الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَانِعًا يَعْمَلُ فَيَتَعَطَّلُ عَلَيَّ السَّبَبُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَيْرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - لَمْ يُعْدَمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ عُدِمَ فِي قَوْمٍ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي آخَرِينَ بَلْ نَجِدُ الْأَمْرَ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَهُوَ أَنَّ الصُّنَّاعَ إذَا عَلِمُوا مِنْ الشَّخْصِ أَنَّهُ يُوَسِّعُ لَهُمْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَيَتَحَذَّرُ عَلَى دِينِهِ وَدِينِهِمْ وَيُسَامِحُهُمْ وَيَتَغَاضَى لَهُمْ فِي شَيْءٍ مَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَتِهِمْ بِمَا لَا يَضُرُّهُ كَثُرَ خُطَّابُهُ وَعَزَّ أَمْرُهُ وَحَصَلَتْ لَهُ الْبَرَكَةُ فِي كُلِّ مَا يُحَاوِلُهُ.
[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ النَّاسِخِ وَكَيْفِيَّتِهَا]
اعْلَمْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ النَّاسِخَ فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ يَرْبُو عَلَى الْوَرَّاقِ؛ لِأَنَّهُ فِي عِبَادَةٍ عَظِيمَةٍ إذْ إنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ نَسْخُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ فِي الْفِقْهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.
فَإِنْ كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ التِّلَاوَةِ وَهِيَ مَحْضُ الْعِبَادَةِ وَبَيْنَ الْكِتَابَةِ سِيَّمَا إنْ تَدَبَّرَ فِيمَا يَكْتُبُهُ وَتَفَكَّرَ فِي مَعَانِيهِ فَبَخٍ عَلَى بَخٍ. وَإِنْ كَانَ يَكْتُبُ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي الثَّوَابِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْفَضِيلَةِ إلَّا مَا وَرَدَ (مَنْ كَتَبَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كِتَابٍ بَقِيَتْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مَكْتُوبَةً فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ) وَكَفَى بِهَا نِعْمَةً.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْذَرَ مِنْ النَّسْخِ فِي غَيْرِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ نَاقَضَ نِيَّتَهُ الَّتِي جَلَسَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ يُحَاوِلُ السَّبَبَ الَّذِي هُوَ فِيهِ بِنِيَّةِ إعَانَةِ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِتَيْسِيرِهِ عَلَيْهِمْ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ السِّلَعِ وَغَيْرِهَا وَأَنَّ الرِّزْقَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى سَبَبِهِ ذَلِكَ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النِّيَّاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا حِينَ خُرُوجِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ وَيَحْتَسِبُ خُطَاهُ وَتَعَبَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يُضِيفُ إلَى ذَلِكَ نِيَّةَ الْإِيمَانِ وَالِاحْتِسَابِ فَفِي هَذَا مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى إذْ إنَّهُ مَحْضُ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَنْسَخَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْكَذِبِ
كَقِصَّةِ الْبَطَّالِ وَعَنْتَرَةَ وَشَبَهِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ أَوْ الْحِكَايَاتِ الْمُضْحِكَةِ وَشِبْهِهَا فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي.
