المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث السادس والعشرون - المعين على تفهم الأربعين ت دغش

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمؤلف

- ‌شيوخه:

- ‌مؤلفاته

- ‌ثناءُ العلماءِ عليه:

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثاني: اسم الكتاب وتوثيق نسبته لابن الملقن:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ تأليفه:

- ‌المطلب الرابع: وصف النسخة الخطية:

- ‌المطلب الخامس: المآخذ على الكتاب:

- ‌المطلب السادس: منهجي في تحقيق الكتاب

- ‌فصلٌ

- ‌الإله

- ‌الرَّبُّ

- ‌العالمينَ

- ‌سَمَاحَةِ الدِّينِ

- ‌الحَدِيثُ الأَوّلُ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديثُ السَّادِس

- ‌الحديثُ السَّابعُ

- ‌الحديثُ الثامِنُ

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديثُ العَاشِرُ

- ‌الحَديِثُ الحَادِي عَشَرَ

- ‌الحدِيثُ الثاني عَشَر

- ‌الحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التَّاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرَّابعُ والعشْرُون

- ‌الحديثُ الخَامِسُ والعِشْرونَ

- ‌الحديثُ السَّادِسُ والعِشْرُونَ

- ‌الحديثُ السَّابعُ والعِشْرُونَ

- ‌الحديثُ الثَّامِنُ والعِشْرُونَ

- ‌الحَديثُ التَّاسِعُ والعِشْرُونَ

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديثُ الحادي والثلاثون

- ‌الحديثُ الثاني والثلاثون

- ‌الحديثُ الثالِثُ والثَّلاثُونَ

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحَدِيثُ الخَامِسُ والثلاثُون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌الحديث السادس والعشرون

‌الحديثُ السَّادِسُ والعِشْرُونَ

عن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلعٌ فيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ اثنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ [فَتَحْمِلُهُ] (1) عَليْها أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْها مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيها إلى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ".

رواه البخاري ومسلم (2).

* * *

الكلام عليه من وجوه:

وهو حديث عظيم يرجع إلى قوله تعالى: {اعْبُدُوا اللهَ} [المائدة:72]، {وَتَعَاوَنُوْا عَلَى الْبِرِ وَالْتَّقْوَى} [المائدة: 2]، وإلى قوله عليه الصلاة والسلام:"المُؤْمنُ للمُؤْمنِ كالبُنْيَان يَشُدُّ [بَعْضُهُ] (3) بَعْضًا"(4)، و"المُؤْمنُ كَثِيرٌ

(1) في "الأصل": "فيحمله" بالمثناة التحتية! والتصويب من "الصحيحين" ومتن "الأربعين".

(2)

رواه البُخاري (3/ 187 رقم 2707، 2891، 2989)، ومُسلِم (2/ 699 رقم 1009).

(3)

في الأصل: "بعضها". والمثبت من مصادر تخريج الحديث.

(4)

رواه البخاري (1/ 103 رقم 481، 2446، 6026) ومسلم (4/ 1999 رقم 2585) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

ص: 310

بأَخِيهِ" (1)، و"المُؤْمنُ مِرآةُ المُؤمنِ" (2) أي: يَرَى مِن نفسه ما لا يراه كالمرآة، وهو ضَرْبٌ مِن الإعانَةِ.

وإلى قوله: "انصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا"(3) أي: الظَّالم بالكَفِّ عن ظلمه، والمظلوم بنصره، و"مَثَلُ المؤْمِنِينَ في تَوَادِّهم وَتَرَاحُمِهِمْ كمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ"(4) ونحو ذلك.

أحدها: "السُّلَامَى" -بضَمِّ السِّين المُهْمَلَةِ وتخفيف اللَّام-: المَفْصِل، وجمعها: سُلَامَيات -بفتح الميم وتخفيف الياء- وهي ثلاثمائةٍ وسِتُّونَ مَفْصِلًا، ثبتَ ذلك في "صحيح مسلم" (5). وأصلُهَا: عِظَامُ الكَفِّ والأصابع والأرجل، ثم استعْمِلَ في سائِرِ عِظَام الجَسَدِ ومَفَاصِلِهِ؛ فالمرادُ: على كلِّ عُضْوٍ ومَفْصِلٍ صَدَقَةٌ.

