المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في ذكر صلاة الرغائب] - المدخل لابن الحاج - جـ ٤

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْفِلَاحَةِ]

- ‌[طَلَبُ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ]

- ‌[إجَارَةِ الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغِرَاسَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِنَاعَةِ الْقَزَازَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِصَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِنَاعَةِ الْخِيَاطَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَاجِرِ الْبَزِّ وَمَا أَشْبَهَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ التَّاجِرِ الَّذِي يَتَّجِرُ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ]

- ‌[فَصْلٌ تاجر البز يُوَسِّع عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌[تاجر البز لَا يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمَرْكُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ عَلَى تاجر البز أَنْ يُظْهِرَ لِصَاحِبِ الدَّابَّة مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ غُدْوَةَ النَّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا عَزَمَ تاجر البز عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّعَوُّذِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لتاجر البز أَنْ يَتَصَدَّقَ حِينَ خُرُوجِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لتاجر البز أَنْ يُكْثِرَ السَّيْرَ فِي اللَّيْل]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لتاجر البز أَنْ يَمْتَثِلَ السُّنَّةَ فِي الذِّكْرِ الْوَارِدِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لتاجر البز أَنْ لَا يَسْلُكَ بُنَبَّاتِ الطُّرُقِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَسْتَصْحِبَ التاجر الْمُسَافِر جَرَسًا وَلَا كَلْبًا]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ عَلَى التاجر الْمُسَافِر أَنْ يَحْذَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا دَخَلَ التاجر الْمُسَافِر بَلَدًا أَوْ قَابَلَهَا أَوْ نَزَلَ مَنْزِلًا]

- ‌[فَصْلٌ جَاءَ التاجر الْمُسَافِر إلَى حَلِّ الرَّحْلِ أَوْ إلَى شَدِّهِ عَلَى الراحلة]

- ‌[فَصْلٌ إذَا جَنَّ اللَّيْلُ عَلَى التاجر الْمُسَافِر]

- ‌[فَصْلٌ إذَا اسْتَصْعَبَتْ دَابَّةُ التاجر الْمُسَافِر عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ الْحِدَاءُ فِي السَّفَرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِكْثَار مِنْ الدُّعَاءِ فِي السَّفَرِ]

- ‌[صَلَاة النَّافِلَة عَلَى الراحلة فِي السَّفَر]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَرْكَبَ الْبَحْرَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُسَافِرَ إلَى بِلَادِ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ زِيَارَةَ التاجر لِلْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ التاجر إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ أَنْ يَنْوِيَ السِّيَاحَةَ فِي أَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[فَصْلٌ أَنْ يَنْوِيَ فِي سَفَرِهِ الْخَلْوَةَ عَنْ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ أَنْ لَا يُنْقِصَ الْبَائِعَ مِنْهُ شَيْئًا]

- ‌[فَصْلٌ صِفَةِ السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْبَزُّ]

- ‌[فَصْلٌ كَثْرَةِ الْأَيْمَانِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التاجر تَكُونَ السِّلَعُ فِي الْخَيْشِ فَيَشْتَرِيَهَا بِخَيْشِهَا]

- ‌[فَصْلٌ التاجر إذَا أَعْجَبَتْهُ السِّلْعَةُ أَوْ وَقَعَ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ]

- ‌[فَصْلٌ قُعُود التاجر فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَيُقَلِّبُ السِّلَعَ عَلَى مَنْ يُرِيد شرائها]

- ‌[فَصْلٌ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُؤْخَذُ فِيهَا الظُّلْمُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا زَكَاةٌ]

- ‌[فَصْلٌ جَعَلَ الْفُلْفُلَ الَّذِي يُرِيدُونَ بَيْعَهُ فِي مَوْضِعٍ نَدِيٍّ]

- ‌[فَصْلٌ جَمَعَ مَعَ الْكِرَاءِ مَا يُلْزِمُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ]

- ‌[فَصَلِّ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُكْثِرَ مِنْ الْجُلُوسِ فِي السُّوقِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا رجع الْمُسَافِر إلَى بَلَدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعَطَّارُ مِنْ تَحْسِينِ النِّيَّةِ وَالْآدَابِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعِ شَيْءٍ مِمَّا عِنْدَهُ دُونَ وَزْنٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَفَاسِدُ الَّتِي تَعْتَوِرُ الْعَطَّارَ]

- ‌[فَصْلٌ السَّمَاسِرَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ الْوَرَّاقِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَتَحْسِينِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ النَّاسِخِ وَكَيْفِيَّتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ الصَّانِعِ الَّذِي يُجَلِّدُ الْمَصَاحِفَ وَالْكُتُبَ وَغَيْرَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ الْأَبْزَارِيِّ وَمُحَاوَلَتِهَا وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ الزَّيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ شِرَاءِ الْخُلُولِ الَّتِي عُصِرَتْ أَوَّلًا بِنِيَّةِ الْخَمْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ نِيَّةِ الْخُضَرِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْقُلْقَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّيَّة لِجُلُوسِهِ فِي الدُكَّانِ التَّيْسِيرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُزَيِّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُعَالَجَةِ الطَّبِيبِ وَالْكَحَّالِ الْكَافِرَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَأْخُذَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالِ بِطِبِّ الْأَبَدَانِ وَتَكْحِيلُ الْعُيُونِ وَمَعْرِفَةُ الْحِسَابِ]

- ‌[فَصْلٌ طِبُّ الْأَبَدَانِ وَالرُّقَى الْوَارِدَةُ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِوَجَعِ الْأَسْنَانِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِلدَّوْخَةِ الَّتِي فِي الرَّأْسِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِلْحَصْبَةِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِضَعْفِ الْبَصَرِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِنُزُولِ الدَّمِ وَالْقُولَنْجِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِلشَّعْرِ الَّذِي يَخْرُجُ فِي الْعَيْنِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِضَعْفِ الْمَعِدَةِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِلنَّزْلَةِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِقَطْعِ الدَّمِ إذَا جَرَى عَقِيبَ السِّقْطِ كَثِيرًا]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِوَجَعِ الظَّهْرِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِلْحَرَارَةِ الَّتِي تَكُونُ تَحْتَ الْقَدَمِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِسَلَسِ الرِّيحِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِلشِّدَّةِ إذَا وَقَعَتْ بِالْإِنْسَانِ أَوْ تَوَقَّعَهَا]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِوَجَعِ الْيَدَيْنِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِبُرُودَةِ الْمَعِدَةِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِلْمَغَصِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ يُفْعَلُ لِعُسْرِ النِّفَاسِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِلثِّقَلِ]

- ‌[صِفَةُ دَوَاءٍ لِلْبُرُودَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الدِّمَاغِ]

- ‌[النَّشْرَةُ الَّتِي يَعْمَلُهَا الْمُعَزِّمُونَ]

- ‌[التَّدَاوِي بِالْيَسِيرِ مِنْ الْخَمْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّبِيبِ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَقْعُدَ مَعَ الطَّبِيبِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُظَنُّ الْمَرِيضَ لَا يُرِيدُ مجالسته]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الطَّبِيبِ حِينَ جُلُوسِهِ عِنْدَ الْمَرِيضِ أَنْ يَتَأَنَّى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِحَالِ الْمَرِيضِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّبِيبُ إذَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ عَافِيَةُ الْمَرِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الطَّبِيبِ النَّظَرُ فِي الْقَارُورَةِ]

- ‌[فَصَلِّ الأشتغال بِعِلْمِ الطِّبّ]

- ‌[عَلَى الطَّبِيبِ أَنْ يَتْرُكَ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ مَنْ انْغَمَسَ فِي الْجَهْلِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الْمَرِيضِ أَوْ وَلِيِّهِ امْتِثَالُ السُّنَّةِ فِي الصَّدَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ آكُدُ الْأُمُورِ عَلَى الْمَرِيضِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الشَّرَابِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْمَرِيضُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا قَدُمَ الشَّرَابُ عِنْدَهُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بائع الْأَشْرِبَة]

- ‌[فَصْلٌ السُّنَّةَ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ غِشّ الشَّرَابِيّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا يُفْعَلُ فِي الْمَطَابِخِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَابِيَةُ الَّتِي يُطْبَخُ فِيهَا السُّكَّرُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّرْنِيق]

- ‌[فَصْلٌ قَطْرُ النَّبَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّاحُونِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصَلِّ مشى الصناع حفاة عَلَى بَوْل الخيل]

- ‌[فَصْلٌ الرِّفْقَ بِالدَّابَّةِ الَّتِي يَطْحَنُ عَلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ وَزَنَ طَحِينَ إنْسَانٍ فَنَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ وَزْنِهِ الْأَوَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَتَعَيَّنُ عَلَى بَائِعِ الدَّقِيقِ إذَا اشْتَرَى قَمْحًا قَدِيمًا]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَشْتَرِيَ الْمُسْلِمُ الدَّقِيقَ مِنْ طَوَاحِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ عَلَى صَاحِبِ الطَّاحُونِ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ تَبْدِيدِ الْقَمْحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْفَرَّانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّقِيقَ الَّذِي يَتَبَدَّدُ عَلَى الْمَسْطَبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْخَبَّازِ الَّذِي يَعْمَلُ الْخُبْزَ لِلسُّوقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَعْجِنُونَ الْعَجِينَ بِمَاءِ الْآبَارِ الْمَالِحَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَاءِ الَّذِي يَغْسِلُ الصُّنَّاعُ فِيهِ أَيْدِيَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَاءِ الَّذِي يَغْسِلُ الصُّنَّاعُ فِيهِ أَيْدِيَهُمْ مِنْ أَثَرِ الْعَجِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ السَّقَّاءِ]

- ‌[فَصْلٌ السَّقَّاءِ إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ لِسَكْبِ الْمَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَسْكُبَ السقاء فِي بَيْتٍ فِيهِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْوُقُوفَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْقَصَّابِ]

- ‌[فَرَائِضُ الذَّكَاة]

- ‌[سُنَنُ الذَّكَاة]

- ‌[فَضَائِلُ الذَّكَاة]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَطْبُخَ اللَّحْمَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنْ السُّوقِ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ اشْتَرَى الْبُطُونُ أَنْ يَغْسِلَهَا قَبْلَ طَبْخِهَا]

- ‌[فَصْلٌ خلط الجزار لحما طريا بلحم بائت ويبيعه عَلَيَّ أَنَّهُ طريا]

- ‌[فَصْلٌ الذَّبْحِ فِي مَوَاسِمِ النَّصَارَى]

- ‌[فَصْلٌ الذَّبْح لِغَيْرِ الْقِبْلَة]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى الذَّبْحَ أَنْ يَكُونَ مُتَحَفِّظًا عَلَى صَلَوَاتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الشَّرَائِحِيِّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْكُ الْقُدُورِ أَوْ بَعْضِهَا مَكْشُوفَةً بِأَثَرِ الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّبَّاخِ الَّذِي يَبِيعُ فِي السُّوقِ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّبْخُ فِي قُدُورِ الْبِرَامِ الْمَشْعُوبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شِرَاء مرقة الطَّعَام وزنا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ اللَّبَّانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ صَبْغِ الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ حَتَّى يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ تَغْطِيَةَ أَوَانِي اللَّبَنِ]

- ‌[فَصْلٌ الصِّحَافِ الَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا اللَّبَنُ لِلْمُشْتَرِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْبَنَّاءِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّصِيحَةِ فِي الْبُنْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى الصَّانِعِ وَمَنْ يَكُونُ مَعَهُ التَّحَفُّظُ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّائِغِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ مَا يَعْتَوِرُ الْحَاجَّ فِي حَجِّهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطَ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَعْرِفَةُ مَا يَلْزَمُهُ فِي حَجِّهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَبَعْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ سُنَن الْحَجّ الْمُوجِبَاتُ لِلدَّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فَضَائِلُ الْحَجُّ]

- ‌[فَصْلٌ خصائص الحرم]

- ‌[فَصْلٌ الحرمات خَمْس]

- ‌[فَصْلٌ اغْتِسَالَاتُ الْحَجِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَمْنَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ شَيْئًا]

- ‌[فَصْلٌ الطَّوَافُ فِي الْحَجِّ]

- ‌[فَصْلٌ رَمَى الْجِمَارُ]

- ‌[فَصْلٌ الْهَدْيُ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ جَزَاءُ الْمُحْرِمِ إذَا قَتْلَ صَيْدًا]

- ‌[فَصْلٌ التَّمَتُّعُ بالعمرة إلَى الْحَجِّ يُوجِبُ الْهَدْيَ بِأَرْبَعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ رفع الصوت بالتلبية]

- ‌[فَصْلٌ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَتَرَك الْمُحَامِل والجحف مسورة عَلَى حالها]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ الْحَاجّ إذَا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ تقبيل الْحَجَر الْأَسْوَد]

- ‌[فَصْلٌ الطَّوَاف مِنْ داخل الْحَجَر]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَل بَعْد الدَّفْعَ مِنْ عَرَفَةَ]

- ‌[فَصْلٌ إحْيَاء لَيْلَة الْعِيد لِلْحَاجِّ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاة الصُّبْح بالمزدلفة]

- ‌[فَصَلِّ طَوَاف الْإِفَاضَة فِي يَوْم النَّحْر]

- ‌[فَصْلٌ زِيَارَة النَّبِيّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ]

- ‌[فُصُولٌ مُتَفَرِّقَةٌ جَامِعَةٌ لَمَعَانٍ شَتَّى]

- ‌[النِّيَّةُ النَّافِعَةُ]

- ‌[فَصْلٌ وُجُوب تَقْدِيم الْعِلْم عَلَى الْعَمَل]

- ‌[عَرْضِ الرُّؤْيَا عَلَى الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْبِيَة الْأَوْلَادِ وَحُسْن سِيَاسَتِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ كَيْف يُحَاوِلُ الْمُكَلَّفُ التَّكَسُّب]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ أَنْتُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ]

- ‌[تَنْبِيهٌ النَّهْي عَنْ مُخَالَفَةَ السَّنَة خشية كَلَام النَّاس]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّظَرُ إلَى الْمُسْلِمِينَ بِعَيْنِ التَّعْظِيمِ وَالِاحْتِرَامِ]

- ‌[خَاتِمَة أَسْبَابُ تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ]

الفصل: ‌[فصل في ذكر صلاة الرغائب]

وَالِاجْتِهَادَ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ لَا سَيِّئَةَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ السَّيِّئَاتِ قَدْ غُفِرَتْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَهُوَ الْآنَ عَلَى الْحَالَةِ الْمُرْضِيَةِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ فَمَتَى فَجَأَهُ الْمَوْتُ وَجَدَهُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالسَّلَامَةِ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ» وَقَالَ «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ

[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ]

ِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ.

