الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الصُّنَّاعِ مِنْ قَوْلِهِمْ: غَدًا وَبَعْدَ غَدٍ. وَكَذَلِكَ يَجْتَنِبُ الْأَيْمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَنْ يُبَادِرَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إلَى إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فِي جَمَاعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ أَنْ يُبَادِرَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَصَاحِفَ وَكُتُبَ الْحَدِيثِ وَالْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي يُجَلِّدُهَا تَأْمُرُ بِذَلِكَ وَتَنْهَى عَنْ ضِدِّهِ.
[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ الْأَبْزَارِيِّ وَمُحَاوَلَتِهَا وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا]
قَدْ تَقَدَّمَ فِي نِيَّةِ الْعَطَّارِ مَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ هَاهُنَا لَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْأَبْزَارِيِّ الْبَيْعُ بِالْكَيْلِ أَوْ الْجُزَافِ فَالْكَيْلُ مَعْرُوفٌ وَالْجُزَافُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُعَايِنَ ذَلِكَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا فَيَتَحَفَّظُ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى قَدْرِهِ. وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ أَنْ يُصِيبَ مَا عِنْدَهُ مِنْ السِّلَعِ شَيْءٌ مِمَّا تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ مِثْلُ بَوْلِ الْفَأْرَةِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالْهِرِّ فَيَتَنَجَّسُ بِذَلِكَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ وَمِنْ عَادَةِ النُّفُوسِ أَنَّهَا تَشْمَئِزُّ مِمَّا بَقِيَ سَالِمًا مِنْ ذَلِكَ فَلْيَتَحَفَّظْ عَلَيْهِ بِالتَّغْطِيَةِ لَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي دُكَّانِهِ حِينَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ وَإِنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِلْمُشْتَرِي لِكَرَاهَةِ بَعْضِ النَّاسِ مَا يَبْقَى مِمَّا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ حَتَّى إنَّك لَتَجِدُ الْقِرْطَاسَ الَّذِي تَأْخُذُهُ مِنْ الْبَائِعِ فِيهِ بَوْلُ الْفَأْرَةِ مَخْلُوطٌ بِالسِّلْعَةِ الَّتِي فِيهَا كَالْكُزْبَرَةِ وَالْأَنِيسُونَ وَغَيْرِهِمَا فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ الزَّيَّاتِ]
اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ الزَّيْتَ يَظْهَرُ فِيهِ التَّدْلِيسُ سَرِيعًا بِسَبَبِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْهُ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ ثُمَّ دُلِّسَ بِشَيْءٍ مَا مِنْ الرَّدِيءِ رَجَعَ كُلَّهُ رَدِيئًا ظَاهِرًا لِلْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ غَالِبًا ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ إذَا بَقِيَ فِي أَوْعِيَتِهِ خَفَّ وَصَفَا وَزَالَ مِنْهُ الْكَدَرُ وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ السِّلَعِ الَّتِي يَتَّجِرُ فِيهَا الْمَرْءُ أَكْثَرُ سَلَامَةً مِنْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَظْهَرُ
فِيهِ التَّدْلِيسُ.
وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله يَحْكِي عَنْ شَيْخِهِ سَيِّدِي أَبِي الْحَسَنِ الزَّيَّاتِ رحمه الله أَنَّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي الزَّيْتِ وَيَقُولُ مَا مَعْنَاهُ: إنِّي لَا أَتَّجِرُ فِي الزَّيْتِ إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنِّي لَا أَثِقُ بِنَفْسِي مِنْ أَنَّهَا لَا تُدَلِّسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالزَّيْتُ لَا يَقْبَلُ التَّدْلِيسَ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُ إذَا خُلِطَ بِهِ شَيْءٌ مَا مِنْ الرَّدِيءِ رَجَعَ كُلُّهُ رَدِيئًا وَإِذَا لَمْ يُخْلَطْ بِهِ شَيْءٌ وَبَقِيَ فِي أَوْعِيَتِهِ تَصَفَّى وَطَابَ فَآمَنُ عَلَى نَفْسِي مِنْ الْغِشِّ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَحْسَنُ مَا يَتَّجِرُ فِيهِ الْمَرْءُ لِهَذَا الْمَعْنَى.
(فَصْلٌ)
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْلِطَ جِنْسَ زَيْتٍ بِجِنْسِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الزُّيُوتَ عَلَى أَنْوَاعٍ: زَيْتُ الزَّيْتُونِ وَهُوَ أَعْظَمُهَا وَأَعَمُّهَا نَفْعًا. وَيَلِيهِ زَيْتُ السِّمْسِمِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الشَّيْرَجُ ثُمَّ زَيْتُ الْقُرْطُمِ ثُمَّ زَيْتُ السَّلْجَمِ ثُمَّ بِزْرُ الْكَتَّانِ فَلَا يُخْلَطُ أَحَدُ هَذِهِ الزُّيُوتِ بِغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ لَا يُخْلَطُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ طَيِّبُهُ بِرَدِيئِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّدْلِيسِ، ثُمَّ إنَّهُ يَعُودُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّيِّبَ يَرْجِعُ رَدِيئًا إذَا خُلِطَ بِالْقَلِيلِ مِنْ الرَّدِيءِ فَإِنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ فِي الْمَنْعِ يَضُرُّ بِهِ.
وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ مَنْفَعَةِ الزُّيُوتِ فِي الْقَلْيِ بِهَا وَغَيْرُهُ وَهُوَ كَثِيرٌ.
وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّدْلِيسِ قَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، حَتَّى إنَّك لَتَجِدُ بَعْضَ مَنْ يَقْلِي الزَّلَابِيَةَ أَوْ السَّمَكَ أَوْ غَيْرَهُمَا فِي السُّوقِ يَقْلِيهِ فِي الزَّيْتِ الْحَارِّ وَهُوَ غِشٌّ وَتَدْلِيسٌ وَمُضِرٌّ لِآكِلِهِ فِي بَدَنِهِ وَلِبَائِعِهِ فِي دِينِهِ وَهَذَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَمْ تَطِبْ نُفُوسُ أَهْلِهَا بِاسْتِعْمَالِهِ فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ
(فَصْلٌ)
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَطَّارِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ كَيْفِيَّةُ نِيَّتِهِمَا فِيمَا يُحَاوِلَانِهِ مِنْ السِّلَعِ وَبِأَيِّ نِيَّةٍ يَجْلِسَانِ فِي الدَّكَاكِينِ وَبِأَيِّ نِيَّةٍ يَبِيعَانِ وَيَشْتَرِيَانِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الزَّيَّاتِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَمَنْ هُوَ بِقُرْبِ الْبُيُوتِ أَوْ بِالْبُعْدِ مِنْهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا كَالْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ مِنْ التَّيْسِيرِ عَلَى إخْوَانِهِ