وَكَذَلِكَ لَا يَنْسَخُ لِظَالِمٍ أَوْ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الظُّلْمِ أَوْ مَنْ فِي كَسْبِهِ شُبْهَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْحُرُوفَ فِي كِتَابَتِهِ، وَلَا يُعَلِّقُ خَطَّهُ حَتَّى لَا يَعْرِفَهُ إلَّا مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ قَوِيَّةٌ بَلْ تَكُونُ الْحُرُوفُ بَيِّنَةً جَلِيَّةً فَلَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى النُّقَطِ دُونَ أَنْ يَنْقُطَهَا؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَخْتَلِفُ مَعَ التَّاءِ وَالثَّاءِ، وَلَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالنُّقَطِ، وَكَذَلِكَ الْجِيمُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيَتَحَفَّظْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِفِعْلِهِ تَعُمُّ الْمَنْفَعَةُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْقُطْ أَوْ يُعَلِّقْ خَطَّهُ عَكْسَ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَثَائِقَ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى شَيْءٍ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُمْ بَلْ بَعْضُهُمْ لَا يَعْرِفُ أَنْ يَقْرَأَ خَطَّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ اصْطِلَاحًا يَخُصُّهُ فِي ذَلِكَ قَلَّ أَنْ يَعْرِفَهُ غَيْرُهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ؛ لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاوِيَةَ رضي الله عنه «يَا مُعَاوِيَةُ أَلْقِ الدَّوَاةَ وَحَرِّفْ الْقَلَمَ وَانْصِبْ الْبَاءَ وَفَرِّقْ السِّينَ، وَلَا تُعْوِرْ الْمِيمَ وَحَسِّنْ اللَّهَ وَمُدَّ الرَّحْمَنَ وَجَوِّدْ الرَّحِيمَ وَضَعْ قَلَمَك خَلْفَ أُذُنِك فَإِنَّهُ أَذْكَرُ لِلْمُمْلِي» وَفِي كُتُبِهِمْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إضَاعَةُ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِ أَنْكِحَتِهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ الْكَاتِبُ أَوْ يَتَعَذَّرَ وُجُودُهُ، وَلَا يَعْرِفُ غَيْرُهُ أَنْ يَقْرَأَ مَا كَتَبَهُ فَإِذَا تَحَفَّظَ مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ عَمَّتْ مَنْفَعَةُ كِتَابَتِهِ لِأَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُنَقِّطْ أَوْ يُعَلِّقْ خَطَّهُ.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْسَخَ بِالْحِبْرِ الَّذِي يَخْرِقُ الْوَرَقَ فَإِنَّ فِيهِ إضَاعَةَ الْمَالِ وَإِضَاعَةَ الْعِلْمِ الْمَكْتُوبِ بِهِ سِيَّمَا إنْ كَانَتْ نُسْخَةُ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ مَعْدُومَةً أَوْ عَزِيزًا وُجُودُهَا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ النَّسْخُ بِالْحِبْرِ الَّذِي يُمْحَى مِنْ الْوَرَقِ سَرِيعًا وَأَمَّا النَّسْخُ بِالْمِدَادِ الَّذِي تَسْوَدُّ بِهِ الْوَرَقَةُ وَتَخْتَلِطُ الْحُرُوفُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَهَذَا مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ فَلَا شَكَّ فِي مَنْعِهِ
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكْتُبَ رِسَالَةً مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ وَمَا أَشْبَهَهَا فَنَعَمْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَكِتَابِ الْقَاضِي بِحُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَغَيْرِهَا فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي نَسْخِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ خَيْرَ الْخَطِّ مَا قُرِئَ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنَّهُ إذَا جَلَسَ لِلنَّسْخِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلْيَكُنْ فِي أَوَّلِ جُلُوسِهِ عَلَى وُضُوءٍ ثُمَّ يُغْتَفَرُ لَهُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَنْسَخُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ حِينَ يُبَاشِرُهُ فِي كُلِّ حِينٍ طَرَأَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ الْحَدَثِ فَيَتَوَضَّأُ فِي أَوَّلِ جُلُوسِهِ وَيُغْتَفَرُ لَهُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ.
(فَصْلٌ)
وَلْيَجْتَنِبْ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَقِّ الْخَيَّاطِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُمَاطَلَةِ بِالشُّغْلِ وَهَذَا أَوْلَى بَلْ أَوْجَبُ أَنْ يُوفِيَ بِمَا يَقُولُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَحْضِ الْعِبَادَةِ فَلَا يَشُوبُهَا بِمَا يُنَاقِضُهَا بِوُقُوعِهِ فِي خُلْفِ الْوَعْدِ بِقَوْلِهِ: غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ، ثُمَّ لَا يُوفِي بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِنْ وُقُوعِ الْأَيْمَانِ مِنْهُ فِيمَا يُحَاوِلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَزَّازِ وَغَيْرِهِ.
