المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وحديث: "إنَّ ذَا الوَجْهيْن لَا يَكُونُ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا" (1). وغير - المعين على تفهم الأربعين ت دغش

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمؤلف

- ‌شيوخه:

- ‌مؤلفاته

- ‌ثناءُ العلماءِ عليه:

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثاني: اسم الكتاب وتوثيق نسبته لابن الملقن:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ تأليفه:

- ‌المطلب الرابع: وصف النسخة الخطية:

- ‌المطلب الخامس: المآخذ على الكتاب:

- ‌المطلب السادس: منهجي في تحقيق الكتاب

- ‌فصلٌ

- ‌الإله

- ‌الرَّبُّ

- ‌العالمينَ

- ‌سَمَاحَةِ الدِّينِ

- ‌الحَدِيثُ الأَوّلُ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديثُ السَّادِس

- ‌الحديثُ السَّابعُ

- ‌الحديثُ الثامِنُ

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديثُ العَاشِرُ

- ‌الحَديِثُ الحَادِي عَشَرَ

- ‌الحدِيثُ الثاني عَشَر

- ‌الحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التَّاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرَّابعُ والعشْرُون

- ‌الحديثُ الخَامِسُ والعِشْرونَ

- ‌الحديثُ السَّادِسُ والعِشْرُونَ

- ‌الحديثُ السَّابعُ والعِشْرُونَ

- ‌الحديثُ الثَّامِنُ والعِشْرُونَ

- ‌الحَديثُ التَّاسِعُ والعِشْرُونَ

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديثُ الحادي والثلاثون

- ‌الحديثُ الثاني والثلاثون

- ‌الحديثُ الثالِثُ والثَّلاثُونَ

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحَدِيثُ الخَامِسُ والثلاثُون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌فهرس المراجع

الفصل: وحديث: "إنَّ ذَا الوَجْهيْن لَا يَكُونُ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا" (1). وغير

وحديث: "إنَّ ذَا الوَجْهيْن لَا يَكُونُ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا"(1).

وغير ذلك مِمَّا لا يُحْصَى كَثْرَةً.

وقال الهروي: "يعني بـ"جوامع الكلم": القرآن، جَمَعَ اللهُ فيه الألفاظ اليسيرة مِن المعاني الكثيرة"(2).

وقال ابن شهاب: "بَلَغَني أنَّ اللهَ تعالى يجمَعُ له الأمور الكثيرة التي كانت تُكتب في الكتب القديمة في الأَمْرِ الواحد والأمرين ونحو ذلك"(3). ذَكَرَهُ البيهقي في "دلائل النبوة" في إثر حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت بجوامع الكلم. ." الحديث وعَزَاهُ إلى البخاري ومسلم (4).

وقوله: "و‌

‌سَمَاحَةِ الدِّينِ

" هو إشارةٌ إلى قوله عليه الصلاة والسلام: "بُعِثْتُ بالحَنِيفيَّةِ السَّمْحَة" وهو حديث مرويٌّ مِنْ طُرُقٍ:

أحدها: من حديث أبي أمامة رواه الطبراني في "أكبر معاجمه" من حديث علي بن يزيد عن القاسم عنه رَفَعَهُ: "إني إنما بُعِثْتُ بالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ"(5).

(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، ولكن روى البخاري في "الأدب المفرد"(112 رقم 313)، وأحمد في "المسند"(13/ 270 رقم 7890)، وابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان"(374 رقم 283)، و"ذمّ الغيبة والنميمة" (185 رقم 144) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَنْبَغي لِذي الوَجْهينِ أنْ يَكُونَ أَمِينًا". وقد صححه الألباني في "الأدب المفرد"، وفي "السلسلة الصَّحيحة"(7/ 1 / 597 رقم 3197).

(2)

"الغريبين"(1/ 365) وذكره عنه: القاضي عياض في "إكمال المعلم"(2/ 438)، والقرطبي في "المفهم"(2/ 119)، والنووي في "شرحه لمسلم"(5/ 7).

(3)

"دلائل النبوة"(5/ 471).

(4)

"دلائل النبوة"(5/ 471). وقد رواه البخاري (4/ 54 رقم 2977)، ومسلم (1/ 371 رقم 523/ 6) عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

"المعجم الكبير"(8/ 222 رقم 7883) وفيه علي بن يزيد وهو الألهاني، وهو ضعيف كما في "التقريب"(707 رقم 4851).

ص: 50

ومن الوليد بن مسلم عن عفير بن معدان، عن سليم (1) بن عامر، عن أبي أُمامة -مرفوعًا- بِزِيادة:"ولم أبْعَث بالرَّهْبَانيَّة والبدعَةِ"(2).

ورواه أحمدُ في "مسندِه" عن مُعَان بن رفاعة (3) عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة رفعهُ: "إني لم أُبْعَث باليهوديَّة ولا بالنَّصرانية، ولكني بُعِثتُ بالحَنِيفِية السَّمحَةِ"(4).

ثانيها: من حديث ابن عباس رضي الله عنه قيل: يا رسول الله! أيُّ الأديان أَحَبُّ إلى الله؟ قال: "الحَنِيفِيَّةُ السَّمحَةُ".

رواه أحمد في "مسنده"، والطبراني في "أكبر معاجمه". وفي إسناده ابن إسحاق وهو حسن الحديث (5).

(1) في الأصل: "سلمان" والمثبت من "المعجم الكبير".

(2)

"المعجم الكبير"(8/ 170 رقم 7715). وفيه عفير بن معدان قال الهيثمي في "المجمع"(4/ 302): "وهو ضعيف". وقال في موضع آخر (10/ 58): "وهو مجمَعٌ على ضَعفِه".

(3)

في الأصل: "مالك" والتصويب من مصادر التخريج، وكتب التراجم. وهو "لَين الحديث كثير الإرسال" كما في "التقريب"(953 رقم 6795).

(4)

رواه أحمد (36/ 623 رقم 22291)، والطبراني في "الكبير"(8/ 216 رقم 7868)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 430 رقم 1218)، وابن عساكر في "الأربعون في الحث على الجهاد" (77 رقم 15) وإسناده ضعيف؛ فيه: علي بن يزيد الألهاني، ومعان بن رفاعة. لكن الحديث له شواهد يرتقي بها إلى الحسن. ولذلك ذكره الألباني رحمه الله في "الصحيحة"(6/ 2 / 1022 رقم 2924).

(5)

علَّقه البخاري في الصحيح" (1/ 16) ووصله في "الأدب المفرد" (104 رقم 287)، ورواه أحمد (4/ 16 رقم 2107)، وعبد بن حميد (1/ 497 رقم 567)، والطبراني (11/ 181 رقم 11571، 11572)،، وإسناده ضعيف لتدليس ابن إسحاق. وقد حكان إسناده الحافظ في "الفتح" (1/ 117)! لكن الحديث حَسَنٌ بالشواهِدِ. انظر: "السلسلة الصحيحة" (2/ 569 رقم 881).

ص: 51

ثالثها: مِن حديث عروة الفُقَمي رفعه: "يا أَيُّها النَّاسُ، إِنَّ دِينَ اللهِ يُسْرٌ" قالها ثلاثًا. رواه أحمد في "مُسْندهِ"(1).

ورابعها: من حديث مِحجن بن الأدرع السلَمي رَفَعَهُ: "إن خيرَ دِينِكُم أيْسَرُهُ" ثلاثًا. رواه أحمدُ أيضًا (2).

