الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: ما هو الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام
؟
اختلف الفقهاء في الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أفضل الأضاحي هي البدنة ثم البقرة ثم الشاة.
وهذا قول الشافعية والحنابلة والظاهرية، وبه قال بعض المالكية (1).
قال الإمام الشافعي: [والإبلُ أَحبُ إليَّ أن يُضَحَّى بها من البقر، والبقر من الغنم، والضأنُ أَحبُ إليَّ من المعز].
وقال الماوردي: [أفضل الضحايا الثني من الإبل، ثم الثني من البقر، ثم الجذع من الضأن ثم الثني من المعز](2).
القول الثاني: أفضل الأضاحي الضأن ثم البقر ثم الإبل، وهذا قول المالكية المعتمد عندهم.
قال الخرشي: [الضأن بإطلاقه، ذكوره وإناثه وفحوله وخصيانه، أفضل في الأضحية من المعز بإطلاقه، ثم إن المعز بإطلاقه أفضل من الإبل ومن البقر بإطلاقهما](3).
وقال بعض المالكية أفضلها الغنم ثم الإبل ثم البقر (4).
القول الثالث: أفضل الأضاحي ما كان أكثر لحماً وأطيب، وهذا قول الحنفية، فالشاة أفضل من سبع البقرة، فإن كان سبع البقرة أكثر لحماً فهو أفضل.
والأصل عندهم في هذا إذا استويا في اللحم والقيمة، فأطيبها لحماً أفضل، وإذا اختلفا فيهما فالفاضل أولى (5).
حجة الفريق الأول:
1.
احتجوا بقوله تعالى:} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ {سورة الحج الآية 36.
(1) المغني 9/ 438، المجموع 8/ 396، 398، الذخيرة 4/ 144، الحاوي 15/ 77.
(2)
الحاوي 15/ 77.
(3)
شرح الخرشي 3/ 38، الذخيرة 4/ 143، بداية المجتهد 1/ 348، جامع الأمهات ص 229.
(4)
الذخيرة 4/ 144.
(5)
حاشية ابن عابدين 6/ 322، بدائع الصنائع 4/ 223.
2.
قالوا إن البدنة أعظم من البقرة، والبقرة أعظم من الشاة، والله تعالى يقول:} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {سورة الحج الآية 32.
3.
واحتجوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرَّبَ بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّبَ بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّبَ كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّبَ دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّبَ بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكةُ يستمعون الذكر) رواه البخاري ومسلم (1).
قال النووي: [وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقرة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدَّمَ الإبل، وجعلَ البقرة في الدرجة الثانية](2).
4.
قال ابن قدامة: [ولأنه ذبح يتقرب به إلى الله تعالى، فكانت البدنةُ فيه أفضل، كالهدي فإنه قد سلَّمَه. ولأنها أكثر ثمناً ولحماً وأنفع](3).
حجة الفريق الثاني:
1.
احتجوا بقول الله تعالى:} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {سورة الصافات الآية 107.
قالوا وكان الذبح العظيم كبشاً، فالله سبحانه وتعالى وصفه بالعظيم، ولم يحصل هذا الوصف لغيره (4).
وقال القرطبي: [} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {، أي ضخم الجثة سمين، وذلك كبشٌ لا جملٌ ولا بقرة](5).
وقال ابن دقيق العيد: [وقد يستدل للمالكية باختيار النبي صلى الله عليه وسلم في الأضاحي للغنم، وباختيار الله تعالى في فداء الذبيح](6)
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 17، صحيح مسلم مع شرح النووي 2/ 451.
(2)
صحيح مسلم مع شرح النووي 2/ 452.
(3)
المغني 9/ 439.
(4)
الذخيرة 4/ 143.
(5)
تفسير القرطبي 15/ 107.
(6)
إحكام الأحكام 2/ 291.
2.
واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالكبش، كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد
…
وأخذ الكبش فأضجعه
…
) رواه مسلم وقد سبق.
قالوا وقد تكرر من الرسول صلى الله عليه وسلم التضحية بالغنم، وهو صلى الله عليه وسلم لا يضحي مكرراً ذلك عاماً بعد عام، إلا بما هو الأفضل في الأضحية، فلو كانت التضحية بالإبل والبقر أفضل لفعل صلى الله عليه وسلم ذلك الأفضل (1).
3.
واحتجوا بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير الكفن الحُلَّةُ، وخيرُ الأضحية الكبشُ الأقرن) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم ووافقه الذهبي.
وقال الشيخ الألباني: ضعيف. وضعفه ابن حزم أيضاً (2).
ورواه البيهقي أيضاً من رواية أبي أمامة رضي الله عنه بإسناد ضعيف كما قال الإمام النووي (3).
حجة الفريق الثالث:
1.
وقد يحتج للحنفية بما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحب الضحايا إلى الله أغلاها وأسمنها) رواه أحمد والبيهقي والحاكم.
وقال الهيثمي: [رواه أحمد، وأبو الأشد – أحد رجال السند - لم أجدْ منْ وَثَّقَهُ ولا جرحه، وكذلك أبوه، وقيل إن جده عمرو بن عبس].وقال الشيخ الألباني: ضعيف (4)
2.
ويحتج لهم بما جاء عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى} ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ {الآية.
قال ابن عباس: [الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والضأن والمعز، على قدر الميسرة فما عظمت فهو أفضل](5).
(1) أضواء البيان 5/ 435.
(2)
سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 8/ 300، سنن البيهقي 9/ 273، ضعيف الجامع الصغير ص424،
المحلى 6/ 32، المستدرك 4/ 254.
