الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرَّابعُ والعشْرُون
عن أبي ذَرٍّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم -فِيمَا يَرْوِيهِ عن الله عز وجل أنّهُ قالَ:
"يا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلَا تَظَالَمُوا.
يا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلا مَنْ هَدَيْتُهُ؛ فَاسْتَهدُوني أَهْدِكُمْ.
يا عِبَادِي! كلُّكُمْ جَائِعٌ إلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ؛ فَاسْتَطْعِمُوني أطعِمْكُمْ.
يا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كسَوْتُهُ؛ فَاسْتَكْسُوني أَكْسُكُمْ.
يا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُوني أَغْفِر لَكُمْ.
يا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّوني، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُوني.
يا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُم وآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ؛ مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِي شَيْئًا.
يا عِبادي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُم وآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيئًا.
يا عِبَادِي! لَوْ [أَنَّ](1) أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوني؛ فَأعطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلتَهُ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلا كَمَا
(1) ما بين المعقوفتين من "صحيح مسلم".
يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا دَخَلَ البَحْرَ.
يا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيها لَكُم ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ عَمِلَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ".
أخرجه مسلم (1).
* * *
هذا حَدِيثٌ قُدْسِيٌّ رَبَّاني، وإسناده دِمَشْقِيُّون، ورَاوِيهِ سَلَفَ.
وقَد ساقَهُ المُصَنِّفُ في "أذكاره"(2) بإسناده وخَتَمَ به، وفيه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله
…
، ثُمَّ نَقَلَ عن أبي مُسْهِرٍ، عن سعيد بن عبد العزيز:"أَنَّ أَبَا إِدْرِيس -رَاوِيهِ عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه كانَ إِذَا حَدَّثَ بهذا الحدِيث جَثَا على رُكبَتَيْهِ"(3).
وهو حَدِيثٌ مُشْتَمِلٌ على قواعِدَ عَظِيمةٍ في أُصُولِ الدِّين وفُرُوعِهِ وآدابِهِ، ولطائِفِ القلوبِ وغيرها.
وَرُوِّينَا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أَنَّهُ قال: "ليسَ لأَهْلِ الشَّامِ حَدِيثٌ أَشْرَفَ مِنهُ"(4).
(1)(4/ 1994 رقم 2577).
(2)
ص (655 - 656).
(3)
ذكره النووي في "الأذكار" -كما ذَكَرَ المؤلف- (656)، وقد رواه مسلمٌ في "صحيحه"(4/ 1995).
(4)
ذكره ابن عساكر في "الأربعون البلدانية"(60)، والنووي في "الأذكار"(656)، وشيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى"(18/ 156 - 157)، وابن رجب في "الجامع"(2/ 34).
وأخرجه ابن ماجه بزيادة: "يا عِبَادِي! كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إلا مَنْ عَافَيْتُ؛ فَسَلُوني المَغْفِرَةَ أَغْفِرْ لَكُمْ، وَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلى المَغْفِرَةِ؛ فَاسْتَغْفرَني بِقُدْرَتي غَفَرْتُ لَهُ
…
وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إلا مَنْ أَغْنَيْتُ؛ فَسَلُوني أَرْزُقْكُمْ.
وَلَوْ أَنَّ حَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ، وَأَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا فَسَأَلُوني (1) فَكَانُوا على قَلْبِ أَتْقَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي؛ لَمْ يَزِدْ في مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. وَلَو اجتَمَعُوا فَكَانُوا على قَلْبِ أَشْقَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي؛ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.
وَلَوْ أَنَّ حَيَّكُمْ وَمَيتّكَمْ، وَأَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا فَسَأل كُلُّ سَائِلٍ مِنْهمْ مَا بَلَغَتْ أمنِيَّتُهُ؛ مَا نَقَصَ مِنْ مُلْكِي إلَّا كمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ [بِشَفَةِ](2) البَحْرِ، فَغَمَسَ فِيها إِبْرَةً ثُمَّ نَزَعَها. ذَلِكَ [بأَنِّي] (3) جَوَادٌ مَاجِدٌ. عَطَائِي كلامٌ. إِذَا أَرَدْتُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ" (4).
* * *
(1)"فَسَألوني" ليست في ابن ماجه!
(2)
في "الأصل": "بسنه" -غير منقوطة-، والمثبت مِن سنن ابن ماجه، و"شفة البحر": جانِبُهُ.
(3)
في "الأصل": "فأني" والمثبت من ابن ماجه.
(4)
رواه ابن ماجه (2/ 1422 رقم 4257). والحديث رواه أحمد (35/ 294 رقم 21367، 21369، 21540)، والترمذي (4/ 270 رقم 2495)، والبزار في "مسنده"(9/ 440 رقم 4051)، والطبراني في "الدعاء"(2/ 792 رقم 15)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(9/ 302 رقم 6687)، و"الأسماء والصفات"(1/ 170 رقم 112، 484).
والحديث مَدارُه على شَهْر بن حوشب، وقد اختُلِفَ فيه، وقد حسَّنهُ الترمذي.
الكلام عليه مِن وُجُوهٍ -بعد أَنْ يُعلَم أَنَّا تَكَلَّمنا على لفظِ "العبد" في خُطبة "شرح المنهاج" وأوضحنا جميعه فيه-:
أحدها: "لا تظالموا" هو بفتح التاء، أصله: تَتَظَالموا، حُذِفت إِحْدَى التَّاءين تخفيفًا.
