الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الحنابلة فقالوا تشرع الأضحية في حق القادر عليها الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدَّين، إذا كان يقدر على وفاء دينه (1).
والذي أرجحه أن الأضحية مشروعة في حق الغني الذي يملك نصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية، ومقداره في يومنا هذا (30 رمضان 1419) خمسمئة وخمسون ديناراً أردنياً، وثمن ما يصح أضحية لا يقل عن مئة وخمسين ديناراً، ومن لا يملك النصاب فهو فقير.
المبحث الثامن
شروط الأضحية
الشرط الأول أن تكون الأضحية من الأنعام
اتفق جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة (2) على أنه يشترط في الأضحية أن تكون من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم.
ويشمل ذلك الذكر والأنثى من النوع الواحد، وكذا الخصي والفحل، والمعز نوع من الغنم، والجاموس نوع من البقر.
قال القرطبي: [والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر](3).
ولا يصح في الأضاحي شيء من الحيوان الوحشي، كالغزال، ولا من الطيور كالديك، ويدل على ذلك قوله تعالى:} وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ {سورة الحج الآية 34.
(1) كشاف القناع 3/ 18، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/ 305.
(2)
المغني 9/ 440، المجموع 8/ 394، بدائع الصنائع 4/ 205، تفسير القرطبي 15/ 109، السيل الجرار 4/ 78،
بداية المجتهد 1/ 348.
(3)
تفسير القرطبي 15/ 109.
قال القرطبي أيضاً: [والأنعام هنا هي الإبل والبقر والغنم](1).
ويدل على ذلك أنه لم تنقل التضحية بغير الأنعام عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويدل على ذلك قوله تعالى:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ {سورة المائدة الآية 1.
ويدل على ذلك أيضاً أنه لما اختصت الأنعام بوجوب الزكاة، اختصت بالأضحية، لأنها قربة.
قال الشافعي: [هم الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى:} ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ {الأنعام الآية 143. وقال تعالى:} وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ {الأنعام الآية 144. يعني ذكراً وأنثى، فاختص هذه الأزواج الثمانية من النعم بثلاثة أحكام: أحدها: وجوب الزكاة فيها. والثاني: اختصاص الأضاحي بها. والثالث: إباحتها في الحرم والإحرام](2).
ونقل عن الحسن بن صالح – من فقهاء السلف المتقدمين - أن بقرة الوحش والظبي تجزئ في الأضحية (3).
وقال ابن حزم: [والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع أو طائر كالفرس والإبل وبقر الوحش والديك وسائر الطير والحيوان الحلال أكله](4).
وزعم ابن حزم أن النصوص تشهد لقوله، وذلك أن الأضحية قربة إلى الله تعالى فالتقرب إلى الله تعالى – بكل ما لم يمنع منه قرآن ولا نص سنة – حسن.
وقال تعالى:} وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {سورة الحج الآية 77.
(1) تفسير القرطبي 11/ 44.
(2)
الحاوي 15/ 75 - 76.
(3)
المغني 9/ 440، المجموع 8/ 394، بداية المجتهد 1/ 349.
(4)
المحلى 6/ 29.
والتقرب إليه عز وجل بما لم يمنع من التقرب إليه به فعل خير.
واحتج بما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة ثم كمن يهدي بقرة
…
. ثم كمن يهدي بيضة) رواه البخاري بهذا اللفظ (1).
واحتج بالحديث الآخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) رواه البخاري ومسلم (2).
ثم قال ابن حزم: [ففي هذين الخبرين هدي دجاجة وعصفور وتقريبهما وتقريب بيضة
والأضحية تقريب بلا شك
…
ولا معترض على هذين النصين أصلاً]، وذكر ابن حزم قبل ذلك قول بلال رضي الله عنه:[ما أبالي لو ضحيت بديك] وعن ابن عباس رضي الله عنه في ابتياعه لحماً بدرهمين وقال: [هذه أضحية ابن عباس](3).
والجواب عن استدلال ابن حزم: أن الآية عامة والأدلة الواردة في التضحية بالأنعام خاصة فتقدم عليها، لأن الخاص يقدم على العام.
وأما استدلال ابن حزم بالحديثين فمنقوض، حيث إنه كان يلزم ابن حزم أن يجيز الأضحية بالبيضة لأنها وردت في الحديث! فلماذا قصر الأضحية على الحيوان والطائر؟ فأعمل بعض الحديث وأهمل بعضه، وأيضاً يلزم ابن حزم القول بإجزاء الدجاجة والعصفور والفرس ونحوها في هدايا الحج، لأن الحديث ورد بلفظ الهدي وهو لا يقول بجوازها في الهدي بل الهدي عنده هو من الأنعام فقط.
والصحيح أن الإهداء المذكور في الحديث مفسر بالتصدق، وليس المقصود إراقة الدم بدليل ذكر البيضة فيه. وكذلك فقد ورد في الحديث (فكأنما قرب
…
) والتقريب هو التصدق بالمال تقرباً إلى الله عز وجل، وصحيح أن الأضحية تقريب ولكنها مقيدة بإراقة الدم كالهدي.
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 58.
(2)
صحيح البخاري مع الفتح 3/ 17 –18، صحيح مسلم بشرح النووي 2/ 451.
(3)
المحلى 6/ 30 - 31.