لَكِنْ اُحْتِيجَ إلَى إعَادَتِهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ زَعَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدْعَةً، وَأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْمَسَاجِدِ جَمَاعَةً جَائِزٌ وَأَلَّفَ تَأْلِيفًا رَدَّ فِيهِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهَا بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ يَسْتَدِلُّ فِيهِ بِشَيْءٍ عَلَيْهِ لَا لَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ أَبَدًا جَارِيَةً فِيمَنْ يُحَاوِلُ إخْمَادَ سُنَّةٍ وَإِظْهَارَ بِدْعَةٍ أَنَّ كَلَامَهُ يَكُونُ مُتَنَاقِضًا مُتَبَايِنًا فَالرَّدُّ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ فَكَفَى الْغَيْرَ مُؤْنَةُ ذَلِكَ إذْ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] فَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ اللَّهِ فَهُوَ وَاحِدٌ. فَبَدَأَ فِي رَدِّهِ بِخُطْبَةٍ هَذَا نَصُّهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَبَانَ مَنَارَ الْحَقِّ وَأَنَارَهُ. وَأَزَالَ مَنْ حَادَ عَنْ سَبِيلِهِ وَأَبَارَهُ. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَوْفَرَانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَالنَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ مَا اعْتَرَى ضِيَاءٌ ظَلَامًا فَأَغَارَهُ.

سَأَلْتُمْ أَرْشَدَكُمْ اللَّهُ وَإِيَّايَ عَمَّا رَامَهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ إزَالَةِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ وَتَعْطِيلِهَا وَمَنْعِ النَّاسِ مِنْ عِبَادَةٍ اعْتَادُوهَا فِي لَيْلَةٍ شَرِيفَةٍ لَا شَكَّ فِي تَفْضِيلِهَا، وَاحْتِجَاجُهُ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ بِهَا ضَعِيفٌ بَلْ مَوْضُوعٌ

ص: 248

وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ رَفْعُهَا وَإِلْحَاقُهَا بِالْأَمْرِ الْمَطْرُوحِ الْمَدْفُوعِ وَغُلُوُّهُ فِي ذَلِكَ وَإِسْرَافُهُ، وَغُلُوُّ النَّاسِ فِي مُشَاقَّتِهِ وَخِلَافِهِ حَتَّى ضُرِبَ لَهُ الْمَثَلُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} [العلق: 9] {عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 10] إلَى {كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] فَرَغِبْتُمْ فِي أَنْ أُبَيِّنَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ وَأُوَضِّحَهُ أُزَيِّفَ الزَّائِفَ مِنْهُ وَأُزَحْزِحَهُ فَاسْتَعَنْتُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَخَرْته، وَأَوْجَزْت الْقَوْلَ فِيهِ وَاخْتَصَرْته وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. أَمَّا قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ خُطْبَتِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَبَانَ مَنَارَ الْحَقِّ وَأَنَارَهُ. فَهَذَا اللَّفْظُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ عِنْدَهُ إقَامَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَإِشَاعَتُهَا فِي الْمَسَاجِدِ فِي جَمَاعَةٍ وَكَيْفَ تَكُونُ مِنْ الْحَقِّ النَّيِّرِ الْمُبِينِ، وَهُوَ قَدْ نَقَلَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ بِهَا مَوْضُوعٌ، وَأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ فَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْبَيِّنَ هُوَ الَّذِي لَا نَكِيرَ لَهُ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي أَرَادَ إثْبَاتَهَا قَدْ أَنْكَرَهَا الْعُلَمَاءُ.

وَقَوْلُهُ وَأَزَالَ مَنْ حَادَ عَنْ سَبِيلِهِ وَأَبَارَهُ فَهَذَا اللَّفْظُ مِنْهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَرَادَهُ مِنْ صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا أَنَّهَا بِدْعَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا مُحْدَثَةٌ وَهُوَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ أَنْكَرُوهَا غَلِطُوا فِي ذَلِكَ وَنِسْبَةُ الْغَلَطِ إلَيْهِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ مَا خَالَفَ السُّنَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ كُلُّهُ بَاطِلٌ وَالْبَاطِلُ هُوَ الزَّائِفُ الَّذِي لَا يَقُومُ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى سَاقٍ. وَقَوْلُهُ سَأَلْتُمْ أَرْشَدَكُمْ اللَّهُ وَإِيَّايَ عَمَّا رَامَهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ إزَالَةِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ وَتَعْطِيلِهَا.

فَقَوْلُهُ وَتَعْطِيلِهَا، التَّعْطِيلُ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى أَمْرٍ مَشْرُوعٍ عُطِّلَ هَذَا هُوَ التَّعْطِيلُ الْمَعْرُوفُ، وَأَمَّا تَعْطِيلُ مَا أُحْدِثَ فَلَيْسَ بِتَعْطِيلٍ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ.

وَقَوْلُهُ وَمَنْعِ النَّاسِ مِنْ عِبَادَةٍ اعْتَادُوهَا الْعِبَادَةُ هِيَ مَا قَرَّرَهَا الشَّرْعُ الشَّرِيفُ وَبَيَّنَهَا، وَمَا لَمْ يُقَرِّرْهُ فَلَيْسَ بِعِبَادِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ثُمَّ لَا يَخْلُو الْمَانِعُ لَهَا إمَّا أَنْ يَمْنَعَهَا لِكَوْنِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ مَوْضُوعًا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَمْنَعُهَا أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ عِنْدَهُ ضَعِيفًا فَيَمْنَعُهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسَاجِدِ

ص: 249

وَالْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ وَيَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ مَا لَمْ يَتَّخِذْهَا عَادَةً لِيَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَضِدِّهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: اعْتَادُوهَا فَهَذَا رَدٌّ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَمْ تُشْرَعْ قَطُّ بِالْعَادَةِ إلَّا مَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَصَلَاةُ الرَّغَائِبِ لَمْ يَرِدْ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَامَهُ شَرْعٌ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْجَمَاعَةِ يَجْتَمِعُونَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ مَشْهُورٍ يُقَدِّمُونَ وَاحِدًا يُصَلِّي بِهِمْ جَمَاعَةً إنَّ ذَلِكَ يُمْنَعُ إنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثٌ فِي الدِّينِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَنْعُ فِي حَقِّهِمْ وَهُمْ لَمْ يَزِيدُوا وَلَمْ يُنْقِصُوا فِي التَّنَفُّلِ الْمَشْرُوعِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُمْ أَوْقَعُوا صَلَاةَ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ مَشْهُورٍ فَكَيْفَ بِهِمْ فِي مَنْعِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ لِمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ النَّخَعِيُّ رحمه الله: لَوْ رَأَيْت الصَّحَابَةَ يَتَوَضَّئُونَ إلَى الْكُوعَيْنِ لَفَعَلْت كَفِعْلِهِمْ وَإِنْ كُنْت أَقْرَؤُهَا إلَى الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّهُمْ أَرْبَابُ الْعِلْمِ وَأَحْرَصُ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُتَّهَمُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ وَلَا يَظُنُّ ذَلِكَ بِهِمْ إلَّا ذُو رِيبَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ كَمَا قَالَ فَكُلُّ مَا لَمْ يَفْعَلُوهُ إذَا فُعِلَ بَعْدَهُمْ كَانَ نَقْصًا فِي الدِّينِ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَشْرُوعِيَّتَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَامَهُ بِالْعَادَةِ لَا بِالشَّرْعِ.

وَقَوْلُهُ: فِي لَيْلَةٍ شَرِيفَةٍ لَا شَكَّ فِي تَفْضِيلِهَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا لَيْلَةٌ شَرِيفَةٌ لَا شَكَّ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْبَدُ فِيهَا بِالْعَادَةِ بَلْ يُعَظِّمُهَا الْمُكَلَّفُ بِالِامْتِثَالِ لَا بِالِابْتِدَاعِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ مُتَلَقَّاةٌ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ وَقَدْ بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام مَا تَفْعَلُهُ أُمَّتُهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَأَوَانٍ وَأَيْضًا فَيَسَعُنَا فِيهَا مَا وَسِعَ السَّلَفَ إنْ كُنَّا صَالِحِينَ؛ لِأَنَّ تَعْظِيمَ الشَّعَائِرِ وَاحْتِرَامَهَا عَنْهُمْ يُؤْخَذُ وَمِنْهُمْ يُتَلَقَّى لَا بِمَا سَوَّلَتْ لَنَا أَنْفُسُنَا وَمَضَتْ عَلَيْهَا عَادَتُنَا؛ لِأَنَّ الْحَكَمَ

ص: 250

الشَّرْعُ الشَّرِيفُ فَهُوَ الَّذِي يُتَّبَعُ لَا الْعَوَائِدُ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ بَلَائِهِ بِمَنِّهِ.

قَوْلُهُ وَاحْتِجَاجُهُ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ بِهَا ضَعِيفٌ بَلْ مَوْضُوعٌ. فَهَذَا أَيْضًا يُبَيِّنُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كَيْفَ يَرُومُ إثْبَاتَهُ وَالتَّقَرُّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ رَفْعُهَا وَإِلْحَاقُهَا بِالْأَمْرِ الْمَطْرُوحِ الْمَدْفُوعِ قَدْ تَقَدَّمَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ بِهَا مَوْضُوعًا أَوْ ضَعِيفًا فَمَنْ طَرَحَهَا وَأَنْكَرَهَا لَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ وَلَا لَفِعْلِهِ بَلْ لِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ فِي الدِّينِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ وَقَوْلُهُ وَغُلُوُّهُ فِي ذَلِكَ وَإِسْرَافُهُ.

هَذَا الَّذِي قَالَهُ لَفْظٌ قَبِيحٌ شَنِيعٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي حَقِّ عَامَّةِ النَّاسِ فَكَيْفَ بِصُلَحَائِهِمْ وَخِيَارِهِمْ فَكَيْفَ بِالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ مِنْهُمْ وَلَفْظُ الْغُلُوِّ يُسْتَعْمَلُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الشَّيْءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ} [النساء: 171] فَاَللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ فَقَالُوا ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَزَادُوا مَا كَفَرُوا بِهِ مِنْ ذِكْرِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ فَغَلَوْا فِي دِينِهِمْ فَمَنْ زَادَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إلَى الْغُلُوِّ بِخِلَافِ مَنْ تَرَكَ الْبِدْعَةَ وَذَمَّهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْرِفِينَ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ أَنْ يُطْلِقَ هَذَا اللَّفْظَ فِي حَقِّ مَنْ ذَبَّ عَنْ السُّنَّةِ وَحَمَاهَا أَسْأَلُ اللَّهُ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لُحُومُ الْعُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ وَعَادَةُ اللَّهِ فِيمَنْ آذَاهُمْ أَبَدًا مَعْلُومَةٌ. وَكَيْفَ لَا، وَهُوَ سُبْحَانَهُ النَّاصِرُ لَهُمْ وَالْمُقَاتِلُ عَنْهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40] وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] أَيْ إنْ تَنْصُرُوا دِينَهُ وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] فَضَمِنَ سبحانه وتعالى نَصْرَهُ مَنْ نَصَرَ دِينَهُ. وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ» أَوْ كَمَا قَالَ

ص: 251

- عليه الصلاة والسلام. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ بَذَاءَةِ اللِّسَانِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ فِي حَقِّ آحَادِ عَامَّةِ النَّاسِ فَكَيْفَ بِهَا فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَمْ يُنْكِرُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بَلْ إنَّهُمْ مُسْتَنِدُونَ فِي ذَلِكَ لِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَلِاتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إذْ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَمْ تُعْرَفْ عِنْدَهُمْ حَتَّى حَدَثَتْ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ وَقَرَّرَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ كَانَتْ مِنْ الدِّينِ لَمْ تَتَأَخَّرْ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَاَللَّهِ لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا وَلَقَدْ فُقْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ عِلْمًا وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ، وَهُوَ اجْتِمَاعُهُمْ لِلذِّكْرِ جَمَاعَةً فَمَا بَالُك بِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي جَعَلُوهُ شِعَارًا ظَاهِرًا فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ يَنْهَوْا عَنْهُ وَيَزْجُرُوا فَاعِلَهُ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: رحمه الله إنَّهُ لَنْ يَأْتِيَ آخِرُ هَذِهِ الْأَمَةِ بِأَهْدَى مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا. وَقَوْلُهُ: وَغُلُوُّ النَّاسِ فِي مُشَاقَّتِهِ وَخِلَافِهِ هَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَغَيْرَهُمْ قَدْ خَالَفُوا الْقَائِلَ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا هُمْ الْعُلَمَاءُ فَقَدْ كَانَ مَالِكٌ رحمه الله يَقُولُ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْت النَّاسَ وَرَأَيْت النَّاسَ وَمَا هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ يَعْنِي بِهِ الْعُلَمَاءَ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يُطْلِقُونَ لَفْظَةَ النَّاسِ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا عِبْرَةَ بِمُشَاقَّةِ غَيْرِهِمْ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ قَوْلُ غَيْرِ الْعُلَمَاءِ أَوْ عَادَتُهُمْ لَكَانَ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِمَعَالِمِ الشَّرِيعَةِ وَنَسْخٌ لَهَا، وَهَذِهِ الشَّرِيعَةُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مَحْفُوظَةٌ إلَى أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ حَتَّى ضُرِبَ لَهُ الْمَثَلُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} [العلق: 9] {عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 10] إلَى {كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى كَيْفِيَّةِ اسْتِشْهَادِهِ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ يَرُدُّ بِهَا عَلَى عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَصُلَحَائِهِمْ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ الْبِدَعَ وَالْمُحْدَثَاتِ وَيَذُبُّونَ عَنْ الدِّينِ فَلَوْ عَلِمَ هَذَا الْقَائِلُ مَا وَقَعَ فِيهِ لَمَا تَكَلَّمَ بِهِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.

