الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعِلْمِ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمِ بِالسُّؤَالِ تَمْضِي فِي قَضَاءِ حَاجَتِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَهَذَا أَمْرٌ سَهْلٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: مَعْنَاهُ مَا وَجَبَ عَلَيْك عَمَلُهُ وَجَبَ عَلَيْك الْعِلْمُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ الطَّاعَةَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ فَلَيْسَتْ بِطَاعَةٍ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّ الصَّائِغَ يَقْعُدُ فِي دُكَّانِهِ وَيَمْتَلِئُ عَلَيْهِ الدُّكَّانُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ بِالنِّسَاءِ مَعَ كَوْنِهِ يَنْظُرُ إلَيْهِنَّ فِي الْغَالِبِ وَيُبَاشِرُهُنَّ بِيَدِهِ حِينَ قِيَاسِ مَا صَاغَهُ لَهُنَّ فَيَتَعَيَّنُ الْحَذَرُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْقُلُوبَ وَيُخِلُّ بِالنِّيَّاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا. أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ
(فَصْلٌ) وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْمَلَ فِي صِيَاغَتِهِ شَيْئًا مِنْ الصُّوَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَهُوَ مِمَّا يَفْسُدُ عَلَيْهِ مَا جَلَسَ إلَيْهِ مِنْ نِيَّتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَتَعَامَلُونَ بِالرِّبَا الْمُتَّفَقِ عَلَى مَنْعِهِ شَرْعًا وَهُوَ أَنَّهُمْ يَبِيعُونَ الْخَلْخَالَ وَالسِّوَارَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّا عُمِلَ مِنْ فِضَّةِ الْحَجَرِ الْخَالِصِ بِهَذِهِ الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ الْيَوْمَ وَذَلِكَ عَيْنُ الرِّبَا وَقَدْ تَوَعَّدَ اللَّهُ عز وجل فَاعِلَهُ بِالْحَرْبِ
(فَصْلٌ) وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَبِيعُونَ فِضَّةَ الْحَجَرِ الْخَالِصَةِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ الْيَوْمَ وَيَأْخُذُونَ مَعَ ذَلِكَ أُجْرَةَ صِيَاغَتِهِمْ لَهَا مُضَافَةً إلَى ثَمَنِهَا وَحُكْمُهَا الْمَنْعُ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا.
وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَيْتَهُ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ بَلْ يَفْعَلُونَهُ جِهَارًا فَيُنَادُونَ عَلَيْهِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ يَمُرُّ بِهِمْ وَيَرَى مَا هُمْ فِيهِ وَيَسْمَعُ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَا يُغَيِّرُونَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ]
وَأَمَّا الصَّيْرَفِيُّ فَيَنْوِي بِسَبَبِهِ التَّيْسِيرَ عَلَى إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ
مَعَهُ ذَهَبٌ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ كَثِيرًا مِنْ ضَرُورَاتِهِ سِيَّمَا الْمُحَقَّرَاتِ إلَّا بَعْدَ صَرْفِهِ فَإِذَا صَرَفَهُ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ قَضَاءُ بَاقِي حَوَائِجِهِ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ فَتَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الْإِعَانَةُ الْعَظِيمَةُ بِسَبَبِ إعَانَتِهِ لِأَخِيهِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَا يُعَانِيهِ مِنْ بَابِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ أَعْلَى مِنْ فِعْلِ الْمَنْدُوبِ ثُمَّ يُضِيفُ إلَى ذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ مِنْ نِيَّةِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ حِينَ خُرُوجِهِ مَعَ نِيَّةِ الْإِيمَانِ وَالِاحْتِسَابِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا اُشْتُرِطَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَحْكَامِ الصَّرْفِ وَمِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهِ الرِّبَا وَيَتَيَقَّظُ لِذَلِكَ، وَلَا يُسَامِحُ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ بَابَ الصَّرْفِ بَابٌ ضَيِّقٌ لَيْسَ كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُسِّعَ فِي بَعْضِ أَشْيَاءَ فِي غَيْرِهِ لَمْ تُوَسَّعْ فِيهِ فَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي شَيْءٍ مَا مِنْ الرِّبَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّوَعُّدِ بِالْحَرْبِ.
وَلِأَجْلِ كَثْرَةِ مَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ مِنْ الرِّبَا كَرِهَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ التَّسَبُّبَ فِي ذَلِكَ خِيفَةً مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَتَعَلَّمُونَ الْعِلْمَ وَالصَّيْرَفِيُّ إنْ عَرِيَ عَنْ الْعِلْمِ فِي سَبَبِهِ وَقَعَ فِي الرِّبَا وَأَوْقَعَ غَيْرَهُ فِيهِ وَلِأَجْلِ الْخَوْفِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّبَا.
كَانَ أَصْبَغُ يَكْرَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِجِدَارِ صَيْرَفِيٍّ.
وَقَدْ تَرَكَ ابْنُ الْقَاسِمِ رحمه الله مِيرَاثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَكَانَ مَالًا كَثِيرًا جَزِيلًا فَسُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ أَبِي كَانَ صَيْرَفِيًّا وَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّرْفِ لَمْ يَحْكُمْهُ أَوْ كَمَا قَالَ.
وَمِنْ كِتَابِ مَرَاقِي الزُّلْفَى لِلْفَقِيهِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ رحمه الله وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رضي الله عنه: الدِّرْهَمُ الْحَلَالُ أَشَدُّ مِنْ لُقِيِّ الزَّحْفِ وَأَكْثَرُ أَكَلَةِ الرِّبَا أَهْلُ الصَّرْفِ. وَكَانَ يَقُولُ: إذَا اسْتَسْقَيْت مَاءً فَسُقِيت مِنْ بَيْتِ صَرَّافٍ فَلَا تَشْرَبْهُ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه إذَا مَرَّ عَلَى الصَّيَارِفَةِ قَالَ لَهُمْ: أَبْشِرُوا، قَالُوا: بَشَّرَك اللَّهُ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَبْشِرُوا بِالنَّارِ، فَسَأَلُوا عَنْهُ فَقِيلَ لَهُمْ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْنَا: إنَّمَا