خامِسُها: مِن حديث عائشة أنها لَمَّا نَظَرَت إلى زَفْنِ (3) الحبشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِتَعلَمَ يهودُ أنَّ في دِيننا فُسْحَةً، إني أُرسِلتُ بحَنِيفِيَّةٍ سَمحَةٍ" رواه أحمد -أيضًا- (4).

سادِسُها: من حديث ابن أبي رَوَّاد قال: أخبرني محمد بن واسع أنَّ رجُلًا قال: يا رسول الله! جرٌّ مُخَمَر جديدٌ أحبُّ إليكَ أن تَتَوضَّأ منهُ أو مما يَتَوَضّأُ

(1)(34/ 269 رقم 20669)، ورواه البخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 30 - 31)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2/ 397 رقم 1190)، وأبو يعلى (12/ 274 رقم 6863)، والطبراني في "الكبير"(17/ 146 رقم 372)، وابن قانع في "مُعجمه"(2/ 262 رقم 780)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(4/ 2186 رقم 5483، 5484) وإسناده ضعيف فيه: عاصم بن هلال "فيه لين"["التقريب" (474 رقم 3098)]، وغاضرة بن عروة الفقيمي، قال فيه ابن المديني:"شيخٌ مجهولٌ". كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (7/ 56).

وبعض أهل العلم يوثق عاصمًا كأبي حاتم وأبي داود. وعليه فيُحسنون الإسناد لغيره.

(2)

(31/ 313 رقم 18976)، والطبراني في "الكبير"(20/ 269 رقم 704، 705). قال الهيثمي في "المجمع"(3/ 308): "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا رجاء، وقد وثقه ابن حبان". قلت: وفاته أن ينسبه للطبراني؛ ورجاء هو ابن أبي رجاء الباهلي، قال الحافظ في "التقريب" (324 رقم 1932):"مقبول" يعني حين يُتابع وإلَّا فلين.

(3)

قال السندي: "زَفْن الحبشة -بفتح فسكون-: الرقص". "المسند"(41/ 349)، وانظر:"تهذيب اللغة"(13/ 224).

(4)

"المسند"(41/ 349 رقم 24855)، (43/ 115 رقم 25962). وحسن إسناده الألباني في "السلسلة الصحيحة"(6/ 2 / 1023 - 1024 تحت رقم 2924).

ص: 52

الناس منه؟ قال: " [بلْ مِمَّا يتوضأُ الناسُ مِنْهُ أحَبُّ إلَي] (1)، أحب الأَديَانِ إلى اللهِ الحَنِيفِية السمحة". قيل: وما الحنيفية السمحة؟ قال: "الإسلامُ الواسِعُ" روَاه عبد الرزاق في "مُصَنَّفه" عن ابن أبي رَوَّادٍ به (2).

سابعها: من حديث سعيد بن العاصي أنَّ عثمان بن مظعون قال: يا رسول الله! ائذن لي في الإختصاء! فقال: "يا عثمان! إنَّ الله قد عرَّفَنا (3) بالرَّهْبَانِيةِ، الحَنِيفيةِ السَّمحَةِ، والتَّكْبِير على كُلِّ شرَفٍ، فإن كنتَ مِنا فاصنعَ كمَا نَصنع" رواه الطبراني في "مُعجَمِهِ" مِن حديث أَبي أُمَيَّةَ الطَّائِفِي حدَّثَنِي جَدِّي، عن جَدِّه (4) سعيد به (5).

ثامِنُها: من حديث أُبيّ بن كعب قال: أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الحنيفية السمحة (6)، لا اليهودية ولا النَّصرانية" رواه أبو عمرو بن مُعلى في فوائده بإسنادٍ جيِّد (7). وهذا مما نُسِخَ لفظهُ وبقي معناهُ.

(1) ما بين المعقوفتين ليس في مصنَّف عبد الرزاق! وزعم محققه أنه سقط من الأصل! وقدَّره في الحاشية بنحو ما في أعلاه، فليُستدرك، وليُصحِّح طالب العلم نُسخته.

(2)

(1/ 74 رقم 338)، ورواه الطبراني في "الأوسط"(1/ 242 رقم 794) عن ابن عمر [أنه هو السائل] من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع به، وابن أبي روّاد "صدوق ربما وَهم" كما في "التقريب"(612 رقم 4124).

(3)

في "المعجم الكبير": "أبدلنا".

(4)

في الأصل: "عن جده عن سعيد به". والتصويب من "الطبراني".

(5)

رواه في "المعجم الكبير"(6/ 62 رقم 5519). قال الهيثمي في "المجمع"(4/ 252): "وفيه إبراهيم بن زكريا ضعيف". وانظر: (9/ 38 رقم 8319) منه.

(6)

كتب فوقه بالأصل: "والتي لا ضيقَ فيها ولا حَرَج".

(7)

رواه أحمد (35/ 129 رقم 21202، 21203)، والترمذي (6/ 190 رقم 3898)، والطيالسي (1/ 435 رقم 541)، والحاكم (2/ 224). قال الترمذي:"هذا حديث حَسنٌ صحيح". وقال الحاكم: "هذ حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.

ص: 53

ويؤيد هذه الطُّرق حديث أبي هريرة الثابت في "صحيح البخاري" أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الدِّينَ يُسرٌ، ولن يُشادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا

" الحديث (1).

وحديث أنس الثابت في "صحيح مسلم" أنه صلى الله عليه وسلم " قال: "يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا" (2).

ويؤيد ذلك كُلَّه ظَوَاهِرُ القُرآن العزيز، قال الله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66]، وقال:{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28]، وقال: هو {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]، وقال:{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178]، وقال:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وأجاب الله تعالى الصحابة حين دَعَوْا بقوله:{اوَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} بقوله: "نعم، وَقَد فَعَلْتُ" كَمَا ثَبَتَ في "صحيح مسلم"(3).

وقال في صِفَةِ نَبِيِّنا -عليه أفضل الصلاة والسلام-: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].

قيل: كانت بنو إسرائيل يقرِضونَ مَحَلَّ البول بالمقاريض مِن جُلودهم إذا أصابهم، ولا يُجزئهم غَسلُه.

وإذا أتى أحدهم ذنبًا أصبحَ مكتوبًا على باب داره فيقام عليه حدّه.

(1)(1/ 16 رقم 39، 5673، 6463، 7235) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

(2)

رواه البخاري (1/ 25 رقم 69، 6125)، ومسلم (3/ 1359 رقم 1734).

(3)

(1/ 115 رقم 123) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 54

وكانت توبتهم بقتل أنفُسِهم.

وكان موجب القتال عندهم القتل عينًا، ولا تُقبَلُ الدِّيَةُ.

وفي "الصحيح": "فُضِّلتُ على الأَنبِياءِ بِسِتٍّ .. " الحديث كما سلف.

وكُلّ هذا ونحوه مِن سماحة الدين وتشديد غيره؛ فديننا -إذن- أسمَحُ الأَديَان.

وقوله: "وَصَلَوَاتُهُ وَسَلامُهُ عليهِ وعلى سَائِرِ النَّبِيِّين والمرسَلِينَ، وآلِ كلٍّ و [سائِر] (1) الصَّالِحِين". قد سَلف معنى الصلاة والسلام.

و"سائِر" أي: باقي وجميع، ولم ينفرد الجوهري بالثاني فقد وافقه الجواليقي، وابن بزي (2).