ثُمَّ إنَّ النَّهْيَ مَا وَرَدَ

ص: 252

إلَّا فِي حَقِّ مَنْ نَهَى عَنْ الصَّلَوَاتِ الْمَشْرُوعَةِ الْمُقَرَّرَةِ الَّتِي بَيَّنَهَا صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، وَأَمَّا مَنْ نَهَى عَنْ الْبِدْعَةِ وَأَنْكَرَهَا فَهُوَ مَحْمُودٌ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ مَشْكُورٌ عَلَى سَعْيِهِ. لِمَا وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ» ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فَمَنْ عَدَّلَهُ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ كَيْفَ يُدْخِلُهُ هَذَا الْقَائِلُ فِي الذَّمِّ الَّذِي جَاءَ فِي أَبِي جَهْلٍ وَأَشْبَاهِهِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.

وَقَوْلُهُ: فَرَغِبْتُمْ فِي أَنْ أُبَيِّنَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ وَأُوَضِّحَهُ وَأُزَيِّفَ الزَّائِفَ مِنْهُ وَأُزَحْزِحَهُ. فَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي إقَامَتِهَا وَإِشَاعَتِهَا وَأَنَّ الْبَاطِلَ فِي رَدِّهَا وَإِنْكَارِهَا فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَنْقِيصُ مَنْ مَضَى مِنْ صَدْرِ الْأُمَّةِ وَسَلَفِهَا الصَّالِحِ وَتَزْكِيَةُ مَنْ أَحْدَثَ هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ فَاتَتْهُمْ فَضِيلَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَظُنَّ هَذَا أَحَدٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» وَقَوْلُهُ: فَاسْتَعَنْت بِاَللَّهِ تبارك وتعالى وَاسْتَخَرْته.

اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى هَذَا الْعَجَبِ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ كَيْفَ يَسْتَعِينُ وَيَسْتَخِيرُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِخَارَةَ لَا تَكُونُ فِي وَاجِبٍ وَلَا مُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ عَلَى مَا مَضَى مِنْ بَيَانِهَا، وَهَذَا قَدْ اسْتَعَانَ وَاسْتَخَارَ فِي شَيْءٍ يَلْزَمُهُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى السَّلَفِ الْمَاضِينَ وَعَلَى مَنْ أَتَى بَعْدَهُمْ مِمَّنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى إنْكَارِ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ فِي الدِّينِ.

وَقَوْلُهُ: وَأَوْجَزْت الْقَوْلَ فِيهِ وَاخْتَصَرْته. فَهَذَا اللَّفْظُ فِيهِ إيهَامٌ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ أَوْ طَالَعَهُ إذْ إنَّهُ يُشْعِرُ أَنَّ لَهُ أَدِلَّةً كَثِيرَةً عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَامَهُ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَنْ تَعَرَّضَ الرَّدَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْجُلَّةِ يَحْتَاجُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَقْوَى الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ وَأَعْظَمِهَا

ص: 253

لِكَيْ يَحْصُلَ لَهُ مَا رَامَهُ أَوْ بَعْضُهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. فَقَوْلُهُ: وَأَوْجَزْت الْقَوْلَ فِيهِ وَاخْتَصَرْته فِيهِ مَا فِيهِ. وَقَوْلُهُ عَقِبَ خُطْبَتِهِ: فَأَقُولُ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ شَاعَتْ بَيْنَ النَّاسِ بَعْدَ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ وَلَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ. فَلَفْظُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ لِنَقْلِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا حَدَثَتْ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ وَلَمْ تُعْرَفْ قَبْلَهُ وَشَيْءٌ هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَقَدْ وَرَدَ «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي قَوْلِهِ: شَاعَتْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: بَيْنَ النَّاسِ فَيَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظَةِ النَّاسِ الْعُلَمَاءَ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْعُلَمَاءِ فِي إطْلَاقِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَيْهِمْ كَمَا سَبَقَ.

فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَنْكَرُوهَا وَعَدُّوهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ الْمُنْكَرَةِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْعَوَامَّ لَيْسَ إلَّا فَالْعَوَامُّ لَا يُقْتَدَى بِهِمْ فِي شَيْءٍ.

وَإِنْ كَانَ أَرَادَهُمَا مَعًا، فَلَا يَصِحُّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إنْكَارِ الْعُلَمَاءِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَوَامُّ وَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُهُ وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَنْشَأَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ صَانَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى.

فَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ إذْ أَنَّ مَبْدَأَ فِعْلِهَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ دُونَ غَيْرِهِ وَالْبُقَعُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَهَا فَضِيلَةٌ فِي نَفْسِهَا، فَلَيْسَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِيمَا حَدَثَ فِيهَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ. وَقَدْ حَفِظَهَا اللَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَدْ حَدَثَتْ فِيهِمَا أُمُورٌ مَعْرُوفَةٌ يَأْبَاهَا الشَّرْعُ الشَّرِيفُ وَلَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَالتَّشْرِيعُ لَا يَكُونُ بِفَضِيلَةِ الْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ وَلَا الْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ وَشَرَفِهِمَا.

إنَّمَا يُتَلَقَّى عَنْ الشَّارِعِ بِنَصِّهِ عليه الصلاة والسلام. فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ إنَّ مُنْشَأَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى عَمَلِهَا وَإِثْبَاتِهَا فَمَا تَقَدَّمَ هُوَ جَوَابُهُ. وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْهَا أَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الدِّينِ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ آخَرَ.

وَقَوْلُهُ وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ بِهَا بِعَيْنِهَا وَخُصُوصِهَا ضَعِيفٌ سَاقِطُ الْإِسْنَادِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ

ص: 254

ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ مَوْضُوعٌ وَذَلِكَ الَّذِي نَظُنُّهُ وَمِنْهُمْ مِنْ يَقْتَصِرُ عَلَى وَصْفِهِ بِالضَّعْفِ وَلَا تُسْتَفَادُ لَهُ صِحَّةٌ مِنْ ذِكْرِ رَزِينِ بْنِ مُعَاوِيَةَ إيَّاهُ فِي كِتَابِهِ فِي تَحْرِيرِ الصِّحَاحِ وَلَا مِنْ ذِكْرِ صَاحِبِ كِتَابِ الْإِحْيَاءِ لَهُ فِيهِ وَاعْتِمَادُهُ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِمَا مِنْ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَإِيرَادِ رَزِينٍ مِثْلَهُ فِي مِثْلِ كِتَابِهِ مِنْ الْعَجَبِ.

فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى اعْتِرَافِهِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ بِهَا ضَعِيفٌ سَاقِطُ الْإِسْنَادِ مَعَ قَوْلِهِ إنَّهُ مَوْضُوعٌ وَإِلَى مُنَاقَشَتِهِ لِرَزِينٍ فِي كَوْنِهِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ وَتَعَجُّبِهِ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ قَالَهُ الْعُلَمَاءُ.

وَقَوْلُهُ ثُمَّ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ضَعْفِ الْحَدِيثِ بُطْلَانُ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ وَالْمَنْعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ عُمُومِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ الْوَارِدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ فَهِيَ إذَنْ مُسْتَحَبَّةٌ بِعُمُومِ نُصُوصِ الشَّرِيعَةِ الْكَثِيرَةِ النَّاطِقَةِ بِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا مَا رَوَيْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الصَّلَاةُ نُورٌ» وَمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ وَلَهُ طُرُقٌ صِحَاحٌ. وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ نَسَبَ الْحَدِيثَ إلَى ابْنِ مَاجَهْ وَقَدْ خَرَّجَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُوَطَّإِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ الْحُفَّاظِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ. ثُمَّ. إنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ مَا رَامَهُ وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] وَالصَّلَاةُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ تُطْلَقُ عَلَى الدُّعَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ: اُدْعُ لَهُمْ وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] فَهَذَا أَيْضًا أَمْرٌ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَيَلَانِ وَالِانْحِنَاءِ.

تَقُولُ الْعَرَبُ سَجَدَ الظِّلُّ إذَا مَالَ وَسَجَدَتْ النَّخْلَةُ إذَا مَالَتْ فَلَوْ تُرِكْنَا مَعَ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِالصَّلَاةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ دُونَ بَيَانٍ لَمْ نَعْرِفْ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ مَا هِيَ فَلَمَّا بَيَّنَهَا صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عَلِمْنَا حَقِيقَةَ ذَلِكَ وَتَفْصِيلَهُ قَالَ

ص: 255

تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ بَيَّنَهُ عليه الصلاة والسلام وَعَلَّمَهُ وَنُقِلَ عَنْهُ وَتَقَرَّرَ وَلَيْسَتْ صَلَاةُ رَجَبٍ مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَا بُدَّ أَنْ تُتَلَقَّى مِنْهُ عليه الصلاة والسلام أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِمِثْلِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَوْ الْكُسُوفِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ أَوْ الْخَوْفِ أَوْ الْجِنَازَةِ.

هَذَا، وَهُوَ قَدْ فَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام كَيْفَ الْأَمْرُ فِي شَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ عليه الصلاة والسلام وَلَا قَرَّرَهُ بَلْ إنَّمَا حَدَثَ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ عَلَى مَا سَبَقَ فَيَتَعَيَّنُ الْمُكَلَّفُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي التَّنَفُّلِ عَلَى مَا تَنَفَّلَ بِهِ عليه الصلاة والسلام. وَقَدْ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ إلَيْنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ.

وَقَوْلُهُ: وَأَخُصُّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ تَعْلِيقًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَلَمْ يَضَعْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ عِشْرِينَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» فَهَذَا مَخْصُوصٌ بِمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً دَاخِلَةٌ فِي عِشْرِينَ رَكْعَةً وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَوْصَافِ الزَّائِدَةِ تُوجِبُ نَوْعِيَّةً وَخُصُوصِيَّةً غَيْرَ مَانِعَةٍ مِنْ الدُّخُولِ فِي هَذَا الْعُمُومِ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ أَنَّهُ لَمْ فَلَوْ لَمْ يُرِدْ إذْنَ حَدِيثٍ أَصْلًا بِصَلَاةِ الرَّغَائِبِ بِعَيْنِهَا وَوَصْفِهَا لَكَانَ فِعْلُهَا مَشْرُوعًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الصَّلَاةَ مُتَلَقَّاةٌ مِنْ الشَّارِعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ بِأَوْقَاتِهَا وَأَسْمَائِهَا وَصِفَاتِهَا وَحُدُودِهَا وَلَا مَدْخَلَ لِصَلَاةِ رَجَبٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ عَلَى مَا سَبَقَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ. ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى هَذَا الْعَجَبِ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ كَيْفَ اسْتَدَلَّ لِجَوَازِ فِعْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً دَاخِلَةٌ فِي عِشْرِينَ رَكْعَةً فَرَدَّ الْأَمْرَ إلَى الْحِسَابِ وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَوَاتِ

ص: 256

إذْ أَنَّهَا تَعَبُّدٌ مَحْضٌ وَالْحِسَابُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْمَوَارِيثِ وَمَا شَاءَ كُلُّهَا.

مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَنْ صَلَّى بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ» فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْعَدَدِ وَمَعَ هَذَا فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا، وَهُوَ اخْتِلَافُ النِّيَّتَيْنِ إذْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَنَفَّلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إنَّمَا يَنْوِي النَّافِلَةَ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهَا وَصَلَاةُ رَجَبٍ لَهَا نِيَّةٌ تَخُصُّهَا وَصِفَةٌ تَخُصُّهَا وَاسْمٌ يَخُصُّهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ فَإِذَا تَنَفَّلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ عَادَةٌ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ مَضَى عَلَى عَادَتِهِ فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَجْمَعْ لَهَا فِي الْمَسَاجِدِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ وَتَنَفَّلَ التَّنَفُّلَ الْمَعْهُودَ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى بَابِهِ

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ أَوَّلَ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ فَذًّا أَوْ جَمَاعَةً فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَدِيثِ فِيهَا هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ أَوْ ضَعِيفٌ فَعَلَى ضَعْفِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ مَا لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِعْلُهَا فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسَاجِدِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ فَبِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَفِعْلُهَا فِي الْمَسَاجِدِ مُطْلَقًا أَوْ الْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ شِعَارٌ ظَاهِرٌ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ عَلَيْهِ يُعَيِّنُهُ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ.

