الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحتمله ولا يمت له بصلة، ولم ينقل عن علماء الصحابة القول به ولا العمل بموجبه وهذا واضح جلي لا مجال للشك في مثله
…
) (1)
مناقشة الأدلة:
ردُّ المجيزين للأضحية عن الميت على المانعين:
توسع العلماء المتأخرون الذين أجازوا الأضحية عن الميت في الردّ على المانعين، وعلى وجه الخصوص في ردّهم على الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وسأذكر بإيجاز أهم ما أجابوا به عن أدلته:
أولاً: قالوا في الجواب عن قول الشيخ عبد الله إن الأضحية شرعت في حق الحي لا الميت بدليل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة
…
الخ.
فالجواب: أن أقول لا شك أن مشروعية الأضحية دل عليها الكتاب والسنة والإجماع وقد تقدمت الأدلة على ذلك لكن قول الشيخ والأضحية إنما شرعت في حق الحي لا الميت خطأ واضح، لأن الذي شرعها في حق الحي ما منعها في حق الميت فعدم منعها في
(1) الدلائل العقلية والنقلية في تفضيل الصدقة عن الميت على الضحية ص5 - 16 بتصرف يسير.
حق الميت دليل على مشروعيتها في حقه أيضاً ولأن الأحاديث التي ورد الأمر فيها بالصدقة عن الميت والصيام والحج عنه والدعاء له وغير ذلك تدلنا على مشروعية الأضحية عنه كما شرعت تلك الأشياء عنه وأنها من جملتها.
أما قول الشيخ بدليل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
فيقال للشيخ هل منع الكتاب والسنة وإجماع الصحابة الأضحية عن الميت؟ فإن قال: لا، فقد قامت عليه الحجة والدليل.
وإن قال: نعم، فقد تقوَّل على الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، ولأنه لا يمكنه أن يجد دليلاً ولو ضعيفاً من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كلام الصحابة يمنع الأضحية عن الميت، وإذا لم يمكن أن يجد ما يستدل به على دعواه لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله ولا من كلام الصحابة فقد سقط قوله وانقطعت حجته
…
(1).
وقالوا نحن لا ننكر مشروعية الأضحية في حق الحي لكننا نمنعها في حق الميت كما لا نمنع غيرها من جميع الأعمال الخيرية في حقه أيضاً، كالصيام والحج والصدقة والعتق والدعاء وغير ذلك من سائر القربات المشروعة، فكل ما شرع فعله للحي في نفسه من جميع القربات الخيرية مما يرجى ثوابه فإنه يشرع في حقه أن يهدي من ثوابه للأموات من المسلمين من أقاربه أو غير أقاربه ما ينفعهم ويثيبه الله تعالى على ذلك من عنده، كما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله) فهل يقال إن هذا خاص بالأحياء دون الأموات، لا يقال بهذا وإن كان ظاهر الحديث أن المراد بذلك الحي، ولكن المفهوم منه أنه عام للحي والميت، فإذا دعا المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب سواء كان حياً أو ميتاً، فإنه يحصل له ما ذكر في هذا الحديث من تأمين الملك ودعائه ويصل ثواب دعائه إلى من أهداه إليه من الأحياء والأموات إن شاء الله تعالى.
وقالوا أيضاً إنه لا خلاف في مشروعية الأضحية وقد ورد بمشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع كما تقدم، وكذلك ما يترتب عليها من الفضائل، وإن ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها هذا كله مجمع عليه ولا يعتبر من شذ عن هذا وقال إن الصدقة بثمنها
(1) الحجج القوية والأدلة القطعية في الردّ على من قال إن الأضحية عن الميت غير شرعية ص16 - 17 بتصرف يسير.
أفضل من ذبحها لمخالفته الكتاب والسنة والإجماع، لكن قول الشيخ في حق من أدركه العيد من الأحياء هذا تخصيص بلا مخصص فلا أدري ما الذي حمل الشيخ هداه الله ووفقه إلى الصواب على منعه لثواب هذه القربة العظيمة عن الأموات وتخصيصها في الأحياء هل هو تحجر لسعة فضل الله وإحسانه على خلقه؟ أم بخل على من هم في أشد حاجة إلى ثواب حسنة واحدة تهدى إليهم فينتفعون بها إما في تخفيف عذابهم أو في رفع درجاتهم لأن فضل الله عز وجل شامل لأحياء المسلمين وأمواتهم.
