الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال العلامة ابن القيم: [هذه النصوص متظاهرة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت، إذا فعلها الحي عنه، وهذا محض القياس، فإن الثواب حق للعامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك، كما لم يمنع من ذلك من هبة ماله في حياته وإبرائه له من بعد موته](1)
أدلة القول الثاني:
قال الخرشي: [يكره للشخص أن يضحي عن الميت خوف الرياء والمباهاة ولعدم الوارد في ذلك](2) أي لعدم ورود دليل شرعي يدل على جواز الأضحية عن الميت.
ولم أقف لهم على أدلة أخرى سوى ذلك.
أدلة القول الثالث:
قبل أن أذكر أدلة القول الثالث، ينبغي أن يعلم أولاً، أن الشيخ عبد الله بن زيد
آل محمود رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية في دولة قطر يرحمه الله، قد بحث مسألة الأضحية عن الميت بحثاً مفصلاً، ويرى أن الأضحية عن الميت غير شرعية، وذهب إلى تفضيل الصدقة عن الميت على الأضحية عنه، وألَّف في ذلك رسالة بعنوان:
[الدلائل العقيلة والنقلية في تفضيل الصدقة عن الميت على الضحية، وهل الضحية عن الميت شرعية أو غير شرعية؟] تقع في 157 صفحة.
وقد خالفه في قوله عدد من أهل العلم، منهم الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن رشيد، والشيخ إسماعيل الأنصاري من علماء نجد، ونشر كلٌ منهما مقالاً في الرد على الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وقد ردَّ الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود على الأول منهما في رسالة بعنوان [مباحث التحقيق مع الصاحب الصديق] تقع في 45 صفحة.
وردّ على الثاني في رسالة بعنوان [إعادة البحث الجاري مع الشيخ إسماعيل الأنصاري فيما يتعلق بالأضاحي عن الأموات] تقع في 34 صفحة.
(1) الروح ص122.
(2)
شرح الخرشي 3/ 42.
كما أن الشيخ علي بن عبد الله الحواس من علماء نجد، ألف كتاباً موسعاً في الرد على الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود وأبطل فيه رأيه وسماه [الحجج القوية والأدلة القطعية في الرد على من قال إن الأضحية عن الميت غير شرعية] ويقع في 300 صفحة.
كما أن الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد يرحمه الله، من كبار علماء السعودية، كان قد ردَّ على رسالة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود (الدلاائل العقلية والنقلية .. ) ولكني لم أطلع عليه (1).
وقد بيَّن الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رأيه في هذه المسألة فقال: [أما الأضحية عن الميت فإنه بمقتضى التتبع والاستقراء لكتب الصحاح والسنن والمسانيد والتفاسير والسير، لم نجد دليلاً صريحاً من كتاب الله، ولا حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالأضحية عن الميت، أو يشير إلى فضلها ووصول ثوابها إليه، ولم ينقل أحد من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يضحون لموتاهم، ولم يذكر فعلها عن أحد منهم، لا في أوقافهم ولا وصاياهم ولا في سائر تبرعاتهم، ولم يقع لها ذكر في كتب الفقهاء من الحنابلة المتقدمين، لا في المغني على سعته، ولا في الكافي، ولا المقنع، ولا في الشرح الكبير، ولا المحرر، ولا الإنصاف، ولا النظم، ولا في المنتقى والإلمام في أحاديث الأحكام، ولا في إعلام الموقعين، ولا في زاد المعاد، ولا في البخاري، ولا في شرحه فتح الباري، ولا في مسلم ولا في شرح مسلم للنووي، ولا في نيل الأوطار للشوكاني، ولا في سبل السلام للصنعاني، ولا في التفاسير المعتبرة، كابن جرير الطبري وابن كثير والبغوي والقرطبي، فتركهم لذكرها ينبئ على عدم العمل بها في زمنهم أو على عدم مشروعيتها عندهم.
