الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَمَلِهِ بِهِ فِيهِ خَلَلٌ فِي فَرَائِضِهِ، وَهُوَ لَمْ يَقُمْ بِهِ فِي اللَّيْلِ حَتَّى يُجْبَرَ بِهِ الْفَرْضُ فَالْعَذَابُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى تَرْكِ الْفَرْضِ لَا عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبِ. فَعَلَى هَذَا فَمَنْ تَرَكَ الْمَنْدُوبَ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يَقَعَ الْخَلَلُ فِي فَرَائِضِهِ وَلَا يُوجَدُ مَنْدُوبٌ يَجْبُرُهُ فَصَارَتْ أَكْثَرُ عَادَةِ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ بِالتَّرْكِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتْرُكُونَهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَهُمْ فِي أَسْنَى الْأَعْمَالِ، وَإِنْ كَانُوا فِي الظَّاهِرِ تَارِكِينَ فَتَخَيَّرَ لَهُمْ الْفَرَائِضَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ الْجَمِيلَةِ بِخِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ.
[تَنْبِيهٌ النَّهْي عَنْ مُخَالَفَةَ السَّنَة خشية كَلَام النَّاس]
{تَنْبِيهٌ}
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ عَنْ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَتَرْكِ الْبِدْعَةِ يَقُولُ لَا يُمْكِنُنِي ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِئَلَّا يَقَعَ النَّاسُ فِي عِرْضِي وَيَتَكَلَّمُونَ فِي فَأَكُونُ سَبَبًا فِي إيقَاعِهِمْ فِي الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ الْمَكْرُوهَاتِ، وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْقَوْمِ مَا هُوَ إذْ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُمْ التَّصَدُّقُ بِعِرْضِهِمْ عَلَى مَنْ نَالَ مِنْهُمْ مِنْ إخْوَانِهِمْ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكُ الْمُبَالَاةِ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمٍ. كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي تَصَدَّقْت بِعِرْضِي عَلَى عِبَادِك» فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُرِيدِ الطَّالِبِ لِخَلَاصِ مُهْجَتِهِ تَرْكُ الِالْتِفَاتِ إلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَأَشْبَاهِهَا وَيَعُدُّ الْخَلْقَ كَأَنَّهُمْ مَوْتَى لَا يَحْسَبُ إلَّا حِسَابَ السُّنَّةِ فَيَتَتَبَّعُهَا وَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمِنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مَا يَصْدُرُ مِنْ النَّاسِ يَشْغَلُ الْخَاطِرَ وَيُكْثِرُ الْوَسْوَاسَ وَالْحِقْدَ وَيَقْطَعُ عَنْ الِاتِّبَاعَ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ رضي الله عنه إذَا أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَ ابْنَهُ السُّلُوكَ أَنْ يَفْطِمَهُ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْخَلْقِ فَخَرَجَ رَاكِبًا عَلَى دَابَّةٍ هُوَ وَوَلَدُهُ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَيْنِ كَيْفَ رَكِبَا عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ وَهِيَ لَا تُطِيقُ فَنَزَلَ وَلَدُهُ عَنْهَا وَبَقِيَ الْوَالِدُ رَاكِبًا فَقَالُوا: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الرَّجُلِ كَيْفَ هُوَ رَاكِبٌ وَوَلَدُهُ يَمْشِي وَكَانَ الْوَلَدُ أَوْلَى مِنْهُ بِالرُّكُوبِ فَنَزَلَ الْوَالِدُ وَرَكِبَ الْوَلَدُ فَقَالُوا: اُنْظُرُوا
إلَى هَذَا الْوَلَدِ مَا أَقَلَّ أَدَبَهُ أَبُوهُ يَمْشِي عَلَى أَقْدَامِهِ، وَهُوَ رَاكِبٌ فَقَالَ لِوَلَدِهِ: انْزِلْ فَنَزَلَ عَنْ الدَّابَّةِ وَمَشَيَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا وَتَرَكَا الدَّابَّةَ تَمْشِي دُونَ رَاكِبٍ عَلَيْهَا فَقَالُوا: مَا أَقَلَّ عَقْلَ هَذَانِ يَمْشِيَانِ عَلَى أَقْدَامِهِمَا وَالدَّابَّةُ لَا رَاكِبَ عَلَيْهَا أَوْ كَمَا جَرَى فَقَالَ لِوَلَدِهِ اُنْظُرْ إلَى هَذَا الْأَمْرِ وَاعْتَبِرْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ فِيهِ، وَإِنْ عَمِلَ مَا عَمِلَ وَقَدْ رَأَيْته عِيَانًا فَعَلَّمَ وَلَدَهُ تَرْكَ النَّظَرِ لِلْمَخْلُوقِ بِالْفِعْلِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَكَابِرِ السَّلَفِ نَظَرْت إلَى النَّاسِ فَرَأَيْتهمْ مَوْتَى فَكَبَّرْت عَلَيْهِمْ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ فَالْعَاقِلُ اللَّبِيبُ مَنْ أَخَذَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَأَقْبَلَ عَلَى الِامْتِثَالِ بِكُلِّيَّتِهِ وَتَرَكَ الِالْتِفَاتَ لِلْمَخْلُوقِ حَتَّى لَا يَخْطِرَ لَهُ غَيْرُ رَبِّهِ عز وجل فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ، فَإِذَا رَأَى الْبِدَعَ تَكْثُرُ وَالْعَوَائِدَ تُفْعَلُ وَبَعْضَ النَّاسِ يَسْخَرُونَ بِهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ مِنْهُ فَلِيَشُدَّ يَدَهُ عَلَى مَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الِامْتِثَالِ وَيَحْرِصْ عَلَى الزِّيَادَةِ مِمَّا هُوَ فِيهِ. لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْعَمَلُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ مَعِي» وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّكُمْ تَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا وَلَا يَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا» وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كَيْفَ بِك يَا حُذَيْفَةُ إذَا تَرَكْت بِدْعَةً قَالُوا تَرَكَ سُنَّةً» وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا مَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ. وَأَمَّا مَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الْفَارِسَ الشُّجَاعَ لَا يُعْرَفُ إلَّا وَقْتَ الْهَزِيمَةِ وَأَيُّ هَزِيمَةٍ أَعْظَمُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. أَلَا تَرَى إلَى مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ قِصَّةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا أَنْ كَتَبَ إلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنْ اُكْتُبْ إلَيَّ سِيرَةَ عُمَرَ رضي الله عنه فِي النَّاسِ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسِيرَ بِهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّك لَسْت فِي زَمَانِ عُمَرَ وَلَا لَك رِجَالٌ كَرِجَالِ عُمَرَ فَإِنْ عَمِلْت فِي زَمَانِك هَذَا وَرِجَالِك هَؤُلَاءِ بِسِيرَةِ عُمَرَ فَأَنْتَ خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ رضي الله عنه. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه مَعَ سِيرَتِهِ الْحَسَنَةِ فَمَا بَالُك بِزَمَانِنَا هَذَا فَيَحْتَاجُ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهَا وَيَعْمَلَ