و"النَّبِيّونَ" جمع نبي، وهو الذي ينبئ، أي: يُخبر عن الله تعالى، فعيل بمعنى مفعِل -بكسر العين- أي: مُبلّغ الأحكام.

وقيل بفتحها، أي: لأن الله أعلمه ذلك. وقد أوضحتُ الكلام على هذه المادة في "شرحِي لعُمدَةِ الأحكَام"(3)، وذَكَرتُ عدد الأنبياء والمرسلين (4) فَرَاجِعهُ منه فإنَّهُ من المُهمَات، وقد سَلَفَ الكلام عليه.

(1) من متن "الأربعين".

(2)

انظر: "الصحاح"(2/ 692)، و"لسان العرب"(4/ 340)، و"تهذيب اللغة" (13/ 47). وقال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 327) في الكلام على "سائر":"والناس يستعملونه في معنى الجميع، وليسَ بصحيح".

(3)

"الإعلام"(1/ 105).

(4)

"الإعلام"(1/ 108 - 109). وجاء في هامش الأصل: "عدد الأنبياء: مائة ألف نبي وعشرون ألف نبي، وعدد المرسلين ثلاثمائة وثلاثة عشر مرسلًا".

ص: 55

وذَكَر بعضهم أنَّ النبي لم يُنزل عليه كتاب، ولم يؤمر بحُكْمٍ جَدِيدٍ، بل أُمِر بالدعاء إلى دين مَنْ قَبْلَهُ، بخلاف الرَّسول.

وذَكَر بعضهم أنَّ الرسول: مَنْ نَزَلَ عليه جبريل وأمرهُ بالتبليغ. والنبي: من لم ينزل عليه جبريل، بل سمِع صوتًا، أو رأى في المنام أنكَ نبيٌّ فَبَلِّغ الناس.

وقوله: "وآلِ كُلٍّ " أي مِنَ النبيين، حَذَف المضاف إليه لدلالة الكلام عليه، والتنوين في "كلٍّ " عوضٌ مِنَ الإضافة.

و"آل" أصله: أهل، بدليل تصغيره [على أُهيْل](1)، ثمَّ أبدل من الهاء همزة، ثم أبدل منها ألف. وقيل: أصله "أوَل"، تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقُلِبَت ألفًا.

وقيل في تصغيره: أويل، فأبدلت الألف واوًا، ولم يرد إلى الأصل كما لم يردُّوا "عيدًا" إلى أَصلِهِ، إذْ قالوا: عُييد (2).

و"آله" عند الشافعي: بنو هاشم، وبنو المطلب (3).

وقيل: عترته وأهل بيته.

وقيل: كُلُّ الأمة، واختاره الأزهري وغيره من المحققين (4).

وآل إبراهيم: إسماعيل وإسحاق وأولادهما، قاله صاحب "الكشاف"(5).

(1) من الهامش، ورأيت أن إضافتها هنا أنسب، وهي مثبته في "الإعلام"(1/ 112).

(2)

في الهامش: "والأصل عويد، لئلا يلتبس بتصغير عود".

(3)

كتب فوقها بالأصل: "مؤمنو بني هاشم ومؤمنو عبد المطلب".

(4)

انظر: "الزاهر" للأزهري (169 - 170)، و"المجموع" للنووي (1/ 120)، و"جلاء الأفهام" لابن القيم (316 - 343)، و"الإعلام" للمؤلف (1/ 111 - 114).

(5)

انظر: "الكشاف"(1/ 269).

ص: 56

وأَمَّا "آل" غيرهما فابحث عنهُ (1).

و"الصَّالِحُونَ" جمعُ صالِحٍ، وهو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد -جعلنا الله منهم-.

وقوله: "أَمَّا بعدُ" أي: أمَّا بعد ما سَبَق -وهو الحمدُ والصلاة-.

وبدأ بها للأحاديث الصحيحة أنه عليه الصلاة والسلام كان يقولها في خُطَبه وشبهها، رواه عنه اثنان وثلاثون صحابيًّا (2)؛ وفي المبتدئ بها خمسة أقوال:

داود، وهي "فضلُ الخِطاب" الذي أوتيهُ؛ لأنَّ المتكلم يفصلُ بها بين خُطبه ومواعظه.

وقيل: إن فصل الخطاب: البَيِّنَةُ على [المُدَّعي](3) واليمين على من أنكر.

ثانيها: قِسُّ بن سَاعِدة.

ثالثها: كعب بن لُؤي.

رابعها: يَعرُب بن قحطان.

خامسها: سَحبَان (4).

وفي ضَبْطها أربَعَةُ أوجهٍ: ضَمُّ الدال، وفتحُها، ورفعُها منونةً، وكذا نصبُها.

قوله: "فقد رُوِّينا" الأجودُ في قراءةِ هذه اللفظة: ضَمُّ الراء وتشديدُ الواو وكَسْرها. أي: روى لنا مشايخنا كذا فسمعناه عليهم.

(1) لا تتعب نفسك في البحث! انظره في: "جلاء الأفهام" لابن القيم (320 - 324).

(2)

في الإعلام (1/ 115) خمسة وثلاثون صحابيًّا!

(3)

في الأصل طمس.

(4)

انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 405)، و"الإعلام" للمؤلف (1/ 115 - 116).

ص: 57

ويجوز فتح الراء -أيضًا-، يُقال: روى يروي، إذا نَقَلَ عن غيره.

وقوله: "فقد رُوِّينا عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم مِنْ طُرُقٍ كثِيراتٍ بِرِواياتٍ مُتَنَوِّعاتٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَفِظَ على أمَّتي أربَعينَ حَدِيثًا مِنْ أمرِ دينِها بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ في زمرَةِ الفُقَهاءِ والعُلَمَاءِ" (1).

وفي روايةٍ: "بَعَثَهُ اللهُ فَقِيهًا عَالِمًا"(2).

وفي روايَةِ أبي الدَّردَاءِ: "وكُنْتُ لهُ يومَ القِيَامَةِ شافِعًا وشَهيدًا"(3).

وفي رِوايةِ ابن مسعود: "قيلَ لهُ ادخُلِ مِنْ أيِّ أبوابِ الجنةِ شِئْت"(4).

(1) رواه الآجري في "الأربعين"(134 - 135)، والرامهرمزي في "المحدّث الفاصل"(173)، والقاضي عياض في "الإلماع"(19 - 22)، وابن عساكر في "الأربعين البلدانية"(40 - 41)، وابن الجوزي في "العلل"(1/ 112) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. وفي إسناده محمد بن إبراهيم السائح كذَّبه الدارقطني كما في "ميزان الاعتدال"(3/ 446)، وبه أعله ابن الجوزي في "العلل".

(2)

رواه ابن عبد البر في "الجامع"(1/ 192 رقم 204)، وابن الجوزي (1/ 118) من حديث أنس رضي الله عنه. قال ابن عبد البر بعده:"علي بن يعقوب -أحد الرواة- ينسبونه إلى الكذب ووضع الحديث، وإسناد هذا الحديث كله ضعيف".

(3)

رواه ابن حبان في "المجروحين"(2/ 115)، وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات"(1/ 370 رقم 389)، وابن عساكر في "الأربعين البلدانية"(39 - 40)، والسلفي في "الأربعين البلدانية"(30)، وابن الجوزي في "العلل"(1/ 113)، والبيهقي في "الشعب" (3/ 241 رقم 1597). وإسناده موضوع فيه عبد الملك بن هارون بن عنترة. قال ابن حبان في "المجروحين":"كان ممن يضع الحديث، لا تحل كتابة حديثه".