وفي الأثر الإلهي يقول الله عز وجل: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) فما أدري ما هو الوجه الذي أخرج به الشيخ هداه الله أموات المسلمين من هذه القربة العظيمة، وهي إهراق الدم لله عز وجل التي تفضل الله بها على عباده وأمرهم بها لتكون سبباً لمغفرة ذنوبهم ورفع درجاتهم وخصص بها الأحياء دونهم لا أجد لهذا وجهاً واحداً ولا دليلاً من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا عقل بل ما ذكرنا يدل دلالة صريحة على اشتراك الأحياء والأموات في ثواب الأعمال الخيرية عموماً وإنما وصل نفعه إلى الأحياء من ثواب فإنه أيضاً يصل إلى الأموات (1).
ثانياً: قالوا في الجواب عن قول الشيخ عبد الله: [ولم يقع للأضحية عن الميت ذكر في كتب الفقهاء من الحنابلة المتقدمين لا في المغني على سعته ولا في الكافي
…
الخ].
فالجواب: إن الإمام أبا داود صاحب السنن قد عقد للضحية عن الميت باباً في سننه، وهو كما أنه من المحدثين يعتبر من كبار أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، صنّف كتاباً كاملاً في المسائل التي تلقاها من الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وله ترجمة حافلة في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى، فلا وجه ما دام الأمر كذلك لقول الشيخ بأن هذه المسألة لم يقع لها ذكر في كتب الحنابلة المتقدمين.
ثم يستفسر فضيلته عن سبب تلقيه حسبما يقتضيه كلامه كلام ابن القيم وابن كثير والشوكاني والصنعاني لو جاء عنهم شيء في هذا الباب، بينما نراه يرفض كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي هو إمام الجميع.
(1) المصدر السابق ص 31، 32، 36، 37 بتصرف.
هذا مع أن جمهور فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم ذكروا ذلك في كتبهم فمنهم من صرَّح بذكر جواز الأضحية عن الميت، ومنهم من لم يصرح بذكرها بل أجملها مع غيرها من سائر القرب الخيرية، فممن صرح بذكرها عبد الله بن المبارك وأبو داود والترمذي وابن أبي شيبة والحاكم والقاضي ابن العربي وصاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود والنووي وأبو الحسن العبادي وصاحب غنية الألمعي وصاحب مغني ذوي الأفهام وصاحب الإقناع وصاحب غاية المنتهى وصاحب كشّاف القناع وصاحب ردّ المحتار وصاحب الروضة وصاحب شرح الغاية وصاحب التوضيح وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم حيث
قال: وقد نبّه الشارع بوصول ثواب الصدقة عن الميت على وصول ثواب سائر العبادات المالية ونبّه بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب سائر العبادات البدنية وأخبر بوصول ثواب الحج المركّب من المالية والبدنية فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتبار (1).
وقد سئل صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود هل ثبتت الأضحية عن الأموات ويصل ثوابها؟
فأجاب: الأضحية عن الميت سنة ويصل ثوابها إليه بلا مرية، ثم ساق الأحاديث الواردة في هذا الباب وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضحي عن أمته ممن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وعن نفسه وعن أهل بيته ومن المعلوم أن بعض أمته صلى الله عليه وسلم ممن شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ قد ماتوا في عهده صلى الله عليه وسلم فالأموات والأحياء كلهم من أمته دخلوا في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم، والكبش الواحد كما كان للأحياء من أمته فهو كذلك للأموات من أمته، بلا تفريق وهذا الحديث أخرجه الأئمة من طرق متعددة عن جماعات من الصحابة كجابر بن عبد الله وأبي طلحة الأنصاري وأنس بن مالك وعائشة أم المؤمنين وأبي هريرة وحذيفة بن أسيد وأبي رافع وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
والمقصود أن حديث أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن أمته روي من طرق متعددة وإسناد بعض طرقه صحيح، وبعض طرقه حسن قوي وبعض طرقه ضعيف، لكن لا يضر ضعف بعض الطرق فإن الطرق الضعيفة حينئذ تكون بمنزلة الشواهد والمتابعات، ثم إنه لو لم يأت في هذا الباب إلا رواية عائشة أم المؤمنين التي أخرجها أحمد ومسلم وأبو داود لكانت كافية
(1) المصدر السابق ص40 - 41.
للاحتجاج باستحباب التضحية عن الأموات ويؤيد هذه الرواية حديث جابر بن عبد الله وأبي طلحة الأنصاري وأنس بن مالك وأبي هريرة وحذيفة بن أسيد وأبي رافع وعلي بن أبي طالب، وهذه الأحاديث كلها تدل دلالة واضحة على أنه يجوز للرجل أن يضحي عنه وعن أتباعه وأهل بيته وعن الأموات ويشركهم معه في الثواب (1).
