المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث السادس والثلاثون - المعين على تفهم الأربعين ت دغش

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمؤلف

- ‌شيوخه:

- ‌مؤلفاته

- ‌ثناءُ العلماءِ عليه:

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثاني: اسم الكتاب وتوثيق نسبته لابن الملقن:

- ‌المطلب الثالث: تاريخ تأليفه:

- ‌المطلب الرابع: وصف النسخة الخطية:

- ‌المطلب الخامس: المآخذ على الكتاب:

- ‌المطلب السادس: منهجي في تحقيق الكتاب

- ‌فصلٌ

- ‌الإله

- ‌الرَّبُّ

- ‌العالمينَ

- ‌سَمَاحَةِ الدِّينِ

- ‌الحَدِيثُ الأَوّلُ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديثُ السَّادِس

- ‌الحديثُ السَّابعُ

- ‌الحديثُ الثامِنُ

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديثُ العَاشِرُ

- ‌الحَديِثُ الحَادِي عَشَرَ

- ‌الحدِيثُ الثاني عَشَر

- ‌الحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التَّاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرَّابعُ والعشْرُون

- ‌الحديثُ الخَامِسُ والعِشْرونَ

- ‌الحديثُ السَّادِسُ والعِشْرُونَ

- ‌الحديثُ السَّابعُ والعِشْرُونَ

- ‌الحديثُ الثَّامِنُ والعِشْرُونَ

- ‌الحَديثُ التَّاسِعُ والعِشْرُونَ

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديثُ الحادي والثلاثون

- ‌الحديثُ الثاني والثلاثون

- ‌الحديثُ الثالِثُ والثَّلاثُونَ

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحَدِيثُ الخَامِسُ والثلاثُون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌الحديث السادس والثلاثون

‌الحديث السادس والثلاثون

عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمنٍ كربَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كربَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلى مُعسِرٍ، يَسَّرَ الله عَلَيْهِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، وَمَنْ ستَرَ مُسْلِمًا؛ ستَرةُ اللهُ في الدُّنيا والآخِرَةِ، واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العبدُ في عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَريقًا يَلْتَمِسُ فيهِ عِلْمًا سَهلَ اللهُ لَهُ بهِ طَريقًا إلى الجَنةِ، وَمَا اجتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهم؛ إلا نَزَلَتْ عليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهمُ الرَّخمَةُ، وَحَفَتْهمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بهِ عَمَلُهُ لَم] (1) يُسْرع بهِ نَسَبُهُ".

رواه مسلم بهذا اللفظ (2).

* * *

هذا حديثٌ عَظِيمٌ، جامِعٌ لأنواعٍ مِن العُلوم والقواعدِ والآداب، وراويهِ سَلَفَ التَّعريف به.

ولنختصر الكلام عليه في مواضع:

(1) إلى هنا ينتهي السقط المشار إليه في آخر الحديث السابق، ومتن الحديث أثبتناه من "الأربعين"، و"صحيح مسلم".

(2)

رواه مسلم (4/ 2074 رقم 2699).

ص: 406

أولها: معنى "نفَّس": فرج وأزال، وهو من تنفس الخناق، كأنه رخَّى الخِنَاق حتى تأخذ لها نَفَسًا.

و"الكُربة": ما أهمَّ النَّفس وغَمَّ القلب، كأنها مُشْتقَّة مِن كرب الشيء للمقاربة، لأن الكرب يقارب أن يُزهِقَ النَّفسَ، ففيه فضيلةُ تنفيس الكُرَبِ عن المؤمنين، وفضل قضاء حوائجهم ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو مُشَاورة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك، وفضل السِّتْر على المسلم وهو من باب إعانته وتفريج الكرب عليه وستر زلَّاته، ويدخل في كشف الكربة وتفريجها: من أزالها بمال، أو جاه، أو مساعدة أو إشارة أو رأي أو دلالة -كما ذكرناه- وأن ذلك يجازى عليه بجنسه في تيسير كرب الآخرة.

والعادة أنَّ الجزاء مِن جِنس العمل ثوابًا وعقابًا، كالتَّنْفيس بالتَّنْفيس، واليُسر باليُسْر، والعون بالعون، كما ذكر في هذا الحديث، ونظائره كثيرة في أحكام الدنيا والآخرة، وكان مقتضى ذلك قطع ذكر الزاني وفرج الزانية؛ لتكون العقوبة في محل الجناية كما في السرقة، لكن لما كانا آلة التناسل الحافظة، فَرُوعِيَ بقاؤهما.

