الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: آخر وقت ذبح الأضحية ومدته:
اختلف أهل العلم في آخر وقت ذبح الأضحية ومدته كما يلي:
القول الأول: ينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق، أي أن أيام النحر ثلاثة؛ يوم العيد ويومان بعده.
وهذا قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة وبه قال الثوري وابراهيم النخعي.
القول الثاني: ينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، أي أن أيام النحر أربعة؛ يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وهو قول الشافعية.
قال الإمام الشافعي: [فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق ثم ضحى أحد فلا ضحية له](1).
ونقل هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام،
وهو قول عطاء والحسن والأوزاعي ومكحول واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني.
القول الثالث: يوم النحر هو يوم العيد فقط وبه قال محمد بن سيرين وحميد بن
عبد الرحمن وداود الظاهري.
(1) الأم 2/ 222.
القول الرابع: يوم النحر هو يوم العيد في حق أهل الأمصار، وأيام التشريق لأهل القرى والبوادي. وبه قال جابر بن زيد وسعيد بن جبير.
القول الخامس: تجوز الأضحية حتى هلال المحرم وبه قال أبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وهو قول ابن حزم الظاهري (1).
أدلة القول الأول:
احتجوا بقوله تعالى:} لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ {سورة الحج الآية 28.
فحملوا الأيام المعلومات على يوم النحر ويومين بعده، قال الحافظ ابن عبد البر: [وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه من وجوه. وبه قال الإمام مالك وأصحابه وأبو يوسف القاضي.
وروينا عن مالك وعن أبي يوسف أيضاً أنهما قالا: الذي نذهب إليه في الأيام المعلومات أنها أيام النحر: يوم النحر، ويومان بعده؛ لأن الله تعالى قال:} وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ {سورة الحج الآية 28.
فعلى قول مالك، ومن تابعه يوم النحر معلوم، أي من المعلومات، ليس بمعدود، أي ليس من المعدودات، واليومان بعده معدوداتٌ معلوماتٌ] (2).
وقال القرطبي: [وهذا جمع قلة لكن المتيقن منه الثلاثة وما بعد الثلاثة غير متيقن فلا يعمل به](3).
(1) المغني 9/ 453، المجموع 8/ 390، المحلى 6/ 39 - 41، فتح الباري 12/ 103، معجم فقه السلف 4/ 137، تفسير القرطبي 12/ 43، نيل الأوطار 5/ 142، الذخيرة 4/ 149، الهداية 8/ 432، الآثار ص 61، كشاف القناع 3/ 9، زاد المعاد 2/ 318، الاستذكار 15/ 197 الاختيارات العلمية ص71، فتح باب العناية 3/ 75.
(2)
الاستذكار 15/ 200.
(3)
تفسير القرطبي 12/ 43.
2.
واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه (1).
قالوا وهو قول جماعة من الصحابة هم عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم،
قال الإمام أحمد: [أيام النحر ثلاثة، عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم].
وفي رواية أخرى عنه قال: [خمسة من أصحاب رسول الله].
قال ابن قدامة: [ولا مخالف لهم إلا رواية عن علي رضي الله عنه، وقد روي عنه مثل مذهبنا](2).
وروى مالك عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه قال: [الأضحى يومان بعد يوم الأضحى](3).
أدلة القول الثاني:
1.
احتجوا بما ورد في الحديث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل فجاج مكة منحر، وكل أيام التشريق ذبح) رواه أحمد وابن حبان وصححه ورواه البيهقي والطبراني في الكبير والبزار والدراقطني وغيرهم (4).
وقال البيهقي: وهو مرسل. وذكر له طرقاً متصلة، ولكنها ضعيفة كما قال (5)؛ إلا أنه قال أيضاً إن حديث جبير أولى أن يقال به (6).
وقال الهيثمي: [رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير إلا أنه قال: (وكل فجاج مكة منحر) ورجاله موثقون](7).
وقال الحافظ ابن حجر: [أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع، ووصله الدارقطني ورجاله ثقات](8).
وذكره السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالصحة وأقره المناوي (9).
(1) المغني 9/ 453.
(2)
المصدر السابق 9/ 453 - 454.
(3)
الموطأ 1/ 388، وانظر سنن البيهقي 9/ 279، معرفة السنن والآثار 14/ 65، الاستذكار 15/ 197.
