الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الراجح في آخر وقت الأضحية:
إن الأقوال الثلاثة الأخيرة ضعيفة، ولم يأت القائلون بها بما يعتد به، فبقي الكلام في الترجيح بين القولين الأول والثاني، وقبل الترجيح أذكر ما قاله الحافظ ابن عبد البر بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة حيث قال: [ولا يصح عندي في هذه المسألة إلا قولان: أحدهما قول مالك والكوفيين الأضحى يوم النحر ويومان بعده.
والآخر قول الشافعي والشاميين يوم النحر وثلاثة أيام بعده.
وهذان القولان قد رويا عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واختلف عنهم فيهما.
وليس عن أحد من الصحابة خلاف هذين القولين، فلا معنى للاشتغال بما خالفهما؛ لأن ما خالفهما لا أصل له في السنة، ولا في قول الصحابة، وما خرج عن هذين فمتروك لهما] (1).
إذا تقرر هذا فأقول: الذي يظهر لي رجحان ما ذهب إليه الشافعية، أي أن آخر وقت الذبح هو غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق، فمدة الذبح أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة أيام بعده، ويؤيد هذا الترجيح ما يلي:
(1) الاستذكار 15/ 205.
أولاً: إن تفسير الأيام المعلومات في الآية:} وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ {محل خلاف بين أهل العلم، وتفسيرها بأنها يوم النحر ويومان بعده، هو أحد أقوال أهل العلم في تفسيرها. وهنالك أقوال أخرى في ذلك، منها:
أ. الأيام المعلومات أيام العشر الأول من ذي الحجة، قاله ابن عباس، وعلَّقهُ البخاري عنه بصيغة الجزم. وروي مثله عن أبي موسى الأشعري ومجاهد وقتادة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وغيرهم.
ب. الأيام المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وروي عن ابن عباس أيضاً، ونقل عن ابن عمر وإبراهيم النخعي، وإليه ذهب الإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه.
ج. الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده، وهو منقول عن الإمام مالك.
د. الأيام المعلومات يوم عرفة ويوم النحر ويوم آخر بعده، ونقل عن أبي حنيفة. (1)
فقولهم ليس بأولى من قول غيرهم في الأيام المعلومات.
ثانياً: قال ابن القيم: [وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فلا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط؛ لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يدخر شيئاً فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث، لجاز له الادخار وقت النهي ما بينه وبين ثلاثة أيام.
والذين حددوه بالثلاث، فهموا من نهيه عن الادخار فوق ثلاث أن أولها من يوم النحر.
قالوا: وغير جائز أن يكون الذبح مشروعاً في وقت يحرم فيه الأكل.
قالوا: ثم نسخ تحريم الأكل فبقي وقت الذبح بحاله.
فيقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن الادخار فوق ثلاث، لم ينه عن التضحية بعد ثلاث، فأين أحدهما من الآخر، ولا تلازم بين ما نهى عنه، وبين اختصاص الذبح بثلاث لوجهين:
(1) تفسير ابن كثير 3/ 216 - 217، تفسير فتح القدير 3/ 205، التفسير الكبير 23/ 29، أضواء البيان 5/ 344.
أحدهما: أنه يسوغُ الذبح في اليوم الثاني والثالث، فيجوز له الادخار إلى تمام الثلاث من يوم الذبح. ولا يتم لكم الاستدلال حتى يثبت النهي عن الذبح بعد يوم النحر، ولا سيبلَ لكم إلى هذا.
الثاني: أنه لو ذبح في آخر جزء من يوم النحر، لساغ له حينئذ الادخار ثلاثة أيام بعد بمقتضى الحديث، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيام النحر: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده، وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي رحمه الله، واختاره ابن المنذر،
ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى، وأيام الرمي، وأيام التشريق، ويحرمُ صيامُها، فهي إخوة في هذه الأحكام، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع؟] (1).
ثالثاً: إن حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
…
وكل أيام التشريق ذبح) حديث حسن أو صحيح، وقد صححه ابن حبان والسيوطي، ووثق رجاله الحافظ ابن حجر وشيخه الهيثمي من المتقدمين، وصححه من المتأخرين الشيخ الألباني والشيخ أحمد الغماري والشيخان شعيب وعبد القادر الأرناؤوط فهو صالح إن شاء الله للاحتجاج.
ولو سلَّمنا أنه موقوف كما قال بعض المحدثين فله حكم الرفع لأن مثله لا يقال بمجرد الرأي.
رابعاً: إن هذا القول منقول عن جماعة من الصحابة منهم علي وابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم.
ومنقول عن جماعة من التابعين منهم الحسن وعطاء وبه قال عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وكان أحد أئمة أهل الشام في العلم.
(1) زاد المعاد 2/ 318 - 319.