الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحدِيثُ الثاني عَشَر
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ".
حديثٌ حَسَنٌ، رواهُ التِّرْمِذِيُّ وغَيْرُهُ (1).
[وقالَ ابنُ الصَّلاح: "رواه الترمذي وابن ماجه"، وتَبِعَهُ المُصَنِّف، وكذا قاله النووي في "الأذكار" (2).](3).
* * *
والكلام عليه وُجُوهٍ:
أحَدُها: في التَّعْريف بِرَاوِيه، وقد سَلَف، والترمذي.
(1) رواه الترمذي (4/ 148 رقم 2317)، وابن ماجه (2/ 1315 رقم 3976)، وابن حبان (1/ 466 رقم 229)، والطبراني في "الأوسط"(1/ 115 رقم 359)، وابن بطة في "الإبانة"(1/ 411 رقم 323 الإيمان)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1/ 144 رقم 192)، وأبو الشيخ في "الأمثال"(34 رقم 54)، والبيهقي في "الشعب"(7/ 54 رقم 4633)، و"الآداب"(437 - 438 رقم 1173)، و"المدخل"(1/ 260 رقم 291)، و"الأربعين الصغرى"(53 رقم 19)، والبغوي في "شرح السنة"(14/ 320 رقم 4132)، وابن البناء في "الرسالة المغنية في السُّكوت"(59 رقم 17) من عدّة طرق عن الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزُّهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وهو حديث صحيح لشواهده الكثيرة. وقد صححه الألباني في "صحيح الترمذي"(1886)، و"ابن ماجه"(3211).
(2)
"الأذكار"(645).
(3)
ما بين المعقوفتين كان في الأصل بعد قوله: "والكلام عليه مِن وجوه" وكأنها مُقْحَمة، فرأيتُ أن من المناسب وضعها هنا، مع أنها ليس لها كبيرُ فائدةٍ! وبالله التوفيق.
ورواه مالكٌ في "الموطأ"(1) عن الزُّهري مُرْسَلًا، وذَكَرَ ابنُ عبد البَر أن للزهري فيه إسنادين: مُرْسَلٌ -كما رواه مالكٌ-، ومُتَّصِلٌ عنه عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُريرةَ، ثم طرَّقَهُ وصحَّحَهُ (2).
ثانِيها: هذا الحديثُ أصْلٌ مِنْ أُصُولِ الإسلام. قال أبو داود: "أصولُ السُّنن في كلِّ فنٍّ أربعة"- فَذَكَرَ الحديث الأول من هذه الأحاديث، والسادس، وهذا الحديث، والحادي بعد الثلاثين (3).
قال أبو عُمَر: "وهذا مِنَ الكلامِ الجامِعِ للمعاني الكثيرَةِ الجليلَةِ، في الألفاظِ القليلةِ، وهو ما لم يَقُلْهُ أحدٌ قَبْلَهُ، إلَّا أنهُ قد رُوِيَ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في صُحُفِ إبراهيم عليه السلام: "مَن عَدَّ كلامَهُ مِن عمَلِهِ قلَّ كلامُهُ إلَّا فيما يَعْنِيهِ" (4) وهذا خاص بالكلام، وأَمَّا الحديث فإنه أعم منه.
وروى أبو إدريس الخولاني رحمه الله[عن أبي ذَرٍّ قال](5): قلتُ: يا رسول الله! ما كانت صحف إبراهيم عليه السلام؟ قال: "كانت أَمْثَالًا كلها
…
" فَذَكَرَ الحدِيثَ. قال: وكان فيها: "وعلى العَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بزَمَانِهِ، مُقْبِلًا على
(1)(2/ 487 رقم 2628).
(2)
التمهيد (9/ 95 - 199).
(3)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد"(9/ 201)، والخطيب في "التاريخ"(9/ 57)، وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة"(1/ 431 - 432)، وذكره ابن الصَّلاح في "صيانة مسلم"(221 - 222)، والنووي في " رؤوس المسائل"(93)، والمزي في "تهذيب الكمال"(11/ 364)، والذهبي في "السير"(13/ 209 - 210)، وابن رجب في "جامع العلوم والحِكَم"(1/ 62 - 63)، والسخاوي في "بذل المجهود"(102 - 103)، والسيوطي في "منتهى الآمال"(55 - 57).