(4)
الفتح الرباني 13/ 94، صحيح ابن حبان 9/ 166، سنن الدارقطني 4/ 284، سنن البيهقي 9/ 295، تحفة المحتاج 2/ 534.
(5)
سنن البيهقي 9/ 295 - 296.
(6)
المصدر السابق 9/ 298.
(7)
مجمع الزوائد 3/ 251.
(8)
فتح الباري 12/ 103.
(9)
فيض القدير 5/ 35.
وقال الشيخ الألباني: صحيح (1).
وقال الشيخ أحمد الغماري: [فحديث جبير بن مطعم، رواه أحمد والبزار والطبراني وابن حبان في الصحيح، والبيهقي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل عرفات موقف، وكل مزدلفة موقف، وارفعوا عن محسر، وكل فجاج منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح) اختصره البيهقي فاقتصر على ذكر أيام التشريق منه، وهو حديث حسن، وإن كان سند أحمد وقع فيه انقطاع.
أما الاختلاف الواقع من سليمان بن موسى، فمحمول على أنه سمعه من عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم، وسمعه من نافع بن جبير عن أبيه أيضاً، ومن محمد بن المنكدر عن جبير، فهو لم يخرج بالحديث عن جبير الذي تعدد من حدثه به، وهو ثقة فالحديث حسن أو صحيح كما قال ابن حبان] (2).
2.
واحتجوا بأن هذا القول قد نقل عن علي وابن عباس وعطاء وعمر بن عبد العزيز، فقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس قال: الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر.
وروى أيضاً عن الحسن وعطاء قالا: يُضَحَّى إلى آخر أيام التشريق.
وروى أيضاً عن عمر بن عبد العزيز قال: الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده (3).
أدلة القولين الثالث والرابع:
لم أعثر فيما بين يدي من المصادر على أدلة لهذين القولين سوى ما نقل عن القائلين بهما من كلامهم فقد روى ابن حزم بإسناده عن محمد بن سيرين قال: [النحر يوم واحد إلى أن تغيب الشمس].
وعن حميد بن عبد الرحمن أنه كان لا يرى الذبح إلا يوم النحر.
وروى بإسناده عن جابر بن زيد قال: [النحر في الأمصار يوم وبمنى ثلاثة أيام](4).
أدلة القول الخامس:
(1) صحيح الجامع الصغير 2/ 834.
(2)
الهداية في تخريج أحاديث البداية 5/ 403 - 404.
(3)
سنن البيهقي 9/ 296 - 297.
(4)
المحلى 6/ 39 - 40.
1.
احتجوا بما رواه البيهقي بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الضحايا إلى آخر الشهر لمن أراد أن يستأني ذلك).
قال ابن حزم: [وهذا من أحسن المراسيل وأصحها](1).
2.
وفي رواية أبي حامد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (الضحايا إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك) رواه أبو داود في المراسيل.
3.
وما رواه البيهقي بإسناده عن يحيى بن سعيد قال: [سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يقول: إنْ كان المسلمون ليشتري أحدهم الأضحية فيسمنها فيذبحها بعد الأضحى آخر ذي الحجة].
ثم قال البيهقي: [حديث أبي سلمة وسليمان مرسل، وحديث أبي أمامة حكاية عمن لم يسم](2).
وقال الحافظ ابن حجر عند ذكر رواية يحيى بن سعيد قال: [سمعت أبا أمامة بن سهل. قال كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون].
قال الحافظ: [وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام أخبرني يحيى بن سعيد وهو الأنصاري ولفظه: كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها في آخر ذي الحجة] قال أحمد هذا الحديث عجيب (3).
4.
قال ابن حزم: [الأضحية فعل خير وقربة إلى الله تعالى، وفعل الخير حسن في كل وقت، قال الله تعالى:} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ {فلم يخص تعالى وقتاً من وقت، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام؛ فلا يجوز تخصيص وقت بغير نص فالتقريب إلى الله تعالى بالتضحية حسن ما لم يمنع منه نص أو إجماع، ولا نص في ذلك ولا إجماع إلى آخر ذي الحجة](4).
(1) المصدر السابق 3/ 43.
(2)
سنن البيهقي 9/ 297 - 298.
(3)
فتح الباري 12/ 105.
(4)
المحلى 6/ 42.