ومعنى: "حَرَّمتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي": تَقَدَّسْتُ عنه وتَعَالَيْتُ، فإنه مستحيل في حَقِّه؛ لأنَّهُ مجاوَزَةٌ في الحَدِّ أو التَّصَرُّف في غير مُلْك، وهما جميعًا محالان في حَقِّهِ بالإجماع. وذلك: لأَنَّ الظُّلمَ إِنَّما يُتَصَوَّر في حَقِّ مَن حُدَّتْ لهُ حُدودٌ، وَرُسِمَت له مَرَاسيم؛ فَمَن تَعَدَّاها كان ظالِمًا، والرب جل جلاله هو الذي حَدَّ وَرَسَمَ؛ إذْ لا حاكِمَ فوقَهُ، ولا حاجِزَ عليه، ولا يَجِبُ عليه حُكْم، ولا يَتَرَتَّبُ عليه حَقٌّ، ولا يُتَصَوَّرُ الظُّلمُ في حَقِّهِ، ومَحَلُّ الخوض في ذلك "عِلمُ الكلام"! (1)، ومن يقولُ بالتَّحسين والتَّقبِيح العَقْلِيِّ يقولُ به أيضًا لِقُبْحِهِ (2).
(1) كلام المؤلف مُستفاد من "المفهم"(6/ 552). وانظر: "المُعْلِم"(3/ 165)، و"إكمال المعلم"(8/ 46)، و"شرح النووي"(16/ 368). والدِّين لا يُؤخذ من كتب الكلام؛ لِمَا فيها من بدع ومخالفات، وكتب أهل السُّنة فيها كِفايةٌ وغُنية، وانظر التعليق الآتي.
(2)
ما ذكره المؤلف من تفسير الظلم، وكونه مستحيلًا في حق الله، لأنه مالك الملك هو قول الأشاعرة والجهمية. والظلم في اللغة والشرع هو: وضعُ الشيء في غير موضعه، والظلم المنزَّه عنه المولى جل جلاله فِعلًا وإرادةً، والذي حرَّمه على نفسه هو ما فسره به سلف الأمة وأئمتها، وهو سبحانه لا يَظْلِمُ مِثقَالَ ذرَّةٍ، ولا يجزي أحدًا إلا بذنبه، ولا يخافُ أحدٌ ظُلمًا ولا هضمًا: لا يُهْضَمُ مِن حسناته، ولا يُظْلَمُ فَيُزَادُ عليه من سيئاته، والله سبحانه قادرٌ على الظلم، وإنما استحقَّ الحمد والثناء؛ لأنه ترك الظلم وهو قادرٌ عليه، والمدح إنما يكون بترك المقدور عليه لا بترك الممتنع، ولذا جاء في الحديث:"من كظمَ غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق .. " الحديث، أمَّا من كظم غيظًا وهو عاجز عن إنفاذه فلا يُمدَح، وليسَ له نصيب من هذا الحديث -ولله المثل الأعلى-.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "اختلفت طرق الناس في حقيقة الظلم الذي تنزَّه عنهُ الرَّبُّ: فقالت الجبرية: هو المُحال الممتنع لذاته كالجمع بين الضِّدَّين، وكون الشيء =
وأبعَدَ مَنْ قال: بقدرته عليه، ويُتَصَوَّر مِنهُ لَكِنَّهُ لا يفعله عَدْلًا وتَنَزهًا عنه؛ احتجاجًا بقوله تعالى:{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)} [ق: 29] فقد تَمَدَّحَ بهِ ولا يُمْدَحُ
= موجودًا ومعدومًا، قالوا: لأنَّ الظلم إمَّا تصرُّف في مُلكِ الغير بغير إذنه، وإمَّا مخالفة الأمر، وكِلاهُما في حقِّ الله تعالى محال، فإنَّ الله مالكُ كُل شيء .. ، وأمَّا تصوّر وجوده وقدر وجوده فهو عدل كائنًا ما كان، وهذا قول جهم ومن اتبعه، وهو قول كثير من الفقهاء أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم من المتكلمين!!
وقالت القدرية: الظلم إضرارُ غير مستحق، أو عقوبة العبد على ما ليس من فعله، أو عقوبته على ما هو مفعول منه ونحو ذلك، قالوا: فلو كان سبحانه خالقًا لأفعال العبيد مريدًا لها قد شاءها وقدَّرها عليهم ثم عاقبهم عليها كان ظالمًا، ولا يمكن إثبات كونه سبحانه عدلًا لا يظلم إلَّا بالقول بأنَّهُ لم يُرد وجود الكفر والفسوق والعصيان ولا شاءها، بل العباد فعلوا ذلك بغير مشيئته وإرادته، كما فعلوه بغير إذنه وأمره، وهو سبحانه لم يخلق شيئًا من أفعال العباد لا خيرها ولا شرّها!! بل هم أحدثوا أعمالهم بأنفسهم، ولذلك استحقوا العقوبة عليها، فإذا عاقبهم لم يكن ظالمًا لهم، وعندهم أنه يكون ما لا يشاء، ويشاء ما لا يكون!! فإن المشيئة -عندهم- بمعنى الأمر.
وهاتان الطائفتان متقابلتان غاية التقابل، وكل منهما تذم الأُخرى وقد تُكَفِّرُها وتسميها قدرية.
وقال أهل السُّنة والحديث ومن وافقهم: الظُّلمُ وضع الشيء في غير موضعه، وهو سبحانه حَكَمٌ عَدْلٌ، لا يضعُ الشيء إلا في موضعه الذي يُناسبه ويقتضيه العدلُ والحِكمةُ والمصلحةُ، وهو سبحانه لا يُفرِّق بين متماثليْن ولا يُسوِّي بين مختلفين، ولا يُعاقب إلَّا من يستحق العقوبة فيضعها في موضعها لِمَا في ذلك من الحِكمةِ، ولا يُعاقب أهل البر والتقوى، وهذا قول أهل اللغة قاطبة، وتفسير الظلم بذينك التَّفسيرين اصطلاحٌ حادِثٌ ووضعٌ جديد
…
" -ثمَّ ذكر كلام بعض أهل اللغة في أنَّ الظلم وضعُ الشيء في غير موضعه- ثم قال: "وهذا القول هو الصواب المعروف في لُغةِ العرب والقرآن والسنة، وإنما تُحملُ ألفاظهما على لغة القوم لا على الاصطلاحات الحادثة، فإن هذا أصل كُلِّ فساد وتحريف وبدعةٍ، وهذا شأنُ أهل البدع دائمًا يصطلحون على معانٍ يضعون لها ألفاظًا مِن ألفاظ العرب ثمَّ يحملون ألفاظ القرآن والسنة على تلك الاصطلاحات الحادثة" اهـ. "مختصر الصواعق" (2/ 576 - 582).