(4)

رواه أبو نعيم في "الحلية"(4/ 189)، وابن عساكر (41 - 43)، وابن الجوزي (1/ 112). وفي إسناده محمد بن حفص. وحكم العلامة الألباني في "الضعيفة" (10/ 97 - 104 رقم 4589) على جميع طرقه بأنها:"موضوعة".

ص: 58

وفي روايَةِ ابنِ عُمَرَ: "كُتِبَ في زمرَةِ العُلَمَاءِ، وحُشِرَ في زُمرَةِ الشُّهداء"(1).

قلتُ: ورُوِي -أيضًا- عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، وأبي أمامة، وجابر بن سمرة، ونويرة، ذَكَرها ابن الجوزي في "عِلَله"(2).

وذكر المنذري الحافظ في جزء مفردٍ من هذه الطرق كلها وزيادة: سلمان الفارسي، فهذه -مع ما ذكره المُصَنِّف- أربَعَةَ عشر طريقًا، وسيأتي ترجمة من وقَعَ مِنهُم في الكتاب.

ومعنى "الحفظ" هنا: نقلها إلى المسلمين، وإنْ لم يحفظها ولا عَرَفَ معناها، هذا حقيقة معناه، وبه يحصلُ انتفاع المسلمين لا بحفظ مَا لَمْ يُنقل إليهم، قاله المُصنِّف في آخر "الأربَعِين" في آخِر الباب الذي أَفرَدَهُ لبيانِ المُشكِلات (3).

وقد يُقال: المرادُ هنا حِفظُ مَعَانِيها، إذْ بهِ يُسمَّى فقيهًا، ويدخُلُ في الحديث مَن اجتهدَ في طرق تصحيحه وتدوينه، كالبخاري ومُسلم وغيرهما، ومَنْ نَقَلها مِن كُتُبِهم فقد قرَّبَها للمُتَعَلِّمِين؛ فلهُ أجْرُ ذلك، وأمَّا أجرُ الحفظِ فأبلغ، ويدخل فيه الأحاديث الضعيفة إذا كانت في الترغيب والترهيب فقط، لأنه يُعمَل بها (4).

فائدة: إن قيلَ: ما وجهُ التخصيص بهذا العدد دونَ سائر مقادير العدد؟ وأجيب عنه بأنه روي عن بِشر الحافي أنه قال: "يا أهل الحديث! اعمَلُوا مِن

(1) رواه ابن الجوزي (1/ 117).

(2)

"العلل المتناهية"(1/ 111 - 121).

(3)

انظر ص (103) من "الأربعين".

(4)

هذا القول ضعيف، ونتائجه سيئة وخطيرة، فمنها: تساهل الناس في رواية الأحاديث الضعيفة في الكتب والدروس وعلى المنابر وغيرها، وهو مخالفة صريحة للأحاديث الصحيحة التي جاءت بالتحذير من التحديث إلَّا بعد التَّثبت من صحة الحديث.

وما اشترطه بعض أهل العلم من شروط في رواية الضعيف فهو أمر غير ممكن التطبيق إلا في النادر والنادر لا حكم له. انظر: "الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به" للشيخ د. عبد الكريم الخضير (249 - 300)، و"المحرر" للشيخ د. حمد العثمان (115 - 166).

ص: 59

كُلِّ أربعين حديثًا بحديث كما قال عليه الصلاة والسلام: "أَدُّوا رُبعَ عُشر أَموَالِكُم مِنْ كُلِّ أَربَعِينَ دِرهمًا دِرهمٌ"(1).". وإنما قال ذلك؛ لأنّه أقل عدد له ربعُ عشر صحيح، وإلَّا فزكاة الفضة إنما تجِبُ في مائتين فصاعِدًا.

فائدة: أفتى الكيا الهراسي -من كبار أصحاب الشافعية- بأنَّ مَنْ حَفِظَ أربعين مسألة فهو فقيه، وفيه نظرٌ كما قال الرافعي (2)؛ لأنَّ حِفْظَ الشيء غير حفظه على الغير، وأيضًا فقد تجتمع أحاديث كثيرة في المسألة الواحدة.

وقوله: "واتَّفَقَ الحُفَّاظُ على أَنَّهُ حديثٌ ضعيفٌ وإِنْ كَثُرَتْ طُرقُه" هو كما قال، وقد أوضَحَ ضعفها ابن الجوزي في "عِلله"، وبرهن لهُ (3).

وقال الحافظ زكي الدين المنذري في جُزئه الذي أفرده في ذلك في أوراقٍ لطيفة: "ليسَ في جميع طرقه ما يقوى وتَقُومُ به الحُجَّة، ولا تَخْلُو طريق من طرقه أن يكون فيها مجهول، أو معروف مشهور بالضعف".

ولَمَّا أَخْرَجَهُ ابن عبد البر مِن حديث الإمام مالك قال: "هذا حديثٌ غير محفوظ ولا معروف من حديث مالك، ومَن رواه عن مالك فقد أخطأ عليه، وأضاف ما ليسَ في روايته له"(4).

(1) رواه أحمد (2/ 118 رقم 711، 1233)، والترمذي (2/ 8 رقم 620)، وأبو داود (2/ 158 رقم 1574)، والنسائي (5/ 37 رقم 2477، 2478)، وفي "الكبرى"(3/ 26 رقم 2268، 2269)، والدارمي (2/ 1013 رقم 1669)، والبيهقي في "الكبرى" (4/ 117 - 118) عن عاصم بن ضمرَة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو حديث صحيح. وقد صححه الشيخ الألباني في "السنن". وانظر:"البدر المنير"(5/ 556 - 557) للمؤلف، و"صحيح سنن أبي داود"(5/ 291 رقم 1404) للألباني.

(2)

رواه عنه تلميذه الله السِّلفي في "الأربعين البلدانية"(29).

و"الكيا" هو: علي بن محمد الطبري (ت: 504 هـ). انظر: "طبقات الشافعية"(4/ 281).

(3)

"العلل المتناهية"(1/ 111 - 122).

(4)

"جامع بيان العلم وفضله"(1/ 193).

ص: 60

وقال في كتاب "العلم": "إسنادهُ كلّه ضعيف

، وأخرجه ابن السكن مِن رواية خالد بن إسماعيل، وقال: خالد هذا هو أبو الوليد المخزومي، وهو مُنكَرُ الحَدِيث.

قال: وليسَ يُروَى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهٍ يَثْبُت" (1)،

قال الدارقطني في "عِلله": "كُلّ طُرُقِ هذا الحديث ضِعاف، ولا يثبت منها شيء"(2).

وأخرجهُ البيهقي مِنْ حَديث الإمام مالك وغيِره وقال: "أسانيد هذا الحديث كلها ضعيفة"(3).

وأخرجه -أيضًا- ابن عساكر الحافظ من طُرُق، وقال:"قد رُوي هذا الحديث أيضًا عن: علي، وابن عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي أمامة، وأنس مرفوعًا بأسانيد فيها كلها مقال، ليسَ فيها للتصحيح مجال"(4).

وأَمَّا قوله الحافظ أبي طاهر السِّلَفي في "أربعينه" أن هذا الحديث: "روي من طُرق وثقوا بها، وركنوا إليها، وعرفوا صحتها، وعولوا عليها"(5). فليسَ بِجَيدٍ مِنْهُ.