(1)"الدلائل العقلية والنقلية في تفضيل الصدقة عن الميت على الضحية وهل الضحية عن الميت شرعية أو غير شرعية" وهي رسالة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ضمن كتابه (توحيد أعياد المسلمين ومسائل أخرى) وهو من منشورات مؤسسة الرسالة.
ورسالة مباحث التحقيق مع الصاحب الصديق ورسالة " إعادة البحث الجاري مع الشيخ إسماعيل الأنصاري " من مطبوعات مطابع مصر الوطنية وكتاب " الحجج القوية والأدلة القطعية في الرد على من قال إن الأضحية عن الميت غير شرعية " الطبعة الثانية 1401 طبع في مطبعة المدينة / الرياض / السعودية.
وقد أشار في مقدمته إلى رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد.
والظاهر من مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة عدم جواز فعلها عن الميت، لعدم ما يدل على مشروعيتها، وخص الإمام أبو حنيفة الجواز بما إذا عينها ثم توفي بعد تعيينها فإنها تذبح عنه تنفيذاً للتعيين.
والقول الثاني: أنه لا يجوز ذبحها بل تعود تركة لكونه لا أضحية لميت، حكى القولين في المبسوط وبدائع الصنائع وأشار الطحاوي إليه في مختصره.
ولم نجد عن الإمام أحمد نصاً في المسألة لا جوازاً ولا منعاً. فلا يجوز نسبة القول بالجواز إليه عند عدم ما يدل عليه إلا أن تؤخذ من مفهوم قوله: (الميت يصل إليه كل شيء) وهي كلمة تحتاج إلى تفصيل، إذ لا يصح أن يصل إلى الميت كل شيء من عمل الغير حتى عند الإمام أحمد نفسه، كما سيأتي بيانه فالقول: بأن جواز الأضحية عن الميت، هو ظاهر المذهب إنما يتمشى على الاصطلاح الحديث، من أن المذهب هو ما اتفق عليه الإقناع والمنتهى، وقد قالا بجواز ذلك أو استحبابه، فهذا شيء ونسبة القول به إلى الإمام أحمد شيء آخر.
وأسبق من رأيناه طرق موضوع الكلام في المسألة هو أبو داود في سننه حيث قال: (باب الأضحية عن الميت، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا شريك عن أبي الحسناء عن الحكم عن حنش قال: رأيت علياً يضحي بكبشين فقلت له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله أوصاني أن أضحي عنه فلا أزال أضحي عنه) ورواه الترمذي في جامعه بلفظه ومعناه وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
ثم قال صاحب تحفة الأحوذي على الترمذي: حنش هو أبو المعتمر الصنعاني وقد تكلم فيه غير واحد، قال ابن حبان البستي: كان كثير الوهم في الأخبار ينفرد عن علي بأشياء لا تشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج به. وشريك هو أبو عبد الله القاضي فيه مقال وقد أخرج له مسلم في المتابعات. أهـ
وأبو الحسناء: هو مجهول لا يعرف، قاله ابن حجر في التقريب،
وقال ابن العربي في شرح الترمذي: هذا حديث مجهول.
ثم قال الترمذي: قد رخص بعض أهل العلم أن يضحى عن الميت، ولم ير بعضهم أن يضحى عنه، وقال عبد الله بن المبارك: أحبُ إليَّ أن يتصدق عنه ولا يضحى، فإن ضحى فلا يأكل منها شيئاً ويتصدق بها كلها.
وأخرجه البيهقي في سننه وقال: إن ثبت هذا كان فيه دلالة في التضحية عن الميت.
ومن المعلوم عند أهل الحديث عدم ثباته وأنه ضعيف لا يحتج به.
ثم قال صاحب تحفة على الترمذي قلت: إني لم أجد في التضحية عن الميت منفرداً حديثاً صحيحاً مرفوعاً، وأما حديث علي المذكور في هذا الباب فضعيف كما عرفت.