وإنما كان التنفيس مطلوبًا شرعًا مثابًا عليه، لأن الخلق عيال الله فتنفيس كربهم إحسانٌ إليهم، والعادة أن السيِّدَ والمَلِكَ يُحِبُّ الإحسان إلى عياله وحاشيته والمُحسِن إليهم، وفي الأثر:"الخَلْقُ عِيَالُ الله، فأحبهم إلى الله أَرفَقُهم بعياله"(1).

ثانيها: فيه فضيلة التَّيْسِير على المعسِر والجزاء عليه في الآخرة، كما مَرَّ في تنفيس الكربة.

(1) مضى تخريجه ص (315).

ص: 407

ثالثها: فيه فضل ستر عورة المسلم، والمكافأة عليها بجنسها لِمَا مَرَّ، ولأنَّ الله تعالى حييٌّ كريم سِتِّيرٌ، وستر العورة من الحياء والكرم؛ ففيه التَخلّقُ بخلق الله جل جلاله والله يُحِبُّ التَّخلُّق بأخلاقهِ.

والسِّترُ المندوبُ إليه هنا المرادُ به الستْر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس معروفًا بالفَسادِ والأَذَى؛ فإن خالفه لم يأثم إجماعًا وخالف الأولى، وربما ارتكب المكروه في بعض الصور، فأمَا المعروف بذلك فيستحب ألا يستر عليه؛ بل يرفع قصته إلى ولي الأمر إن لَمْ يَخَفْ مِن ذلك مفسدة؛ لأنَّ الستر على مثل هذا مطمعة في الإيذاء أو الفساد وانتهاكِ المُحَرَّمات، أو جَسَارَةِ غَيْرِهِ على مثل فعله هذا، ثم هذا في معصِيةٍ وَقَعَت، أمَّا مُسْتَدَام عليها يجبُ الإنكار عليه ولا يحل التأخير؛ فإن عجز لَزمَهُ رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة، وأما جَرحُ الرُّواة، والشُّهود، والأُمناء على الصَّدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فَيَجِبُ جَرحُهم عند الحاجة، ولا يحِلّ الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا مِن الغِيبَةِ المُحرَمةِ؛ بل مِن النَّصِيحةِ الواجِبَةِ، وهو إجماعٌ.

فإن قلتَ: لِمَ غايَرَ فقال في الأوَّل: "عن مؤمن" وقال في الستر: "مَنْ سَتَرَ مسْلِمًا"؟

وأُجِيبَ بأنه يحتمل أن يكون من باب تغاير الألفاظ دفعًا للتَّكرار، أو بأن الكربَةَ لمَا كانت معنى باطنًا -على ما سلف في تفسيرها- ناسَبَ الإيمان الذي هو باطن وهو التصديق، كما سلف في حديث جبريل، والسِّتر لمَا كان يتعَلّقُ بالأمور الظَّاهِرَةِ غالبًا ناسبَ وصف الإيمان الذي هو عمل الظاهر (1).

(1) الإيمانُ قدرٌ زائِدٌ على التَّصديق، فهو تصديقٌ وإقرارٌ. انظر ما تقدم ص (105).

ص: 408

فإن قلتَ: لِمَ قال: "نَفَسَ الله عنهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يوم القِيامَةِ"، ولم يذكر كرب الدنيا، وقال:"سَتَرهُ اللهُ في الدُّنيا والاخرةِ"؟

وأُجِيبَ بأنه يحتمل أن هذا اتفاق، لأنَّ الترغيب حاصل، فَكِلَا الأمرين -أعني: التَنْفِيس والسِّتر- في الدَّارَيْن أو في أحدهما، ويحتمل أن الدنيا لمَّا كانت محل العورات والمعاصي، احتُيجَ إلى السِّتر فيها، وأمَّا الكُرَبُ فهي وإن كانت الدنيا محلًا لها، لكن لا نسبة لكربتها إلى كرب الآخرة حتى تُذْكَر معها.

رابعها: فيه فضيلةُ عونِ الأخ على أموره والمكافآت عليها بجنسها من الإعانة الإلهية، وقوله:"ما كان العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ" أي: مدة كونه في عونه، ولا فرقَ بين كونهِ في عونهِ بقَلبِهِ أو بيدِهِ أو بهِمَا، لأنَّ الكُل عون، ثم ظاهِرُ الحديث: اختصاصُ الثَّوابِ المذكور بالمُسلم والمؤمن والأخ، والأشبه أن يثاب عليه في المؤمن والكافر، لقوله عليه الصلاة والسلام:"إنَّ الله كتَبَ الإحسَانَ على كُلِّ شَيْءٍ"، وقوله:"في كُلِّ كَبْدٍ حَرَّى أَجْرٌ"(1).

