الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث إنه قد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يضحي كل عام كما ذكره ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين يضحي) وسيأتي.
وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الأضحية قط، حتى إنه كان يضحي في السفر، كما ثبت في حديث ثوبان رضي الله عنه قال:(ذبحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ضحيته ثم قال: يا ثوبان أصلح لحم هذه. فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة) رواه مسلم (1).
الثاني: اختلافهم في مفهوم الأحاديث الواردة في الأضحية، حيث إنه قد ثبت من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام قال:(إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره شيئاً) رواه مسلم.
فقوله (وأراد أحدكم أن يضحي) فيه دليل على أن الأضحية متروكة لإرادة المسلم ورغبته، وما كان كذلك لا يكون واجباً.
ولمَّا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بردة بن نيار رضي الله عنه بإعادة أضحيته إذ ذبح قبل صلاة العيد حيث
قال صلى الله عليه وسلم: (من كان قد ذبح قبل الصلاة فليعد) رواه البخاري ومسلم (2).
فهم جماعة من الفقهاء من أمره صلى الله عليه وسلم الوجوب (3).
أدلةُ الجمهور على أنَّ الأضحيةَ سنةٌ مؤكدةٌ، وليست واجبة:
1.
حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً)(4).
قال الإمام الشافعي: [هذا دليل أن التضحية ليست بواجبة، لقوله صلى الله عليه وسلم (وأراد)، فجعله مفوضاً إلى إرادته ولو كان واجباً لقال صلى الله عليه وسلم (فلا يمس من شعره وبشره حتى يضحي)(5).
2.
ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث هن عليَّ فرائض ولكم تطوع، النحر والوتر وركعتا الضحى) رواه أحمد والبيهقي، وفي رواية أخرى عند البيهقي عن ابن عباس رفعه قال:(كُتِبَ عليَّ النحرُ ولم يكتبْ عليكم)(6).
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 116.
(2)
صحيح البخاري مع الفتح 12/ 101، صحيح مسلم مع شرح النووي 5/ 100.
(3)
انظر بداية المجتهد 1/ 348.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
مختصر المزني مع الأم 8/ 283، الحاوي 15/ 67، المجموع 8/ 386.
(6)
الفتح الرباني 22/ 41، سنن البيهقي 9/ 264.
والحديث ضعيف كما قال الإمام النووي (1).
وقال الحافظ ابن حجر: [ومداره على أبي جناب الكلبي عن عكرمة، وأبو جناب ضعيف ومدلس أيضاً، وقد عنعنه وأطلق الأئمة على هذا الحديث الضعف كأحمد والبيهقي وابن الصلاح وابن الجوزي والنووي وغيرهم
…
الخ] (2).
وقال الحافظ ابن حجر في موضع آخر بعد أن ذكر طرق الحديث: [فتلخص ضعف الحديث من جميع طرقه](3).
3.
عن جابر بن عبد الله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس يوم النحر فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بكبش فذبحه هو بنفسه وقال: باسم الله، الله أكبر اللهم عني وعمَّن لم يضح من أمتي) رواه أحمد وأبو داود وسكت عليه والترمذي وابن ماجة والبيهقي واللفظ له والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني أيضاً (4).
والحديث احتج به صاحب المنتقى على عدم الوجوب حيث قال: [باب ما احتج به في عدم وجوبها بتضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمته](5) ثم ساق حديث جابر السابق وحديث أبي رافع وهو الحديث التالي:
4.
عن أبي رافع: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول:
اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعاً المساكين ويأكل هو وأهله
(1) المجموع 8/ 386.
(2)
التلخيص الحبير 2/ 18.
(3)
التلخيص الحبير 3/ 118.
(4)
المستدرك 4/ 255، الفتح الرباني 13/ 63 - 64، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 8/ 3، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/ 94، سنن ابن ماجة 2/ 1043، سنن البيهقي 9/ 264، إرواء الغليل 4/ 349 - 350.
(5)
المنتقى مع شرحه نيل الأوطار 5/ 125.
منهما فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والعزم) رواه أحمد (1).
قال الشوكاني عن الحديث السابق بأن الحافظ سكت عنه في التلخيص (2) والأمر
كذلك (3).
وقال الهيثمي: [رواه البزار وأحمد بنحوه، ورواه الطبراني في الكبير بنحوه
…
وإسناد أحمد والبزار حسن] (4). وصححه الشيخ الألباني (5).
قال الشوكاني: [ووجه دلالة الحديثين وما في معناهما على عدم الوجوب، أن الظاهر تضحيته صلى الله عليه وسلم عن أمته وعن أهله، تجزئ كل من لم يضح سواء كان متمكناً من الأضحية أو غير متمكن](6).
5.
قال الشافعي: [وبلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يُرَى أنها واجبة](7).
وقد روى ذلك عنهما أيضاً البيهقي بإسناده عن الشعبي عن أبي سريحة: [أدركت أبا بكر أو رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان. في بعض حديثهم - كراهية أن يقتدى بهما - أبو سريحة الغفاري هو حذيفة بن أسيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (8).
قال الإمام النووي: [وأما الأثر المذكور – عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما – فقد رواه البيهقي بإسناد حسن](9).
وقال الهيثمي: [ورواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح](10).
(1) الفتح الرباني 13/ 61.
(2)
نيل الأوطار 5/ 125.
(3)
التلخيص الحبير 4/ 143.
(4)
مجمع الزوائد 4/ 22.
(5)
إرواء الغليل 4/ 352.
(6)
نيل الأوطار 5/ 126.
(7)
مختصر المزني مع الأم 8/ 283.
(8)
سنن البيهقي 9/ 265.
(9)
المجموع 8/ 383.
(10)
مجمع الزوائد 4/ 18.
وصححه الشيخ الألباني (1).
6.
ذكر الإمام الشافعي أنه قد بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه اشترى بدرهمين لحماً فقال: هذه أضحية ابن عباس (2).
ورواه البيهقي بإسناده عن عكرمة مولى ابن عباس: كان إذا حضر الأضحى أعطى مولىً له درهمين فقال: اشتر بهما لحماً وأخبر الناس أنه أضحى ابن عباس (3).
7.
وروى البيهقي بإسناده عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: [إني لأدعُ الأضحى وإني لموسر مخافةَ أن يرى جيراني أنه حتمٌ عليَّ](4).
ورواه سعيد بن منصور في سننه بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر (5).
وصحح إسناده الشيخ الألباني (6).
8.
وقالوا: إن التضحية لو كانت واجبة، لما سقطت بفوات إلى غير بدل، كالجمعة وسائر الواجبات. ووافقنا الحنفية على أنها إذا فاتت لا يجب قضاؤها (7).
9.
واحتجوا من القياس بأنها إراقة دم لا تجب على المسافر، فلا تجب على الحاضر كالعقيقة ولأن من لم تجب عليه العقيقة، لم تجب عليه الأضحية كالمسافر، ولأنها أضحية لا تجب على المسافر، فلم تجب على الحاضر، كالواجد لأقل النصاب (8).
(1) إرواء الغليل 4/ 355.
(2)
مختصر المزني مع الأم 8/ 284.
(3)
سنن البيهقي 9/ 265.
(4)
المصدر السابق 9/ 265.
(5)
التلخيص الحبير 4/ 145.
(6)
إرواء الغليل 4/ 355.
(7)
المجموع 8/ 386.
(8)
الحاوي 15/ 72.