وقد شرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه وأطال الكلام على مسألةِ الظُّلم وتوابعها. انظر: "مجموع الفتاوى"(18/ 136 - 209)، ويُنظر:"منهاج السنة"(3/ 20 وما بعدها)، و"جامع الرسائل"(1/ 119 - 142).
عادَةً إلَّا بما يَقْدِرُ عليه؛ فمعنى "حَرَّمتُ الظلمَ على نفسي": مَنَعْتُهَا منهُ، ولأَنهُ تعالى عامل عِبادَهُ معامَلَةَ المستأجر مع الأجير حيث قال لأهل الكتاب:"هَلْ ظَلَمْتكُمْ مِنْ أُجُورِكُمْ شَيئًا؟ قالوا: لا. قال: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتيهِ مَنْ أَشَاءُ"(1).
والمُسْتَأْجِرُ مِنَّا يَصِحُّ مِنهُ ظُلْمُ الأُجَرَاء؛ ولأَنَّ تركَ الظُّلم مع المَكَانَةِ والقُدْرَةِ عليه أَمْدَحُ مِن تركِهِ مع استحالَتِهِ والعجز عنهُ، كما أنَّ تَرْكَ الفَحْل الزِّنَا أَمدَحُ لهُ بالعَفَاف مِن الخَصيِّ والعِنِّين (2)، وليس هذا موضِعَ الخوض فيه (3).
ومعنى: "وَجَعَلْتُهُ بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا": حرَّمتُهُ عليكم ومَنَعْتكُمْ مِنهُ شَرْعًا.
والظلمُ لغةً: وضعُ الشَّيءِ في غير مَوْضِعِهِ.
وشرعًا: التَّصَرُّفُ في غير مُلكٍ أو في مُلكِ الغَيْر.
[ويحتجُّ بها أهلُ القدر، ووجهُ الحجَّةِ أنَّهُ نَهَى عن الظلم، فلو كان خالِقًا له لكان ناهيًا عمَّا خلق، وهو باطل](4).
(1) رواه البخاري (1/ 116 رقم 577 وانظر أطرافه فيه) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
العِنِّين: هو الذي لا يُمكِنه الوطء، وقيل: هو الذي له ذَكَرٌ ولا يَنْتشِر. والخَصِيُّ: هو مَن سُلَّت خِصيتاه. "المُغني"(10/ 82، 85)، "الإنصاف"(20/ 483)، و"المُطْلع"(233)، وانظر الألفاظ ذات الصلة بهما والأحكام المترتبة عليهما في "الموسوعة الفقهية الكويتية"(19/ 119 - 126).
(3)
بعدها في الأصل هذه العبارة: "وجوابه: أن لله
…
يخلقه حقيقة" وقد أَخَّرتُ هذه العبارة إلى ما بعد خمسة أسطر؛ لأن العبارة لا تستقيم إلا بهذا، ولأن هذا هو ترتيب الطوفي لهذه الجُمَل، والظاهر أن نظر الناسخ انتقل فأسقط وقدَّم، وهذه الجملة جواب على اعتراض وهو غير موجود في النسخة الخطيَّة! وقد أثبتهُ من "التعيين" للطوفي كما سيأتي في التعليق الآتي، وبالله التوفيق.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل! وقد استَدْرَكْتُهُ مِن "التعيين"(185)؛ لأن المؤلف ذَكَرَ جوابَ الشُّبهةِ ولم يذكر الشُّبهةَ، وبما أنَّهُ استفادَها من الطُّوفي أثبتُّها من كلامه.
وجوابه: أن لله في خَلْقِهِ تَصْرِيفَيْن: باطنًا وظاهِرًا (1)؛ فالظَّاهِرُ يَنْهَى عنهُ، والباطن (2) يَخْلُقُهُ حَقِيقةً (3).
و"لَا تَظَالمَوا": لا يَظْلِمُ بعضُكُم بَعضًا. والأصلُ: تَتَظَالموا، وحُذِفَت إحدَاهُما تخفيفًا كما سَلَفَ.
ويجوز: "تظَّالموا" بالتَّشدِيد، وإدغام إِحْدَى التاءين فيها، ورُبَّما رُوِي كذلك.
قال بعض العلماء في هذا الحديث: إِنَّهُ لا يَسُوغ لأَحَدٍ أن يَسأل الله ألَّا يحكُمَ لهُ على خَصْمِهِ إلَّا بالحَقِّ؛ لقوله: "إِني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نَفْسِي" فهو تعالى لا يَظْلِمُ عبادَهُ؛ فكيف يظن ظَانٌّ أنه يظلِمُ عبادَهُ لغيرهِ؟! ولذلكَ قال: "فَلَا تَظَالموا".
(1) بعدها في الأصل: "بخلاف نحن"؟! وعندي أنها مُقْحَمة، وحذفها أولى؛ لأن العبارة بدونها واضحة، وبها مُشْكِلة، وهذه الكلمة لا وجود لها في "التعيين"(185).
(2)
"الواو" من "التعيين"(185). وعبارة "التعيين" أوضح وأتم.
(3)
أهل القدر هنا هم المعتزلة، وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن شُبهتهم هذه وبيَّن أنه ثمَّةَ فرقٌ بين الله وبين خلقه، كما أنَّ هناك فرقًا بين فعله سبحانه وبين ما هو مفعول مخلوق له، فكان مما قال:"ففرقٌ بين فعله هو وبين ما هو مفعول مخلوق له، وليسَ في مخلوقه ما هو ظلم منه، وإن كان بالنسبة إلى فاعله الذي هو الإنسان هو ظلم، كما أنَّ أفعال الإنسان هي بالنسبة إليه تكون سرقةً وزِنًا، وصلاةً وصومًا، والله خالِقُها بمشيئته، وليست بالنسبة إليه كذلك؛ إذ هذه الأحكام هي للفاعِلِ الذي قام به هذا الفعل، كما أنَّ الصفات هي صفات الموصوف الذي قامت به، لا الخالق الذي خلقها وجعلها صفات، واللِّه تعالى "خَلَقَ كُلَّ صَانِع وَصَنْعَتَهُ" كما جاء ذلك في الحديث، وهو خالق كل موصوف وصفته.
