الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَديِثُ الحَادِي عَشَرَ
عن أبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ بنُ أبي طَالِبٍ رضي الله عنه وهوَ سِبْطُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ورَيْحَانَتُهُ -قالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلى مَا لا يَرِيبُكَ".
رواهُ التِّرْمِذِيُّ، والنَّسَائِيُّ.
وقالَ التِّرْمِذيُّ: "حَسَنٌ صحيحٌ"(1).
* * *
الكلامُ عليهِ مِنْ وُجُوهٍ:
أحَدُها: في طرفٍ مِن حالِ راوِيهِ، وهو -كما ذكرهُ اسمًا وكُنْيَةً- قرَشيٌّ هاشِمِيٌّ مَدَنيٌّ، والسِّبط هنا: ابن البنت؛ فأُمُّهُ فاطمة الزَّهراء بنت سيد المرسَلِين -صلوات الله وسلامه عليه-.
(1) رواه أحمد (3/ 252 رقم 1723، 1727)، والترمذي (4/ 286 رقم 2518)، والنسائي (8/ 327 - 328 رقم 5711)، و"الكبرى"(5/ 117 رقم 5201)، والطيالسي (2/ 499 رقم 1274)، والدارمي (3/ 1648 رقم 2574)، وابن خزيمة (4/ 59 رقم 2348)، وابن حبان (2/ 498 رقم 722)، وأبو يعلى (12/ 132 رقم 6762)، والحاكم (2/ 13)، (4/ 99)، والبيهقي في "الكبرى"(5/ 335).
والحديث صحَّحه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والذهبي، وأحمد شاكر في "المسند"(3/ 169 رقم 1723)، والألباني في "الإرواء"(1/ 44 رقم 12)، و"السنن".
و"ريحَانَتُهُ" أَشَارَ بِهِ إلى قوله عليه الصلاة والسلام فيه وأخيه الحُسَيْن: "هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنيا"(1)، وهو أحدُ سيِّدَي "شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ" أيضًا (2).
وقال فيه أيضًا: "إنَّ ابني هذا سيِّدٌ"(3).
وُلِدَ في النِّصف مِن رمضان سنةَ ثلاثٍ مِنَ الهِجْرَةِ على الأصَحِّ.
روى عن: جَدِّه رسول الله، وأبيه، وأخيه الحُسين، وخاله: هند بن أبي هالة، وعنه: ابنه الحسين، وأبو الجوزاء، وربيعة، وعكرمة، وخَلْقٌ.
وكان أشبَهَ وجهًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَنَاقِبُهُ جَمَّة.
ماتَ سنة خمسين -وفيه خلاف- ودُفِنَ بالبقيع.
وكانَ مِنَ الحُكَمَاءِ الكُرماءِ الأسخياءِ، وكانَ مِطْلاقًا، يُقال: أنه أَحصَنَ أكثر من مائة امرأة! (4).
و"الترمذي": اسمه محمد بن عيسى الحافظ، أبو عيسى الضرير، قيل: وُلِدَ أَكْمَهَ.
(1) رواه البخاري (5/ 27 رقم 3753، 5994) عن ابن عمر رضي الله عنه.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنَّف"(11/ 163 رقم 32713)، وأحمد (17/ 31 رقم 10999)، وفي "فضائل الصحابة"(2/ 967 رقم 1360)، والترمذي (6/ 114 رقم 3768)، والنسائي في "الكبري"(7/ 318 رقم 8113، 8472 - 8475)، وابن حبان (15/ 412 رقم 6959)، والطبراني في "الكبير"(3/ 38 رقم 2610 - 2613)، و"الأوسط"(2/ 347 رقم 2190)، وأبو يعلى (2/ 395 رقم 1169)، والحاكم (3/ 166 - 167) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
والحديث صحَّحه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2/ 438 - 448 رقم 796) وأطال في تخريجه وقال في آخره:"وبالجملةِ فالحديثُ صحيحٌ بلا رَيْبٍ، بل هو متواتر كما نَقَلَهُ المناوي".
(3)
رواه البخاري (3/ 186 رقم 2704، 3629، 3746، 7109) عن أبي بكرة رضي الله عنه.
