الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر
طروءُ العيبِ المخلِّ على الأضحية بعد تعيينها
لو اشترى شخص أضحية - شاة أو بقرة أو ناقة - قبل يوم الأضحى، ثم حبسها عنده فأصابها عيب مانع من الإجزاء، كأن كسرت رجلها، أو عجفت، فهل يصح أن يضحي بها وتكون مجزئة أم لا؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة كما يلي:
القول الأول: يذبحها وتجزؤه، نقل هذا القول عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري والشافعي وأحمد واسحق وهو قول الهادوية (1).
القول الثاني: لا تجزؤه، ولا بد أن يذبح بدلها، وهو قول الحنفية والمالكية (2).
حجة الفريق الأول:
ما ورد في الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (اشتريت كبشاً أضحي به فعدا الذئب فأخذ أليته فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ضح به) رواه أحمد والبيهقي (3).
ورواه ابن ماجة ولفظه عن أبي سعيد قال: (ابتعنا كبشاً نضحي به فأصاب الذئب من أليته أو أذنه فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نضحي به)(4).
وقال في الزوائد: [في إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف قد اتُهِمْ](5) وكذَّبه ابن حزم (6).
وفي رواية أخرى عند البيهقي عن أبي سعيد: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شاة قطع الذئب ذنبها، يضحي بها؟ قال: ضح بها)(7).
وقال المجد ابن تيمية بعد أن ذكر حديث أبي سعيد: [وهو دليل على أن العيب الحادث بعد التعيين لا يضر](8).
(1) المغني 9/ 433، مصنف عبد الرزاق 4/ 386، السيل الجرار 4/ 85.
(2)
تبيين الحقائق 6/ 6، حاشية ابن عابدين 6/ 325، حاشية الدسوقي 2/ 125، جامع الأمهات ص 228.
(3)
الفتح الرباني 13/ 80، سنن البيهقي 9/ 289.
(4)
سنن ابن ماجة 2/ 1051.
(5)
المصدر السابق.
(6)
المحلى 6/ 12.
(7)
سنن البيهقي 9/ 289.
(8)
منتقى الأخبار مع شرحه نيل الأوطار 5/ 133.
قال الشوكاني: [فيه دليل على أن ذهاب الألية ليس عيباً في الضحية، من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله، كما يدل على ذلك رواية البيهقي](1).
ومما يؤيد القول الأول: أن ابن الزبير رضي الله عنهما رأى هدايا له فيها ناقة عوراء
فقال: [إن كان أصابها بعدما اشتريتموها فأمضوها، وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها](2).
وروى عبد الرزاق بإسناده عن الزهري قال: [إذا اشترى الرجل أضحيته فمرضت عنده أو عرض لها مرض فهي جائزة](3).
وقال ابن قدامة مستدلاً للإجزاء: [ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة فلم يمنع الإجزاء، كما لو حدث بها عيب بمعالجة الذبح](4).
حجة الفريق الثاني:
قال الزيلعي الفقيه: [ولو اشتراها سليمة ثم تعيبت بعيب مانع من التضحية، كان عليه أن يقيم غيرها مقامها إن كان غنياً.
وإن كان فقيراً يجزئه ذلك؛ لأن الوجوب على الغني بالشرع ابتداءً، لا بالشراء فلم يتعين بالشراء.
والفقير ليس عليه واجب شرعاً، فتعينت بشرائه بنية الأضحية، ولا يجب عليه ضمان نقصانها، لأنها غير مضمونة عليه فأشبهت نصاب الزكاة] (5).
ثم ذكر حديث أبي سعيد السابق ثم قال: [ويحمل على أنه كان فقيراً لأن الغني لا يجزئه لوجوبها في ذمته ولا كذلك الفقير
…
] (6).
(1) نيل الأوطار 5/ 133.
(2)
نيل الأوطار 5/ 134.
(3)
مصنف عبد الرزاق 4/ 386.
(4)
المغني 9/ 444.
(5)
تبيين الحقائق 6/ 6، وانظر بدائع الصنائع 4/ 216.
(6)
تبيين الحقائق 6/ 6 - 7.
وأما إذا طرأ العيب على الأضحية حين إضجاعها للذبح، كأن أضجعها فاضطربت فأصابت السكين عينها، فعورت أو كسرت رجلها، فاختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه يذبحها وتجزئه أضحية، وهذا قول الحنفية استحساناً والحنابلة،
وهو أحد القولين عند الشافعية (1).
قال صاحب الدر المختار: [ولا يضر تعيبها من اضطرابها عند الذبح](2).
وقال الكاساني: [ولو قدم أضحية ليذبحها فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه فانكسرت رجلها ثم ذبحها على مكانها أجزأه. وكذلك إذا انقلبت منه الشفرة فأصابت عينها فذهبت.
والقياس أنه لا يجوز.
وجه القياس: أن هذا عيب دخلها قبل تعيين القربة فصار كما لو كان قبل حال الذبح.
وجه الاستحسان: أن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه لأن الشاة تضطرب فتلحقها العيوب من اضطرابها] (3).
القول الثاني: لا تجزئه، وهو قول المالكية وأصح القولين عند الشافعية (4).
القول الراجح:
والذي يظهر لي رجحان القول بجواز الأضحية إن طرأ العيب عليها بعد شرائها، وكذا إن طرأ العيب عليها عند معالجة ذبحها.
أما في الحالة الأولى: فقد سبق القول بأن الراجح من أقوال أهل العلم أنه الأضحية سنة وليست واجبة، وهذا قد اشترى الأضحية المجزئة الخالية من العيوب، ثم طرأ العيب بعد ذلك دون تقصير منه، فلا يُكَلَف شراء أخرى، لما في ذلك من المشقة.
ويمكن الاستئناس بحديث أبي سعيد السابق، فإنه وإن ضعفه بعض أهل الحديث لأنه من رواية جابر الجعفي.
(1) حاشية ابن عابدين 6/ 325، المغني 9/ 444.
(2)
الدر المختار بهامش حاشية ابن عابدين 6/ 325.
(3)
بدائع الصنائع 4/ 216 - 217.
(4)
حاشية الدسوقي 2/ 124، المجموع 8/ 400، كفاية الأخيار ص 529.
إلا أن شعبة بن الحجاج روى عنه وفي ذلك تقوية له.
قال الحافظ ابن عبد البر: [وقد تكلموا في جابر الجعفي ولكن شعبة روى عنه وكان يحسن الثناء عليه وحسبك بذلك من شعبة](1).
كما وأن رواية جابر الجعفي هذه تتقوى بالرواية الأخرى عند البيهقي، فيرتقي الحديث إلى درجة الحسن لغيره.
ويمكن الاستئناس بما رواه البيهقي عن ابن الزبير أيضاً، وبما رواه عبد الرزاق عن الزهري.
وأما الحالة الثانية - إذا تعيبت عند الذبح -: فأرى أنها مجزئة أيضاً، لأن الغالب على الحيوان الاضطراب عند الذبح، وقد تصيبه السكين قبل ذبحه فلا يمكن التحرز من ذلك، فالقول بالإجزاء هو الأولى، والقول بخلافه فيه تشدد وإلحاق الحرج بالمضحي لأنه سيتكلف بدلها والله أعلم.
(1) فتح المالك 7/ 7.