ثم صفات المخلوقات ليست صفات له، كالألوان والطعوم والروائح لعدم قيام ذلك به.
وكذلك حركات المخلوقات، ليست حركات له، ولا أفعال له بهذا الاعتبار؛ لكونها مفعولات هو خلقها. وبهذا الفرق تزول شبهٌ كثيرةٌ" اهـ. ثُمَّ كشفَ بقيَّة شُبَهِ المعتزلة.
"مجموع الفتاوى"(18/ 151). وانظر: (18/ 153، 154، 155) منه.
قلتُ: وقد قال تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ} [الأنبياء: 112]"وَأَمْرُ الرَّبِّ تعالى لِرَسُولِهِ بذِلِكَ دليلُ الجَوَازِ، والإِجَابة والعِدَة بها". كما قال ابن عطية في "تفسيره"(1). وكذا قوله: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ} [المؤمنون: 118] لا فَرْقَ بين قوله: {احْكُمْ بِالْحَقِّ} أو: "لا تحكم إلَّا بالحق" إلَّا أَنْ يَكُونَ المَعنى: عامِلْهُم بِعَدْلِكَ وفَضْلِكَ (2)، فيكون دَعَاء عليهم.
وقريبٌ مِن هذا مَا نُقِلَ عن بعض العُلَمَاء أنَّهُ قال في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] الآية: إِنَّ مِنَ الاعتِدَاءِ أَنْ تؤمِّنَ عندَ قراءَةِ هذه الثلاثة لا عندَ قولِهِ: {وَاغْفِرْ لَنَا} [البقرة: 286] إلى آخر السورة، وهو خِلاف مَا جَاءَ في "صحيح مسلم"(3)، فإن فيه:"قال: نعم" في الجميع.
ويُروَى أَنَّ جبريل قال -لمَّا قَرَأَ ذلِكَ رَسُوله- قال: "نعم، قد فَعَلَ" في الجميع إلى آخر السورة (4).
رَجَعْنَا إلى مَا كُنَّا فيه؛ والمعنى: أَنَّهُ لابُدَّ مِن اقتِصَاصِي للمَظلُوم مِن الظالم، ومِصْدَاقُهُ قوله تعالى:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] والمعنى -والله أعلم-: أنَّهُ نَدْبٌ أو إِبَاحَةٌ للمظلوم أنْ يجهَر بِذِكر قِصَّته باسم مَن ظَلَمَهُ؛ ليقَعَ بذلِكَ بينَ النَّاس فيكون مشاع ذلك عذرًا للقدر للإيقاع بالظلم، ليجمع في ذلك بينَ أَنْ يَعْرِفَ النَّاسُ أَنه الله سبحانه لم
(1)"المحرر الوجيز"(6/ 209).
(2)
الواو زيادة مني لأنَّ السياق يقتضيها.
(3)
(1/ 115 رقم 125) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
رواه الطبري في تفسيره (6/ 143 رقم 6535، 6536) عن الضحَّاك مرفوعًا، وهو ضعيف لإرساله، ورواه عن السدي (6536) وحاله كسابقه.
يُوقِع بمَن ظَلَم إلَّا انتصارًا مِنهُ لِمَنْ كان ظَلَم، وليَعْلَم العِبَادُ أَنَّ مِن ورَاءِ الظَّالِمِينَ طَالبًا لا يُرَدُّ بأسُهُ، وهذا كذلك إلَّا أَنَّ ممن وراءِ هذا إِيضَاحًا آخر لَوْلاهُ لم يَكن يُمهَلُ ظالم في الأرض فُوَاقَ ناقةٍ، وتلكَ الحالة أنَّ الخلقَ كلِّهم عبيدٌ لهُ ومُلْكٌ؛ فإذا ظَلَمَ بعضهم بعضًا فالمظلوم لا يستحقُّ على الظالم إلَّا أن يُمَكِّنه سيِّدُهُ، إذْ مَن جَنَى على عبدٍ جِنَايَةً فالحاكم فيها سَيِّدُهُ، فالخلق كلهم لله يحكم أُرُوش (1) جِنَايَتهم حقوقه؛ فَلَهُ أَنْ يُمْهِلَ وأن يَقْتَصَّ.
ثانيها: قوله: "كُلُّكُم ضَالٌّ إلَّا مَن هَديت" هذا كقولِهِ تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} [الأعراف: 178] وإيضَاحُهُ أنَّهُ -تعالى- خَلَقَ للنَّفْسِ قوَاها وطباعها (2) ومَن أَرصَدَ لها مِن الأهواء والشياطين مائِلةٌ إلى الضَّلال، فمن أَرادَ ضَلاله أَرْسَلَهُ على سَجِيَّتهِ وتَخَلَّى عنه، ومَن أَرَادَ هِدَايَتَهُ عارَضَهُ بأَسبَاب الهُدَى فَصَدَّه عن (3) الضَّلالِ فاهتَدَى، قال الله تعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25].
ومعنى "فاسْتَهدُوني": [سلوني](4) الهداية، واعتقِدُوا أَنَّهَا لا تكونُ إلَّا مِن فَضْلِي وبِأَمْرِي "أَهدِكُم".
(1) الأرش: هو الذي يأخذه المشتري من البائع، إذا اطَّلَعَ على عَيْبٍ في المبيع، فيُقَوَّمُ المَبِيعُ صحيحًا، ثُمَّ يُقوَّمُ مَعيبًا، فَيُؤْخَذُ قِسْطُ ما بينَهُما مِنَ الثَّمَن.
انظر: "النهاية" لابن الأثير (1/ 39)، و"المُغْنِي" لابن قُدَامة (6/ 229)، و"المُطْلِع" للبعلي (237)، و"طِلْبَةُ الطَّلبَة" للنَّسفي (135).