ثُمَّ إنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا رَغَّبَ فِي التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِالْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ صَلَاةَ رَجَبٍ وَلَا تَعَرَّضَ لَهَا وَلَا فَهِمَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحِسَابِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَوْصَافِ الزَّائِدَةِ يُوجِبُ نَوْعِيَّةً وَخُصُوصِيَّةً غَيْرَ مَانِعَةٍ مِنْ الدُّخُولِ فِي هَذَا الْعُمُومِ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَحْتَاجُ إلَى التَّوْقِيفِ عَلَى بَيَانِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، وَإِذَا افْتَقَرَتْ إلَى ذَلِكَ فَأَوْصَافُهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ تَفْتَقِرَ إلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ فَالْأَذْكَارُ الَّتِي فِيهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ قَدْ جَاءَتْ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ

ص: 257

فَالْجَوَابُ أَنَّهَا، وَإِنْ جَاءَتْ فَفِعْلُهَا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي تَشْرِيعٍ وَشَعَائِرَ ظَاهِرٌ، وَهَذَا الْكَلَامُ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْأَوْصَافِ الزَّائِدَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ الْأَمْرِ بِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ عَدَمِ دُخُولِهَا فِيهِ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْعُمُومُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا فِيهَا مِنْ الْأَوْصَافِ الزَّائِدَةِ إذْ أَنَّ ذَاتَ الشَّيْءِ إذَا لَمْ تَدْخُلْ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى صِفَتُهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يُرِدْ إذْنَ حَدِيثٍ أَصْلًا بِصَلَاةِ الرَّغَائِبِ بِعَيْنِهَا وَوَصْفِهَا لَكَانَ فِعْلُهَا مَشْرُوعًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ. قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي عُمُومِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْ ذَاتُهَا فَمَا فِيهَا مِنْ الْأَوْصَافِ الزَّائِدَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى فَبَانَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ كَمَا ذَكَرَ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِيهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَلَا يُنْكَرُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَقَوْلُهُ وَكَمْ مِنْ صَلَاةٍ مَقْبُولَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى وَصْفٍ خَاصٍّ لَمْ يَرِدْ بِوَصْفِهَا ذَلِكَ نَصٌّ خَاصٌّ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ ثُمَّ لَا يُقَالُ إنَّهَا بِدْعَةٌ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهَا بِدْعَةٌ لَقَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّهَا بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ لِكَوْنِهَا رَاجِعَةً إلَى أَصْلٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِوَاقِعٍ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا بَيَّنَهَا الشَّارِعُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ وَبَيَّنَ أَوْقَاتَهَا وَأَسْمَاءَهَا وَجَمِيعَ صِفَاتِهَا حَتَّى الْقِرَاءَةَ فِيهَا فَمَا زَادَ عَلَى بَيَانِهِ فَهُوَ حَدَثٌ فِي الدِّينِ فَإِذَا أَتَى الْمُصَلِّي بِذَلِكَ كُلِّهِ حَكَمَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْقَبُولِ أَوْ الرَّدِّ إذْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا وَهِيَ الصَّلَاةُ الْمَشْرُوعَةُ الَّتِي بِهَا قِوَامُ الدِّينِ فَمَا بَالُك بِصَلَاةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ فِيهِ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَالضَّلَالَةُ لَا تَكُونُ مُتَقَبَّلَةً.

وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما لَمَّا قَالَ لَهُ هَنِيئًا لَك يَا أَبَتِ تَصَدَّقْت الْيَوْمَ بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ: وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمَ أَبُوك أَنَّ اللَّهَ عز وجل تَقَبَّلَ مِنْهُ حَسَنَةً وَاحِدَةً مَا كَانَ شَيْءٌ أَشْهَى لَهُ مِنْ الْمَوْتِ. هَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِلَفْظِ الْقَبُولِ الْقَبُولَ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ

ص: 258

وَتَعَالَى، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْقَبُولَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَالْعُلَمَاءُ لَا يَقْبَلُونَ إلَّا مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ الْمُقْتَدَى بِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ فَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَكَلَامُهُ مَرْدُودٌ وَالْبِدْعَةُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَا اخْتَرَعَهُ الْمَرْءُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ غَيْرُهُ فَإِذَا صَلَّى صَلَاةً لَمْ تَرِدْ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ إلَّا مِنْ بَيَانِهِ عليه الصلاة والسلام فَمَنْ فَعَلَهَا وُصِفَ فِعْلُهُ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهَا بِدْعَةٌ لَقَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّهَا بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى هَذِهِ الْغَفْلَةِ مَا أَشَدَّهَا؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ فَحَكَمَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَمَنْ زَادَ وَصْفًا عَلَى الصَّلَاةِ الْمَشْرُوعَةِ فَقَدْ زَادَ عَلَى فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَالزِّيَادَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا وَالْمَكْرُوهُ ضِدُّ الْحَسَنِ فَكَيْفَ يَحْكُمُ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ يَصِفُهَا بِكَوْنِهَا بِدْعَةً حَسَنَةً. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّ الْبِدْعَةَ الْحَسَنَةَ مِثْلُ بِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَمَا أَشْبَهَهَا.

وَقَالُوا فِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ إنَّهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَأَنْكَرُوهَا إنْكَارًا شَدِيدًا. حَتَّى أَنَّ مَنْ هُوَ عَلَى مَذْهَبِ هَذَا الْقَائِلِ، وَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى النَّوَوِيُّ رحمه الله أَنْكَرَهَا إنْكَارًا شَدِيدًا فِي فَتَاوِيه، وَهَذَا لَفْظُهَا. قَالَ: مَسْأَلَةٌ: صَلَاةُ الرَّغَائِبِ الْمَعْرُوفَةِ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ أَوْ بِدْعَةٌ.

الْجَوَابُ هِيَ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ مُنْكَرَةٌ أَشَدَّ إنْكَارٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى مُنْكَرَاتٍ فَعُيِّنَ تَرْكُهَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا، وَإِنْكَارُهَا عَلَى فَاعِلِهَا وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْعُ النَّاسِ مِنْ فِعْلِهَا فَإِنَّهُ رَاعٍ وَكُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ كُتُبًا فِي إنْكَارِهَا وَذَمِّهَا وَتَسْفِيهِ فَاعِلِهَا وَلَا يَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَلَا بِكَوْنِهَا مَذْكُورَةً فِي قُوتِ الْقُلُوبِ وَإِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ.

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ أَحْدَثَ

ص: 259

فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مِنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ بِالرُّجُوعِ إلَى كِتَابِهِ فَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِاتِّبَاعِ الْجَاهِلِينَ وَلَا بِالِاغْتِرَارِ بِغَلَطَاتِ الْمُخْطِئِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا رَاجِعَةً إلَى أَصْلٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَوْقِيفِيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْخُرُوجِ إلَيْهَا وَالتَّكْبِيرِ فِيهَا وَكَذَلِكَ بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَصَلَاةَ الْخَوْفِ وَالرَّوَاتِبِ مَعَ الصَّلَوَاتِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالِاسْتِخَارَةِ وَالتَّهَجُّدِ وَصَلَاةَ الْمَرِيضِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَبَيَّنَ عليه الصلاة والسلام جَمِيعَ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ وَأَوْضَحَهَا بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا وَلَا يُنْقِصَ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام بِدْعَةً مَمْنُوعَةً فَأَوْلَى بِالْمَنْعِ إذَا أُحْدِثَتْ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ تَسْمِيَةٌ وَوَقْتٌ خَاصٌّ هِيَ بِهَا وَصَارَتْ شِعَارًا ظَاهِرًا شَائِعًا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا إلَّا فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ فَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ يَفْتَقِرُ اسْتِحْبَابُهَا إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُسْتَقِلٍّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ إقَامَتِهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ.

وَقَوْلُهُ وَمِنْ أَمْثَالِ هَذَا مَا إذَا صَلَّى إنْسَانٌ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ خَمْسَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ آيَةً فَآيَةً مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سُورَةً عَلَى التَّوَالِي وَخَصَّ كُلَّ رَكْعَةٍ مِنْهَا بِدُعَاءٍ خَاصٍّ فَهَذِهِ صَلَاةٌ مَقْبُولَةٌ غَيْرُ مَرْدُودَةٍ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ صَلَاةٌ مُبْتَدَعَةٌ مَرْدُودَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَوْ وَضَعَ أَحَدٌ حَدِيثًا بِإِسْنَادٍ رَوَاهَا بِهِ لَأَبْطَلْنَا الْحَدِيثَ وَأَنْكَرْنَاهُ وَلَمْ نُنْكِرْ الصَّلَاةَ فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلِهَذَا شَوَاهِدُ وَنَظَائِرُ لَا تُحْصَى مِنْ سَائِرِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَقَالَ عَنْهَا

ص: 260

إنَّهَا لَمْ تَرِدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ فَكَفَى غَيْرَهُ بِقَوْلِهِ: مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَيْهِ إذْ أَنَّ مَا لَمْ يَرِدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَالْبِدْعَةُ مَكْرُوهَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ فَهَذِهِ صَلَاةٌ مَقْبُولَةٌ غَيْرُ مَرْدُودَةٍ فَالْكَلَامُ عَلَيْهِ كَالْكَلَامِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ وَكَمْ مِنْ صَلَاةٍ مَقْبُولَةٍ فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَمْتَثِلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُحْسِنَ النِّيَّةَ مَا اسْتَطَاعَ وَيَتَّبِعَ السُّنَّةَ فِي عَمَلِهِ وَيَرْجُو بَعْدَ ذَلِكَ الْقَبُولَ مِنْ فَضْلِ الْمَوْلَى الْكَرِيمِ، وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَادَةَ بِفَضْلِهِ أَنَّ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّبَعَ أَمْرَهُ وَاجْتَنَبَ نَهْيَهُ تَقَبَّلَ مِنْهُ وَنَجَّاهُ، وَأَمَّا إنْ فَعَلَ فِعْلًا لَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ فِعْلَ هَذَا حَدَثٌ وَالْحَدَثُ فِي الدِّينِ مَمْنُوعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ رحمه الله لَوْ رَأَيْت الصَّحَابَةَ يَتَوَضَّئُونَ إلَى الْكُوعَيْنِ لَتَوَضَّأْت كَذَلِكَ، وَإِنْ كُنْت أَقْرَؤُهَا إلَى الْمَرَافِقِ.

وَعَلَى هَذَا دَرَجَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِقَوْلِهِمْ وَفِعْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى امْتِثَالِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم فَكَانُوا رضي الله عنهم يَمْتَثِلُونَ السُّنَّةَ فِي أَعْمَالِهِمْ وَيَخَافُونَ مَعَ ذَلِكَ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْخَوْفُ عَلَى الْعَمَلِ بَعْدَ الْعَمَلِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَمَلِ، وَهَذَا الْقَائِلُ قَدْ ذَكَرَ صُورَةً لَمْ تَرِدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ فَجَعَلَهَا دَلِيلًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَا رَامَهُ مِنْ صِحَّةِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ آيَةً فَآيَةً مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سُورَةً.

فَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مَكْرُوهًا فِي صَلَاتِهِ مُسْتَدِلًّا بِفِعْلِ «النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ فَلَمَّا أَنْ بَلَغَ إلَى قِصَّةِ مُوسَى وَهَارُونَ أَخَذَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُعْلَةٌ فَرَكَعَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِبَعْضِ سُورَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ السُّورَةِ لِلْعُذْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ فَمَا بَالُك بِآيَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَخْتَارُهَا فَأَيْنَ الْحَالُ مِنْ الْحَالِ وَأَيْنَ الِاتِّبَاعُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَوْ وَضَعَ لَهَا أَحَدٌ حَدِيثًا بِإِسْنَادٍ رَوَاهَا بِهِ لَأَبْطَلْنَا الْحَدِيثَ وَأَنْكَرْنَاهُ وَلَمْ نُنْكِرْ الصَّلَاةَ فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي

ص: 261

صَلَاةِ الرَّغَائِبِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ، وَهُوَ جَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.

وَالسُّنَّةُ الْمَاضِيَةُ فِي التَّنَفُّلِ الَّتِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ وَأَمْرُهُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْعَمْدِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ سَهْوًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْجُلُوسِ مَا لَمْ يَرْكَعْ فَإِنْ رَكَعَ مَضَى فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَيَسْجُدَ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ وَقَامَ إلَى خَامِسَةٍ سَهْوًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مَتَى ذَكَرَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ.

أَلَا تَرَى إلَى فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام لَمَّا أَنْ «خَرَجَ مَعَ صَفِيَّةَ لَيْلًا فَمَرَّ بِهِ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام عَلَى رِسْلِكُمَا إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيت أَنْ يَقْذِفَ الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا أَوْ قَالَ شَيْئًا» .

فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ أَحَدُهُمَا عِصْمَتُهُ عليه الصلاة والسلام فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْأَصْلُ الثَّانِي قُوَّةُ إيمَانِ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكْتَفِ عليه الصلاة والسلام بِهَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ حَتَّى بَيَّنَ لَهُمَا مَا الْحَالُ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ كَافِيًا لَمْ يَحْتَجْ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمَا ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِهَذَا شَوَاهِدُ وَنَظَائِرُ لَا تُحْصَى مِنْ سَائِرِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَوَابِ عَنْهَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الشَّوَاهِدِ وَالنَّظَائِرِ الَّتِي قَالَ عَنْهَا وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ أَعْنِي عَلَى مُقْتَضَى الِاتِّبَاعِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ مَنْقُولَةٌ مَحْفُوظَةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ وَلَا قِيَاسِيَّةٌ.