وفي بعض المصادر أُبدل حديث مكان حديث آخر لاختلاف الرواة عنه فيه، وهما: ابن دَاسَة، وأبو سعيد الأعرابي راوِيَا "السُّنن".
(4)
هو قطعة من حديث أبي ذر رضي الله عنه وسيأتي تخريجه في الذي بعده.
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وأثبتناه من "التمهيد"، والسياق يقتضيه.
شَأْنِهِ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ، ومَنْ حَسَبَ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ؛ قَلَّ كَلامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ" (1).
وقال أبو بكر بن أبي داود: ثنا محمود بن خالد، ثنا: عُمَرُ (2) بن عبد الواحد، ثنا: سعيد بن عبد العزيز قال: "وقفَ رجُلٌ على لقمان الحكيم عليه السلام! وهو في حلقةٍ عظيمةٍ فقال: ألسْتَ عبدَ بَنِي الحسحاس؟ فقال: "بلى". قال: فأيُّ شيء بلغتَ مَا أَرَى؟ قال: "قَدَرُ الله، وصِدْقُ الحديثِ، وتَرْكِي مَا لَا يَعْنِيني" (3).
وذَكَر مالكٌ في "موطئهِ" أنه قيل للقمان: ما بلغَ بكَ ما نَرَى؟ -يريدون الفضل-، قال:"صِدْقُ الحَدِيثِ، وأَدَاءُ الأَمَانَةِ، وَتَرْكِي مَا لَا يَعْنِينِي"(4).
وروى أبو عبيد عن الحسن رحمه الله قال: "مَن عَلامَةِ إِعْرَاضِ اللهِ عن العبدِ أَنْ يَجْعَلَ شُغلَهُ فيما لا يَعْنِيهِ"(5).
وقال سابِقٌ:
(1) رواه ابن حبان (2/ 76 - 79 رقم 361)، والمعافى بن زكريا في "الجليس الصالح"(3/ 375 - 378)، وأبو نُعَيم في "الحلية"(1/ 166 - 168)، وابن عبد البر في "التمهيد"(9/ 199) في حديث مُطوَّل، وهو حديث ضعيف جدًّا؛ في إسناده إبراهيم بن هشام الغسَّاني، كَذَّبه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيين، وقال الذهبي:"متروك". انظر: "الجرح والتعديل"(2/ 142، 143)، و"ميزان الاعتدال"(1/ 73)، (4/ 378).
(2)
في الأصل: "عمرو" والتصويب من "التمهيد" وكتب التراجم. انظر: "التقريب"(724 رقم 4977) وأصوله.
(3)
رواه ابن وهب في "الجامع"(1/ 440 رقم 325)، وابن أبي الدنيا في "آداب الصمت"(265 رقم 116)، والطبري في تفسيره (21/ 44)، وابن أبي زيد في "الجامع" من طريق مالك (201 - 202)، ورواه ابن عبد البر بالإسناد الموجود أعلاه (9/ 199 - 200).
(4)
"الموطأ"(2/ 588 رقم 2830)، ورواه عن مالك: أبو مصعب الزهري في روايته "للموطأ"(2/ 169 رقم 2087)، ورواه ابن وهب في "الجامع"(1/ 411 رقم 298، 299)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 328)، والسِّلفي في "فوائد حسان"(115 رقم 17).
(5)
ذكره ابن عبد البر (9/ 200)، وابن البناء في "الرسالة المغنية"(62 رقم 22)، وابن رجب في "الجامع"(1/ 294).
النَّفس إِنْ طَلَبَتْ مَا لَا يَعْنِيهَا
…
جَهْلَّا وَسُخْفًا (1) تَقَعْ فيما يُعَنِّيها
وقال الحسن بن حميد:
إذا عَقَلَ الفَتَى اسْتَحْيَا واتَّقَى
…
وقَلَّتْ مِنْ مَقَالَتِهِ الفُضُولُ" (2)
وفي الحديث: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بأَمْرَيْنِ خَفِيفٌ مُؤْنَتُهمَا، عَظِيمٌ أَمْرُهُمَا، لَمْ يُلْقَ الله بِمِثْلِهِمَا: الصَّمْتُ (3)، وَحُسْنُ الخُلُقِ"(4).