(2)
في الأصل: "تقواها وطاعتها" والمثبت من "التعيين"(186)، و"الفتح المبين"(419) وهو الذي يقتضيه السياق في نَظَري.
(3)
في الأصل: "على" والمثبت من "التعيين"، و"الفتح المبين".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبته من "التعيين"(186).
ورواية ابن ماجه: "فَسَلُوني الهدى أَهدِكُم"(1). ويَتَجَدَّدُ الشُّكر كُلَّمَا ازدادَ هُدى، ولو هداهُ مِن قَبل أَنْ يسأله لهُ لَمَا قال:{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78].
وهذا الحديث حُجَّةٌ لأهل الحقِّ: أن الهدى والضلال خَلْقه [وفِعْلهُ يختصُّ بما شاء منهما مَن شاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وأنَّ ذلِكَ](2) لا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ عليه، قال تعالى:{كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [المدثر: 31] وقال: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]، وقال:{وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30]، وقال:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)} [يونس: 25] فَعَمَّ بالدَّعوَةِ، وخَصَّ بالهِدَايةِ مَن سَبَقَتْ لَهُ العِنَايَةُ.
ثالِثُها: قوله: "كلُّكُمْ جَائِعٌ
…
" إلى آخره، أي: النَّاسُ عَبِيدٌ، ومِنْ شأْنِ العبدِ عَدَمُ المُلْكِ، وخَزَائِنُ الرِّزقِ بِيَدِ المَوْلَى؛ فَمَنْ لَا يُطْعِمُهُ بِفَضْلِهِ بقِيَ جائعًا بعَدْلِهِ، إذْ ليسَ عليه إطعامُ عَبْدِهِ، وَأَمَّا قوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] فالتِزَامٌ بِفَضْلٍ، لَا أَنَّ علْفةَ الدَّابَّةِ (3) حَقّ بالأَصَالَةِ، وَشِبْهُ هذا قوله تعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 17] الآية، أي: تَفَضُّلًا مِنهُ لَا إِلزَامًا، والإِطْعَامُ إمَّا: بِسَوْقِ الرِّزقِ، أَو تَسْهيل الآلةِ المُتَنَاوِلَةِ لَهُ.
وفي بعض كُتُبِ الحِكمَةِ: أَنَّ عيسى -صلوات الله وسلامه عليه، وعلى
(1) تقدّم تخريجه، ولكن المؤلف لم يذكر هذه الجملة في ضمن لفظ الحديث الذي ساقه، وهي في ابن ماجه (2/ 1422 رقم 4257) كما ذَكَر.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل؛ والظاهر أنه لانتقال نظر الناسخ، وقد استدركته من "المفهم"(6/ 553 - 554)؛ وذلك لأنَّ المؤلف أخذ العبارة من أولها إلى نهاية الفقرة من "المفهم" بحروفها؛ ولأن العبارة لا تتم إلا بزيادة "المُفْهِم".
ونقل هذا الكلام بتمامه الفاكهاني في "المنهج المبين"(412).
(3)
كذا بالأصل، وفي "التعيين"(186)"عَليه للدابة".
سائر الأنبياء-[قال](1): "ابن آدم؛ أنتَ أسوَأُ بِرَبِّكَ ظَنًّا حين كُنتَ أكملَ عَقْلًا؛ لأنَّكَ تَرَكْتَ الحرصَ جَنِينًا محمُولًا، وَرَضِيعًا مَكْفُولًا، ثمَّ ادَّرَعْتَهُ (2) عَاقِلًا قد أَصَبْتَ رُشْدَكَ، وبَلَغْتَ أَشُدَّكَ"(3).
ومعنى "فاستَطْعِمُوني أُطْعِمكُم": سَلُوني الطَّعَام "أُطْعِمكم" بتقْدِير أسبَابِه وتَيْسِير طِلابه: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32]، ولا يَسْتَنْكِف جبارٌ ولا غَنِيٌّ أنْ يَسْتَطْعِمَنِي؛ فإن ذلك لجهله، لأَنَّ مَا في يَدِهِ ملكي.
وفيه تَأْدِيبٌ للفُقَرَاء؛ أي: اطلُبُوا مِنِّي، فَأَنَا الذي أُطْعِمُهُم:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58] فالرَّبُّ جل جلاله يُسَخِّرُ السَّحَابَ، ويَسْقِي البلاد، ويُحَرِّكُ القلوب للإعطَاء، ويُحْوِجُ بعضًا إلى بَعْضٍ للنَّفْعِ، وتصرُّفه في عالمه عجيبٌ يَعْجَزُ عنه الفَطِنُ اللَّبِيبُ.
رابِعُها: قوله: "كلكم عارٍ إلَّا
…
" إلى آخره، فيه أَنَّ الكُسَى (4) مِنَ الرَّبَ جل جلاله مُتَنَوِّعَةٌ؛ فقد يَكْسُو جسدًا عَريًّا ويكسو ستره الجميل؛ فمن كِسْوَتُهُ لِبَاسُ التَّقْوَى فَلَا قُدْرَةَ لأَحَدٍ على نَزْعِهِ.
والحاصلُ مِن كُلِّ ذلك: التنبيهُ على فقرِ العبدِ، وعَجْزِهِ عن طَلَبِ المَنَافِعِ، وَدَفْعِ المضَارَ إلَّا بِتَيْسِيرهِ.
خامِسُها: "تُخْطِئُونَ" بالهمز، وضَبَطَهُ بعضُ الفُضَلاء بفتح التاء والطاء،
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
ادَّرَعَ الرجُلُ وتَدَرَّعَ إذا لبَس الدَّرعَ، والظاهر أن مُراده: لبست وتسربلتَ بالحرص.
انظر: "تهذيب اللغة"(2/ 201).
(3)
ذَكَرَها الطوفي في "التعيين"(191).
(4)
بضمِّ أَوَّله كما في "تهذيب اللغة"(10/ 310).