(3)
المجموع 8/ 399، وانظر سنن البيهقي 9/ 273.
(4)
الفتح الرباني 13/ 86، سنن البيهقي 9/ 272، المستدرك 4/ 275، مجمع الزوائد 4/ 21، سلسلة الأحاديث الضعيفة 4/ 174.
(5)
سنن البيهقي 9/ 272.
القول الراجح: بعد إجالة النظر في أدلة العلماء في هذه المسألة يظهر لي رجحان قول المالكية في أن الأفضل في الأضحية الغنم ثم الإبل ثم البقر.
لأن أدلة المالكية أخص في محل النزاع لأنه صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالغنم بل بالكباش وقد ثبت ذلك في أحاديث منها:
1.
عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين) رواه البخاري ومسلم (1). وفي قول أنس (كان يضحي) ما يدل على المداومة (2).
2.
حديث عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به
…
الخ) رواه مسلم وقد مضى.
3.
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد بكبشين
…
) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقد سبق.
4.
وعن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان إذ أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين
…
الخ) رواه أحمد وابن ماجة وقد مضى.
5.
حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل، يأكل في سواد، ويمشي في سواد، وينظر في سواد) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب (3).
6.
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبش فذبحه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده
…
الخ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقد مضى.
7.
عن ثوبان رضي الله عنه قال: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا ثوبان أصلح لنا لحم هذه الشاة. فما زلت أطعمه منها حتى قدمنا المدينة) رواه مسلم وأبو داود وقد مضى.
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/ 119، صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 103.
(2)
انظر فتح الباري 12/ 114.
(3)
سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/ 66 - 67، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/ 352، سنن النسائي 7/ 221 سنن ابن ماجة 2/ 1046.
8.
عن علي رضي الله عنه: (أنه كان يضحي بكبشين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه. فقيل له. فقال: أمرني به يعني النبي صلى الله عليه وسلم فلا أدعه أبداً) رواه الترمذي وأبو داود (1)، وسيأتي الكلام على تخريجه في مبحث الأضحية عن الميت.
ومما يدل على أفضلية التضحية بالكبش، أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم في تضحيته بالكبش، كما في حديث أنس رضي الله عنه السابق وفيه:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين).
فهذا يدل على اتباع أنس رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم في التضحية بالكبشين، كما يدل الحديث أيضاً على مداومة الرسول صلى الله عليه وسلم على التضحية بالكبش (2).
وعن يونس بن ميسرة بن حلس قال: (خرجت مع أبي سعيد الزرقي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شراء الضحايا. قال يونس: فأشار أبو سعيد إلى كبش أدغم ليس بالمرتفع ولا المتضع في جسمه فقال: اشتر لي هذا. كأنه شبهه بكبش رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه ابن ماجة وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح (3).
وصححه الشيخ الألباني (4) ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي (5).
وعن النعمان بن أبي فاطمة رضي الله عنه: (أنه اشترى كبشاً أعين أقرن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقال: كأنَّ هذا الكبش الذي ذبح إبراهيم. فعمد رجل من الأنصار فاشترى للنبي صلى الله عليه وسلم من هذه الصفة، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فضحى به) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات قاله الهيثمي (6)
كما أن أدلة الفريقين الأول والثالث فيها نظر.
أما الآية الأولى وهي قوله تعالى:} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ {.
فالبدن هي الإبل التي تُهدى إلى الكعبة فليست الآية في خصوص الأضحية.
(1) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/ 65، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/ 344.
(2)
انظر فتح الباري 12/ 106.
(3)
سنن ابن ماجة 2/ 1046.
(4)
صحيح سنن ابن ماجة 2/ 200.
(5)
المستدرك 4/ 254.
(6)
مجمع الزوائد 4/ 23.
وأما الآية الثانية؛ وهي قوله تعالى:} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {فهي عامة، لأن شعائر الله أعلام دينه فليست الآية في خصوص الأضحية أيضاً.
وأما الحديث؛ وفيه تقريب البدنة ثم البقرة ثم الكبش، فهذا الحديث واردٌ في الهدي في الحج، وليس في خصوص الأضحية.
وأما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد في الأضحية على وجه الخصوص.
وأما قول الفريق الأول بأن تضحية النبي صلى الله عليه وسلم بالغنم لبيان الجواز، أو لأنه لم يتمكن ذلك الوقت إلا من الغنم كما قاله الإمام النووي (1).
فالجواب إن تكرار تضحيته صلى الله عليه وسلم بالغنم يدل على قصده الغنم دون غيرها، ولو لم يتيسر له إلا الغنم في سنة، لتيسر له في غيرها في سنة أخرى.
وأما حديث (خير الأضحية الكبش الأقرن) فإنه وإن كان فيه ضعفٌ، إلا أنه يتقوى بالأحاديث الصحيحة الثابتة من فعله صلى الله عليه وسلم بالتضحية بالكباش (2)، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي (3).
وأما الحديث الذي احتج به الحنفية، فإنه حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال.
وأثر ابن عباس الذي احتج به الحنفية فليس فيه ما يعارض أدلة المالكية والله أعلم.
وخلاصة الأمر أنه لا ينبغي العدول عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو التضحية بالكبش، والأحاديث الواردة بذلك خصوص مقدم على غيره من العمومات (4).
(1) شرح صحيح مسلم 2/ 452.
(2)
انظر أضواء البيان 5/ 435 - 436.
(3)
المستدرك 4/ 254.
(4)
انظر عارضة الأحوذي 6/ 233، فتح الباري 12/ 107.