وقد أخذ بعض الفقهاء بظاهر حديث علي، ولم ينظروا إلى ضعفه في سنده ومتنه ولا إلى عدم الإحتجاج به ولا إلى عدم عمل الصحابة بموجبه، لأن أكثر الفقهاء يتناقلون الأثر على علاته بدون تمحيص ولا تصحيح، وينقل بعضهم عن بعض حتى يشتهر وينتشر ويكون كالصحيح، وكل من تدبر أقوال الفقهاء القائلين بجواز الأضحية عن الميت مطلقاً أو بجوازها متى أوصى بها أو وقف وقفاً عليها، وجدهم يستدلون على ذلك بحديث علي هذا أن النبي أوصاه أن يضحي عنه، لظنهم أنه صحيح، لأن غالب الفقهاء لا يعرفون الصحيح من الضعيف معرفة تامة، فينشأ أحدهم على قول لا يعرف غيره، ولم يقف على كلام أهل الحديث في خلافه وضعفه فيظنه صحيحاً ويبني على ظنه جواز العمل به والحكم بموجبه، وقد استأنسوا في هذا الباب بما روي عن أبي العباس السراج وكان أحد مشايخ البخاري أنه قال: ختمت القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة ألف ختمة وضحيت عنه باثنتي عشرة ألف أضحية.
ذكر هذه الحكاية ابن مفلح في الفروع في إهداء ثواب الأعمال إلى الموتى من آخر كتاب الجنائز، وهي حكاية شخص عن فعل نفسه، ليست بأهل أن يصاخ لها، وليس من المفروض قبول هذه المجازفة الخارجة عن جدول الحق والعدل، إذ ليس عندنا دليل يثبت إهداء الأضحية وتلاوة القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان صحيحاً لكان صفوة أصحابه وخاصة أهل بيته أحق بالسبق إلى ذلك، ولم يثبت عن أحد منهم أنه حج عن رسول الله أو صام أو أهدى ثواب قراءته أو أضحيته إليه، وإنما الأمر الذي عهده رسول الله لأمته، هو اتباع هديه والإعتصام بكتاب الله وسنة رسوله، وأن يكثروا من الصلاة والتسليم عليه
وأن يسألوا الله له الوسيلة والفضيلة، وأن يبعثه مقاماً محموداً الذي وعده. هذا هو الأمر الذي شرعه رسول الله لأمته، بخلاف إهداء ثواب القرب الدينية فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:[لا يستحب إهداء القرب الدينية إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل هو بدعة] قاله في الاختيارات.
فمتى كان أهل المعرفة بالحديث متفقين على أنه لا يوجد في الأضحية عن الميت حديث صحيح، يدل دلالة صريحة على الأمر بها، فضلاً عن أن يكون فيها أخبار متواترة أو مستفيضة، امتنع حينئذ التصديق بكون النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بها أو شرعها لأمته، ولم ينقل فعلها عن أحد من الصحابة، ولا أهل بيته ولا التابعين، مع تكرار السنين وحرصهم على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سنته وتنفيذ أوامره، والعادة تقتضي نقل ذلك لو وقع إذ هي من الأمور الظاهرة التعبدية التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها وتبليغها، لكونهم أحرص الناس على فعل الخير، وإيصال ثوابه إلى الغير من موتاهم، فمتى كان الأمر بهذه الصفة، علمنا حينئذ أنها ليست بمشروعة، ولا مرغب فيها؟ والتعبدات الشرعية مبنية على التوقيف والاتباع. لا على الاستحسان والابتداع كما قال بعض السلف: كل عبادة لم يتعبدها رسول الله ولا أصحابه، فلا تتعبدوها فإن الأول لم يترك للآخر مقالاً.
فإن قيل بم عرفتم أن الصحابة والتابعين لم يضحوا عن موتاهم؟
قيل: علمنا ذلك بعدم نقله عنهم، وهذه أسفار السنة على كثرتها لا تثبت عن أحد منهم فعلها، لا في سبيل تبرعاتهم لموتاهم ولا في أوقافهم ولا الوصايا الصادرة منهم، ومن المعلوم أن الأمور الوجودية يتناقلها الناس من بعضهم إلى بعض، حتى تشتهر وتنتشر كما نقلوا سائر السنن والمستحبات، أما الأمور العدمية التي لاوجود لفعلها، فإن الناس لا ينقلونها إلا عندما يحتاجون إلى ردها، وبيان الهدى من الضلال فيها، فلو نقل ناقل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحجون له أو يضحون له أو يقرأون القرآن ويهدون ثوابه إليه، لحكمنا بكذبه لعدم نقله، ولو فتح هذا الباب لاحتج كل واحد لبدعته بما يؤيدها فتفشوا البدع ويفسد الدين.
