الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الطَّبِيبِ مَنْ هُوَ مُبَاشِرٌ لِلْمَرِيضِ وَعَالِمٌ بِحَالِ مَرَضِهِ وَالْمَرِيضُ لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ فَلَا بَأْسَ إذَنْ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّبِيبُ أَمِينًا عَلَى أَسْرَارِ الْمَرْضَى فَلَا يُطْلِعُ أَحَدًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَرِيضُ إذْ إنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي اطِّلَاعِ غَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ أَذِنَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ الْمَرِيضِ فِي أَمْرِهِ بِذَلِكَ اسْتِجْلَابَ خَوَاطِرِ الْإِخْوَانِ وَمَنْ يَتَبَرَّكُ بِدُعَائِهِ لَهُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ فَهَذَا مُسْتَثْنًى مِمَّا تَقَدَّمَ.
وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يُشَهِّيَ الْمَرِيضَ فِي الْأَغْذِيَةِ ثُمَّ يَنْظُرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمَرِيضُ فَإِنْ رَأَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَنْفَعَةً لَهُ أَوْ عَدَمَ ضَرَرٍ يَعُودُ عَلَيْهِ حَالًا أَوْ مَآلًا وَسَّعَ لَهُ فِيهِ وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ، وَلَا نَفْعٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُسَامِحَهُ فِيهِ فَرُبَّمَا اشْتَهَتْ نَفْسُ الْمَرِيضِ شَيْئًا وَيَكُونُ سَبَبًا لِرَاحَتِهَا وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَإِنْ رَأَى أَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَدَلَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَتَلَطَّفَ بِالْمَرِيضِ فِي مَنْعِهِ لَهُ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَعِدُهُ بِهِ عَنْ قَرِيبٍ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهِ وَلِئَلَّا يَنْزَعِجَ فَيَزِيدَ مَرَضُهُ.
وَيُقَالُ: إنَّ النَّفْسَ أَعْرَفُ بِمَا يُصْلِحُهَا مِنْ الطَّبِيبِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَيَكُونُ الطَّبِيبُ يُرَاعِي هَذَا الْمَعْنَى وَمَا أَشْبَهَهُ مَعَ وُجُودِ التَّلَطُّفِ بِالْمَرِيضِ وَالْإِشْفَاقِ عَلَيْهِ. فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يُرْجَعُ إلَيْهِ وَيُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اللَّهُ الطَّبِيبُ، بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الْمَرِيضِ فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا أَعْطَاهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَإِنْ كَثُرَتْ النَّفَقَةُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَعْطَاهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ مَا تَصِلُ قُدْرَتُهُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ وَلَا مَشَقَّةٍ، وَهَذَا النَّوْعُ مَوْجُودٌ كَثِيرٌ
[فَصْلٌ عَلَى الطَّبِيبِ حِينَ جُلُوسِهِ عِنْدَ الْمَرِيضِ أَنْ يَتَأَنَّى عَلَيْهِ]
(فَصْلٌ) وَمِنْ آكَدِ مَا عَلَى الطَّبِيبِ حِينَ جُلُوسِهِ عِنْدَ الْمَرِيضِ أَنْ يَتَأَنَّى عَلَيْهِ بَعْدَ سُؤَالِهِ لَهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ الْمَرِيضُ بِحَالِهِ ثُمَّ يُعِيدَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ رُبَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ بِمَا هُوَ فِيهِ لِجَهْلِهِ بِهِ أَوْ لِشُغْلِهِ بِقُوَّةِ أَلَمِهِ وَإِنْ كَانَ الطَّبِيبُ عَارِفًا بِالْمَرَضِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْهُ فَيَتَأَنَّى عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ.
وَذَلِكَ
بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُ الْأَطِبَّاءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُمْ لَا يُمْهِلُونَ عَلَى الْمَرِيضِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ ذِكْرِ حَالِهِ لَهُ بَلْ عِنْدَ مَا يَشْرَعُ فِي ذِكْرِ حَالِهِ يُجِيبُ الطَّبِيبُ وَيَكْتُبُ وَالْمَرِيضُ بَعْدُ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ ذِكْرِ حَالِهِ لَهُ ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ يَزْعُمُ بِرَأْيِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ قُوَّةِ الْمَعْرِفَةِ وَالْحِذْقِ وَكَثْرَةِ الدِّرَايَةِ بِالصِّنَاعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَجَلَةَ فِي حَقِّ غَيْرِ الطَّبِيبِ قَبِيحَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا لِآدَابِ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ فَكَيْفَ بِهَا فِي حَقِّ الطَّبِيبِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَ الْمَرِيضِ إلَى آخِرِهِ فَلَعَلَّ آخِرَهُ يَنْقُضُ أَوَّلَهُ أَوْ بَعْضَهُ وَلَرُبَّمَا غَلِطَ الْمَرِيضُ فِي ذِكْرِ حَالِهِ أَوْ عَجَزَ عَنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ الطَّبِيبُ مِمَّنْ يَتَأَنَّى عَلَى الْمَرِيضِ وَيُعِيدُ عَلَيْهِ السُّؤَالَ بِرِفْقٍ وَتَلَطُّفٍ أَمِنَ مِنْ الْغَلَطِ فَإِنَّ الْغَلَطَ فِي هَذَا خَطَرٌ، إذْ إنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَأَصْلُ الطِّبِّ كُلِّهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مَعْرِفَةُ الْمَرَضِ فَإِذَا عُرِفَ الْمَرَضُ سَهُلَ تَدَاوِيهِ فِي الْغَالِبِ فَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى يَتَعَيَّنُ عَلَى الطَّبِيبِ التَّرَبُّصُ وَالتَّأَنِّي لَعَلَّهُ يَعْرِفُ الْمَرَضَ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ تَخْمِينٍ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الطَّبِيبِ إنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ الْمَرَضَ أَوْ عَرَفَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِدَوَائِهِ أَنْ لَا يَكْتُبَ أَوْرَاقًا بِأَشْرِبَةٍ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ.
وَقَدْ وَقَعَ لِي مَعَ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ إلَيَّ فِي مَرَضٍ كَانَ بِي وَيَصِفُ أَشْرِبَةً وَأَدْوِيَةً يُنْفَقُ فِيهَا نَفَقَةٌ جَيِّدَةٌ فَطَالَ الْأَمْرُ عَلَيَّ فَقَطَعْته وَعَوَّضْت مَوْضِعَ تِلْكَ النَّفَقَةِ خُبْزًا أَتَصَدَّقُ بِهِ بِنِيَّةِ امْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي دَفْعِ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَمَا كَانَ إلَّا قَلِيلٌ وَفَرَّجَ اللَّهُ عَنِّي وَحَصَلَتْ الْعَافِيَةُ. فَلَمَّا أَنْ خَرَجْت لَقِيت الطَّبِيبَ فَسَأَلْته عَمَّا كَانَ يَكْتُبُهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَأَيُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ فِيهَا لِذَلِكَ الْمَرَضِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا فِيهَا شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ يَقْبُحُ بِالطَّبِيبِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ الْمَرِيضِ، وَلَا يَصِفُ لَهُ شَيْئًا؛ لِئَلَّا يُوحِشَهُ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْ بَابِ إضَاعَةِ الْمَالِ.
وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَرِيضُ فَقِيرًا فَمَنْعٌ عَلَى مَنْعٍ. وَهَذَا إنْ كَانَ مَا وَصَفَهُ لَا يَقَعُ بِسَبَبِهِ ضَرَرٌ لِلْمَرِيضِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيُمْنَعُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يَسْأَلَ