(4)
انظر: "أسد الغابة"(2/ 10)، و"تهذيب الكمال"(6/ 220)، و"السِّيَر"(3/ 245).
سمع: قُتيبة، وأبا مصعب وخَلْقًا، وتَعَلَّم أكثر من البخاري.
وروى عنه: المَحْبُوبيُّ (1)، والهيثم الشَّاشي، وخَلْقٌ.
ماتَ في رجبٍ سنةَ تِسعٍ وسبعين ومِائتَين (2).
و"النَّسائي" اسمه: أحمدُ بن شُعَيبٍ الخُرَاسانيُّ، وُلِدَ سنةَ خمس عشرة ومائتين، برعَ وتَفَرَّدَ وأتقنَ، واستَوْطَنَ بمِصرَ، ومات بالرَّملة سنةَ ثلاثٍ وثلاثمائةٍ (3).
ثانيها: "يَريبُكَ" بفتحِ أوّله -على الأفصح- ويجُوزُ ضَمُّها، وأصله هل هو ثلاثي: راب يريب، أو رباعي أراب يريب مِنَ الرِّيبة، وهي: الشَّكُّ والتَّرَدّد، فراب وأراب بمعنى: شَكَّكَ، وقيل: أرابني شكَّكَني وأوهمني الريبة فيه، فإذا اشْتَقَقْتَ قُلتَ: رابَنِي (4).
ثالثها: معنى الحديث: اترك ما فيهِ شكّ مِنَ الأفعالِ إلى مَا لا شَكَّ فيه منها، ومِنْهُ حديث عمر:"مَكْسَبَةٌ فيها بعضُ الريِّبَةِ خيرٌ مِن المسأَلَةِ"(5) أي: كَسْبٌ فيه بعض الشك أحلالٌ هو أو حرام؛ خيرٌ مِن سؤال الناس.
(1) في الأصل: "المجبولي" والصواب ما أثبتناه، وهو: أبو العباس محمد بن أحمد المَحْبُوبي المَروزي رَاوِي "الجامع" للترمذي. انظر: "تهذيب الكمال"(26/ 253) وترجمته في "السير"(15/ 537)، و"الشاشي" هو راوِي "الشمائل" للترمذي.
(2)
انظر: "تهذيب الكمال"(26/ 250)، و"السير"(13/ 270).
(3)
انظر: "تهذيب الكمال"(1/ 328)، و"السير"(15/ 125).
(4)
انظر: "تهذيب اللغة"(15/ 252 - 254).
(5)
رواه ابن حبان في "الثقات"(8/ 204)، وابن أبي الدُّنيا في "إصلاح المال"(298 رقم 321)، وابن عبد البر في "التمهيد"(18/ 330)، وابن الجوزي في "مناقب عمر"(194).
ومعنى الحديث راجِعٌ إلى معنى الحديث السالف: "إِنَّ الحلال بيِّنٌ
…
" إلى آخره.
وهو أصلٌ عظيمٌ في الوَرَعِ، فأطلَقَ الشَّرعُ الأيدي على الحلال وقَصَرها عن الحرام، وَوَرَّعَ عن المُشْتَبَهِ في قولٍ، وَمَنعَ مِنْهُ في آخر، وفصَّل مرَّةً فقال: إن كان مِنَ الفواحشِ الكبار التحقت فيه الشُّبهَةُ بالحرام، وإن كان من غير ذلك بنى على هذا الأصل (1) كمسألة العِينَة؛ جوَّزها قومٌ للحاجة، ومَنَعَهَا آخرون، والورع لا يخفى، وقد سلف في الحديث:"لَا يَبْلُغُ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ المتَّقينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لا بَأسَ بهِ حذارًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ"(2).
وأعلى مِن ذلِكَ: تَرْكُ الحَلالِ مَخَافَةَ الوُقوعِ في الحَرَام، وقد تقعُ الريبة في العبادات والمُنَاكحات وعِدَّة من أبواب الفقه المشتبهات، ولا شَكَّ أَنَّ التَّركَ أسْلَمُ للدِّين، كَمَا بيَّنَهُ سيِّدُ المُرْسَلين.
* * *
(1) كُتِب تحتها: "أي أصل الورع".
(2)
تقدَّم تخريجه ص (158).