قال الحافظ عبد العظيم المنذري: "فيما قالَهُ نَظَر". قال: "ويمكن أَنْ يكون سلَكَ في ذلكَ مَسْلَكَ مَن رأى أنَّ الأحاديث الضعيفة إذا انضمَّ بعضها إلى بعضٍ أحْدَثَ قوَّةً".

(1)"الجامع"(1/ 192، 198).

(2)

"العلل" للدارقطني (6/ 34).

(3)

"شعب الإيمان"(3/ 241)، وانظر: كتاب "الأربعون الصغرى" له (22).

(4)

"الأربعون البلدانية"(43).

(5)

"الأربعون البلدانية" للسلفي (25).

ص: 61

قلتُ: وَوَرَدَ في حديث آخر: "مَن حَفِظَ عَلَى أُمَّتِي حَدِيثًا واحِدًا كانَ لَهُ كَأَجْرِ أَحد وسَبْعِينَ نَبِيًّا صَدِّيقًا".

أنبأنا به الحافظ شمسُ الدين الذَّهبي، أنبا أبو المعالي محمد بن محمد (1) بن عبد العزيز الجذامي الإسكندري، أنبا جدي، أنبا أبو طاهر الحافظ قال: كَتَبَ إِليَّ أبو الفتيان عمر بن أبي الحسن الحافظ، أنبا أحمد بن محمد البجلي الحافظ، أنبا محمد بن أحمد بن يعقوب الزرقي -زرق من قُرى مرو-، ثنا أبو حامد أحمد بن عيسى بن مهدي -إملاءً-، ثنا محمد بن رزام المروزي، ثنا محمد بن أيوب الهنائي، ثنا حميد بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن دلهم، عن ابن عباس مرفوعًا فَذَكَرَهُ (2).

قال أبو الفتيان: "كَتبهُ عَنِّي الحافظ أبو بكر الخطيب بصور"(3).

قلتُ: هذا حديثٌ موضوعٌ، وإسنادهُ مُظْلِم، والظاهر أنَّ الآفةَ فيه مِن ابن رزام الكذَّاب (4).

وقوله: "وقد صَنَّفَ فيه عبدُ الله بن المبارك (5).

(1) في "تذكرة الحُفَّاظ": "أحمد".

(2)

رواه السِّلفي في "الأربعين"(32 رقم 3)، وابن عساكر في "الأربعين البلدانية"(44) من طريق الحافظ أبي طاهر به.

(3)

"تذكرة الحُفَّاظ"(4/ 1239) في ترجمة أبي الفتيان.

(4)

قال الحافظ الذهبي رحمه الله في "تذكرة الحُفاظ"(4/ 1239): "هذا مما تَحرُمُ روايته إلَّا مقرونًا بأنه مكذوبٌ مِنْ غير تَرَدُّدٍ، وقبَّحَ اللهُ مَنْ وضعَهُ، وإِسنَادهُ مُظْلِمٌ، وفيهم: ابن رزام كذَّابٌ، لَعَلَّه آفتهُ".

(5)

المتوفى سنة (181 هـ)، انظر:"العلل المتناهية"(1/ 121). وكتابه له نسخة خطية في مركز البحث العلمي في جامعة أم القرى في ورقتين.

ص: 62

ثمَّ محمد بن أَسْلَم الطُّوسِي العالمُ الرَّباني (1)، ثم الحسن بن سفيان النَّسَوي (2)، وأبو بكر الآجُرِّي (3)، وأبو بكر محمد بن إبر اهيم الأصبَهاني (4)، والدَّارَقُطْني (5)، والحاكم (6)، وأبو نُعَيم (7)، وأبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ (8)، وأبو سعدٍ المَالِيني (9)، وأبو عثمان الصَّابُونيُّ (10)، ومحمدُ بن عبد اللهِ الأَنصَاريُّ (11)، وأبو بكرٍ البَيْهقيُّ (12)، وخلائقُ لا يُحصَونَ مِنَ المُتَقَدِّمِين والمُتَأَخِّرينَ".

(1) الإمام محمد بن أسلم الطوسي (ت: 242 هـ)، طبع كتابه بتحقيق الأخ الشيخ مشعل بن باني المطيري -وفقه الله-، وصدر عن دار ابن حزم (1421 هـ).

(2)

طبع بتحقيق الشيخ محمد بن ناصر العجمي -حفظه المولى-، وصدر عن دار البشائر البيروتية، عام (1414 هـ).

(3)

طبع بتحقيق الشيخ بدر البدر - حفظه الله -، عن دار المعلا بالكويت عام (1408 هـ).

(4)

المتوفى سنة (466 هـ). انظر: "السير"(18/ 338).

(5)

علي بن عمر الإمام المشهور صاحب "السنن" و"العلل" وغيرها، (ت: 385 هـ). انظر: "السير"(16/ 449).

(6)

محمد بن عبد الله النيسابوري، صاحب "المستدرك" (ت: 405 هـ)، انظر في توثيق كتابه:"السير"(20/ 197)، و"طبقات الشافعية" للسبكي (4/ 167).

(7)

أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت: 430 هـ)، له "الأربعون في التصوف"، و"الأربعون في الأحكام"، انظر:"السير"(19/ 306).

(8)

محمد بن الحسين السلمي، تكلَّموا فيه وليس بعمدة، وقيل: كان يضع الأحاديث للصوفية (ت: 412 هـ). انظر: "السير"(17/ 247).

(9)

(ت: 412 هـ). انظر: "السير"(17/ 303).

(10)

(ت: 449 هـ)، انظر في "الأربعين" له:"كشف الظنون"(1/ 53).

(11)

أبو إسماعيل الهروي، شيخ الإسلام (ت: 481 هـ). له "الأربعون في دلائل التوحيد" طبع بتحقيق فضيلة الشيخ أ. د. علي بن محمد بن ناصر الفقيهي -حفظه الله تعالى-، وطبع سنة (1404 هـ)، وله "الأربعون في السنة" انظر:"السير"(18/ 509).

(12)

طبع بتحقيق محمد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، (1407 هـ)، وطبعت بتحقيق أبي إسحاق الحويني، عن دار الكتاب العربي، (1408 هـ)، وحقق رسالة علمية بجامعة الإمام عام (1401 هـ). وهو "الأربعون الصغرى"، أما "الكبرى" فلم تطبع بعد.

ص: 63

هو كما قال، ويبعُدُ إحصاؤهم حتى إلى زماننا هذا وهلُمَّ جَرًّا.

ومنهم: الطائي (1)، والسِّلَفي (2)، والمنذري (3)، وإمام الحرمين (4).

والطُّوسي: بِضَمِّ الطاء.

و"الرَّبَّاني": مَنْ أُفِيضَت عليهِ معارِفُ رَبّهِ، ورَبَّى الناس بِعِلمِهِ.

و"النَّسَوي": -بفتح النون ثم سينٌ مُهْمَلة ثم واو-: نسبة إلى نَسَا.

و"الآجريّ": -بهمزة مفتوحةٍ ممدودةٍ- (5)، ولم يذكرها السمعاني في "أنسابه" ولا مَنْ تَبِعَهُ! (6).

(1) هو أبو الفتوح محمد بن محمد الطائي (ت: 555 هـ)، طبع "الأربعون" له بتحقيق الدكتور علي حسين البواب، وصدر عن دار المعارف بالرياض، عام (1417 هـ).

(2)

قال الذهبي في "السير"(21/ 21): "ولقد خرَّج "الأربعين البلدية" التي لم يُسبق إلى تخريجها، وقَل أن يتهيأ ذلك إلا لحافظٍ عُرِف باتِّساع الرحلة". وأربعينه مطبوعة في مكتبة أضواء السلف بالرياض بتحقيق مسعد بن عبد الحميد السعدني عام (1418 هـ).