ثالِثُها: يُقالُ: عَنَاهُ الأمرُ يَعْنِيه؛ إذا تعلَّقت عِنَايَتُهُ به، وكان من غرضه وإرادته (5)، والذي يعني الإنسان من الأمور: ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه، وسلامته في معاده، وذلك يسير بالنِّسبة إلى ما لا يعنيه، فإذا اقتصرَ الإنسانُ على مَا يَعْنِيهِ مِنَ الأُمُورِ سَلِمَ مِنْ شَرٍّ عظيم، والسَّلامةُ خَيرٌ كثيرٌ، فالسَّلامَةُ مِن الشَّرِّ مِن حُسْنِ الإسلامِ.
ومِن كلامِ بعضِ السَّلَفِ: "مَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلامَهُ مِن عَمَلِهِ [قلَّ كلامُهُ إلَّا فيما يَعْنِيه"(6).
(1) في الأصل: "وخسًا" والتصويب من "التمهيد".
(2)
انتهى النقل من "التمهيد"(9/ 199 - 200).
(3)
تحرفت في الأصل إلى: "الصِّحة"! والصواب ما أثبتناه؟! أولًا: لأنه المقصود والشاهد مِن إيراد الحديث، وثانيًا: أنَّ هذا لَفْظه في مصادر التخريج.
(4)
رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت"(529 رقم 558)، والبزار في "المسند"(13/ 359 رقم 7001)، وأبو يعلى في "المسند"(6/ 53 رقم 3298)، وابن حبان في "المجروحين"(1/ 218)، والطبراني في "الأوسط"(7/ 140 رقم 7103)، والبيهقي في "الشعب"(7/ 20 رقم 4591) عن أنس رضي الله عنه. وفي إسناده بشار بن الحكم، منكر الحديث.
انظر: "المجروحين" لابن حبان (1/ 217)، و"الكامل" لابن عدي (2/ 23).
(5)
كتب على هامش الأصل: "مما يشبع ويُرَوِّيه، ويستُرُهُ ويعفّه على جهة الدفع لا .. ".
(6)
جاء عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رواه ابن المبارك في "الزهد"(129 رقم 383)، وأحمد في "الزهد"(296)، وابن أبي الدنيا في "الصمت"(208 رقم 35).
ومِن كلامِ بعضهم: مَن سَأَل عَمَّا لا يَعْنِيهِ] (1) سَمِعَ مَا يُعَنِّيهِ.
* تنبيهات:
عبَّر بالإسلام ولم يقل: مِن إحسان إيمان المرء؛ لأنه عملٌ ظاهِرٌ اختياري بخلافه.
وأتى بِـ "مِنْ" الدَّالة على التَّبعيض، لأن تركَ مَا لَا يَعْنِي ليسَ هو كُلَّ الإسلام، فإذا فَعَلَ مَا يعنِيهِ، وتَرَكَ مَا لا يعنيه فقد كَمُلَ حُسْنُ إِسلامِهِ.
وأتى بالحُسْنِ؛ لأنَّهُ وصْفُهُ ليس ذاته، ولا شكَّ أنَّ الإقبالَ على ما يَعْنِيهِ وتَرْك ما لَا يعنيه مطلوبٌ دونَ عكسها (2).
و"يَعْنِيه": بفتحِ أوَّلِهِ، ضَبَطَهُ النَّوَوي في "نُكَتِهِ"(3).
* * *
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل! والظاهر أنه لانتقال نظر الناسخ، واستدركتُهُ مِن "التَّعيين"(121)؛ لأنَّ العبارة لا تتمُّ إلا به، ولأن المسألة الثالثة برمتها نقلها منه!
(2)
التنيهات مختصرة من "التعيين"(121 - 122).
(3)
في آخر "الأربعين"(94).