ويحمل الحديث المذكور على أن المؤمن أولى بالتنفيس من الكافر؛ لشرف الإيمان، والأجر عليه أعظم، ثم يليه الذِّمِّي، ثم المستأمن، ثم الحربي على حسب قوة تعلقهم بالإسلام وضعفه.

خامسها: فيه فضلُ السَّعي به، والمراد: العلم الشَّرعي، وإنما ينفعُه إذا قَصدَ به وجه الله، والعلمُ الشَّرعيُّ كتفسيرٍ، وحديثٍ، وفقهٍ، وأُصُولٍ ونحو ذلك، لا الخارج عنه كالفلسفي والطبيعي والرياضي.

نعم، إن قصدَ بعلمِها معرفتَها والردَّ عليهم ودفع شُبههم، فإنهُ مِن إعدادِ القوَّةِ، وإنما خَصصنَاهُ بالشَّرعي؛ لقوله:"سَهلَ اللهُ لَهُ طَريقًا إلى الجَنَّةِ".

(1) تقدَّم تخريج هذين الحديثين، وهما على الترتيب (229، 221).

ص: 409

وفيه أنَّ سلوك طريق العلم يجازى عليه بتسهيل طريق الثَّواب إلى الجنة؛ فالمراد أن طلَبَهُ وتحصيلَه يُرشِدُ إلى سبيل الهدايةِ والطَّاعة المُوصِلَةِ إلى الجنة، وذلك بتسهيل الله له، وإلَّا فبدونِ لُطفِهِ وتوفِيقهِ لا ينتفع بشيء؛ علم ولا غيره، أو أنه يُجَازى على طلبه وتحصيله بتسهيل دخول الجنة بقطع العقبات الشَّاقة دونها يوم القيامة، بأن سهَّل عليه الوقوف في المَحشَرِ والجَوَازِ على الصراط ونحو ذلك.

سادسها: "الطريق" فعيل من الطرقِ؛ لأنَّ الأرجل ونحوها تَطْرُقُهُ وتَطْلُبُهُ وتَسْعَى فيه.

و"السَّكِينَةُ": فَعِيلةٌ من السُّكون، وهي الطمأنينة والوقار، واختار القاضي عياض رحمه الله أنها هنا الرَّحمة (1)، وفيه ضعف؛ لعطف الرحمةِ عليه، وهي تَقْتَضِي المُغَايرة؛ وذلك أنَّ أهلَ الذِّكْر لمَّا تغشاهم الرَّحمةُ، وتَنْزلُ عليهم السَّكِينةُ لا ينزعجون بمحتقر دنيا يشغلهم به.

ومعنى "غَشِيَتْهم": خالطتهم وعمتهم، و"غشى" في لغة العرب لا يستعمل إلَّا في شيء شمل المغشي من جميع أجزائه وجوانبه، والمعنى في هذا أن غشيان الرحمة بهم بحيث استوعبت كل ذنب تقدَّمه -إن شاء الله-.

و"حفتهم": أحاطت بهم وضايقتهم: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] فكأَنَّ الملائكة قربت منهم قربًا، لم تترك بينهم وبينهم درجة تسع شيطانًا.

و"بَطَّأ": أخَّر.

(1) انظر: "إكمال المعلم"(8/ 195).

ص: 410

و"القوم" قد سلف الخِلافُ فيه قريبًا، فإن قلنا: هم الذكور والإناث فلا إشكال، وإن قلنا: الرِّجال خاصة أُلحِقَ النساءُ بهم في ذلك قياسًا، و"قوم" هنا نَكِرة، وهي شائعة في جنسها، فكأَنَهُ يقول: أي قوم قعدوا يذكرون الله؛ كان لهم ذلك، مذنبين كانوا أو مطيعين.

سابعها: فيه دلالة على فضيلة الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك رحمه الله:"يُكرَه". وتأوَّلهُ بعض أصحابه (1).

ويلحق بالمسجد في هذه الفضيلة الاجتماع في مدرسة ورياط ونحوهما، ويدل عليه الحديث الآخر، فإنه مطلق يتناول جميع المواضع، ويكون التقييد في الأول خرج على الغالب؛ لا سيما في ذلك الزمان، ولا يكون له مفهوم يعمل به، وخُصَّت به لشرفها، لكن الأرض كلها مسجد غير أن العبادة في الموضع المعد لها أفضل.

وفيه أن الاجتماع في بيوت الله لمذاكرة الكتاب ومدارسته يجازى عليه بأسباب:

أحدهما: نُزُول السَّكِينة عليهم -وهي الطمأنينة كما سلفَ، وبذكر الله تطمئن القلوب، والمراد بها: تطمين الإيمان حتى يُفضِي إلى الرضوان في جوار الرحمن.