(3)

عبد العظيم بن عبد القوي المنذري الإمام الحافظ (ت:656 هـ)، له "الأربعون في اصطناع المعروف وإغاثة الملهوف" مطبوع بتحقيق سالم بن أحمد السلفي، وصدر عن مكتبة التراث، (1408 هـ)، وطبعت مع شرحها للثعالبي (ت: 875 هـ) بتحقيق محمد الطنجي، الرباط وزارة الدولة للشؤون الدينية. وخرّج أحاديثها صدر الدين المناوي (803 هـ) وطبعت في عالم الكتب ببيروت بتحقيق سمير المجذوب. وانظر:"السير"(23/ 321).

(4)

عبد الملك بن عبد الله (ت: 478 هـ)، انظر:"السير"(18/ 469).

وانظر للاستزادة فيمن ألَّف في "الأربعين": "الأربعون البلدانية"(33 - 37)، و"العلل المتناهية"(1/ 121 - 122)، و"كشف الظنون"(1/ 52 - 61).

تنبيه: الإحالات فيما تقدم لتوثيق نسبة الكتب لا للترجمة، فإن من تقدَّم ذِكرُهم أعلام مشاهير، وقد ذكرتُ أسماءهم، وتواريخ وفياتهم للفائدة لا أكثر.

(5)

فائدة: "الطوسي" نسبة إلى طوس قرية من قرى بخارى، و"نَسَا": مدينةٌ بخُراسَان، والنسبة إليها:"نسائي" و"نسوي". و"الآجري": نسبة إلى محلة كانت ببغداد بالجانب الغربي. ينظر -على الترتيب-: "معجم البلدان"(4/ 50)، (5/ 282)، (1/ 51).

(6)

بل ذكرها السمعاني في "الأنساب"(1/ 68)، وذكرها من تَبِعَهُ! انظر:"الإكمال" لابن ماكولا (1/ 133)، و"تكملة الإكمال" لابن نقطة (1/ 169).

ص: 64

و"الأصبهاني": -بكسر الهمزة وفتحها-، وبالفاء بدل الباء.

و"الدَّارَقُطْنِي": -بفتحِ الراء- نسبة إلى دار القطن محلَّة كبيرة ببغداد.

و"السُّلَمي": -بضمِّ السين وفتح اللام-، نسبة إلى سليم بن منصور قبيلةٌ مشهورة، واسمه محمد بن الحسين، وهو ابن بنت أبي عمرو بن بجيد السلمي.

و"المَالِيني": -بفتح الميم، وكسر اللام، ثم مثناة تحت ساكنة، ثمَّ نون- نسبة إلى مالين، وهي: قُرَى مجتمعة مِن أعمال هراة، يقال لجميعها: مالين، وأهل هراة يقولون: مالان. كذا ذَكره السمعاني، وكَنَّاه أبا أسْعَد (1)، وسماه أحمد بن محمد (2)، وهو رَاوِيَةُ ابن عَدِيٍّ الحافظ.

و"الصَّابُوني": نسبة إلى عمله، ولعَلَّ أَجدَادَ أبي عُثمان هذا -واسمه إسماعيل بن عبد الرحمن شيخ الإسلام- كان يَعمله (3).

وهذه الألفاظُ ضَبطتُها ليعرفها المبتدئ في هذا الفنِّ.

وقوله: "وقد اسْتَخَرتُ الله تعالى في جَمعِ أَربَعينَ حَديثًا اقتِداءً بهؤلاءِ الأَئِمَّةِ الأَعلامِ وحُفَّاظِ الإسلامِ.

وقدِ اتَّفَقَ العُلَمَاءُ على جَوازِ العَمَلِ بالحَدِيثِ الضَّعيف في فَضَائِلِ الأعمَالِ، ومَعَ هذا فليسَ اعتِمَادي على هذا الحديثِ، بلْ على قولهِ صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصَّحيحَةِ:"لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ مِنْكُم الغائبَ".

(1) والصواب أنه: "أبو سعد" كما في "تاريخ بغداد"(4/ 371)، و"معجم البلدان"(5/ 44)، و"شرح الأربعين" لابن دقيق (19)، و"السير".

(2)

انظر في ترجمته: "السير"(17/ 301).

(3)

انظر: "الأنساب" للسمعاني (8/ 247).

ص: 65

وقوله صلى الله عليه وسلم: "نضَّرَ اللهُ امرأً سَمِعَ مقالَتِي فوعَاها فأَدَّاها كمَا سَمِعَها".

ثمَّ مِنَ العُلَماءِ مَنْ جَمَعَ الأربَعينَ في أُصُولِ الدِّين، وبَعضُهم في الفُرُوعِ، وبعضهم في الجِهادِ، وبعضهم في الزهدِ، وبعضهم في الآدابِ، وبعضهم في الخُطَبِ، وكلُّها مَقَاصِدُ صالِحَةٌ، رضي الله عن قاصِديها.

وَقَد رَأَيْتُ جَمعَ أربَعينَ أَهمَّ مِنْ هذا كلِّهِ، وهي (1) أربعونَ حديثًا مُشْتَمِلَةٌ على جميع ذلك، وكُلُّ حديثٍ منها قاعِدَةٌ عظيمَةٌ مِن قواعِدِ الدِّين، قد وَصَفَهُ العُلَماءُ بأنَّ مَدَارَ الإسلام عليه، [أو هُوَ نِصفُ الإسلام](2)، أو ثُلُثُهُ، أو نحوُ ذلِكَ.

وألتَزمُ في هذه الأربعين أنْ تَكُونَ صَحِيحَةً، ومُعظَمُها في صحيحَيْ البُخَاريِّ ومُسلمٍ، وأذكُرُها محذُوفةَ الأَسانيدِ لِيَسْهلَ حِفْظُها ويَعُمَّ الانتِفاعُ بها إنْ شاءَ اللهُ تعالى".

ولَمَّا كانت الاستخارةُ مطلوبةً في جميع الأمور، قدَّمَها المُصَنِّف على تأليف "الأربعين" المذكورة، وحديث الاستخارة معروف ثابت في "الصحيح"(3).

ويُروى: "مِنْ سَعَادَةِ ابن آدم: الرضا بالقَضَاءِ، واسْتِخَارَةُ الله تعالى في أُمُوره، ومن شَقاوَتهِ تَركُ ذلك"(4).

(1) في الأصل: "وهو"! والمثبت من مقدّمة النووي لأربعينه (18).

(2)

سقط من الأصل، وأثبتهُ من مقدمة النووي لأربعينه (19).

(3)

رواه البخاري (2/ 56 رقم 1162، 6382، 7390) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

رواه أحمد (3/ 54 رقم 1444)، والترمذي (4/ 27 رقم 2151)، وأبو يعلى (2/ 60 رقم 701)، والحاكم في المستدرك (1/ 518)، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 378 رقم 199) عن سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه. وهو حديث ضعيف، وقد ضعَّفه الألباني في "السلسلة الضعيفة"(4/ 377 رقم 1906).

ص: 66

ثمَّ ذَكَرَ المُصَنِّف مستندًا في جمعِها، وأنه ليسَ مُسْتَنَدُ ذلك الحديثُ السابق، وإن كانوا أجمعوا على العمل بالضعيف في فضائل الأعمال، وليسَ هو اختراع عبادَةٍ كما استُشْكِلَ، وإنما هوَ رجاءُ فَضْلِهِ بأَمَارةٍ ضَعيفةِ (1)، وقد وَرَدَ في بعضَ الأحاديث:"مَنْ بَلَغَهُ عني ثواب فعمِلَهُ كان له أجرهُ وإن لم أكن قُلتُهُ" أو كَمَا قال (2).