على وزن "تَقْرَؤُونَ" مِن الإقراء، وقال: أخطأ يُخْطِئ رباعيٌّ إذا فعل عن غير قصد، وخَطِئ يَخطأ كعلم يعلم ثلاثيًّا: إذا فعل عن قصد (1)، ومنه:{نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)} [العلق: 16] قال: وإِنَّمَا وَجَبَ أنْ يكون هاهنا "تخطئون" ثلاثيًّا؛ لأنهُ جَعَلَهُ ذنبًا يُغْفَرُ، لقوله:"وأنا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعًا"، والخَطَأُ عن غير قَصدٍ مَعْفُوٌّ عنه لا يُعْتَدُّ به أصلًا ذنبًا ولا غيره، لِدَفْعِ الخطأ والنسيان عن هذه الأمة (2).
وقال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": "الرواية المشهورة "تُخْطئون" بِضَمِّ التاء، ورُوِيَ بفتحها وفتح الطاء، يقال: خَطِئ إذا فَعَلَ مَا يأثَمُ به فهو خاطِئ، ومنه: {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: 97] ويقال في الآية -أيضًا-: أخطأناك (3)؛ فهما صحيحان"(4).
قُلتُ: وفي هذا الكلام الشريف من التوبيخ والتأنيب ما يستحيي منهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وذلك أنه إذا لَمَحَ العبدُ الفَطِنُ أَنَّ اللهَ خَلَقَ اللَّيلَ لِيُطَاع فيه سبحانه سِرًّا،
(1) انظر: "تهذيب اللغة"(7/ 498).
(2)
في الهامش علّق على بعض هذه العبارات في "الخطأ" بكلام نَقَله من "القاموس المحيط" للفيروز أبادي وفرّقه على كلام المؤلف وفيه تقديمٌ وتأخير، وأنا أذكره بتمامه -مع زيادات يسيرة من القاموس- مُرَتَّبًا من "القاموس" (1/ 15): "الخَطْءُ والخَطَأُ والخَطَاءُ: ضِدُّ الصَواب، وقَد أخْطَأَ إخْطَاءً وخَاطِئَةً، وتَخَطَّأَ وخَطِئَ، وأَخْطَيْتُ: لُغَيَّة رَدِيئَةٌ، أو لُثْغَةٌ. والخَطِيَئَةُ: الذَّنبُ، أو مَا تُعُمَّدَ منه، كالخِطْء، بالكَسر. والخَطَأُ: مَا لَمْ يُتَعَمَّدْ، جمعه: خَطَايا خَطَائِئُ. وخَطَأَهُ تَخْطِئَةً وتَخْطِيئًا: قال لهُ: أَخطَأتَ، وخَطِئَ يَخْطَأ خِطئًا وخِطْأَةً بكَسْرِهِمَا.
والخَطِيئَةُ: النَّبْذُ اليَسِيرُ مِنْ كُلِّ شيءٍ. وخَطِئَ في دِينِهِ، وأَخْطَأَ: سلَكَ سَبيلَ خَطَأٍ عامِدًا أو غَيرَه
…
".
(3)
في المطبوع من شرح النووي: "ويقال في الإثم -أيضًا- أخطأ فهما
…
".
(4)
(16/ 369).
ويُعبَدَ بالإخلاص على خَلْوَةٍ منَ الناس حيث تَسْلَمُ الأعمال -غَالِبًا- عن الرِّيَاءِ والنِّفَاق ومُشاهَدَةِ الخَلْقِ، أَوَ لا يَسْتَحِيي المؤمنُ أنْ يُنْفِقَ الليل فيما خُلِقَ له مِنَ الطَّاعةِ حتى يُخْطئَ فيه ويعصي الله في مطاويه، والنهار لا يخطئ فيه جهارًا، يشهد له الخلق عند الحقِّ.
وانظر إلى قوله: "جميعًا" مَا أحسَنَهُ لِئَلَّا يحصل القنوط، وهو مثل قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] وهو عَامٌّ خُصَّ مِنهُ الشِّرك وما شاءَ ألَّا يغفره؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
وقوله: "بالليل والنهار" وهو مِن باب مُقَابَلَةِ الجَمع بالجمع؛ أي: تصدُرُ منكم الخَطِيئَات لَيلًا ونهارًا، من بعضكم ليلًا، ومن بعضكم نهارًا، إذ الغالب أَنَّ العبدَ لا يَسْتَغْرِقُ الزَّمَنَ كُلَّهُ في الخطايا.
وقوله: "فاسْتَغْفِرُوني" أي: أطلبوا مِنِّي المغفرة "أغفِرْ لَكُم" وفي الحديث "لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ فَيُغفَرُ لَهم"(1) وأصلُ الغَفْرِ: السَّتْرُ، وغَفَرْتُ المتاع: سَتَرْتُهُ، والمِغْفرة والمِغْفر لسترة الرأس، وغفر الذنب: سَتْرُهُ ومَحْو أثَرِهِ.
سَادِسُها: قوله "يا عبادي! إِنَّكُم لَن تَبْلُغُوا ضَرِّي
…
" إلى آخره؛ أي: لا يتعلق بي ضُرٌّ ولا نَفْعٌ فتضروني أو تنفعوني؛ ولأن العبد فقير مطلق، والرب جل جلاله غني مطلق، والفقير المطلق لا يملك ضرًّا ولا نفعًا خُصُوصًا للغني المطلق، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15] وقام الإجماع على تنزيه الباري تعالى وتَقْدِيسه، وأَنَّهُ غَنِيٌّ بذاته، لا يَلْحقهُ ضُرٌّ
(1) رواه مسلم (4/ 2106 رقم 2749) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ولا نفعٌ، ولا يَحْتَاجُ إلى ذلك.
وَظَاهِرُ الحديثِ: أنَّ لِضره ونفعه غاية، لكن لا يبلغها العباد، فلتؤول على ما دل عليه الإجماع.
