الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: علاقة الفقه بالطب، ومكانة الطب في الشريعة الإسلامية:
بدأت العلاقة بين الفقه والطب مبكرة جداً، فمنذ ظهور التشريع الإسلامي ظهرت العلاقة بين الفقه والطب، فقد طهّر النبي صلى الله عليه وسلم الطب من الخرافة والشعوذة والتنجيم والتمائم التي استخدمت قبل الإسلام بين العرب وغيرهم كوسيلة من وسائل التطبب أو العلاج، وحسم الأمر بأقوى الألفاظ والأحكام، فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» (1).
وقوله: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً، فَلَا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً، فَلَا وَدَعَ اللهُ لَهُ» (3).
وهذا الحسم يعتبر دعوة صريحة للعلم التجريبي خاصة إذا ما أضيف إليه المنع من ممارسة الطب لغير الخبير بالمهنة وتضمين من مارسها وليس عارفاً بها حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَطَبَّبَ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ، فَهُوَ ضَامِنٌ» (4).
(1) رواه أبو داود، كتاب الطب، باب في الكاهن، رقم: 3904
(2)
رواه البزار في مسنده، مسند عمران بن حصين، رقم:3578.
(3)
رواه أحمد في المسند، مسند عقبة بن عامر، رقم:17440.
(4)
رواه أبو داود، كتاب الديات، باب من تطبب بغير علم فأعنت، رقم:4588.
كما تجلت العلاقة بين الفقه والطب في كون حفظ النفس من مقاصد الشريعة الكبرى، وحفظها يكون بصيانتها من العطل والهلاك، فجاء الأمر بحفظ النفس والتداوي معززاً لهذه القاعدة.
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29].
وهذه الآية دعوة صريحة للطب الوقائي.
وقال صلى الله عليه وسلم: «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ عز وجل لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ» (1).
إنّ هذه النصوص القرآنية والنبوية أوجدت عند المسلمين حافزاً للاهتمام بالطب، وقد أفرد العلماء في كتب الحديث أبواباً خاصة بالطب كما في البخاري ومسلم وغيرهما (2).
وصنف بعض الفقهاء كتباً مفردة ذكروا فيها تفاصيل طبية وتشريحية مما
(1) رواه أبو داود في السنن، كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى، رقم:3855، والترمذي، كتاب الطب، بَاب ما جاء في التَّدَاوِي بِالْعَسَلِ، رقم:2082، وقال: حسن صحيح.
(2)
انظر: البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي، الجامع الصحيح، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، (بيروت: دار ابن كثير ، الطبعة الثالثة، 1407 هـ- 1987 م) ج 5، ص 2167، وانظر: مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ط، د. ت) ج 4، ص 1718، أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، (دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 4، ص 3.
يدل على عنايتهم بالطب، مثل كتاب الطب النبوي لابن القيم (1).
قال الإمام الشافعي: «لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب» (2).
وقال العز بن عبد السلام: «الطب كالشرع، وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام» (3).
كما قرر الأئمة أنّ دراسة الطب من فروض الكفايات التي يلزم تعلمها على بعض المسلمين، وإلّا لحق الإثم جميع الناس.
قال الإمام النووي: «وأما العلوم العقلية فمنها ما هو فرض كفاية كالطب والحساب» (4).
ونقل النووي عن الإمام الغزالي قوله: «إنّ الحرف والصناعات التي لا بد للناس منها في معايشهم كالفلاحة فرض كفاية، فالطب والحساب أولى» (5).
OOOOO
(1) انظر: ابن القيم، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، الطب النبوي، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق (بيروت: دار الفكر، د. ط).
(2)
انظر: الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، محمد نعيم العرقسوسي (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة: التاسعة، 1413 هـ) ج 10، ص 57.
(3)
العز بن عبد السلام، عز الدين السلمي، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، (بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط، د. ت) ج 1، ص 4.
(4)
النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين (بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405) ج 10، ص 223.
(5)
المرجع السابق، ج 10، ص 223.