وحديث: "لِيُبَلّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُم الغائب" أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" في خطبة حجة الوداع (3)، ولهُ طُرقٌ كثيرة ذَكَرَها ابن منده في "مستخرجه" مِنْ حَدِيث: ابن عباس، وابن عمرو، وأبي بكرة، وعبادة، وعمار، ووابصة بن معبد، والحارث بن البَرصَاء، وأبي شريح العدوي، ومعاوية بن حيدة، والعدي بن خالد، والحارث بن عمرو، وجابر، وأبي سعيد، وأبي أُمامة، وعائشة، وأسماء بنت يزيد، وسَرَّاءَ بنتِ نَبهان (4).

(1) انظر في مسألة العمل بالحديث الضعيف ومراد العلماء بذلك: "قاعدة جليلة" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (162)، ومقدمة"صحيح الترغيب والترهيب" للإمام الألباني رحمه الله (1/ 47 - 67). وما تقدم ص (57).

(2)

رواه ابن حبان في "المجروحين"(1/ 228)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 402) من طريق بزيع -أبو الخليل-، عن محمد بن واسع وثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وهو حديث موضوع، آفته من بزيع بن حسان.

قال ابن حبان: "يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يجوز الاحتجاج به".

وقال مثله الحافظ القيسراني في "تذكرة الحفاظ"(313 رقم 785).

وقال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع".

(3)

رواه البخاري (1/ 32 رقم 104)، ومسلم (2/ 987 رقم 1354) من حديث أبي شُرَيْح العَدَوِي رضي الله عنه.

(4)

انظر: "حجة الوداع" لابن حزم (195 وما بعدها)، و"جزء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: نضَّر الله امرأ .. " لأبي عمرو المديني (ت: 333 هـ).

ص: 67

وحديث: "نَضَّرَ الله امرأً .. " أخرجَهُ الترمذي من حديث ابن مسعود وقال: "حسنٌ صحيح"(1).

وابن حِبَّان في "صحيحه"(2)، والحاكم في "مستدركه" من حديث جبير بن مُطْعِم وقال:"صحيحٌ على شَرطِ الشَّيخَين"(3).

ورواه أبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث زيد بن ثابت وقال: "حسن"(4).

ورواه الجورقاني في أوائل "موضوعاته" من حديث أَنَس رَفَعَهُ: "نضَّرَ اللهُ مَنْ سَمِعَ قولي ثمَّ لَمْ يَزد فيهِ، [ثلاث] (5) لا يَغِلُّ عليهنَّ قلبُ امرئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلاصُ العَمَلِ للهِ، ومُنَاصَحةُ ولاةِ الأمرِ، ولُزُومُ جماعَةِ المُسْلِمِينَ (6)، فَإِنَّ دَعوَتَهم تُحِيطُ مِنْ وَرَائهِم".

(1)(4/ 394 رقم 2657)، وقد رواه أحمد (7/ 221 رقم 4157)، وابن ماجه (1/ 85 رقم 232)، وهو حديث صحيح.

(2)

(1/ 268 رقم 66).

(3)

(1/ 86 - 87) ووافقه الذهبي، وهو كما قالا؛ ورواه أحمد (27/ 300 رقم 16738)، وابن ماجه (1/ 85 رقم 231).

(4)

رواه أحمد (35/ 467 رقم 21590)، أبو داود (4/ 46 رقم 3660)، والترمذي (4/ 393 رقم 2656)، وابن ماجه (1/ 84 رقم 230)، وابن حبان في صحيحه (1/ 270 رقم 67) والحديث حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان، والألباني في "السنن"، و"السلسلة الصحيحة"(1/ 689 رقم 404).

(5)

من "الأباطل والمناكير"، ومصادر تخريج الحديث.

(6)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع فتاواه"(1/ 18 - 19) -: "وهذه الثلاث: تجْمَعُ أصول الدِّين وقواعده، وتجمع الحقوق التي لله ولِعباده، وتَنْتَظِم مصالح الدنيا والآخرة. وبيانُ ذلِكَ: أنَّ الحُقوق قِسمان: حقّ لله، وحقّ لِعِباده. فحق الله أن نعبده ولا نُشرك به شيئًا

وحقوق العِباد قسمان: خاصٌّ وعام. أَمَّا الخاص: فمثل برِّ كُلِّ إنسان والِدَيْه، وحقِّ زوجته، وجاره، فهذه مِن فروع الدِّين، لأنَّ المُكَلَّف قد يخلو عن وُجوبها عليه، ولأن مصلحتها خاصَّة فردِيّة.

وأَما الحقوق العامة: فالناس نوعان: رُعاةٌ ورعِية. =

ص: 68

ثمَّ قال: "هذا حديث مشهور"(1).

ثُمَّ رواه من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "نضَّرَ الله امرأً سَمِعَ مِنَّا حديثًا فأَدَّاهُ عَنَّا كمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغ أوعى مِنْ سامِع". ثمَّ قال: "هذا حديث صحيح مشهور، ورواته ثقات"(2).

وفي روايةٍ: "نَضَّرَ اللهُ رَجُلًا سَمِعَ مِنَّا كلِمَةً فبَلَّغَها كمَا سَمِعَها، قربَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِن سامِعٍ". ثمَّ قال: "هذا حديثٌ صحيح"(3).

فائدةٌ: نَضَّرَ -بتخفيف الضاد وتشديدها- من النَّضَارة، وهي في الأصل: حُسْنُ الوجه والبريق.

ورجَّحَ بعضهم التخفيف، لكن التشديد أكثر -كما قاله النووي-، ومعناه:"حسَّنَهُ وجَمَّلهُ"(4).

= فحقوقُ الرعاة: مناصَحتهم، وحقوق الرَّعيَّة: لزوم جماعتهم، فإنَ مصلحتهم لا تَتِمُّ إلَّا باجتِماعهم، وهم لا يَجْتَمِعون على ضَلالة، بل مصلحة دينهم ودنياهم في اجتماعهم واعتصامهم بحبل الله جميعًا. فهذه الخِصال تجمع أصول الدين" اهـ.

وقال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (ت: 1206 هـ): "

لم يقَغ خَلَلٌ في دين الناسِ ودُنياهُم إلَّا بسبب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها" أهـ "مسائل الجاهلية" (1/ 336 ضمن مؤلفات الشيخ).

(1)

رواه الجورقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 100 رقم 94)، وأبو عمرو بن المديني في جزئه في هذا الحديث (50 رقم 40)، وابن عبد البر في "الجامع"(1/ 187 رقم 198، 199) بهذا اللفظ. وللحديث طرق عن أنس رحمه الله وهو حديث حسن كما قال الجورقاني.

تنبيه: رِوَاية الجورقاني له في كتابه "الأباطيل" من باب إيراد الأحاديث الصحيحة بعد الضعيفة والباطلة لبيان خلافها لها، وهذا منهجه في كتابه.

(2)

"الأباطيل والمناكير"(1/ 101) وليس فيه: "صحيح".

(3)

"الأباطيل والمناكير"(1/ 104).

فائدة: هذا الحديث متواتر، وقد رواه جمعٌ من الصحابة، وفي تخريجه عدة رسائل مطبوعة.