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُ النَّسْخَ مِنْ جَمَاعَةٍ فَيَنْسَخُ لِهَذَا وَلِهَذَا، وَلَا يُعْلِمُ أَحَدًا مِنْهُمْ أَنَّهُ يَنْسَخُ لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ يُنَاقِضُ النُّصْحَ لِمَنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الِاسْتِشْرَافِ وَالْحِرْصِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِمَا مِنْ الذَّمِّ.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْسَخَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ فِي عِبَادَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ فِي سَبَبٍ وَالْأَسْبَابُ كُلُّهَا يُنَزَّهُ الْمَسْجِدُ عَنْهَا هَذَا إذَا لَمْ يُلَوِّثْهُ فَإِنْ تُوُقِّعَ ذَلِكَ مُنِعَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا.
(فَصْلٌ)
وَيَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَنْ يَتْرُكَ مَا هُوَ فِيهِ وَيَشْتَغِلُ بِحِكَايَةِ الْمُؤَذِّنِ وَالتَّهَيُّؤِ لِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فِي جَمَاعَةٍ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ وَهُوَ يَكْتُبُ فِي أَثْنَاءِ الْوَرَقَةِ فَلَا يَتْرُكُ الْكِتَابَةَ حَتَّى يُكْمِلَهَا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ خَطُّ الْوَرَقَةِ بِسَبَبِ قِيَامِهِ عَنْهَا فَيُمْهَلُ حَتَّى يُتِمَّهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ
يُسَطِّرُ فِي أَثْنَاءِ الْوَرَقَةِ فَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ حَتَّى يُكْمِلَهَا. وَلَيْسَ هَذَا بِمَذْمُومٍ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى حُسْنِ الصَّنْعَةِ وَنُصْحِ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا مَا لَمْ يَخْشَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنْ يَنْسَخَ الْخِتْمَةَ عَلَى غَيْرِ مَرْسُومِ الْمُصْحَفِ الَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ عَلَى مَا وَجَدَتْهُ بِخَطِّ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله الْقُرْآنُ يُكْتَبُ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، فَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اعْتِلَالِ مَنْ خَالَفَ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْعَامَّةَ لَا تَعْرِفُ مَرْسُومَ الْمُصْحَفِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِمْ الْخَلَلُ فِي قِرَاءَتِهِمْ فِي الْمُصْحَفِ إذَا كُتِبَ عَلَى الْمَرْسُومِ فَيَقْرَءُونَ مَثَلًا وَجَائِي وَجَاي؛ لِأَنَّ رَسْمَهَا بِأَلْفٍ قَبْلَ الْيَاءِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61]{أَنَّى يُصْرَفُونَ} [غافر: 69] فَإِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ بِإِظْهَارِ الْيَاءِ إمَّا سَاكِنَةً وَإِمَّا مَفْتُوحَةً. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} [الفرقان: 7] مَرْسُومُ الْمُصْحَفِ فِيهَا بِلَامٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْهَاءِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهَا التَّالِي وَقَفَ عَلَى اللَّامِ.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى لَا أَذْبَحَنَّهُ {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} [التوبة: 47] مَرْسُومُهُمَا بِأَلْفٍ بَعْدَ لَا فَإِذَا قَرَأَهُمَا مَنْ لَا يَعْرِفُ قَرَأَهُمَا بِمَدَّةٍ بَيْنَهُمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ كَثِيرٌ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَرْسُومَ مِنْ الْأُمَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَتَعَلَّمَ مَرْسُومَ الْمُصْحَفِ فَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَالتَّعْلِيلُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ تَعَدَّتْ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ إلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي لَهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْسَخَ الْخِتْمَةَ بِلِسَانِ الْعَجَمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَهُ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَلَمْ يُنْزِلْهُ بِلِسَانِ الْعَجَمِ.
وَقَدْ كَرِهَ