الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
الانتفاع بالأضحية
المطلب الأول: الانتفاع بالأضحية المسنونة:
أولاً: الأكل منها:
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأكل من الأضحية مندوب.
وقال أهل الظاهر إن الأكل من الأضحية فرض وهو قول أبي الطيب بن سلمة من الشافعية (1).
قال ابن حزم: [وفرض على كل مضح ٍ أن يأكل من أضحيته ولا بد، ولو لقمة فصاعداً](2).
واستدل ابن حزم بقوله تعالى:} فَكُلُوا منْهَا {سورة الحج الآية 28.
وروى ابن حزم بإسناده عن إبراهيم النخعي قال: [سافر معي تميم بن سلمة فلما ذبحنا أضحيته فأخذ منها بضعة فقال: آكلها؟ فقلت له: وما عليك أن لا تأكل منها؟ فقال تميم: يقول الله تعالى:} فَكُلُوا منْهَا {فتقول أنت: وما عليك أن لا تأكل].
قال أبو محمد - ابن حزم -: [حمل هذا الأمر تميمٌ على الوجوب. وهذا الحق الذي لا يسع أحداً سواه. وتميم من أكابر أصحاب ابن مسعود](3).
وأما جمهور أهل العلم فقد استدلوا بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
…
فكلوا وادخروا وتصدقوا) متفق عليه.
وما ورد في حديث جابر رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (
…
كلوا وتزودوا) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية أخرى عند مسلم: (
…
كلوا وتزودوا وادخروا) (4).
(1) المغني 9/ 448، المجموع 8/ 414، تبيين الحقائق 6/ 8، الشرح الكبير 2/ 122، الذخيرة 4/ 158، بدائع الصنائع 4/ 223، فتح الباري 12/ 123، المحلى 6/ 48، الحاوي 15/ 117.
(2)
المحلى 6/ 48.
(3)
المحلى 6/ 50.
(4)
سيأتي تخريج هذه الأحاديث في مبحث ادخار لحوم الأضاحي.
وقد حمل الجمهور الأوامر في هذه الأحاديث على الندب؛ لأن الأمر فيها جاء بعد الحظر فيحمل على الندب أو الإباحة.
قال الحافظ ابن عبد البر: [وأما قوله: (فكلوا وتصدقوا وادخروا) فكلام خرج بلفظ الأمر، ومعناه الإباحة لأنه أمر ورد بعد نهي، وهكذا شأن كل أمر يرد بعد حظر أنه إباحة لا إيجاب](1).
وأما مقدار الأكل فقال الحنفية والحنابلة: يأكل ثلثها ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها.
ولو أكل أكثر من الثلث جاز (2).
وجاء عن الشافعي أنه يستحب قسمتها أثلاثاً لقوله: (كلوا وتصدقوا وأطعموا)(3).
واحتج ابن قدامة بما ورد عن ابن عباس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤَّال بالثلث] رواه الحافظ
أبو موسى الأصفهاني في الوظائف، وقال: حديث حسن (4).
وقالوا لأنه قول ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما، ولم نعرف لهما مخالفاً من الصحابة، فكان إجماعاً كما قال ابن قدامة (5).
ومن أهل العلم من استحب أن يأكل نصفاً ويطعم نصفاً (6)، لقول الله تعالى في الهدايا
:} فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ {سورة الحج الآية 36.
وأما الإمام مالك فلم يحد في ذلك شيئاً ويقول: يأكل ويتصدق.
والدليل على أنه لا تحديد في المسألة، بل الأمر على الاستحباب، حديث ثوبان رضي الله عنه قال:
(ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته ثم قال: يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية. قال: فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة) وقد سبق (7).
(1) الاستذكار 15/ 173.
(2)
المجموع 8/ 415، المغني 9/ 448، بدائع الصنائع 4/ 223، الحاوي 15/ 117، فتح الباري 12/ 123.
(3)
فتح الباري 12/ 123.
(4)
المغني 9/ 448 - 449.
(5)
المصدر السابق 9/ 449.
(6)
فتح الباري 12/ 123.
(7)
الاستذكار 15/ 174، الشرح الكبير 2/ 122.
ويستحب لمن أراد أن يضحي في يوم الأضحى أن يخرج إلى صلاة العيد ولا يأكل شيئاً حتى يصلي ثم يذبح أضحيته فيأكل منها، وهذا قول أكثر العلماء (1).
قال الشيخ ابن قدامة: [
…
ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي، وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم علي وابن عباس ومالك والشافعي وغيرهم لا نعلم فيه خلافاً] (2).
ومما يدل على ذلك ما جاء في الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) رواه الترمذي ثم قال: [وقد استحب قوم من أهل العم أن لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم شيئاً، ويستحب له أن يفطر على تمر، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع](3).
والحديث رواه أيضاً ابن ماجة وابن حبان، وقال الشيخ الألباني: صحيح (4).
والحكمة في امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل قبل الصلاة يوم الأضحى هي: [ليكون أول ما يطعم من لحم أضحيته، فيكون مبنياً على امتثال الأمر](5).
وقال الإمام أحمد: والأضحى لا يأكل فيها حتى يرجع إذا كان له ذبح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من ذبيحته، وإذا لم يكن له ذبح لم يبالِ أن يأكل (6).
وقال الشعبي: إن من السنة أن تطعم يوم الفطر قبل أن تغدو، وأن تؤخر الطعام يوم النحر حتى ترجع (7).
وقال سعيد بن المسيب: كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل المصلى، ولا يفعلون ذلك يوم النحر (8).
(1) الاستذكار 7/ 37، المغني 2/ 275، فتح الباري 3/ 100 - 101.
(2)
المغني 2/ 275.
(3)
سنن الترمذي مع شرحه التحفة 3/ 80.
(4)
سنن ابن ماجة 1/ 558، الإحسان 7/ 52، صحيح سنن الترمذي 1/ 168.
(5)
مرقاة المفاتيح 3/ 544 - 545.
(6)
المغني 2/ 275.
(7)
الاستذكار 7/ 39.
(8)
المصدر السابق 7/ 40.