وفي المراد به احتمالان:

(1) رواه ابن عدي في "الكامل"(3/ 248)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1/ 141 رقم 186)، وأبو الشيخ في "أمثال الحديث"(46، 47، 166)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 80 السلفية)، (3/ 273 رقم 1508 ط أضواء السلف) من حديث أنس رضي الله عنه وهو حديث ضعيف جدًّا.

قال ابن عدي: "هذا الحديث وضَعَهُ سُليمان بن عمرو على إسحاق بن عبد الله".

وقد ضَعَّفهُ الألباني في "السلسلة الضعيفة"(2/ 60 رقم 596).

(2)

رواه البخاري في "الأدب المفرد"(90 رقم 239)، وأبو داود (5/ 138 رقم 4918)، والطبراني في "الأوسط"(2/ 325 رقم 2114)، والقضاعي في "الشهاب"(1/ 105 رقم 125) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وهو حديث صحيح، صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد"، و"السلسلة الصحيحة"(2/ 632 رقم 926).

(3)

رواه البخاري (3/ 128 رقم 2443، 2444، 6952) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(4)

رواه البخاري (8/ 10 رقم 6011)، ومسلم (4/ 1999 رقم 2586) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

(5)

(2/ 698 رقم 1007) من حديث أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

ص: 311

أحدهما: أنَّ الصدقةَ كما ورَدَ أنها تدفَعُ البلاء؛ فإذا تصدَّقَ عن أعضائِهِ -كما ذكر- كان جديرًا لِدَفعِ البَلَاءِ عنها.

ثانيهما: أنَّ للهِ عز وجل على الإنسان في كُل عضو ومفصل نعمة، والنعمة تَستَدعِي الشكر، ثم إنَّ الرب جل جلاله وهبَ ذلك الشُّكرَ لعباده صدَقَةً عليهم كأنه قال: اجعل شكر نِعَمِي في أعضائك؛ أي: تعين بها عبادي، وتَتَصَدَّقُ عليهم بإعانتهم (1).

قال سهل بن عبد الله التُّسْتَرِي رحمه الله: "في الإنسان ثلاثمائة وستون عِرْقًا: مائة وثمانون ساكنة، ومائة وثمانون متحركة، فلو تحرك ساكن لم يتم، ولو سكن متحرك لم يتم"(2).

ثانيها: قوله: "كُلَّ يومٍ تَطْلعٌ فيه الشَّمسُ" وَجْهُهُ: أنَّ دَوَامَ نِعمَة الأعضاء نعمة أُخرَى، ولَمَّا كان الرب تعالى قادِرًا على سَلْبِها في كُلِّ وقتٍ وأَوَانٍ -وهو في ذلكَ عادِلٌ في حُكْمِهِ لا اعتِرَاضَ عليه فيه- فَعَفْوُه عن ذلك وإدَامَةُ النِّعمة عليه صدقة توجب الشكر والرعاية دائمًا مَا دَامَت النِّعمة.

ثالِثُهَا: الصَّدَقةُ ضَرْبان: عن أموالٍ: كالزكاة وصدقة التطوع.

وصدقة الأفعال كالمذكورة في الحديث، ويجمعها عبادة الله كالمشي إلى الصلاة، ونفع الناس؛ فمنهُ العدل بين الاثنين تَحَاكَمَا أو تَخَاصَمَا، سواءٌ كانَ حاكِمًا أو مُصلِحًا إِذَا نَوَى دَفعَ المُنَافَرَةِ بينهما فـ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] ونحوه من الأمر بذلك (3)؛ فَفِيهِ فَضلُ الصُّلْحِ، قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ

(1) انظر: "التعيين"(198).

(2)

ذكره الفاكهاني في "المنهج المبين"(428).