سابِعُها: قوله: "يا عبادي! لو أَنَّ أَوَّلَكُم وآخِرَكُم
…
" إلى آخره؛ أي: تَقْوَاهُم لا يَزيدُ في مُلْكِهِ شيئًا، ولا فُجُورهم ينقصه؛ لأن مُلْكَهُ مُرْتَبطٌ بقدرته وإرادته، وهما دائمان لا انقطاع لهما، فكذا مَا ارتَبَطَ بهِمَا، وإنما غائِلَةُ الفُجُور على أهلهِ تَعُود؛ فالتَّقْوَى رحمةٌ لهم وسعادة، والفجور نِقمَةٌ وشقاوة.
ثامِنُها: قوله "يا عبادي!
…
" إلى آخره، فقوله: "في صَعِيدٍ وَاحِدٍ" أى: في أَرْضٍ واحِدَةٍ ومَقَامٍ وَاحِدٍ.
وقوله: "مَا نَقَصَ
…
" إلى آخره، سَبَبُهُ: أنَّ مُلْكَهَ بين الكاف والنون، إذا أرادَ شيئًا قال له: كن، فكان.
وفي بعض الآثار: "عَطَائِي كَلامٌ، وَرِضَائِي كَلامٌ"(1) أو نحو ذلك، وقد سلف بعضه عن "سنن ابن ماجه" إشارة إلى "كُنْ" ولا يُسْتَنْكَرُ العَطَاءُ الكبير مع عَدَمِ النَّقْص؛ فالنار والعِلْمُ يُقْتبسُ مِنْهُما مَا شاء الله ولا يَنْقُصُ منهما شيء، بل يَزيدُ العِلمُ على الإِعْطَاء، وهذا مَثَل قُصِدَ بهِ التَّقْرِيبُ للأَفهَام بِمَا تُشَاهِدُهُ؛ فَإِنَّ مَاءَ البحر من أعظم المرئِيَّات وأكبَرها، وغَمْسُ الإبرة فيه لا يؤثر، فَضَرَبَ ذلك مَثَلًا لخزائِن رحْمَته وفَضْلِه؛ فإنها لَا تَنْحَصِر ولا تَتَنَاهَى، وأَنَّ مَا أُعْطِي مِنها مِن أَوَّلِ الخَلْق، ومَا يُعْطى منها إلى يوم القيامة لا ينقصُ منها شيئًا، وهذا نحو قوله في الحديث الآخر: "يَمِينُ اللهِ مَلأَى سَحَّاءُ اللَّيلَ والنَّهارَ، لَا يَغِيضُها
(1) تقدَّم تخريجه قريبًا، وهذا اللفظ رواه أحمد والترمذي والبزار.
شَيءٌ، أرأَيْتُم مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السموَاتِ والأرض، لَمْ يَنْقص مَا في يَمِينِهِ" (1) وسِرُّ ذلك: صَلاحِيةُ القدرة للإيجاد دائمًا مِن غير عَجْزٍ وقُصُورٍ، والممكن لا يتناهى، فما يُؤخَذُ منها لا يُنْقِصُ شيئًا منها (2).
وقوله: "إلَّا كمَا ينقص المخيط من البحر" أي: لا ينقصُ شيئًا؛ لأَنَّ الإبرة لا يتعلق بها مِن الماءِ شيءٌ، وهذا بِظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لقول الخضر:"مَا نَقَصَ عِلْمِي وعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ الله إلَّا كمَا نَقَصَ هذا [العُصْفُورُ] (3) "(4) فإن نقر العصفور من البحر لا بد أن ينقصه شيئًا -وإن قَلَّ- بخلافِ الإبرَةِ؛ لكن ليس المراد أنَّ عِلْمَهُمَا نَقَصَ مِن عِلمِ الله قليلًا أو كثيرًا؛ إِنَما المُرادُ: تَقريبُ أَنَّهُ لم يَنْقُص مِن عِلْمِ اللهِ أَصْلًا.
ويُحْكَى أنَّ رَجُلًا سأل ابن الجوزي رحمه الله: هل ينقص شُرب العصفور من البحر؟ فقال: "فَمَعَهُ شيءٌ يضَعُهُ فيه"؟! (5).
وهذا جوابٌ على جِهَةِ التَّحقِيق، وقول الخضر لموسى على جهة التَّقْرِيب، وإلَّا لَوْ فَرَضْنَا الوجود مملوءًا حَبًّا وأَخَذَ العُصْفُور منهُ واحِدَةً لَنَقَصَتْ بالضرورة؛ لكن ليس نقصًا مُحْتَفَلًا به (6).
ففيهِ تَنبِيهُ الخَلْق على الإقبالِ والمَسْأَلةِ؛ فَلَا يحتقر سائل ولا يقتصر:
(1) رواه البخاري (6/ 73 رقم 4684)، ومسلم (2/ 690 رقم 993) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
من قوله: "وهذا مثلٌ
…
" إلى هنا أخذه المؤلف -بحروفه- مِنْ كلام القرطبي في "المُفهم" (6/ 555 - 556).
(3)
ما بين المعقوفتين من "التعيين"(191)، وهو أيضًا لفظ الحديث، ويدل عليه ما بعده.
(4)
رواه البخاري (1/ 36 رقم 122 وانظر أطرافه في 74)، ومسلم (4/ 1847 رقم 2380) من حديث ابن عباس عن أُبيِّ بن كَعْب رضي الله عنهما.
(5)
ذكرها الطوفي في "التعيين"(191).
(6)
قارن بـ "التعيين"(191)، والفائدة التي سيذكرها المؤلف قارنها أيضًا بالتعيين (183).
{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96].
فائدة: "ينقص" تستعمل لازمًا نحو: نقص المال، ومتعديًا نحو: نقصتُ زيدًا حَقَّهُ.
وينقص المِخْيطُ هنا مُتَعدٍّ؛ لأن محل البحر نُصِبَ به.
و"المخيط": الإبْرَةُ ونحوها -بالكسر، ثم خَاءٌ مُعْجَمَة ساكِنة، ثم ياء مفتوحة- وهو مِن الآلات، فَلِذَا كُسِرَ أَوَّلُهُ.
