الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهَا لِلْجَمَاعَةِ فَجَاءَ عَلَى الْعَادَةِ إلَى بَيْتِهِ لِيَنْظُرَ الْمَسْأَلَةَ فَدَقَّ الْبَابَ فَخَرَجَتْ لَهُ جَارِيَةُ زَوْجَتِهِ الَّتِي رَبَّتْهَا فَفَتَحَتْ لَهُ الْبَابَ فَسَأَلَهَا أَيْنَ فُلَانَةُ " يَعْنِي زَوْجَتَهُ "؟ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا فِي الْحَمَّامِ؛ فَقَالَ لَهَا: اُدْخُلِي الْبَيْتَ وَعُدِّي الْكُتُبَ مِنْ الصَّفِّ الْفُلَانِيِّ فَإِذَا وَصَلْت فِي الْعَدِّ إلَى الْجُزْءِ الْفُلَانِيِّ فَأْتِينِي بِهِ؛ فَقَالَتْ لَهُ: أَلَا تَدْخُلُ فَتَأْخُذُ حَاجَتَك، فَقَالَ لَهَا: وَكَيْفَ أَدْخُلُ وَأَنْتِ فِي الْبَيْتِ؛ فَقَالَتْ لَهُ: أَمِّنِي تَخَافُ؟ فَقَالَ لَهَا: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَخْلُوَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ» وَأَنَا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ وَأَنْتِ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يُمْكِنُنِي الدُّخُولُ أَوْ كَمَا قَالَ. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى كِبَرِ سِنِّ هَذَا السَّيِّدِ وَعَمَلِهِ وَصَلَاحِهِ وَإِسَاءَةِ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ فَأَيْنَ الْحَالُ مِنْ الْحَالِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.
[فَصْلٌ فِي الْمُزَيِّنِ]
وَأَمَّا الْمُزَيِّنُ فَمَفَاسِدُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْغَالِبِ إلَّا عِنْدَ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ السَّقَّاءَ وَالْكَتَّانِيَّ يُمْكِنُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَأْخُذَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ اجْتِمَاعِهَا بِهِمَا بِخِلَافِ الْمُزَيِّنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ لَهَا فَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَيْتِ وَحْدَهَا فَتَعْظُمُ الْمَفَاسِدُ وَيَكْثُرُ الْخَطَرُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُزَيِّنِ أَنْ يَدْخُلَ إلَى بَيْتٍ يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا غَيْرُهَا فِيهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ جَمَاعَةِ نِسَاءٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا هِيَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ إلَّا بِحَضْرَةِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً أَمِينًا وَيَغُضَّ طَرْفَهُ مَهْمَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يَنْظُرَ إلَّا لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ هِيَ. وَيَنْوِي بِمَا يُحَاوِلُهُ مِنْ صَنْعَتِهِ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَأَنْ يُسْقِطَ الْحَرَجَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَيَنْوِي مَعَ ذَلِكَ إعَانَةَ الْمَلْهُوفِينَ وَالْمُضْطَرِّينَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَهْجُمُ عَلَى بَعْضِهِمْ الدَّمُ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ لِوَقْتِهِ وَإِلَّا أَفْضَى بِهِ إلَى الْمَوْتِ. وَيَنْوِي مَعَ ذَلِكَ إعَانَةَ إخْوَانِهِ عَلَى امْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي التَّدَاوِي بِإِخْرَاجِ الدَّمِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ» وَعَدَّ فِيهَا
شَرْطَةَ مِحْجَمٍ. وَيَنْوِي مَعَ ذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ نِيَّةِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فِي خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ وَرُجُوعِهِ إلَيْهِ وَتَلَبُّسُهُ بِهَذِهِ النِّيَّاتِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ إذَا بَدَا لَهُ، وَلَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا. وَيَنْبَغِي مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى بَلْ الْأَوْجَبُ أَنْ تَكُونَ لِلنِّسَاءِ صَانِعَةٌ مُسْلِمَةٌ مُتَجَالَّةٌ تَفْعَلُ لَهُنَّ فِعْلَ الْمُزَيِّنِ حَتَّى لَا يَضْطَرَّهُنَّ الْأَمْرُ إلَيْهِ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَالصِّبْيَانُ الْمَأْمُونُونَ الَّذِينَ هُمْ دُونَ مُرَاهَقَةِ الْبُلُوغِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَاَلَّذِينَ مِنْ الشُّيُوخِ وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ عَدَمِ الْخَلْوَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَإِذَا كَانَتْ الصَّانِعَةُ هِيَ الَّتِي تُبَاشِرُ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُجْتَنَبَ مِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ شَابَّةً؛ لِأَنَّهَا تَمْشِي وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الْوَجْهِ غَالِبًا مُظْهِرَةً لِلزِّينَةِ وَالتَّبَرُّجِ وَالْغَالِبُ عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهَا الْوُقُوعُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَوْ قَدَّرْنَا سَلَامَتَهَا لَكَانَ تَبَرُّجُهَا عَلَى الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ مُحَرَّمًا فَيُخَافُ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْهَا أَنْ تَكْتَسِبَ شَيْئًا مِنْ خِصَالِهَا وَأَحْوَالِهَا الْمَذْمُومَةِ شَرْعًا، وَكَانَ يَتَعَيَّنُ أَنْ لَا تُتْرَكَ شَابَّةٌ تَعْمَلُ هَذَا؛ لِأَنَّهُنَّ يَتَوَصَّلْنَ بِهِ إلَى الْوُقُوعِ فِي الْمُخَالَفَاتِ وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَتُعْجِبُهُ الشَّابَّةُ مِنْهُنَّ فَيُفْتَحُ لَهَا الْبَابَ عَلَى أَنَّهَا تَعْمَلُ لِأَهْلِهِ فَمَا تَشْعُرُ إلَّا وَهِيَ مَعَهُ فِي خَلْوَةٍ فَيُخَافُ مَعَ ذَلِكَ الْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ الْكُبْرَى وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ هَجْرُ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ الصَّوَانِعِ وَمَنْ اسْتَعْمَلَهَا لَمْ يَتَّصِفْ بِهِجْرَانِهَا إذْ إنَّهُ قَدْ أَعَانَهَا وَمَنْ أَعَانَهَا كَانَ شَرِيكًا لَهَا فِيمَا ارْتَكَبَتْهُ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ الشَّرِيفَ، أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا تُضْطَرُّ الْمَرْأَةُ إلَيْهِ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَتُمْنَعُ مِنْهُ. مِثَالُهُ أَنْ تَدْخُلَ الصَّانِعَةُ أَوْ الْمُزَيِّنُ أَوْ غَيْرُهُمَا لَتُفَلِّجَ أَسْنَانَهَا أَوْ تُجَرِّدَهَا لِتَبْيَضَّ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ فَعَلَتْهُ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ هَذَا وَجْهٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَة وَفِيهِ الْمُغَيِّرَاتِ لِخَلْقِ اللَّهِ» وَهَذَا مِنْهُ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى الْمُزَيِّنِ أَيْضًا أَنْ يَجْتَنِبَا مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ ارْتِكَابِ