(3)

"ثانيها" و"ثالثها" انظر: "التعيين"(198 - 199).

ص: 312

نَجْوَاهُمْ إلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]. وقد أجاز الشارع الكذب فيه؛ لجلب الأُلفَةِ ودَفْعِ التَّقَاطُعِ، وكذا في إرهاب الكفار، وعِدَةِ الرَّجُل زوجته كما ورَدَ في الحديث.

ومنه: إِعانَةُ الرَّجُلِ بحَمْلِهِ أو حَمْلِ مَتاعِهِ على دابَّتهِ.

ومنه: الكلمة الطيبة، نحو: سلام عليكم، حياك الله، وإنك لمحسن، وأنت رجل مبارك، ولقد أحسنتَ جِوَارَنَا ونحو ذلك؛ لأَنَّهُ مِمَّا يَسُرُّ السَامِعَ، ويجمع القلوب ويؤَلِّفُها، ويُحتَمَل أن يُرَاد بها كلمة ذكْرٍ مِن تسبيحٍ أو نحوه.

ومنه: الخَطوة -وهي بفتح الخاء- إلى المسجد، وقد وردت فيه أخبار -أعني في الحديث- على ذلك.

ومنهُ: "إِمَاطَةُ الأَذَى عن الطريق" أي: إزالته، كالشَوكِ المُؤْذِي، والحَجَر الَّذي يُعْثَرُ به، والحيوان المَخُوف مِنهُ، ودَعْم الجِدَار [المائل](1) ونحوه؛ لأنه نَفعٌ عَامٌّ.

وفي "الصحيح": "الإيمَانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ شُعْبَة، أعلَاها: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأدنَاها: إِمَاطَةُ الأَذَى عن الطَّرِيقِ"(2)، وفي "الصحيح": "

فَنَحَّاهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ؛ فَغَفَرَ لَهُ" (3).

ويحتمل أن يكون أرادَ بالأذى: أذى المظالم ونحوها.

و"الطَّريق": طريق الله، وهو شرعه وحدوده ورسومه، وذلك أعظم أجرًا

(1) من "التعيين" وبه تتضح العبارة أكثر.

(2)

سبق تخريجه ص (106).

(3)

رواه البخاري (1/ 132 رقم 652)، ومسلم (3/ 1521 رقم 1914) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 313

مِن إزالةِ الأَذَى الحِسِّي بما لا يقارب.

فائدة: "تميط" -بِضَمِّ أوله-، والأصل فيه أن يميط كما في "يعدل"، أي: أن تعدل، يُقَال: مَاطَ الشَّيءَ وأَمَاطَه إِذا تَنَحَّى عنهُ، وكذلك مِطْتُ غَيْري وَأَمَطْتُهُ.

قال الأصمَعِيُّ رحمه الله: "مِطْتُ أنا، وأمَطتُ غيري"(1). ومِنهُ: الحديثُ.

و"الأَذَى": مَا يُؤذِي النَّاسَ في طُرُقَاتِهم مِمَّا قَدَّمْنَاهُ.

أُخْرَى: استحب بعض العلماء أن يأتي بكلمة التوحيد إذْ ذَاكَ؛ لِيَجْمَعَ بينَ أَعلَى الإيمان وأدنَاه (2).

رابعُها: الحديث لم يحصر أفعال الصدقة فيما ذكره، وإنما ذَكَرَ مِنهَا أَمْثِلَةً، وجِمَاعُهَا ما أسلَفْنَاهُ مِن عبادة الله، أو نفعِ النَّاس، حتَّى:"إِنَّ رَجُلًا رَأَى فَرْخًا وَقَدْ وَقَعَ مِن عُشِّهِ فَرَدَّهُ إِليهِ؛ فَغَفَرَ اللهُ لَهُ"(3)، وآخر "رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ فَسَقَاهُ؛ فَغُفِرَ لَهُ"(4)، و"مُومِسَةٌ رَأَتْ كَلْبًا يَلْهَثُ عَطَشًا فَأَخْرَجَتْ مُوقَهَا فَأَخْرَجَتْ لَهُ ماءً؛ فَغُفِرَ لهَا"(5).

