الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا لم يلتزم مريد الأضحية بهذا النهي فأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره فإنه يستغفر الله سبحانه وتعالى ولا فدية فيه إجماعاً سواء فعله عمداً أو نسياناً قاله الشيخ ابن قدامة (1).
المبحث الثاني
وقت الأضحية
المطلب الأول: أول وقت ذبح الأضحية:
اختلف الفقهاء في أول وقت ذبح الأضحية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يدخل وقت ذبح الأضحية بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الضحى، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي.
وهذا قول الشافعية والحنابلة، وبه قال ابن المنذر وداود الظاهري والطبري، ويرى الحنابلة أيضاً أن يكون الذبح بعد صلاة الإمام وخطبته خروجاً من الخلاف (2).
القول الثاني: يدخل وقت ذبح الأضحية بطلوع فجر يوم النحر في حق من لا تجب عليهم صلاة العيد من سكان البوادي.
وأما أهل الحاضرة فيدخل وقت الأضحية في حقهم بعد صلاة العيد، وأما إن لم يصلوا العيد لعذر فيدخل وقتها بمضي وقت الصلاة، وهذا قول الحنفية (3).
القول الثالث: يدخل وقت ذبح الأضحية بعد صلاة الإمام وخطبته وبعد ذبحه لأضحيته، فإن لم يذبح، اعتبر زمن ذبحه، وهذا قول المالكية (4).
أدلة القول الأول:
(2) الحاوي 15/ 85، كشاف القناع 3/ 9، المغني 9/ 452، المجموع 8/ 387، مغني المحتاج 6/ 129، المحلى 6/ 35.
(3)
الهداية 8/ 430، حاشية ابن عابدين 6/ 380، الاختيار 5/ 19، تحفة الفقهاء 3/ 83. فتح باب العناية 3/ 74 - 75.
(4)
الذخيرة 4/ 149، الشرح الكبير 2/ 120، القوانين الفقهية 125، شرح الخرشي 3/ 36، تفسير القرطبي 12/ 42
1.
احتجوا بحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا، نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء) رواه البخاري ومسلم وقد مضى.
2.
وفي رواية أخرى عن البراء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم نحر فقال: (لا يضحين أحدٌ حتى يصلي. قال رجل: عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم.
قال: فضح بها ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك) رواه مسلم (1).
3.
وفي رواية ثالثة قال البراء رضي الله عنه: (ذبح أبو بردة قبل الصلاة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبدلها
…
الخ) رواه البخاري ومسلم (2).
4.
وفي رواية رابعة عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يذبحن أحد حتى يصلي) رواه مسلم (3).
5.
وفي رواية خامسة عن البراء رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فلا يذبح حتى ينصرف) رواه البخاري (4).
6.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر: (من كان ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال يا رسول الله
…
) رواه البخاري ومسلم (5).
قالوا إن هذه الأحاديث تدل على أن وقت الأضحية يكون بعد الصلاة. قال الحافظ ابن حجر معلقاً على الرواية الخامسة من حديث البراء رضي الله عنه: [تمسك به الشافعية في أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة، وإنما شرطوا فراغ الخطيب، لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية سواء صلَّى العيد أم لا وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا، ويستوي في ذلك أهل المصر والحاضر والبادي
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 100.
(2)
صحيح البخاري مع الفتح 12/ 114، صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 100.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 99.
(4)
صحيح البخاري مع الفتح 12/ 117.
(5)
صحيح البخاري مع الفتح 12/ 116، صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 100 - 101.
قال القرطبي: ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها] (1).
وظاهر الأحاديث السابقة اعتبار نفس الصلاة فيبدأ وقت الأضحية بعد الصلاة في حق من يصلي العيد، وأما من لا يصلي العيد كأهل البوادي ، فأول وقتها في حقهم مضي قدر الصلاة والخطبتين بعد الصلاة، لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر فوجب الاعتبار بقدرها (2).
أدلة القول الثاني: احتج الحنفية بما جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر: (من كان ذبح قبل الصلاة فليعد
…
الحديث) وقد مضى قريباً.
واحتجوا بما جاء في حديث البراء رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما نبدأ به يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح
…
الحديث) وقد مضى قريباً.
قال الزيلعي الفقيه: [قال ذلك – أي الرسول صلى الله عليه وسلم في حق من عليه صلاة العيد، كيلا يشتغل بها عنها، فلا معنى للتأخير عن القروي إذ لا صلاة عليه](3).
أدلة القول الثالث: احتجوا بحديث البراء أن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إن هذا يوم اللحم فيه مكروه، وإني عَجَّلتُ نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعد نسكاً. فقال: يا رسول الله إن عندي عناقاً
…
الحديث) رواه البخاري ومسلم (4).
واحتجوا بحديث جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: شهدت الأضحى مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
(من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلي فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله) رواه مسلم (5).
(1) فتح الباري 12/ 117 - 118.
(2)
المغني 9/ 452.
(3)
تبيين الحقائق 6/ 4، وانظر الهداية 8/ 431.
(4)
صحيح البخاري مع الفتح 12/ 108، صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 98.
(5)
صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 96.
قال الحافظ ابن عبد البر: [وفي حديث مالك – أي حديث البراء – من الفقه أن الذبح لا يجوز قبل ذبح الإمام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الذي ذبح قبل أن يذبح بالإعادة، وقد أمرنا الله بالتأسي به، وحذرنا من مخالفة أمره، ولم يخبرنا صلى الله عليه وسلم أن ذلك خصوص له، فالواجب في ذلك استعمال عمومه](1).
القول الراجح في المسألة:
إن وقت الأضحية يبدأ بعد انتهاء صلاة العيد والخطبة، إن صليت صلاة العيد كما كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد طلوع الشمس وارتفاعها بمقدار رمح أو رمحين، سواء صلَّى مريدُ الأضحية العيد أم لم يصل، وسواء كان من أهل البوادي أو الحضر، وسواء ذبح الإمام أو لم يذبح، وفي زماننا هذا حيث إنه لا إمام للمسلمين، فلا يرتبط أمر الأضحية بفعل الحكام الموجودين.
ولا أرى التفريق بين أهل البوادي والحضر، لعموم الأحاديث الواردة كحديث
أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين) رواه البخاري (2).
(1) فتح المالك 7/ 10.
(2)
صحيح البخاري مع الفتح 12/ 99.