نَعَمْ الْفُقَهَاءُ يُعَلِّلُونَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا أَنْ يَخْتَرِعَ الْإِنْسَانُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ شَيْئًا وَيُعَلِّلَهُ بِعَقْلِهِ فَبَعِيدٌ عَنْ وَجْهِ الصَّوَابِ غَيْرُ مَعْقُولٍ عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ. عَلَى أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَصْلٍ مِنْ

ص: 262

الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيهِ فَتْحُ بَابٍ عَظِيمٍ لِاسْتِحْسَانِ الْبِدَعِ وَالزِّيَادَةِ فِي الدِّينِ إذْ أَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَحْسَنَ شَيْئًا يَسْتَنِدُ لِهَذَا الْقَوْلِ فَيُعَلِّلُ مَا اسْتَحْسَنَهُ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «أَلَا وَإِنِّي قَدْ بَلَّغْت مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَكْثَرَ» عَلَى هَذَا فَالْأَصْلُ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ بَيَّنَهُ عليه الصلاة والسلام سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ فَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى بَيَانِهِ عليه الصلاة والسلام بِالْفِعْلِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ، فَإِنَّ التَّمَسُّكَ بِهِ مُتَعَيِّنٌ وَلَا يُطَالَبُ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ بِدَلِيلٍ غَيْرِهِ فَمَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ صَلَاةً أَوْ شِعَارًا فَهُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذُكِرَ فِيهَا مَعَ ضَعْفِهِ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ صَدْرِ الْأُمَّةِ فَهِمَ أَنْ يُجْمَعَ لَهَا وَلَا أَنْ تُعْمَلَ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ أَتَى بَعْدَهُمْ إلَى الْقَرْنِ الْخَامِسِ وَشَيْءٌ لَمْ يُوجَدْ مِنْ هَؤُلَاءِ فَاطِّرَاحُهُ مُتَعَيِّنٌ.

وَقَدْ بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام جَمِيعَ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَكَيْفِيَّتَهَا وَوَقَّتَ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا وَقْتًا مَعْلُومًا لَا يَتَغَيَّرُ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ وَلَا يُنْقِصَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّارِعُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ. وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ كَافِيًا كَمَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَمَا دَعَتْ حَاجَةٌ إلَى بَيَانِهِ عليه الصلاة والسلام كُلَّ صَلَاةٍ عَلَى حِدَتِهَا وَمَا تَخْتَصُّ بِهِ وَمَا يَنُوبُ الْمَرْءُ فِيهَا، وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ النَّفْسَ مِنْ طَبْعِهَا أَنَّهَا لَا تُرِيدُ الدُّخُولَ تَحْتَ الْأَحْكَامِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْطَانَ عَلَى تَمَرُّدِهِ فِي كُفْرِهِ لَا يُنَازِعُ الرُّبُوبِيَّةَ وَالنَّفْسَ تُنَازِعُهَا فَكُلُّ فِعْلٍ كَانَتْ بِهِ مَأْمُورَةً لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِمُجَاهِدَةٍ قَوِيَّةٍ بِخِلَافِ مَا تَبْتَدِعُهُ وَتُحْدِثُهُ مِنْ قِبَلِهَا، فَإِنَّهَا تَنْشَطُ فِيهِ وَتَتَحَمَّلُ الْمَشَقَّةَ وَالْخَطَرَ لِكَوْنِهَا آمِرَةً غَيْرَ مَأْمُورَةٍ، وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُهَا فِيهِ التَّعَبُ، فَإِنَّهُ حُلْوٌ عِنْدَهَا بِسَبَبِ أَنَّهَا آمِرَةٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتْ الْعِبَادَةُ بِالْعَادَةِ، وَلَا بِالِاسْتِحْسَانِ، وَلَا بِالِاخْتِيَارِ، وَإِنَّمَا هِيَ رَاجِعَةٌ

ص: 263

إلَى امْتِثَالِ أَمْرِ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى مَعَ بَيَانِ رَسُولِهِ الْمَعْصُومِ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَحَيْثُ مَشَى مَشَيْنَا وَحَيْثُ وَقَفَ وَقَفْنَا، وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ إلَى مَا اسْتَنْبَطَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَفَادُوهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَحَدِيثِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَدْخَلٌ.

اللَّهُمَّ مُنَّ عَلَيْنَا بِذَلِكَ بِكَرَمِك يَا كَرِيمُ وَأَيْضًا فَمَا حَدَثَ بَعْدَ السَّلَفِ رضي الله عنهم لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلِمُوهُ وَعَلِمُوا أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَنْقِيصُهُمْ وَتَفْضِيلُ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَيْهِمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ أَكْمَلُ النَّاسِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَشَدُّهُمْ اتِّبَاعًا.

وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلِمُوهُ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ لَمْ يَتْرُكُوا إلَّا لِمُوجِبٍ أَوْجَبَ تَرْكَهُ فَكَيْفَ يُمْكِنُ فِعْلُهُ هَذَا مِمَّا لَا يُتَعَقَّلُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا لَمْ يَعْلَمُوهُ فَيَكُونَ مَنْ ادَّعَى عِلْمَهُ بَعْدَهُمْ أَعْلَمَ مِنْهُمْ وَأَفْضَلَ وَأَعْرَفَ بِوُجُوهِ الْبِرِّ وَأَحْرَصَ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَعَلِمُوهُ وَلَظَهَرَ لَهُمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ أَعْقَلُ النَّاسِ وَأَعْلَمُهُمْ. وَقَدْ قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عُقُولُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ أَزْمِنَتِهِمْ. وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إشْكَالٌ فِي الدِّينِ، وَلَا فِي الِاعْتِقَادَاتِ لِوُفُورِ عُقُولِهِمْ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ الشُّبَهُ بَعْدَهُمْ لَمَّا خَالَطَتْ الْعُجْمَةُ الْأَلْسُنَ فَلِنُقْصَانِ عُقُولِ مَنْ بَعْدَهُمْ عَنْ عُقُولِهِمْ وَقَعَ مَا وَقَعَ.

وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُتَوَهَّمُ فِيهِ مِنْ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ أَنَّهُ كَذَلِكَ أُمُورٌ نَذْكُرُهَا وَنُبَيِّنُ بِالدَّلِيلِ الْوَاضِحِ كَوْنَهَا سَالِمَةً مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تبارك وتعالى:

أَحَدُهَا: مَا فِيهَا مِنْ تَكْرَارِ السُّورَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْمَكْرُوهِ الْمُنْكَرِ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ تَكْرَارُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ هِيَ فَإِنْ لَمْ نَسْتَحِبَّهُ نَعُدُّهُ مِنْ الْمَكْرُوهِ الْمُنْكَرِ لِعَدَمِ دَلِيلٍ قَوِيٍّ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا وَرَدَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ كَرَاهَةِ نَحْوِ ذَلِكَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى تَرْكِ الْأُولَى، فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ قَدْ أُطْلِقَتْ عَلَى مَعَانٍ وَذَلِكَ أَحَدُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ وُقُوعِ التَّوَهُّمِ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هِيَ مَسَائِلُ عَدِيدَةٌ صَحِيحَةٌ خَالَفَ فِيهَا نَقْلَ الْعُلَمَاءِ فَبَدَأَ بِتَكْرَارِ السُّورَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى فِعْلِهَا بِمَا وَرَدَ فِي

ص: 264

الْحَدِيثِ مِنْ تَكْرَارِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ عُلَمَاءَنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَالُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ إنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يُكَرِّرُهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْفَظُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا لَا يُكَرِّرُونَهَا مَعَ عِلْمِهِمْ بِفَضِيلَتِهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَكْرَارِ السُّورَةِ لِحَافِظِ الْقُرْآنِ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ رحمه الله عَنْ قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِرَارًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي أَحْدَثُوهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ رحمه الله كَرِهَ مَالِكٌ رحمه الله لِلَّذِي يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَنْ يُكَرِّرَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِرَارًا لِئَلَّا يُعْتَقَدَ أَنَّ أَجْرَ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَأْوِيلًا لِمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ «أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» إذْ لَيْسَ ذَلِكَ مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ لَاقْتَصَرُوا عَلَى قِرَاءَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي الصَّلَوَاتِ بَدَلًا مِنْ قِرَاءَةِ السُّوَرِ الطِّوَالِ، وَلَكَرَّرُوهَا فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ فَرَائِضِهِمْ وَنَوَافِلِهِمْ وَلَاقْتَصَرُوا عَلَى قِرَاءَتِهَا مِنْ دُونِ سَائِرِ الْقُرْآنِ فِي تِلَاوَتِهِمْ. فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يُسَاوِي أَجْرَ مَنْ أَحْيَا اللَّيْلَ وَقَامَ فِيهِ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: إنَّ تَكْرِيرَهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ وَرَأَى ذَلِكَ بِدْعَةً، وَهُوَ كَمَا قَالَ رضي الله عنه وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ تَكْرِيرَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ طَوِيلَةٍ تَزِيدُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى قَدْرِ مَا يَجْتَمِعُ مِنْ تَكْرِيرِهَا الْمَرَّاتِ الَّتِي كَرَّرَهَا فِيهَا لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ «سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] يُكَرِّرُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» إذْ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُرَدِّدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْفَظُ سِوَاهَا وَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -

ص: 265

إنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ السُّوَرِ الطِّوَالِ، وَإِنَّمَا أَعْلَمَ بِأَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَتَقَالُّهَا عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ السَّلَفُ رضي الله عنهم يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ كُلٌّ عَلَى قَدْرِ وِرْدِهِ الَّذِي اعْتَادَهُ وَيُسْتَحَبُّ تَرْجِيعُ الْقُرْآنِ لِلتَّفَهُّمِ وَالتَّدَبُّرِ.

هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَسَعُنَا مَا وَسِعَهُمْ إنْ كُنَّا صَالِحِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ نَسْتَحِبَّهُ لَمْ نَعُدَّهُ مِنْ الْمَكْرُوهِ الْمُنْكَرِ لِعَدَمِ دَلِيلٍ قَوِيٍّ عَلَى ذَلِكَ، فَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ السُّورَةِ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا تَقَدَّمَ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ تَكْرَارَهَا مَكْرُوهٌ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إنَّمَا تُرَادُ لِلثَّوَابِ وَالْقِرَاءَةُ عَلَى طَرِيقِ الِاتِّبَاعِ هِيَ أَكْثَرُ ثَوَابِهَا، وَفِيهَا تَرْكُ الْإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ خَيْرٌ عَظِيمٌ وَالْمَكْرُوهُ الْمُنْكَرُ لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِهَا بَلْ الْكَرَاهَةُ هُنَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَحَدُّ الْمَكْرُوهِ مَا فِي تَرْكِهِ ثَوَابٌ، وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ عِقَابٌ، وَالْقُرْآنُ يُنَزَّهُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَكْرُوهِ فِيهِ، فَتَرْكُهُ يَتَأَكَّدُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَمْ يَحْفَظْ الْقُرْآنَ فَلَا بَأْسَ إذَنْ بِتَكْرَارِ السُّورَةِ فِي النَّافِلَةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَمَا وَرَدَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ كَرَاهَةِ نَحْوِ ذَلِكَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى تَرْكِ الْأَوْلَى، فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ قَدْ أُطْلِقَتْ عَلَى مَعَانٍ وَذَلِكَ أَحَدُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ تَرْكَ الْأَوْلَى فِي تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ يَتَأَكَّدُ تَرْكُهُ إذْ لَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى ارْتِكَابِ مِثْلِ هَذَا فِي تِلَاوَةِ كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

قَوْلُهُ الثَّانِي السَّجْدَتَانِ الْمُفْرَدَتَانِ عَقِبَ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي كَرَاهَةِ مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُنَازِعُ يَخْتَارُ قَوْلَ مَنْ يَكْرَهُهُمَا فَسَبِيلُهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا فَحَسْبُ لَا أَنْ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ مِنْ أَصْلِهَا. وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِي تَكْرَارِ السُّورَةِ سَوَاءٌ بَقِيَ عَلَى الصَّلَاةِ اسْمُهَا الْمَعْرُوفُ لِبَقَاءِ مُعْظَمِهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ إبْقَاءَ النَّاسِ عَلَى مَا اعْتَادُوهُ مِنْ شَغْلِ هَذَا الْوَقْتِ بِالْعِبَادَةِ وَصِيَانَتِهِمْ عَنْ التَّرْكِ لَا إلَى خَلَفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الصَّلَاةَ

ص: 266

إنَّمَا يُرَادُ بِهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّقَرُّبُ إنَّمَا يَكُونُ بِالِامْتِثَالِ لَا بِالِابْتِدَاعِ وَلَا بِالْمَكْرُوهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي كَرَاهَةِ مِثْلِ ذَلِكَ وَالْعُلَمَاءُ إنَّمَا أَجَازُوا السُّجُودَ الْمُنْفَرِدَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا:

أَحَدُهُمَا: سُجُودُ التِّلَاوَةِ.

وَالثَّانِي: سُجُودُ الشُّكْرِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَاهُ.