وعَكس ذلك المرأة التي "دَخَلَتِ النَّارَ في هِرَّةٍ لَا هِيَ أَطْعَمَتْها وَلَا أَرْسَلَتْها

(1)"تهذيب اللغة" للأزهري (14/ 45)، وكان في الأصل:"غيره" والتصويب من "التهذيب".

(2)

ليس على هذا الكلام دليلٌ مِن الشَّرع المُبارك، وهذا ذِكرٌ في غير موضعه.

(3)

لم أقف عليه.

(4)

رواه البخاري (1/ 45 رقم 173)، ومسلم (4/ 1761 رقم 2244) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

رواه البخاري (4/ 173 رقم 3467) ومسلم (4/ 1761 رقم 2245) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

والموق: الخُف. انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 61).

ص: 314

تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ" (1)، وصح: "في كُلِّ كَبدٍ حَرَّى أَجْرٌ" (2).

والرب - تعالى -: "كَتَبَ الإحسَانَ على كُلِّ شَيءٍ" كما سَلَفَ (3)، و"الخَلْقُ عِيالُ الله، وأَحَبُّ الخَلقِ إليه: أَشْفَقُهم على عِيالِهِ"(4)، وإذا تَصَدَّقَ كُلُّ أَحَدٍ عن أعضَائِهِ بِنَفْعِ خَلْقِ الله حَصلَ مِن ذلِكَ مقصوده، والحديث السالف:"لا يُؤْمنُ أَحَدُكم حتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"(5).

* * *

تتمات:

قال العلماء: المراد بالصدقة: الصدقة المندوبة لا الواجبة، والمراد بالعدل بين اثنين: الإصلاح بينهما بالعدل.

وفي "الصحيح"(6): "وَيُجْزِئُ مِن ذَلِكَ رَكْعَتَان يَرْكعهمَا مِنَ الضُّحَى".

(1) مضى تخريجه ص (179).

(2)

مضى تخريجه ص (221).

(3)

هو الحديث السابع عشر من "الأربعين".

(4)

رواه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج"(34 رقم 24)، و"اصطناع المعروف"(65 رقم 76)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(2/ 857 رقم 911 بغية الباحث)، والقضاعي في "الشهاب"(2/ 255 رقم 1306)، وأبو يعلى في "مسنده"(6/ 65 رقم 3315، 3370، 3478)، والبيهقي في "الشعب"(9/ 521 رقم 7045، 7046)، والسلفي في "الطيوريات"(300 رقم 530، 929) عن أنس رضي الله عنه.

قال البوصيري في "إتحاف الخيرة"(5/ 522): "مدارُ إسناد حديث أنس هذا على يوسف بن عطية الصفار، وهو مُجْمَعٌ على تَرْكِهِ".

وذكره الذهبي في "الميزان"(4/ 469) في ترجمة يوسف هذا وقال: "وهذا مِن مناكيره".

وضعّفه الألباني في "الضعيفة"(4/ 372 رقم 1900).

(5)

الحديث الثالث عشر من "الأربعين".

(6)

"صحيح مسلم"(1/ 489 رقم 720) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

ص: 315

أي: عن هذه الصدقات كلها، وإنما كان كذلك؛ لأَنَّ الصَّلاةَ عَمَلٌ بجَمِيع أعضَاءِ الجَسَدِ؛ فإذا صَلَّى فَقَدْ قامَ كُلُّ عُضو بوظيفَتِهِ التي عليه في الأصل الَّذي ذكره في الحديث قيامًا ورُكُوعًا وسُجُودًا.

قال صاحب "الإفصاح"(1): "وفيه أَنَّ الإنسانَ قد أعطاهُ الله خلقه، قال الله تعالى:{الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] وفي معنى الآية وجهان: أعطى خلقه كل شيء، أو أعطى كل شيء خلقه؛ أي: وهبَ للآدَمِي خلقه؛ فجملةُ عِظَام الآدَمِي هِبَةٌ مِن الله له.