ثانيها: غشيان الرَّحمة لهم، لأنَّ ذكرَ الله إحسان، والرحمة إحسان، و {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلا الْإِحْسَانُ (60)} [الرحمن: 60].

(1) الذي أَنكَرَهُ الإمام مالك رحمه الله هو الذكر الجماعي: يقرأ القوم جميعًا سورة واحدة حتى يختموها، أو يذكرون الله بصوت جماعي. انظر:"إنارَةُ الفِكر بما هو حق في كيفية الذِّكْر" للبقاعي (36) وما بعدها.

ص: 411

ثالثها: حفُّ الملائكة بهم؛ للاستماع تعظيمًا للمذكور، وإكرامًا للذَّاكر.

رابعها: ذَكَرَهم الله فيمن عنده من الملائكة؛ لقوله: هو {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]. وقوله: "مَنْ ذَكَرَني في نَفْسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفْسِي، وَمَنْ ذَكرَني في مَلأٍ ذَكرتُهُ في ملأٍ خَيْرٍ مِنه

" (1).

خامسها: فيه أن الإسراع إلى العبادة إنما هي بالأعمال لا بالأحساب؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وفي الحديث: "ائتوني بأَعمَالِكُم، لا تَأْتُوني بأَنْسَابِكُم"(2)، وقوله:"كلُّكُم مِنْ آدَمَ، وآدمُ مِنْ تُرَاب"(3)؛ ولأن الله خلق الخلق لطاعته، وهي المؤثرة لا غيرها:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)} [المؤمنون: 101] والناس على أقسام أربعة: عالم ونسيبٌ، لا فيهما، عالم لا نسيب عكسه (4)، والمؤَثِّر في ذلك كلِّهِ العلم المقرونُ بالعَمَل لا النَّسب؛ فمعنى قوله:"ومَن بطَّأَ بهِ عَمَلهُ لَمْ يُسْرع بهِ نَسَبُهُ" معناه: من كان عمله ناقصًا لم يُلحِقهُ نَسبُه مرتبةَ أصحابِ الأعمال؛ فينبغي ألا يَتَّكِل على شَرَفِ نَسَبهِ وفضيلة الآباء ويقصر في العمل.

(1) رواه البخاري (9/ 121 رقم 7405)، ومسلم (4/ 2061 رقم 2675) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقارن هذا الكلام بـ"التعيين"(312 - 313).

(2)

لم أقف عليه.

(3)

رواه أحمد (14/ 349 رقم 8736)، وأبو داود (5/ 224 رقم 5116)، والترمذي (6/ 224 رقم 3955، 3956)، والطحاوي في "المشكل"(9/ 80 رقم 3458)، والبيهقي في "الكبرى"(10/ 232)، و"الشعب"(7/ 125 رقم 4763 - 4765)، و"الآداب"(180 رقم 461) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

والحديث حسَّنه الترمذي، وصححه الألباني.

(4)

يعني: هم عالِمٌ ونَسِيبٌ، لا عِلمَ ولا نَسَب، عالم بلا نسب، نَسِيبٌ بِلا عِلمٍ.

ص: 412

خاتمة -تنعطف على ما مضى-: التَّنفِيسُ عادَةً؛ إنَّما ينصرف إلى الجزءِ اليسير من حَلٍّ وعَقدٍ، فكان ثوابه وقت الحاجة إليه وهو يوم القيامة، والتَّنفيسُ عن الموسر أبلغ؛ فلهذا عم ثوابه دنيا وأُخرَى، والسِّتر أعم من رؤيته على شيء، أو يرى احتياجه إلى شيء كالنكاح مثلًا فيعينه، أو إلى الكسب قيقيم له وجه بضاعة يتجر فيها (1).

والإجمال في قوله: "واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ

" إلى آخره، لاتسع بيانه الطُّروس؛ فإنه مُطلَقٌ في أيِّ حالٍ كان.

وجاء في رواية: "ما جَلَسَ قَوْم يَذْكُرُونَ الله"(2) والمراد به هنا ما ينصرف إلى الحمد والثناء عليه.

وقوله: "وذَكَرَهُم الله فِيمَنْ عِنْدَهُ" مقتضاه أن يكون ذكره لهم في الأنبياء وكرام الملائكة بأن يذكرهم جل جلاله، ويجوز أن يكون: أثبتهم فيمن عنده، كما يقول الإنسان لأخيه: اذكرني في كتابك.

و"الله": الله.

(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (8/ 51 - 52).

(2)

رواه بهذا اللفظ ابن حبان (3/ 136 رقم 855) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما.

ورواه مسلم (4/ 2074 رقم 2700) بنحوه.

ص: 413