمَةً عَامَّةً لِلْعَامِلِينَ، وَالْكُلُّ مُتَوَسِّلُونَ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لَا يَحْرِمَنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمْ وَرَأْيِهِمْ وَنَظَرِهِمْ إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ.
(فَصْلٌ) فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْبَلْدَةِ الَّتِي أَرَادَهَا أَوْ طَلَعَ إلَى بَلْدَةٍ يُرِيدُ الْبَيْعَ فِيهَا أَوْ الشِّرَاءَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُقِيمُ بِهَا فَيَحْتَاجُ إذْ ذَاكَ أَنْ يَبْدَأَ بِبَيْتِ رَبِّهِ عز وجل فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ مَا يَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِمَادُ الدِّينِ وَبِهَا قِوَامُهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ حَصَلَتْ لَهُ خِصَالٌ حَمِيدَةٌ: مِنْهَا امْتِثَالُ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا دَخَلَ إلَى بَلَدٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ» وَمِنْهَا مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ زِيَارَةِ بَيْتِ رَبِّهِ.
وَمِنْهَا الصَّلَاةُ فِيهِ.
وَمِنْهَا عَدَمُ الِاسْتِشْرَافِ لِلْأَسْوَاقِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى تَخْلِيصِ نِيَّتِهِ فِي نُصْحِهِ لِنَفْسِهِ وَسَلَامَتِهَا وَنُصْحِ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَبِيعُهُ لَهُمْ وَيَشْتَرِيهِ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ الَّتِي يَبِيعُهَا لَهُمْ فِيهَا عَيْبٌ مَا فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُبَيِّنَهُ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ التَّفْصِيلَةُ قَصِيرَةً أَوْ فِيهَا أَرْشٌ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ وَتَرْكُهُ مِنْ بَابِ الْغِشِّ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»