ثالثاً: وأجابوا عن تضعيف الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود لحديث تضحية علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
الخ.
قالوا: إن هذا الحديث قد ذكره أبو داود في سننه تحت عنوان (باب الأضحية عن الميت) وسكت عنه.
وقد قال أبو داود عن سننه: أني ذكرت الصحيح وما يشبه ويقاربه وما كان فيه وهن شديد بينته وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح وبعضها أصح من بعض.
وروي عنه أنه قال: وما سكتُّ عنه فهو حسن. وقال أيضاً: ما ذكرت في كتابي يعني السنن، حديثاً اجتمع الناس على تركه.
وكذلك ترجم الترمذي في جامعه حديث علي فقال – باب الأضحية عن الميت – إشارة إلى أن الحديث من أدلتهم، وقد قال الترمذي في كتاب العلل عن سننه: جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول وبه أخذ به بعض أهل العلم ما عدا حديثين حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر
…
وحديث إذا شرب الخمر
…
في الرابعة فاقتلوه
وأما الحاكم فقد جمع بين الاحتجاج بالحديث وبين تصحيحه.
قال: وقد رويت أخبار في الأضحية عن الأموات ثم ساق حديث علي، وقد وافق الحاكم في تصحيحه لهذا الحديث الحافظ الذهبي في تلخيصه للمستدرك.
وذكره الإمام أحمد في مسنده من غير وجه وعلق عليه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فقال: إن حديث علي صحيح.
فتبين من ذلك أن حديث علي في نظر هؤلاء الأئمة الحفاظ وهم أبو داود والترمذي والحاكم والذهبي ليس كما هو في نظر فضيلة الشيخ من تضعيفه له.
(1) المصدر السابق ص47 - 48 بتصرف.
وقد قال ابن عبد البر: كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده لا سيما إن كان لم يذكر في الباب غيره.
فظهر من ذلك عدم ضعف حديث علي عند أبي داود وأنه صالح للاحتجاج به لا سيما وقد عضده حديث أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن أمته الذي رواه ابن ماجة عن عائشة وأبي هريرة
…
والمقصود بيان أن حديث علي وإن تكلم في سنده من تكلم فيه من أهل العلم، فقد أورده بعضهم مورد الاحتجاج وصححه بعضهم، وتؤيده الأحاديث الصحيحة في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن أمته منفردين ومشتركين معه.
كما أن القاعدة الأصولية تنص على أن الحديث الضعيف أقوى وأفضل من رأي المجتهد هذا على فرض ضعف حديث علي فكيف وحديث علي صحيح (1).
رابعاً: وأجابوا على قول الشيخ عبد الله بأن أهل المعرفة بالحديث متفقون على أنه لا يوجد في الأضحية حديث صحيح.
الجواب أن يقال للشيخ من قال لك إن أهل الحديث متفقون على أنه لا يوجد في الأضحية عن الميت حديث صحيح، أو أخبار متواترة مستفيضة.
هذه دعوى من فضيلة الشيخ غير صحيحة ومغالطة غير لائقة، فمن هم أهل الحديث الذين اتفقوا على أنه لا يوجد في الأضحية حديث صحيح أو خبر متواتر؟ لِمَ لمْ يذكرهم الشيخ لنا حتى نعرفهم؟ لكن عدم ذكر الشيخ لهم دليل واضح على عدم صحة هذا القول كيف وقد ورد بذلك، أعني الأضحية عن الميت – الحديث الصحيح الذي اتفق علماء الحديث والفقه على صحته، وهو حديث أضحية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته فهو شامل للأحياء والأموات من أمته باتفاق أهل المعرفة بالحديث والفقه وكذلك الشيخ نفسه قد اعترف بذلك. وقد أورد في رسالته أحاديث أضحية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وذكر أن أضحية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته شامل للأموات والأحياء كما سيأتي بيانه كيف والنبي صلى الله عليه وسلم هو المشرع؟ فإذا قال قولاً وعمل عملاً شرع للأمة العمل به إلا إذا دل الدليل على خصوصيته صلى الله عليه وسلم به فلا يشرع في حق أمته فعله وهذه قاعدة مطردة معروفة عند العلماء، فالأضحية عن الميت مشروعة في حقه كما هي مشروعة في حق الحي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) المصدر السابق ص 66 - 68.