والمقصود أن الأضحية عن الميت، لم يثبت في كتاب الله ولا في سنة رسول الله مشروعيتها، ولم ينقل عن رسول الله بطريق صحيح، الأمر بها لا بطريق التصريح ولا الإيماء، ولهذا
لم يفعلها أحد من الصحابة، فعدم فعلها يعد من الأمر المجمع عليه زمن الصحابة، واستصحاب حكم الإجماع في محل النزاع حجة.
وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
…
] (1).
إذا علم هذا فإن الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ساق أدلة كثيرة على منع الأضحية عن الميت أذكر تلخيصاً لبعضها:
الأول: إن الأضحية إنما شرعت في حق الحي فأول من فعلها إبراهيم عليه السلام حيث قال الله تعالى:} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {وهي أضحية أمر أن يذبحها يوم عيد النحر.
ثم سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته تشريفاً لعيد الأضحى الذي سمي باسمها، وشكراً لله على بلوغه، وإدخالاً للسرور على الأهل والعيال
…
وأنزل الله:} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {فالذين أمروا بصلاة العيد هم المأمورون بنحر الأضاحي وهم الأحياء، ولا علاقة لها بالأموات البتة.
وأما أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بالكبش عنه وعن أمته، فإن الله سبحانه وتعالى قد أثبت لنبيه الولاية التامة العامة على كافة أمته، وهي ولاية أحق وأخص من ولاية الرجل على عياله وأهل بيته
…
فمن ولايته أضحيته عن أمته كما يضحي أحدنا عن عياله وأهل بيته، بل أحق.
الثاني: إنه توفي عدد من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فتوفي ابنه إبراهيم وتوفي ثلاث من بناته وتوفيت زوجته خديجة
…
ومع هذا كله لم يضح عنها ولا عن أحد من ابنه وبناته، ولو كانت الأضحية عن الميت من شرعه لما بخل بها عن أحبابه وأقاربه ولفعلها ولو مرة واحدة، مع العلم أنه متصف بالجود والكرم، فكان يقسم الأضاحي بين أصحابه لتعميم العمل بسنة الأضحية.
الثالث: إن الصحابة هم الذين حفظوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغوها إلى الناس، ولم يحفظ عن أحد منهم أنه ضحى عن ميته، ولا أوصى أن يضحى عنه بعد موته، ولا وقف وقفاً له في أضحية وهم أحرص الناس على اتباع السنة وأبعدهم عن البدعة، فلو كانت
(1) الدلائل العقلية والنقلية في تفضيل الصدقة عن الميت على الضحية ص51 - 59.
الأضحية عن الميت سنة أو أن فيها فضيلة، أو أن نفعها يصل إلى موتاهم، لكانوا أحق بالسبق إليها ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
الرابع: إن جميع الصحابة الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل ما يفعلونه لموتاهم إنما أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء والصدقة وصلة الأقارب وقضاء الواجبات من حج ونذر، فهذا سعد بن عبادة قال: يا رسول الله إني أمي أفتلت نفسها ولم توص، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ فقال: نعم، تصدق عن أمك. ولم يقل ضح عن أمك.
وهذا أبو طلحة وضع بيرحاء بين يدي رسول الله
…
ولم يأمره أن يجعل فيها أضحية تذبح عنه بعد موته.
وهذا عمر استشار رسول الله في مصرف وقفه
…
فأشار عليه رسول الله بأن يحبس أصلها ويتصدق بثمرها
…
ولم يجعل له فيها أضحية.