تاسِعُها: معنى "أحصيها لكم": بِعِلْمِي وملائِكَتِي الحَفَظَة، لأُوَفِّيكم جزاءَهَا وثوابَهَا، فَحُذِفَ المضاف فانقَلَبَ الضَّمِيرُ المخفوض مَنْصُوبًا مُنْفَصِلًا كالمفعول المحذوف.
وفائِدَةُ الحَفَظَة مع العِلم: الشَّهَادة على العبد المسكين: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} [الإسراء: 14].
مَلأتَ كتوبَ الكاتبين مَآثمًا
…
فإن كُنْتَ تَنْسَاهَا فَرَبُّكَ يَعْلَمُ
فَكَفَى بالكِرَام الكاتبين شهودًا، وبِرَبِّ العِباد حَسِيبًا.
تَنْبِيهٌ: السِّرُّ في التصريح بالخير والتَّكنِيَةُ عن غيره بقوله: "ومَن وَجَدَ غَيْرَ ذلك" ولم يَقُل: "وَمَنْ وَجَدَ شَرًّا" مجانَبَةُ لَفْظِهِ، فإذا اجتنب لفظه فكيف الوقوع فيه؟ والخير كله مُفَاضَلَة، لأن قولك: زيد خير، أي: هو خير من خير كله.
وأكد "لَيَلُومَنَّ" بالنون للتحذير أنْ يخطُرَ في قَلْبِ عاقِل أَنَّ [مستحق](1) اللوم غير نفسه؛ لأن الله تعالى أوضحَ الطريق وأعذَرَ وحَذَّر وأنذر، ولَا حُجَّةَ
(1) ما بين المعقوفتين من "الفتح المبين"(430).
لأَحَدٍ بعد الرسل.
ومن قِلَّةِ الإِنصَاف: إسنادُ التَّوفِيق إلى النفس، وإسناد غيره إلى القَدَر، والظلم من شِيَمِ النُّفُوسِ، والطاعاتُ علي العبدِ حمدُ الله عليها، وضِدّها عليه لَوْمُ نفسهِ وإن كانت مقدَّرة، لأنها من كسبه وتفريطه، والحديث دال علي انحصار فائدة الناس في المعاد، وكل ما يتفضل به الرب جل جلاله فهو غير لازمٍ عليه؛ فُكُلُّ مَا خَلَقَ فهو مُحتَاجٌ إليه.
خاتِمَةٌ: تَكَرَّرَ في الحديث "يا عبادي! " وهو مُتَناول للنساء لكن بقَرِينَةِ التَّكليف، وَأَمَّا الخِطَابُ المختَصّ بالذكور أو بالإناث؛ فَحَكْمُهُ لائِحٌ والصالح لهما يعمهما، واختُلِف في نحو:"المسلمين" و"المؤمنين"؛ هل يتناول النساء أم لا؟ والأشبه المنع وضعًا، بل بقَرينَةٍ أو عُرْفٍ.
أُخْرَى: حاصل قوله: "كلُّكُم ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ"، "كُلُّكُمْ جَائِعٌ"، "كُلُّكُم عَارِ" التَّنبِيهُ على فَقْرِ العَبْدِ وعجزِهِ عن جَلْبٍ ودَفْعٍ إلَّا بيدِهِ، وهو تنبيهٌ علي معنى قوله:"ولَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلَّا بالله العَلِيِّ العَظِيم".
وقد قال في آخره: "يا عبادي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُم
…
" إلى آخره، فَنَبَّهَ على أنَّ عَدَمَ إيجادِ الأعمال لا يُنَاقِضُ خِطَابَ التَّكليف إقدامًا عليها وإحجامًا عنها.
فنحنُ وإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّا لا نسبِقُكَ بحسن بوجدان الفرق بين الحركة الضرورية والاختيارية، وتلك التَّفْرِقة راجِعَةٌ إلى تمكن محسوس وتَأَدُّب مُعتَاد يوجَدُ مع الاختيارية ويُفْقَدُ مع الضَّرُورية، وذلك هو المُعَبَّرُ عنه بالكَسْبِ، وهو
مَوْرِدُ التَّكلِيف فلا تناقض ولا تعنيف (1).
* * *
(1) هذا الكلام خطأ بيِّنٌ، والصّواب هو: أن اللهَ خالِقُ أفعال العِباد كلها، والعباد فاعلون حقيقة، ولهم قدرة حقيقية على أعمالهم ولهم إرادة، لكِنَّها خاضِعَةٌ لمشيئة الله الكونية فلا تخرج عنها. قال سبحانه:{اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ} ، وقال:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} .
والقرآن فيه ذِكر إِضَافةِ أفعال العباد إليهم في آيات كثيرة، فمن ذلك قوله تعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} الآية.
وقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} ، وقوله:{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)} وغيرها.
والشَّرعُ والعقْلُ مُتَّفِقَان على أنَّ العبدَ يُحمد ويذم على فعله، ويكون حسنةً له أو سيئةً عليه، فلو لم يكن إلا فعل غيره لكان ذلك الغير هو المحمود أو المذموم.
وما ذكره المؤلفُ هنا هو "كسب" الأشاعرة، وهو من عجائب الكلام؟!. فحقيقة الكسب عندهُم: أنَّ الله الخالق للفعل، ومكسوبًا للعبد بمعنى: مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هنا لِكَ منهُ تأثيرٌ أو مدخل في وجودِهِ سِوَى كونهِ مَحَلًا له؟!.
وكما ذَكَرْنَا أنَّ كَسْبَ الأشاعرة هو من عَجَائِب الكلام التي لا حقيقةَ لها، ولا يستطيع أربابه أن يفىسروا حقيقته، ولذلك قيل:
مما يُقَال ولا حقيقةَ تحتَه
…
معقُولَة تَدْنُو إلى الأفهام
الكسبُ عند الأشعري والحالُ عَنْدَ
…
البَهْشَمِيِّ وطفرَةُ النَّظَّام
انظر: "منهاج السنة"(1/ 459)، (2/ 297)، و"درء التعارض"(3/ 444)، (8/ 320)، و"مجموع الفتاوى"(8/ 467، 128)، و"شفاء العليل"(50)، [1/ 195 ط الحفيان].