الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّبَا غَالِبٌ عَلَى أَهْلِ الصَّرْفِ لَا يَنْجُونَ مِنْهُ فِي تِجَارَتِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ مِثْلِ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إنَّ هَاهُنَا قَوْمًا أَكَلَةُ الرِّبَا لَوْ أَدْرَكَهُمْ مَنْ مَضَى لَنَصَبُوا لَهُمْ الْحَرْبَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التِّجَارَةِ فِي الْقَمْحِ وَالصَّرْفِ» .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: التِّجَارَةُ فِي الرَّقِيقِ تِجَارَةٌ مَمْحُوقَةٌ. وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ الدَّلَالَةَ. وَكَرِهَ قَتَادَةُ أُجْرَةَ الدَّلَّالِينَ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ أَوْصَى رَجُلًا فَقَالَ لَهُ: يَا أَخِي لَا تُسَلِّمْ وَلَدَك فِي بَيْعَتَيْنِ، وَلَا فِي صَنْعَتَيْنِ. أَمَّا الْبَيْعَتَانِ فَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ وَبَيْعُ الْأَكْفَانِ. وَأَمَّا الصَّنْعَتَانِ فَهُمَا الْجِزَارَةُ وَالصِّيَاغَةُ أَمَّا الْجَزَّارُ فَإِنَّهُ قَاسِي الْقَلْبِ وَأَمَّا الصَّوَّاغُ فَإِنَّهُ يُزَخْرِفُ الدُّنْيَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ مَا يَعْتَوِرُ الْحَاجَّ فِي حَجِّهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ]
ُ اعْلَمْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ أَنَّ الْحَجَّ أَحَدُ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ الَّتِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا لَكِنْ لَمَّا أَنْ حَدَثَتْ فِيهِ أُمُورٌ مُتَشَعِّبَةٌ تَعَذَّرَتْ هَذِهِ الْعِبَادَةُ بِسَبَبِ مَا يُخَالِطُهَا فِي الْغَالِبِ مِمَّا لَا يَرْضَاهُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ.
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُضَيِّعُونَ الصَّلَوَاتِ وَيُخْرِجُونَهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا لِأَجْلِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا. وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمُكَلَّفِ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ إذَا خَرَجَ إلَى الْحَجِّ فَقَدْ سَقَطَ الْحَجُّ عَنْهُ.
وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الَّذِي يَرْكَبُ الْبَحْرَ إلَى الْحَجِّ، وَلَا يَجِدُ مَوْضِعًا يَسْجُدُ فِيهِ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَيَجُوزُ لَهُ الْحَجُّ فَقَالَ رحمه الله: أَيَرْكَبُ حَيْثُ لَا يُصَلِّي وَيْلٌ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَيْلٌ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْحَاجِّ يَأْتِي
مُرَاهِقًا لَيْلَةَ النَّحْرِ يُرِيدُ أَنْ يُدْرِكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَذْكُرُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدُ فَإِنْ هُوَ اشْتَغَلَ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ فَاتَهُ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَإِنْ وَقَفَ خَرَجَ وَقْتُ الْعِشَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
قَوْلٌ: يُصَلِّي وَيَفُوتُهُ الْحَجُّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي عَكْسُهُ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حِجَازِيًّا أَوْ آفَاقِيًّا فَإِنْ كَانَ حِجَازِيًّا قَدَّمَ الصَّلَاةَ وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ آفَاقِيًّا قَدَّمَ الْحَجَّ وَإِنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّهُ يُصَلِّي كَصَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ فَيُصَلِّي وَهُوَ مَاشٍ أَوْ رَاكِبٌ فَيُدْرِكُهُمَا مَعًا وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا الْخِلَافُ عِنْدَهُمْ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الْعَظِيمَةِ فَكَيْفَ يَتْرُكُ الْمُكَلَّفُ الصَّلَاةَ أَوْ يُخْرِجُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِسَبَبِ فَرْضِ الْحَجِّ. هَذَا مِمَّا لَا يُعْقَلُ سِيَّمَا إنْ كَانَ مَنْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ امْرَأَةً فَيَقْوَى الْخِلَافُ فِي أَمْرِهَا إذْ لَا قُدْرَةَ لَهَا فِي الْغَالِبِ عَلَى تَأْخِيرِ الْحَجِّ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى إنْ كَانَتْ آفَاقِيَّةً، وَلَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى الْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَرْكُوبٌ، ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ انْغَمَسَ فِي الْجَهْلِ مِنْهُنَّ يَخْرُجْنَ إلَى الْحَجِّ وَيَتْرُكْنَ الصَّلَوَاتِ وَمَنْ صَلَّتْ مِنْهُنَّ تُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ وُجُودِ الِاضْطِرَارِ وَالِاضْطِرَارُ هُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَكُونَ الْمُكَلَّفُ فِي مَوْضِعِ خَوْفٍ فَيُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ أَوْ يَكُونَ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ إذَا نَزَلَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ بَلْ يُومِئُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بَعْدَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ وَيَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ فَإِذَا صَلَّيَا عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَلْيُومِئَا بِالسُّجُودِ إلَى الْأَرْضِ لَا إلَى كُوَرِ الرَّاحِلَةِ فَإِنْ أَوْمَأَ إلَى كُوَرِ الرَّاحِلَةِ فَصَلَاتُهُمَا بَاطِلَةٌ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُهَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ الضَّرُورَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي حَقِّهَا.
وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ نُزُولَ الْمَرْأَةِ وَرُكُوبَهَا عَوْرَةٌ مُطْلَقًا لِمَا يُتَوَقَّعُ مِنْ كَشْفِهَا وَنَظَرِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ لَهَا وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ لَا غَيْرَةَ فِي هَذَا الزَّوْجِ، وَلَا مَحْرَمَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَغْيَرُ مِنْ زَوْجِهَا وَمِنْ ذِي
مَحَارِمِهَا.
عليه الصلاة والسلام «لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ» وَقَدْ أَمَرَهُنَّ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُصَلِّينَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُنَّ بِهِ وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُنَّ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَلَا فِي إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا أَوْ صَلَاتِهَا عَلَى الْمَحْمَلِ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ إلَّا مَا ذُكِرَ قَبْلُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْزِلَ إلَى فِعْلِ الطَّهَارَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا فَعَلَتْهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا النُّزُولُ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَتَسْتَتِرُ جَهْدَهَا وَيَحْرُمُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ النَّظَرُ إلَيْهَا.
هَذَا حُكْمُ الْفَرَائِضِ. وَأَمَّا السُّنَنُ فَجَائِزٌ فِعْلُهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إيمَاءً» .
وَكَذَلِكَ صَلَاةُ اللَّيْلِ إلَّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله لَا يُتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ إلَّا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَتُهُ فِعْلُ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكُ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ.
فَمِنْ تَقْوَاهُ تَقْدِيمُ مَا قَدَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ وَتَقْدِيمُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى تَرْكِ الْمَكْرُوهَاتِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ الْجَاهِلُونَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ يَتَقَرَّبُونَ وَهُمْ مِنْهُ مُبْتَعِدُونَ فَيُضَيِّعُ أَحَدُهُمْ الْوَاجِبَاتِ حِفْظًا لِلْمَنْدُوبَاتِ وَيَرْتَكِبُ الْمُحَرَّمَاتِ صَوْنًا عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ، وَلَا يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا ذَوُو الضَّلَالَاتِ وَأَهْلُ الْجَهَالَاتِ انْتَهَى.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يُقَدِّمَ مَا قَدَّمَهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى وَيُؤَخِّرَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ عز وجل. فَآكَدُ الْفَرَائِضِ وَأَعْلَاهَا وَأَعْظَمُهَا بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إقَامَةُ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا. قَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَمَنْ أَبَى فَهُوَ كَافِرٌ وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَوْضِعُ الصَّلَاةِ مِنْ الدِّينِ مَوْضِعُ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ» وَإِذَا كَانَتْ