الخامس: إن القائلين بمشروعية الأضحية عن الميت أخذاً من مفهوم أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عنه وعن أمته أنه فهم غير صحيح ولا مطابق للواقع، فإن هذه الأضحية وقعت عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الأصالة، وقد أشرك جميع أمته في ثوابها ولم يخص بذلك الأموات دون الأحياء، وهذه لا يقاس عليها لاعتبارها من خصائصه، فإن هذه الأضحية دخل في ثوابها الأحياء الموجودون من أمته وقت حياتهم، كما دخل فيها المعدمون ممن سيوجد من أمته إلى يوم القيامة، وهذا الفعل بهذه الصفة لا ينطبق على أضحية غيره
…
فدلت على الاختصاص به وعدم التشريع بها والحالة هذه.
السادس: إذ لو كانت للتشريع كما يقولون، لاستحب لكل مقتدر أن يضحي عن أمة محمد الموجودين والمعدومين، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ هذا محض الأسوة به، ولم يقل بذلك أحد من العلماء فسقط الاستدلال بموجبه.
السابع: إن أهل المعرفة بالحديث متفقون على أنه لا يوجد في الأضحية عن الميت حديث صحيح ولا حسن، يدل دلالة صريحة على الأمر بها، فضلاً عن أن يكون فيها أخبار متواترة أو مستفيضة، فمتى كان الأمر بهذه الصفة امتنع حينئذ التصديق بكون النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بها وشرعها لأمته، ولم ينقل فعلها عن أحد من الصحابة ولا التابعين، مع تكرار السنين وحرصهم على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سنته وتنفيذ أوامره، والعادة تقتضي نقل
ذلك لو وقع منهم، إذ هي من الأمور الظاهرة التعبدية التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها وتبليغها لكونهم أحرص الناس على فعل الخير وإيصال ثوابه إلى الغير من موتاهم فمتى كان الأمر كذلك علمنا حينئذ أنها ليست بمشروعة ولا مرغب فيها، لأن عدم فعلها يعتبر من الإجماع السابق زمن الصحابة، واعتبار حكم الإجماع في محل النزاع حجة.
الثامن: إن قدماء فقهاء الحنابلة من لدن القرن الثاني الذي فيه الإمام أحمد إلى القرن الثامن الذي فيه شيخ الإسلام، لم يحفظ عن أحد منهم ولم نجد في شيء من كتبهم القول بمشروعية الأضحية عن الميت، إلى أن نسب عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول باستحبابها، ثم أخذها صاحب الإقناع والمنتهى فأدخلاها على المذهب في القرن الحادي عشر، حيث قالا:(وأضحية عن ميت أفضل منها عن حي)، وفي الإقناع:(وذبحها ولو عن ميت أفضل من الصدقة بثمنها).
التاسع: مذاهب الأئمة الثلاثة، وهم مالك والشافعي وأبو حنيفة، كلهم متفقون على عدم استحباب الأضحية عن الميت، لعدم ما يدل على مشروعيتها
…
وحتى الإمام أحمد لم نجد عنه نصاً في استحباب الأضحية عن الميت
العاشر: إن الصحابة التابعين لم ينقل عنهم فعل الأضحية عن موتاهم، فقد علمنا ذلك بعدم نقله عنهم وهذه أسفار السنة على كثرتها منشورة بين الناس وهي لا تثبت عن أحد منهم فعلها
الحادي عشر: إن كل من تدبر النصوص الدينية من الكتاب والسنة وعمل الصحابة، فإنه يتبين له بطريق الجلية أن الأضحية إنما شرعت في حق من أدركه العيد من الأحياء شكراً لله عل بلوغه واتباعاً للسنة في إراقة الدم فيه لله رب العالمين، أشبه مشروعية صدقة الفطر عند عيد الفطر، لإغناء الطوافين من الفقراء والمساكين، فلو قال قائل بمشروعية صدقة الفطر عن الأموات، لعده العلماء مبتدعاً لعدم ما يدل على مشروعية ذلك، وهذا هو عين ما فهمه الصحابة من حكمة الأضحية، فكيف يمكن أن يقال بعد هذا إن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالشاة عن نفسه وعن أمته ليفهم عنه جواز الأضحية عن الموتى والفعل لا