وَلَيْسَتْ هَاتَانِ السَّجْدَتَانِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم فَبَطَلَ مَا حَكَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي إجَازَةِ مِثْلِ ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُنَازِعُ يَخْتَارُ قَوْلَ مَنْ يَكْرَهُهُمَا فَسَبِيلُهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا فَحَسْبُ، لَا أَنْ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ مِنْ أَصْلِهَا فَهَذَا لَا يَنْهَضُ لَهُ أَيْضًا، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ السَّجْدَتَيْنِ الْمُفْرَدَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ عَلَى صِفَتِهَا بِكَمَالِهَا فَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ صَلَاةَ رَغَائِبَ، وَإِنْ سَجَدَهُمَا فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَمَا سَبَقَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِي تَكْرَارِ السُّورَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ سَوَاءٌ بَقِيَ عَلَى الصَّلَاةِ اسْمُهَا الْمَعْرُوفُ لِبَقَاءِ مُعْظَمِهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ اسْمُهَا الْمَعْرُوفُ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ أَوْ صَلَاةَ النَّافِلَةِ الْمَشْرُوعَةِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ فَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ لِنُقْصَانِ السَّجْدَتَيْنِ الْمُفْرَدَتَيْنِ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ صَلَاةَ النَّافِلَةِ الْمَشْرُوعَةِ، فَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ هُوَ صِفَةُ النَّافِلَةِ الْمَشْرُوعَةِ وَأَيْضًا فَهُوَ لَمْ يَنْوِهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ إبْقَاءَ النَّاسِ عَلَى مَا اعْتَادُوهُ مِنْ شَغْلِ هَذَا الْوَقْتِ بِالْعِبَادَةِ.

لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ بِلَفْظَةِ الْمَقْصُودِ الْمَقْصُودُ الشَّرْعِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنْ أَرَادَ الْمَقْصُودَ الشَّرْعِيَّ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا هُوَ الِامْتِثَالُ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ أَرَادَ مَا لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى لَفْظَةِ النَّاسِ، وَمَاذَا أُرِيدَ بِهَا وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَا اعْتَادُوهُ الْعَادَةَ الْمُوَافِقَةَ الشَّرْعَ الشَّرِيفَ أَوْ الْمُخَالِفَةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْمُوَافِقَةَ لِلشَّرْعِ فَلَيْسَ مَا أُحْدِثَ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ بِمُوَافِقٍ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَإِنْ أَرَادَ بِمَا

ص: 267

اعْتَادُوهُ مَا خَالَفَ الشَّرْعَ الشَّرِيفَ فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ فَالْكَلَامُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى كِلَا التَّقْرِيرَيْنِ.

ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى هَذَا الْعَجَبِ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ كَيْفَ يُثْبِتُ صَلَاةً بِعَمَلِ أَهْلِ الْقَرْنِ الْخَامِسِ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِعَمَلِ عُلَمَاءِ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مَعَ كَوْنِهِمْ الْجَمَّ الْغَفِيرَ، وَفِي زَمَانٍ لَا يُمْكِنُ ذَهَابُ السُّنَنِ عَنْهُمْ وَلَا يُتَّهَمُونَ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ وَلَا فِي إحْدَاثِ بِدْعَةٍ وَلَا يُقْدِمُونَ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا حُجَّةٍ وَهُمْ الَّذِينَ رَوَوْا الْحَدِيثَ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ مُعَارِضٌ لِعَمَلِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الرَّاوِيَ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي فَهْمِ الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرِهِ لَهُ، وَيَكُونُ تَرْجِيحًا مُقَدَّمًا عَلَى فَهْمِ مَنْ عَدَاهُ فَكَيْفَ يَحْكُمُ بِعَادَةِ بَعْضِ النَّاسِ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ، وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ شَغْلِ هَذَا الْوَقْتِ بِالْعِبَادَةِ فَالْعِبَادَةُ إنَّمَا هِيَ بِالِاتِّبَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَشَغْلُ هَذَا الْوَقْتِ بِمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ مِنْ التَّنَفُّلِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتَرْكِ الْبِدْعَةِ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ، وَإِنْ شَغَرَ الْوَقْتَ عَنْ الْعَمَلِ.

وَمِنْ كِتَابِ الْقُوتِ لِأَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ رحمه الله قَالَ بَعْضُهُمْ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ أَفْضَلُ أَعْمَالِهِمْ النَّوْمَ وَأَفْضَلُ عُلُومِهِمْ الصَّمْتَ " يَعْنِي لِفَسَادِ الْأَعْمَالِ وَلِاشْتِبَاهِ الْعِلْمِ " وَأَفْضَلُ أَحْوَالِهِمْ الْجُوعَ لِانْتِشَارِ الْحَرَامِ وَغُمُوضِ الْحَلَالِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَصِيَانَتِهِمْ عَنْ التَّرْكِ لَا إلَى خَلَفٍ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ بَقِيَ بِدُونِ عَمَلٍ وَشُغُورُ هَذَا الْوَقْتِ عَنْ فِعْلِ الْبِدْعَةِ أَفْضَلُ وَأَعْلَى بَلْ نَوْمُهُ أَفْضَلُ إذَا تَوَقَّعَ بِدْعَةً فِي عَمَلِهِ أَوْ دَسِيسَةً فَمَا بَالُك بِهِ مَعَ تَحَقُّقِهَا. فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا إلَى خَلَفٍ أَنَّهُمْ لَا يَشْتَغِلُونَ فِي وَقْتِهَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ، وَإِنْ أَرَادَ لَا إلَى خَلَفٍ عَنْهَا، وَإِنْ اشْتَغَلُوا فِي وَقْتِهَا بِغَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ مِنْ طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ صَلَاةِ نَافِلَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ تَفَكُّرٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةِ مُسْلِمٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ

ص: 268

فَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الطَّاعَاتِ، فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي عَمَلٍ مَشْرُوعٍ يُثَابُ عَلَيْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّوْمَ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِ الْبِدْعَةِ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ مَشْرُوعٍ كَانَتْ الْفَضِيلَةُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَقَوْلُهُ الثَّالِثُ مَا فِيهَا مِنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَدٍ خَاصٍّ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ فَهَذَا قَرِيبٌ وَاضِحٌ رَاجِعٌ إلَى مَا سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَمَنْ يَتَقَيَّدُ بِقِرَاءَةِ سُبْعِ الْقُرْآنِ أَوْ رُبُعِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَكَتَقْيِيدِ الْعَابِدِينَ بِأَوْرَادِهِمْ الَّتِي يَخْتَارُونَهَا لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّلَاةَ مُتَلَقَّاةٌ مِنْ بَيَانِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ نَصٍّ فِي عَدَدِهَا بِعَيْنِهَا وَخُصُوصِهَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَدْخُلُهَا إذْ أَنَّ أَفْرَادَهَا كُلَّهَا قَدْ بَيَّنَهَا صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ عليه الصلاة والسلام فَلَا بُدَّ مِنْ عَدَدِهَا فَكَيْفَ يُمْكِنُ مَعَ هَذَا أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَهَذَا قَرِيبٌ، وَهُوَ حُكْمٌ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّرِيعَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَهُوَ كَمَنْ يَتَقَيَّدُ بِقِرَاءَةِ سُبْعِ الْقُرْآنِ أَوْ رُبُعِهِ كُلَّ يَوْمٍ. فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَوْرَادِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ الْمَرْءُ مِنْ الْأَوْرَادِ الشَّرْعِيَّةِ مَأْخُوذٌ مِنْ نَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ» فَتَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ حَضَّ الْإِنْسَانِ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْعِبَادَةِ كَيْفَمَا كَانَ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً.

الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم كَانُوا عَالِمِينَ بِحَالِهِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فَكَانَ إجْمَاعًا.

فَهَذِهِ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ فِي تَقْدِيرِ الْأَوْرَادِ عَلَى مَا يَخْتَارُهُ الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَا تُقَاسُ الْبِدْعَةُ عَلَى هَذَا.

وَقَوْلُهُ الرَّابِعُ أَنَّ مَا فِيهَا مِنْ عَدَدِ السُّوَرِ وَالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِمَا مَكْرُوهٌ لِشَغْلِ الْقَلْبِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَدُّ الْآيَاتِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ عَائِشَةَ وَطَاوُسٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ

ص: 269

وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ.

فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله لَا بَأْسَ بَعْدَ الْآيِ فِي الصَّلَاةِ نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي مَنْصُوصَاتِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرُهُمْ. وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ الْحَدِيثِ حَدِيثُ صَلَاةِ التَّسَابِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ فِعْلِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِي عَدِّ الْآيَاتِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِمْ وَعَادَتِهِمْ فِي زَمَانِهِمْ.

أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قُلْت كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسُّحُورِ قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» . وَمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَة كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ» ، فَهَذِهِ عَادَتُهُمْ بِخِلَافِ عَادَتِنَا الْيَوْمَ فَكَانَ الْحَافِظُ مِنْهُمْ لِلْقُرْآنِ إذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فَهُوَ يَعْلَمُ كَمْ يُرِيدُ أَنْ يَقْرَأَ وَعَلَى أَيِّ آيَةٍ يَقِفُ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ جَلِيٌّ لَا خَفَاءَ بِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى حِسَابٍ وَلَا عَدٍّ، وَإِنَّمَا تُرِكَ ذَلِكَ حِينَ أَحْدَثَ الْحَجَّاجُ تَحْزِيبَ الْقُرْآنِ فَرَجَعُوا إلَى الْوُقُوفِ عَلَى الْأَحْزَابِ وَالْأَنْصَافِ وَالْأَرْبَاعِ وَالْأَثْمَانِ وَالْأَسْبَاعِ وَنَحْوِهَا وَمَنْ أَحْرَمَ فِي الصَّلَاةِ عَلِمَ كَمْ مِنْ حِزْبٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْرَأَهُ وَعَرَفَ مَا يَقِفُ عَلَيْهِ مِنْهَا كَمَا كَانَ أُولَئِكَ يَعْلَمُونَ بِالْآيَاتِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ شَغْلٌ عَنْ الْحُضُورِ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدِّ التَّسْبِيحِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِي أَيِّ وَقْتٍ يُتِمُّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ إلَّا بِحِسَابِ وَعَدٍّ عَلَى أَنَامِلِهِ، وَذَلِكَ شَغْلٌ فِي الصَّلَاةِ مُتَحَقِّقٌ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ فِيهَا وَالْمَطْلُوبُ فِي الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ لَا عَدَدُ الرَّكَعَاتِ وَالْأَذْكَارِ فَافْتَرَقَا. وَأَيْضًا، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ الْمَشْرُوعَةِ. وَصَلَاةُ الرَّغَائِبِ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ فَلَا يُقَاسَ مَا هُوَ بِدْعَةٌ عَلَى مَا هُوَ مَشْرُوعٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ. فَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ شَغْلُ الْقَلْبِ بِمَا يُعَدُّ وَيُحْسَبُ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي

ص: 270

الْحَدِيثِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «سِيرُوا بِسَيْرِ ضُعَفَائِكُمْ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى أَحْوَالُ الْقُلُوبِ وَالنَّاسِ بَلْ حَالُ الضَّعِيفِ.

وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ فَلَا يَسِيرُ الْقَوِيُّ إلَّا بِسَيْرِ الضَّعِيفِ. فَعَلَى هَذَا فَقَدْ صَارَتْ الْحَالَةُ وَاحِدَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ الْحَدِيثِ حَدِيثُ صَلَاةِ التَّسَابِيحِ. فَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ التَّسَابِيحِ قَدْ وَرَدَ بِهَا الْحَدِيثُ وَبَيَّنَ كَيْفِيَّتَهَا فِيهِ، فَهِيَ إذَنْ مِنْ الصَّلَاةِ الْمُبَيَّنَةِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام فَلَا يُقَاسُ مَا هُوَ مُحْدَثٌ عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُدَاوَمُ عَلَيْهَا وَلَا يُجْمَعُ لَهُمَا فِي مَسْجِدٍ وَلَا فِي مَوْضِعٍ مَشْهُورٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى بَيَانِهِ عليه الصلاة والسلام، وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ حَدِيثِ صَلَاةِ التَّسَابِيحِ. فَقَدْ نَقَلَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ لَهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ حَدِيثٍ فِي صَلَاةِ التَّسَابِيحِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَبِيرُ شَيْءٍ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْعُقَيْلِيُّ الْحَافِظُ لَيْسَ فِي صَلَاةِ التَّسَابِيحِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ. وَقَوْلُهُ الْخَامِسُ فِعْلُهَا فِي جُمْلَةٍ مَعَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي النَّوَافِلِ مَخْصُوصَةٌ بِالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَوِتْرِهَا. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُسَنُّ إلَّا فِي هَذِهِ السِّتَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي غَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِلِ. وَفِي مُخْتَصَرِ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْإِمَامَةِ فِي النَّوَافِلِ.

وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ قَامَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَوَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَدَارَهُ إلَى يَمِينِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ التَّصْرِيحُ «بِأَنَّهُ قَامَ يُصَلِّي مُتَطَوِّعًا مِنْ اللَّيْلِ» .

وَثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُمْ فِي دَارِهِمْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَصَلَّى بِهِ وَبِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأُمِّ حَرَامٍ. وَفِي رِوَايَةٍ

ص: 271

لِأَبِي دَاوُد «فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا.» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فِيهِ أَنَّ فِعْلَ الصَّلَوَاتِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا لَيْلًا كَانَتْ أَوْ نَهَارًا فَذًّا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ مَوْقُوفٌ عَلَى بَيَانِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَحَيْثُ جَمَعَ جَمَعْنَا وَمَا لَا فَلَا. وَقَدْ قَالَ: عليه الصلاة والسلام «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، وَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ وَصِفَاتِهَا وَأَوْقَاتِهَا عَلَى مَا سَبَقَ. وَقَدْ بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ أَتَمَّ بَيَانٍ فَمَا فَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام فَذًّا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ فَلْيَفْعَلْهُ الْمُكَلَّفُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.

وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» فَدَلَّ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّافِلَةِ أَنْ تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ فَشَرَعَ عليه الصلاة والسلام الْجَمَاعَةَ فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ، فَلَا يَتَعَدَّى بِهَا غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالتَّجْمِيعُ فِي النَّوَافِلِ جَائِزٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَّ فِي النَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَفِي بَيْتِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ فَلَا يَتَعَدَّى مَا شَرَعَهُ عليه الصلاة والسلام إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ دَلِيلٌ حَتَّى يُقَاسَ عَلَى النَّوَافِلِ الْمَشْرُوعَةِ، وَإِذَا بَطَلَتْ فِي نَفْسِهَا فَكَيْفَ تُقَاسُ عَلَى مَا هُوَ مَشْرُوعٌ.

وَقَوْلُهُ السَّادِسُ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَارَتْ شِعَارًا ظَاهِرًا حَادِثًا، وَيُمْنَعُ إحْدَاثُ شِعَارٍ ظَاهِرٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ ظَهَرَتْ وَكَثُرَتْ الرَّغَائِبُ فِيهَا، وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يُعَكَّرَ عَلَيْهَا بِاجْتِثَاثِهَا مِنْ أَصْلِهَا فَإِنَّ مَا اخْتَصَّ بِهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ وَسَائِرِ عُلُومِ الشَّرِيعَةِ مِنْ التَّأْصِيلِ وَالتَّفْصِيلِ وَالتَّفْرِيعِ وَالتَّصْنِيفِ وَالتَّدْرِيسِ شِعَارٌ ظَاهِرٌ حَدَثٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَكُنْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَلِمَ لَا يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ مُبْتَدَعٌ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ وَشِعَارٌ ظَاهِرٌ مُحْدَثٌ يُعَيَّنُ اجْتِنَابُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بِالدَّلِيلِ الْوَاضِحِ أَنَّ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ

ص: 272

لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ، وَأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَمْرِ بِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ أَنْوَاعَ الصَّلَاةِ كُلَّهَا وَصِفَاتِهَا لَا تُتَلَقَّى إلَّا مِنْ بَيَانِ الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ وَقَدْ بَيَّنَهَا عليه الصلاة والسلام وَأُخِذَتْ عَنْهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا أَصْلَ لَهَا كَمَا ادَّعَاهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ ظَهَرَتْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ظُهُورِ مَا حَدَثَ أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَشْرُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَكَثُرَتْ الرَّغَائِبُ فِيهَا. فَالرَّغَبَاتُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا رَغَبَاتِ الْعُلَمَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ أَرَادَ الْعُلَمَاءَ، فَهُوَ بَاطِلٌ إذْ الْعُلَمَاءُ قَدْ أَنْكَرُوهَا كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُمْ فَلَا عِبْرَةَ بِرَغَبَاتِهِمْ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي رحمه الله: لَوْ اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْعَصْرِ لَانْحَلَّ نِظَامُ الشَّرِيعَةِ.

وَكَيْفَ تُعْتَبَرُ رَغَبَاتُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ فِيمَا يُحْدِثُونَهُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَأَوَانٍ وَقَدْ حَفِظَ اللَّهُ الشَّرِيعَةَ بِالْعُلَمَاءِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يُعَكَّرَ عَلَيْهَا بِاجْتِثَاثِهَا مِنْ أَصْلِهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِنَّ مَا اخْتَصَّ بِهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ وَسَائِرِ عُلُومِ الشَّرِيعَةِ إلَخْ. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَا رَامَهُ مِنْ تَقْرِيرِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ وَإِظْهَارِهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الدِّينِ وَعُمْدَتَهُ إنَّمَا هُوَ كِتَابُ اللَّهِ فَهُوَ مَنْبَعُ الْعُلُومِ وَكُلُّ الْعُلُومِ مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ وَمِنْ بَيَانِهِ عليه الصلاة والسلام. وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْتُبُونَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الصُّحُفِ وَفِي الْجَرِيدِ وَفِي غَيْرِهِمَا عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ خِيفَةً مِنْهُمْ مِنْ طُرُوِّ النِّسْيَانِ عَلَيْهِمْ أَوْ الْوَهْمِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ «كُنْت أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا قَالَ فَأَمْسَكْت عَنْ الْكِتَابَةِ حَتَّى ذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إلَى فِيهِ وَقَالَ اُكْتُبْ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ

ص: 273

مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا حَقٌّ» فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا عَظِيمًا لِكَتْبِ الْعِلْمِ وَالتَّحَفُّظِ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنْ يَدْخُلَهُ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ وَسَبَبًا قَوِيًّا لِحِفْظِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيَانِهَا وَصِيَانَتِهَا مِنْ أَنْ يَضِيعَ شَيْءٌ مِنْهَا. فَجَعَلَ هَذَا الْقَائِلُ مَا فَعَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زَمَنِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَأَقَرَّهُمْ عليه الصلاة والسلام عَلَى كَتْبِهِ وَأَخَذَ النَّاسُ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِالْكَتْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَكَانَ مِنْ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ الْمُتَعَيِّنِ عَلَى الْأُمَّةِ كَافَّةً بِدْعَةً. فَأَلْزَمَ هَذَا الْقَائِلُ الْعُلَمَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا عَنْ عِلْمِ الْفِقْهِ وَسَائِرِ عُلُومِ الشَّرِيعَةِ إنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ هَذَا الْإِلْزَامُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِلْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا صَلَاةَ الرَّغَائِبِ. وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكُتُبِ» فَإِذَا لَمْ يُقَيِّدُوهُ فَقَدْ تَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَكَانَتْ الشَّرِيعَةُ تَضِيعُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ أَمْرٌ خَطَرٌ لَوْ عَلِمَ مَا فِيهِ مَا قَالَهُ. ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى هَذَا الْعَجَبِ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ، وَهُوَ أَنَّهُ رَامَ إثْبَاتَ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَوَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْمَهُولِ، وَهُوَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ السَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ بِدْعَةٌ فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَاَلَّتِي حَدَثَتْ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ أَثْبَتَهَا وَقَالَ عَنْهَا إنَّهَا لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ وَقَوْلُهُ وَقَدْ احْتَجَّ الْمُنَازِعُ بِأَشْيَاءَ أُخَرَ لَا تُسَاوِي الذِّكْرَ وَمِمَّا يُجَابُ بِهِ عَنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُ صَلِّ هَذِهِ الصَّلَاةَ وَتَجَنَّبْ وَجَنِّبْ فِيهَا مَا زَعَمْت أَنَّهُ مَحْذُورٌ كَمَا بَيَّنَاهُ فِيمَا سَبَقَ. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى هَذَا اللَّفْظِ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ مَا أَعْجَبَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعُلَمَاءِ إذَا عَارَضَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي شَيْءٍ مِمَّا قَامَ لَهُمْ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ يَرُدُّونَ عَلَيْهِ بِأَدَبٍ وَاحْتِرَامٍ وَتَلَطُّفٍ وَاحْتِجَاجٍ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ كَوْنِهِمْ يُعَظِّمُونَهُ وَقَدْ فَعَلَ هَذَا الْقَائِلُ ضِدَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي قَالَ عَنْهَا إنَّهَا لَا تُسَاوِي الذِّكْرَ وَهِيَ مِمَّا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اجْتِنَابُهُ وَيَفْسُقُ مَنْ فَعَلَهُ أَوْ حَضَرَهُ أَوْ رَضِيَ بِشَيْءٍ

ص: 274

مِنْهُ، وَهِيَ اجْتِمَاعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مُخْتَلِطِينَ بِسَبَبِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ فَوَجَدُوا الْوَسِيلَةَ فِيهَا إلَى أَغْرَاضِهِمْ الْخَسِيسَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ مَا يَفْعَلُونَهُ فِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ وَمَا يَجْرِي فِيهَا وَفِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَغَيْرِهِمَا فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَتِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَرْضَاهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمِمَّا يُجَابُ بِهِ عَنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُ صَلِّ هَذِهِ الصَّلَاةَ وَتَجَنَّبْ وَجَنِّبْ فِيهَا مَا زَعَمْت أَنَّهُ مَحْذُورٌ وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ، وَهُوَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: تَكْرَارُ السُّورَةِ.

ثَانِيهَا: السَّجْدَتَانِ الْمُفْرَدَتَانِ عَقِبَ هَذِهِ الصَّلَاةِ.

ثَالِثُهَا: مَا فِيهَا مِنْ التَّقَيُّدِ بِعَدَدٍ خَاصٍّ بِغَيْرِ نَصٍّ.

رَابِعُهَا: مَا فِيهَا مِنْ أَنَّ عَدَّ السُّوَرِ وَالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِمَا مَكْرُوهٌ لِشَغْلِ الْقَلْبِ.

خَامِسُهَا: فِعْلُهَا جَمَاعَةً.

سَادِسُهَا: كَوْنُهَا صَارَتْ شِعَارًا ظَاهِرًا حَادِثًا وَيُمْنَعُ إحْدَاثُ شِعَارٍ ظَاهِرٍ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا كَمَا سَبَقَ فَهَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ لَكِنْ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسَاجِدِ جَمَاعَةً أَوْ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ فَإِذَا تَجَنَّبَهَا بِمَا فِيهَا لَا يُمْكِنُ فِعْلُهَا، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ صَلِّ هَذِهِ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً بِمَا فِيهَا، وَلَا تُصَلِّهَا وَهِيَ كَذَلِكَ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلِّ هَذِهِ الصَّلَاةَ أَمْرٌ مِنْهُ لَهُ بِفِعْلِهَا وَقَوْلُهُ وَتَجَنَّبْ وَجَنِّبْ فِيهَا مَا زَعَمْت أَنَّهُ مَحْذُورٌ نَهْيٌ مِنْهُ عَنْ إيقَاعِهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ فُعِلَتْ خَالِيَةً عَنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَيْسَتْ هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي يُنَازَعُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ، وَهُوَ مُعْتَدٌّ مِنْهَا بِقَوْلِهِ إنَّ فِي ذَلِكَ اخْتِصَاصَ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِالْقِيَامِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ حَالِ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةَ الرَّغَائِبِ أَنْ يَدَعَ فِي بَاقِي لَيَالِيِهِ صَلَاةَ اللَّيْلِ، وَمَنْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ يَكُنْ مُخَصِّصًا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِالْقِيَامِ، وَهَذَا وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْجَوَابُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ بِأَنَّهُ إذَا قَامَ لَيْلَةً غَيْرَهَا لَمْ يَكُنْ مُخَصِّصًا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِالْقِيَامِ فَتِلْكَ الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ مَانِعَةٌ مِنْ فِعْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَوْلُهُ فَقَدْ صَحَّ بِمَا بَيَّنَّاهُ وَأَصَّلْنَاهُ أَنَّ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ غَيْرُ

ص: 275

مُلْحَقَةٍ بِالْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ، وَأَنَّ الْحَوَادِثَ ذَوَاتُ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ مُشْتَبِهَةٍ فَمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ كَانَ بِصَدَدِ إلْحَاقِ الشَّيْءِ مِنْهَا بِغَيْرِ نَظِيرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ كُلِّ مَا رَامَهُ مِنْ فِعْلِهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ عَلَى مَا ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَالْحَدَثُ فِي الدِّينِ مَمْنُوعٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْحَوَادِثَ ذَوَاتُ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ مُشْتَبِهَةٍ. فَقَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ لِمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي إنْكَارِهَا، وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْحَوَادِثِ، وَوُجُوهِهَا، وَمِنْ أَيِّ قِسْمٍ هُوَ مَا حَدَثَ وَقَدْ عَدُّوهَا مِنْ الْحَوَادِثِ الْمُنْكَرَةِ لَا مِنْ الْحَوَادِثِ الْمُسْتَحَبَّةِ أَوْ الْجَائِزَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فَمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ كَانَ بِصَدَدِ إلْحَاقِ الشَّيْءِ مِنْهَا بِغَيْرِ نَظِيرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَعِبَارَتُهُ هَذِهِ تُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُمَيِّزُوا أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا الشَّيْءَ بِغَيْرِ نَظِيرِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ مَيَّزَ مَا لَمْ يُمَيِّزُوا، وَأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمْ مَا وَهَمُوا فِيهِ وَغَلِطُوا وَأَلْحَقَ الشَّيْءَ بِنَظِيرِهِ فَأَصَابَ دُونَهُمْ عَلَى زَعْمِهِ وَقَوْلُهُ، فَهَذَا بَيَانٌ شَافٍ يَتَضَاءَلُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْعَظِيمُ خِلَافُ الْمُخَالِفِ، وَيَتَبَدَّلُ بِهِ وَصْفُهُ إذَا لَمْ يُعَانِدْ بِوَصْفِ الْمُوَافِقِ الْمُؤَالِفِ يَعْنِي أَنَّهُ بَيَانٌ شَافٍ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ فِي إنْكَارِهَا، وَالْجَوَابُ عَمَّا أَتَى بِهِ كُلِّهِ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى إعَادَتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُعَانِدْ إلَخْ فِيهِ مَا فِيهِ إذْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُبَرَّءُونَ عَنْ الْعِنَادِ؛ لِأَنَّ الْعِنَادَ هُوَ رَدُّ الْحَقِّ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّهُ حَقٌّ. وَقَوْلُهُ وَلَا تَبْقَى لَهُ إلَّا جَعْجَعَةٌ لَا طَائِلَ وَرَاءَهَا وَقَعْقَعَةٌ وَإِيهَامَاتٌ لَا يَغْتَرُّ بِهَا إلَّا شِرْذِمَةٌ أَفْسَدَتْ أَهْوَاؤُهَا آرَاءَهَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَعِيدٌ مِنْ أَوْصَافِ الْعُلَمَاءِ إذْ أَنَّ الْعَالِمَ يُنَزِّهُ لِسَانَهُ عَنْ أَنْ يَصِفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الذَّمِيمَةِ أَحَدًا مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ، فَكَيْفَ يَصِفُ بِهَا الْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ سِيَّمَا الْمُتَّبِعِينَ مِنْهُمْ الْمُحَافِظِينَ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم الذَّابِّينَ عَنْهَا، وَأَظُنُّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ مُرْتَجَلٌ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ وَلَا قَدْرَ الْوَعِيدِ لِمَنْ وَقَعَ

ص: 276

فِي حَقِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَوْ تَنَقَّصَهُ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ. مَعَ أَنَّ مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ قِصَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يُغْنِي عَنْ كُلِّ مَا ذَكَرَ قَبْلُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ كَانَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تُبَاعُ وَالْآنَ قَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهَا تُبَاعُ فَقَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -: رَأْيُك وَرَأْيُ عُمَرَ عِنْدَنَا أَوْلَى مِنْ رَأْيِك وَحْدَك فَسَكَتَ عَلِيٌّ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا.

فَمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ مِثْلُهُ أَوْ يُقَارِبُهُ فَالرُّجُوعُ إلَى رَأْيِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ أَوْجَبُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ هَذَا الْقَائِلِ وَحْدَهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَقُومُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى سَاقٍ سِيَّمَا مَعَ إثْبَاتِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهَا مَوْضُوعٌ.، وَإِنَّمَا طَالَتْ الْمُنَاقَشَةُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى الْجَوَابَ عَنْ كَلَامِهِ كُلِّهِ، وَلَعَلَّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا ادَّعَاهُ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى نَقْلِ كَلَامِهِ بِعَيْنِهِ.

وَوَقَعَ الْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ بِحَسَبِ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَقْتِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَبْدَ السَّلَامِ بْنَ أَبِي الْقَاسِمِ السُّلَمِيَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَدْ تَقَدَّمَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ أَوْ فَعَلَهَا لَكِنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُطْلَقٍ، وَلَمْ يَتَّبِعْ أَلْفَاظَ الْقَائِلِ بِهَا. فَقَالَ مَا هَذَا لَفْظُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا يُحِيطُ بِهِ وَصْفُ وَاصِفٍ. الْآخَرِ الَّذِي لَا تَحْوِيهِ مَعْرِفَةُ عَارِفٍ. جَلَّ رَبُّنَا عَنْ التَّشْبِيهِ بِخَلْقِهِ، وَكُلُّ خَلْقِهِ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي سُلْطَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثَ بِحُجَّتِهِ وَبُرْهَانِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْبِدَعَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ مُبَاحًا كَالتَّوَسُّعِ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَنَاكِحِ فَلَا بَأْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ حَسَنًا، وَهُوَ كُلُّ مُبْتَدَعٍ مُوَافِقٍ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ غَيْرِ مُخَالِفٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا كَبِنَاءِ الرُّبُطِ وَالْخَانْقَاهْ

ص: 277

وَالْمَدَارِسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ الَّتِي لَمْ تُعْهَدْ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ مِنْ اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَكَذَلِكَ الِاشْتِغَالُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ مُبْتَدَعٌ، وَلَكِنْ لَا يَتَأَتَّى تَدَبُّرُ الْقُرْآنِ وَفَهْمُ مَعَانِيهِ إلَّا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ كَانَ ابْتِدَاعُهُ مُوَافِقًا لِمَا أُمِرْنَا بِهِ مِنْ تَدَبُّرِ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِ مَعَانِيهِ، وَكَذَلِكَ تَدْوِينُ الْأَحَادِيثِ وَتَقْسِيمُهَا إلَى الْحَسَنِ وَالصَّحِيحِ وَالْمَوْضُوعِ وَالضَّعِيفِ مُبْتَدَعٌ حَسَنٌ لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَهُ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ تَأْسِيسُ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ كُلُّ ذَلِكَ مُبْتَدَعٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرْعِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا.

الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا كَانَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لِمُخَالَفَةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ. فَمِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ الرَّغَائِبِ، فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذِبٌ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ.

وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ الطُّرْطُوشِيُّ إنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَّا بَعْدَ ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مُخَالِفَةٌ لِلشَّرْعِ مِنْ وُجُوهٍ يَخْتَصُّ الْعَالِمُ بِبَعْضِهَا وَبَعْضُهَا يَعُمُّ الْعَالِمَ وَالْجَاهِلَ.

فَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَالِمُ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَالِمَ إذَا صَلَّاهَا كَانَ مُوهِمًا لِلْعَامَّةِ أَنَّهَا مِنْ السُّنَنِ فَيَكُونُ كَاذِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلِسَانِ الْحَالِ وَلِسَانُ الْحَالِ قَدْ يُقَدَّمُ عَلَى لِسَانِ الْمَقَالِ الثَّانِي: أَنَّ الْعَالِمَ إذَا فَعَلَهَا كَانَ مُتَسَبِّبًا فِي أَنْ تَكْذِبَ الْعَامَّةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: هَذِهِ سُنَّةٌ مِنْ السُّنَنِ وَالتَّسَبُّبُ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا مَا يَعُمُّ الْعَالِمَ وَالْجَاهِلَ فَمِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ فِعْلَ الْبِدَعِ مِمَّا يُغْرِي الْمُبْتَدَعِينَ الْوَاضِعِينَ عَلَى وَضْعِهَا وَافْتِرَائِهَا وَالْإِغْرَاءُ بِالْبَاطِلِ، وَالْإِعَانَةُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ فِي الشَّرْعِ وَإِطْرَاحُ الْبِدَعِ وَالْمَوْضُوعَاتِ زَاجِرٌ عَنْ وَضْعِهَا وَابْتِدَاعِهَا وَالزَّجْرُ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ مِنْ أَعْلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ.

الثَّانِي: أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ السُّكُونِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا تَعْدَادَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ اثْنَتَيْ

ص: 278

عَشْرَةَ مَرَّةً وَتَعْدَادَ سُورَةِ الْقَدْرِ وَلَا يَتَأَتَّى عَدُّهُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بِتَحْرِيكِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَيُخَالِفُ السُّنَّةَ فِي تَسْكِينِ أَعْضَائِهِ. الثَّالِثُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ خُشُوعِ الْقَلْبِ وَخُضُوعِهِ وَحُضُورِهِ فِي الصَّلَاةِ وَتَفْرِيغِهِ لِلَّهِ وَمُلَاحَظَةِ جَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَالْوُقُوفِ عَلَى مَعَانِي الْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ فَإِنَّهُ إذَا لَاحَظَ عَدَدَ السُّوَرِ بِقَلْبِهِ كَانَ مُلْتَفِتًا عَنْ اللَّهِ مُعْرِضًا عَنْهُ بِأَمْرٍ لَمْ يُشْرَعْ فِي الصَّلَاةِ وَالِالْتِفَاتُ بِالْوَجْهِ قَبِيحٌ شَرْعًا، فَمَا الظَّنُّ بِالِالْتِفَاتِ عَنْهُ بِالْقَلْبِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ.

الرَّابِعُ: أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ النَّوَافِلِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ فِيهَا أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْمَسَاجِدِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ، وَقَدْ قَالَ: صلى الله عليه وسلم «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» .

الْخَامِسُ: أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ الِانْفِرَادِ بِالنَّوَافِلِ فَإِنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الِانْفِرَادُ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ الْمُخْتَلَقَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْهُ.

السَّادِسُ: أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ السُّنَّةَ فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ إذْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» .

السَّابِعُ: أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ فِي تَفْرِيغِ الْقَلْبِ عَنْ الشَّوَاغِلِ الْمُقْلِقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ يَدْخُلُ فِيهَا، وَهُوَ جَوْعَانُ ظَمْآنُ وَلَا سِيَّمَا فِي أَيَّامِ الْحَرِّ الشَّدِيدِ. وَالصَّلَوَاتُ الْمَشْرُوعَةُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ شَاغِلٍ يُمْكِنُ دَفْعُهُ.

الثَّامِنُ: أَنَّ سَجْدَتَيْهَا مَكْرُوهَتَانِ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَرِدْ بِسَجْدَةٍ مُنْفَرِدَةٍ لَا سَبَبَ لَهَا، فَإِنَّ الْقُرَبَ لَهَا أَسْبَابٌ وَشَرَائِطُ وَأَوْقَاتٌ وَأَرْكَانٌ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا فَكَمَا لَا يُتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ غَيْرِ نُسُكٍ وَاقِعٍ فِي وَقْتِهِ بِأَسْبَابِهِ وَشَرَائِطِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ مُنْفَرِدَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً إلَّا إذَا كَانَ لَهَا سَبَبٌ صَحِيحٌ؛ وَلِذَلِكَ يُتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَأَوَانٍ وَرُبَّمَا تَقَرَّبَ الْجَاهِلُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ مُبْعِدٌ عَنْهُ

ص: 279

مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ.

التَّاسِعُ: لَوْ كَانَتْ السَّجْدَتَانِ مَشْرُوعَتَيْنِ لَكَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ فِي خُشُوعِهِمَا وَخُضُوعِهِمَا بِمَا يَشْتَغِلُ بِهِ مِنْ عَدِّ التَّسْبِيحِ فِيهِمَا بِبَاطِنِهِ أَوْ بِظَاهِرِهِ أَوْ بِبَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ.

الْعَاشِرُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِيِ وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ فِيمَا اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَذْكَارِ السُّجُودِ فَإِنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» .

وَقَوْلُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ إنْ صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ أَفْرَدَهَا بِدُونِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَلَا أَنَّهُ وَظَّفَهَا عَلَى أُمَّتِهِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يُوَظِّفُ إلَّا الْأَوْلَى مِنْ الذِّكْرَيْنِ. وَفِي قَوْلِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى مِنْ الثَّنَاءِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ابْتِدَاعِ هَذِهِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَامُ الدِّينِ وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَوَّنَ الْكُتُبَ فِي الشَّرِيعَةِ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِهِمْ عَلَى تَعْلِيمِ النَّاسِ الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الصَّلَاةَ وَلَا دَوَّنَهَا فِي كِتَابِهِ وَلَا تَعَرَّضَ لَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَالْعَادَةُ تُحِيلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا سُنَّةً وَتَغِيبُ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَامُ الدِّينِ وَقُدْوَةُ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ الَّذِينَ إلَيْهِمْ الرُّجُوعُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.

وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لَا يُصَلِّيهَا أَهْلُ الْمَغْرِبِ الَّذِينَ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. وَكَذَلِكَ لَا تُفْعَلُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لِتَمَسُّكِهِمْ بِالسُّنَّةِ وَلَمَّا صَحَّ عِنْدَ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُفْتَرَيَاتِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْطَلَهَا مِنْ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَطُوبَى لِمَنْ تَوَلَّى شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَأَعَانَ عَلَى إمَاتَةِ الْبِدَعِ وَإِحْيَاءِ السُّنَنِ.

وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ

ص: 280

يَسْتَدِلَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ» فَإِنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِصَلَاةٍ لَا تُخَالِفُ الشَّرْعَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ وَأَيُّ خَيْرٍ فِي مُخَالَفَةِ الشَّرِيعَةِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» وَفَّقْنَا اللَّهُ لِلْإِجَابَةِ وَالِاتِّبَاعِ وَجَنَّبَنَا الزَّيْغَ وَالِابْتِدَاعَ.

وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ تَصَدَّيَا لِلْفُتْيَا مَعَ بُعْدِهِمَا عَنْهَا سَعَيَا فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَأَفْتَيَا بِتَحْسِينِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ مِمَّا عُهِدَ مِنْ خَطَئِهِمَا وَزَلَلِهِمَا فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا فَمَا حَمَلَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمَا قَدْ صَلَّيَاهَا مَعَ النَّاسِ مِنْ جَهْلِهِمَا بِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ فَخَافَا وَفَرَّقَا إنْ نَأَيَا عَنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُمَا فَلِمَ صَلَّيْتُمَاهَا فَحَمَلَهُمَا اتِّبَاعُ الْهَوَى عَلَى أَنْ حَسَّنَا مَا لَمْ تُحَسِّنْهُ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ نُصْرَةً لِهَوَاهُمَا عَلَى الْحَقِّ وَلَوْ أَنَّهُمَا رَجَعَا إلَى الْحَقِّ وَآثَرَاهُ عَلَى هَوَاهُمَا وَأَفْتَيَا بِالصَّوَابِ لَكَانَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66] وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَيُفْتِي بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُسَوِّغُ مُوَافَقَةَ وُضَّاعِهَا عَلَيْهَا وَهَلْ ذَلِكَ إلَّا إعَانَةٌ لِلْكَذَّابِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ اتَّبَعَ الْهَوَى ضَلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ثُمَّ أَفْتَيَا بِصِحَّتِهَا مَعَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي صِحَّةِ مِثْلِهَا، فَإِنَّ مَنْ نَوَى صَلَاةً وَوَصَفَهَا فِي نِيَّتِهِ بِصِفَةٍ فَاخْتَلَفَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ مِنْ أَصْلِهَا أَوْ تَنْعَقِدُ نَفْلًا فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَإِنَّ مَنْ يُصَلِّيهَا يَعْتَقِدُ أَنَّهَا مِنْ السُّنَنِ الْمُوَظَّفَةِ الرَّاتِبَةِ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ مُتَخَلِّفَةٌ عَنْهَا، فَأَقَلُّ مَرَاتِبِهَا أَنْ تَجْرِيَ عَلَى الْخِلَافِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. هَذَا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى صَلَاةِ الرَّغَائِبِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي أَحْدَثُوهَا فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَالْكَلَامُ

ص: 281