(4)

"الأربعون"(90) باب ضبط المُشْكِلات.

ص: 69

وقال بعضهم: "إني لأرى في وجوه أهل الحديث نضرًا لقوله عليه الصلاة والسلام: "نضَّر الله امرأً .. " الحديث"(1). يعني: أنها دعوةٌ أجيبت.

وقال الرُّوياني في "بحره": "الأجود التخفيف". قال: "وفي الخبر بيان أنَّ الفقة هو: الاستنباط والاستدراكُ لمعاني الكَلام، وفي ضمنه وجوب التفقه والحث على استنباط معاني الحديث"(2).

وقال ابن الأثير: "نَضَرَ وَنَضَّره وأَنْضَره، أي: نَعَّمَهُ"(3).

وفي "الغيريبين" للهروي: "رواه الأصمَعِيُّ بالتَّشديد، وأبو عُبيدة (4) بالتَّخفيف، أرادَ: نعَّم الله عبدًا، ويقال: نضر الله يُنضر ونضر ينضر لغتان.

وقال الحسن بن محمد بن موسى الأزدي المؤدب: "ليسَ هذا مِن الحُسن في الوجه، إنما معناه: حَسَّنَ اللهُ وجةهُ في خُلُقِهِ، أي: جَاهِهِ وقَدرِهِ". قال: "وهذا مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "اطلُبوا الحَوَائِجَ إِلى حِسَانِ الوُجُوه" (5).

(1) القائل هو الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله (ت: 198 هـ) كما رواه عنه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث"(19).

(2)

الروياني هو: عبد الواحد بن إسماعيل الشافعي (ت: 502 هـ) وله كتاب "البحر في المذهب" ولا أعلم أنه طبع. انظر: "معجم المؤلفين"(6/ 206).

(3)

"النهاية"(5/ 71)، و"الشافي في شرح مسند الشافعي" (5/ 557). وفي الأصل:" .. ونضر وأنضر أي .. " والتصويب من "النهاية" و"الشافي"، و"الفائق" للزمخشري (3/ 439).

(4)

في الأصل و"الغريبين": "أبو عبيد"، والتصويب من "تهذيب اللغة"(12/ 8)، و"غريب الحديث" لابن الجوزي (2/ 414). وهو: أبو عبيدة مَعمَر بن المُثَنَّى (ت: 210 هـ). انظر: "مجاز القرآن" له (2/ 278).

(5)

رواه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج"(53 رقم 52)، وفي "اصطناع المعروف"(92 رقم 110)، وابن حبان في "المجروحين"(2/ 333)[في ترجمة محمد بن يونس الكديمي] عن ابن عمر رضي الله عنهما وهو حديث ضعيف، آفته محمد بن يونس.

قال ابن حبان في ترجمته: "كان يَضَعُ على الثِّقات الحديث وَضْعًا، ولعَلَّه قد وضع أكثر من ألفِ حديث"!

ص: 70

يعني: ذوي الوجوه من الناس، وذوي الأقدار" (1).

وانفردَ ابن العربي فقال: "هو بالصَّاد المهملة حكئ عن ابن بشكَوال عنه سماعًا"(2).

وقوله: "فأدَّاها كما سمِعَها" يُستَدَلُّ به على مَنع رِوَايَةِ الحديث بالمَغنى.

وجوابُ الجمهور: أنَّ المُرَاد حُكْمها لا لَفْظها؛ بدليل آخِرِ الحَدِيث: "فَرُبَّ حامل فقه غير فقيه، وربَّ حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه".

قلتُ: ومِنْ شواهِدهِ أيضًا حديث: "يَحمِلُ هذا العِلمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ" الحديث (3).

وقد ذكرتهُ في خطبة "تخريجي لأحاديث الرافعي الكبير"(4).

وقوله: "وَقَد رَأَيْتُ جمعَ أربَعينَ أَهمَّ مِنْ هذا كُلِّهِ". هو كَمَا قال، فإنَّ الشريعة ورَدَت للمَصَالح الدينية والدنْيَويَّة، والأولى بالتوحيد.

(1)"الغريبين"(6/ 1853)، وانظر:"تهذيب اللغة"(12/ 8).

(2)

انظر: "عارضة الأحوذي"(10/ 124) وليس فيه هذا النص! لأنه في الأصول الخطية من "العارضة" -في هذا الموضع- بياضٌ!

(3)

رواه ابن قتيبة في "عيون الأخبار"(2/ 119)، وابن وضاح في "البدع والنهي عنها"(25 رقم 1، 2)، والعقيلي في "الضعفاء"(4/ 256 ط قلعجي)، (4/ 1396 ط السَّلَفِي [في ترجمة معان بن رفاعة]، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 17)، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 58 - 59)، والخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث"(29)، والبيهقي في "الكبرى"(10/ 209)، وفي "المناقب" (1/ 6 - 8) عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري مُرْسَلًا. انظر:"الوهم والإيهام" لابن قطان (3/ 37 - 41 رقم 691).

وللحديث طرق أُخرى لا تخلو من ضعف. وقد ذكر شيئًا من طرقه: ابن القيم في "مفتاح دار السعادة"(1/ 497 - 500)، والشيخ بدر البدر في تعليقه على "ما جاء في البدع" لابن وضاح (25 - 32).

(4)

"البدر المنير"(1/ 258 - 259).

ص: 71

والطاعات: إِمَّا قلبيَّة كالإخلاص والإيمان، وإِمَّا بالجوارح كالعبادات العمليَّة. وهذه الأربعون التي جَمَعَها مُشْتَمِلةٌ على أصولِ ذلك كلِّه، وحاصلها أنها راجعةٌ إلى تصحيح النيات، والتقوى في السّرِّ والعَلَن، والزهد في الدنيا، وقِصَرِ الأمل، وتركِ ما لا يعني مِن الفُضولِ، والاشتغالِ بالذِّكر، والاستعداد للقاء الله، والتواضع للخَلْق، وحُسْنِ التَّخَلُق معهم بالآداب الشرعية، والانقباض عنهم فيما لا يعني، وإرادة الخير لهم باطنًا، ومساعدتهم ظاهرًا حسب الإمكان.

وقوله: "وكُلُّ حَديثٍ منها قاعدة" أي: أساس كما سَتعلَمهُ في مَوْضِعِهِ. وذَكَرَها محذوفة الأسانيد "لِيَسهُل حِفْظُها" كما ذَكَرَ؛ ولأَنَّ المقصودَ مِن ذِكْرِ الإسناد صحَّةُ الحديث، وهي معلومة بدونه.

وهذا آخر ما يسَّرَهُ الله تعالى مِنَ الكلام على مواضع من الخطبة يحتاج إليها.

ثُمَّ نَشْرَع الآن في المقصود أعاننا الله تعالى على إكماله بمُحَمَّدٍ وآلهِ (1).

(1) لا يجوز سؤال الله بجاه محمدٍ صلى الله عليه وسلم ولا بجاه غيره من الأنبياء، وهذا النوع من السؤال بدعة، وهو من وسائل الشرك، وكان الواجب على المؤلف -غفر الله لهُ- أن يُنزِّه كتابه عن مثل هذه المخالفات، ولكن: كل أحد يؤخذ من قوله ويُرَدُّ، والمعصوم من عصمه الله عز وجل، وليس ثمَّةَ دليلٌ على قوله سوى ما دَرَجَ عليه أهل زمانه، فالله يغفر له.

ص: 72