الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي أَخْذِ الْحُطَامِ عُكِسَ الْحَالُ؛ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله يَقُولُ: لَوْ دَخَلَهُمْ الْوِسْوَاسُ فِي أَمْرِ الْقُوتِ دُونَ الطَّهَارَةِ لَكَانَ أَنْجَحَ وَأَوْلَى بَلْ أَوْجَبَ؛ لِأَنَّهُ مَاشٍ عَلَى قَانُونِ الِاتِّبَاعِ أَوْ كَمَا كَانَ يَقُولُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ أَوْلَى بَلْ أَوْجَبُ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لِلزَّارِعِ أَنْ يَتْرُكَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ مِنْ الزَّكَاةِ لِقَوْلِ أَحَدٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ امْتَحَقَتْ الْبَرَكَاتُ وَذَهَبَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّجْرِبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ الْخَرَاجَ وَيُخْرِجَ الزَّكَاةَ عَنْهُ وَعَمَّا فَضَلَ فَبِذَلِكَ تَكْثُرُ الْبَرَكَةُ وَيَقَعُ الْخُلْفُ وَتَحْصُلُ الْإِعَانَةُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى السُّنَّةِ.
[إجَارَةِ الْأَرْضِ]
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رضي الله عنهم فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ.
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ - أَنَّهُ تَجُوزُ إجَارَتُهَا بِكُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ مِلْكُهُ وَبَيْعُهُ كَانَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ أَوْ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُنْبِتُهُ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ - أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِمَا تُنْبِتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا مِثْلَ الْخَشَبِ وَالصَّنْدَلِ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ - أَنَّهُ إنْ زَرَعَ فِيهَا الْحِنْطَةَ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ فِي إجَارَتِهَا الْعَدَسَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْقَطَّانِيِّ.
وَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ جُهْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْبَرَكَةِ وَنَجَاحِ السَّعْيِ سِيَّمَا فِي الْقُوتِ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَكَفَى بِهَا مِنَّةٌ وَيَسْقُطُ كِرَاءُ الْأَرْضِ عَنْهُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا - عَدَمُ رَيِّهَا.
وَالثَّانِي - اسْتِئْجَارُهَا حِينَ يَفْرُغُ أَوَانُ الزِّرَاعَةِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ وَأَعَمِّهَا نَفْعًا فَيَنْبَغِي الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا قَبْلَ غَيْرِهَا لِيَحُوزَ الْمَرْءُ فَضِيلَتَهَا وَيَغْتَنِمَ بَرَكَتَهَا؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالِامْتِثَالِ وَالِامْتِثَالُ إنَّمَا يَقَعُ بِالْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالسُّؤَالِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَهَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ كُلُّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ مَعَ وُجُودِ السَّلَامَةِ فِي الدِّينِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ.
وَأَمَّا مَعَ تَوَقُّعِ ضِدِّ ذَلِكَ فَتَرْكُهُ إذَنْ مُتَعَيَّنٌ وَلَهُ فِي غَيْرِ الزِّرَاعَةِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ سَعَةٌ؛ لِأَنَّ
آفَةَ الزِّرَاعَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ قَدْ عَظُمَتْ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ، حَتَّى إنَّ الزَّرَّاع كَأَنَّهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَسِيرٌ ذَلِيلٌ حَقِيرٌ وَكَأَنَّهُ لَا بَالَ لَهُ عِنْدَهُمْ وَلَا رُوحَ، وَهَذَا التَّنْبِيهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّلِّ كَافٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِيَتَنَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْخَطَرِ.
وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله مُتَسَبِّبًا بِصِنَاعَةِ الْفِلَاحَةِ وَالْغِرَاسَةِ فِي بِلَادِهِ، فَلَمَّا أَنْ وَرَدَ إلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَرَادَ أَنْ يَتَسَبَّبَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ الْعَائِلَةِ فَلَمَّا أَنْ رَأَى أَكْثَرَ حَالِ الْمُزَارِعِينَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ وَمَا هُمْ فِيهِ مِنْ الشَّظَفِ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ هَاهُنَا ثُمَّ وَقَعَ لَهُ أَنَّ التَّسَبُّبَ فِي حَقِّهِ مُتَأَكَّدٌ لِأَجْلِ الْعَائِلَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَسَبَّبَ بِغَيْرِ الْفِلَاحَةِ ثُمَّ قَالَ: إذَا اضْطَرَرْت إلَى التَّسَبُّبِ تَسَبَّبْت لَهُمْ فِي غَيْرِهَا فَانْقَطَعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَرَكَ الْأَسْبَابَ وَاشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ وَإِلْقَاءِ الْعِلْمِ فَفَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهُ مَا هُوَ أَهْلُهُ فَأَغْنَاهُ الْغِنَى الْكُلِّيَّ عَنْ النَّاسِ وَعَنْ الْأَسْبَابِ بِسَبَبِ عِزِّ الطَّاعَةِ وَالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْخُذُ صَدَقَةً وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ تَطَوُّعًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ حَالِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَرْكُ الصِّنَاعَةِ إذَا كَانَتْ تَئُولُ إلَى بَعْضِ مَا يَجْرِي عَلَى الْفَلَّاحِ وَغَيْرِهِ يَتَعَيَّنُ تَرْكُهَا فَكَيْفَ بِالْفَلَّاحِ الْمِسْكِينَةِ نَفْسُهُ؟ ، وَتَحْصِيلُ الْفَضَائِلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا فِي الْفِلَاحَةِ إنَّمَا هِيَ مَعَ وُجُودِ السَّلَامَةِ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَّاحِينَ.
وَقَدْ جَاءَ بَعْضُ النَّاسِ لِسَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ رحمه الله يَسْتَفْتِيه فِي التَّسَبُّبِ مَعَ شَخْصٍ لَا يُرْضَى حَالُهُ فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: لِي بَنَاتٌ وَعَائِلَةٌ لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ يَقْتَاتُونَ بِهِ؛ فَقَالَ لَهُ: لَا يَلْزَمُك أَنْ تَتَسَبَّبَ لَهُمْ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْحَلَالِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَلْزَمُك فِيهِمْ شَيْءٌ هُمْ عَائِلَةُ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَهُمْ أَطْعَمَهُمْ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مَنَعَهُمْ وَلَا عُذْرَ لَك فِي الدُّخُولِ فِي الْحَرَامِ بِسَبَبِهِمْ أَوْ كَمَا قَالَ رضي الله عنه وَنَفَعَنَا بِهِ.
وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الطِّينَ لِجُنْدِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَزَرَعَهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ بِسَبَبِ كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَّاحِينَ الَّذِينَ يُبَاشِرُونَ ذَلِكَ إذْ إنَّ الْغَالِبَ مِنْهُمْ إذَا عَلِمُوا مِنْهُ عَدَمَ الْجُرْأَةِ وَالظُّلْمَ نَهَبُوهُ نَهْبًا حَتَّى إنَّهُ لَا يَتَحَصَّلُ لَهُ