وتفضِيل ذلك أن كل سُلَامى هبة من الله للآدمي.

قال أبو عبيد رحمه الله: "معنى الحديث: أَنَّ كُلَّ عَظْمٍ مِن عظام ابن آدم [صدقة] "(2). فَإِذَا (3) نَظَرَ الآدَمِيُّ في خلق نفسه، ورَأَى أنَّه [لو](4) قد أعوَزَهُ عظم واحد لاختلَّت عليه حياته كما لو زاد، وَرَأَى أنَّ ذلك كُلّه لم يكن له فيه صُنع، ورأَى أنَّ عِظَامَ الآدمي مَا بينَ طِوال وقِصار، ودِقَاقٍ وغِلَاظٍ، فَلَو قَصُرَ الطَّويلُ مِنهَا، أو طال القصير، أو دقَّ (5) الغَلِيظُ، أو غلظ الدقيق لاختل بذلك نفعه. فإذا أصبحَ المؤمِنُ قد أُعطِي لِينَ الحركة لما اتفق فيه من تَركِيبِ العِظَام

(1) هو الوزير العالم الصالح يحيى بن محمد بن هبيرة الحنبلي، أبو المظفَّر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"كان من أمثل وزراء الإسلام، وكان له من العناية بالإسلام والحديث ما ليس لغيره". توفي سنة (560 هـ). وكتابه الإفصاح شرحٌ "للجمع بين الصحيحين"، للحميدي (ت:488 هـ) وقد طُبع منه ثمانية أجزاء. انظر: "مجموع الفتاوى"(4/ 23)، و"ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 107 - 184).

(2)

"غريب الحديث"(2/ 279) وما بين المعقوفتين منه، ومن "الإفصاح".

(3)

في الأصل: "إذا" والتصويب من "الإفصاح".

(4)

في الأصل: "أن قد" والتصويب وما بين المعقوفتين من "الإفصاح".

(5)

كذا في "الإفصاح"، وفي الأصل:"رَقَّ" وكِلاهُما صحيح. انظر: "تهذيب اللغة"(8/ 270، 285)، لكن أثبتُّ ما في "الإفصاح"؛ لأنه الأصل؛ ولأن السياق يقتضيه.

ص: 316

جعلها الله جسمًا صلبًا لا يضعف فيهِ أُنبُوبُ سَاقِهِ عن حَمْلِ بَدَنِ نَفْسِهِ، وعن حملٍ يَحْمِلُهُ بَدَنُهُ أيضًا، ولا عظم زنده عن إقلال حملِ مَا يَرْفعه بيده، ولا عظام أضلاعه عن وقاية حشاه، ولا عظم يافوخه (1) عن [صيانة](2) دماغه، تَعَيَّن شُكرُ فاعل هذا به شُكرًا متحتمًا، فَنبَّهَ الشَّرعُ على أنْ يُقَابِل النعمة بما ذكَرَهُ، إلَّا أنَّه لَطَفَ به في تَسْمِية ذلك: صدقَةً مُخْرجًا لها مَخْرج ما يُثَاب عليه ويُؤْجَرُ فيه، ثم احتَسَبَ له بما ذكر، ثم لطفَ به حتَّى جَمَعَ ذلك كُلّه بأن يُصَلِّي ركعتين مِن الضُّحَى" (3). كما سَلَفَ، والله أعلم.

* * *

(1) اليافوخ هو: ما التقى من عَظْم مقدَّم الرأس وعظم مؤخره، وهو الموضع الذي يتحرَّك من رأس الطفل. "تاج العروس"(7/ 228).

(2)

في الأصل رسمت هكذا: "ضياه" والمثبت من "الإفصاح".

(3)

انتهى النقل من "الإفصاح عن معاني الصِّحاح" للوزير ابن هبيرة (2/ 179 - 180).

ص: 317