المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية - المفطرات الطبية المعاصرة دراسة فقهية طبية مقارنة

[عبد الرزاق الكندي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ توطئة:

- ‌ موضوع البحث وأهميته:

- ‌ مشكلة البحث:

- ‌ أسئلة البحث:

- ‌ أهداف البحث:

- ‌ أسباب اختيار الموضوع:

- ‌ ما ستضيفه هذه الدراسة:

- ‌ منهجية البحث:

- ‌ هيكل البحث:

- ‌الفصل الأولالتعريفات المنهجية، وأهمية دراسة نوازل الصيام، وضوابط الفتيا فيها، والعلاقة بين الفقه والطب

- ‌المبحث الأولالتعريفات المنهجية للمُفَطِّرات الطبية المعاصرة

- ‌المطلب الأول: تعريف الصوم:

- ‌المطلب الثاني: تعريف المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الثالث: استخدام مصطلح المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الرابع: تعريف الطب:

- ‌المطلب الخامس: تعريف المعاصرة:

- ‌المبحث الثانيأهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات

- ‌المطلب الأول: تعريف النوازل لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الثاني: أهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات المعاصرة:

- ‌المبحث الثالثشروط الفتوى في النوازل، ومن له حق الإفتاء فيها

- ‌المبحث الرابعالعلاقة بين الفقه والطب

- ‌المطلب الأول: علاقة الفقه بالطب، ومكانة الطب في الشريعة الإسلامية:

- ‌المطلب الثاني: جهود العلماء المسلمين في مجال الطب:

- ‌المطلب الثالث: اعتماد بعض الأحكام الشرعية على التخصصات الطبية:

- ‌المبحث الخامسحكم التداوي

- ‌المطلب الأول: تعريف التداوي:

- ‌المطلب الثاني: حكم التداوي:

- ‌المطلب الثالث: حكم التداوي للصائم:

- ‌الفصل الثانيتقرير قواعد الفقهاء في باب المُفَطِّرات

- ‌المبحث الأولالمُفَطِّرات المجمع عليها والمختلف فيها

- ‌المطلب الأول: المُفَطِّرات المجمع عليها:

- ‌المطلب الثاني: المُفَطِّرات المختلف فيها:

- ‌المبحث الثانيالموسعون والمضيقون في باب المُفَطِّرات

- ‌المطلب الأول: مذهب الموسعين في المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الثاني: مذهب المضيقين في المُفَطِّرات:

- ‌المبحث الثالثتحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء

- ‌المطلب الأول: تعريف الجوف في اللغة:

- ‌المطلب الثاني: الجوف في النصوص الشرعية:

- ‌المطلب الثالث: الجوف عند الفقهاء:

- ‌المطلب الرابع: الجوف عند الأطباء المعاصرين (1)

- ‌المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف:

- ‌المبحث الرابعضابط المُفَطِّرات

- ‌الفصل الثالثالمُفَطِّرات الطبية المعاصرة

- ‌المبحث الأولما يدخل الجسم عبر منافذ الوجه

- ‌المطلب الأول: بخاخ الربو وملحقاته:

- ‌المطلب الثاني: غاز الأكسجين:

- ‌المطلب الثالث: غاز التخدير (Gas anesthesia)

- ‌المطلب الرابع: معجون الأسنان ومطهرات الفم ومعالِجاته:

- ‌المطلب الخامس: منظار المعدة:

- ‌المطلب السادس: قطرات الأنف وملحقاتها:

- ‌المطلب السابع: قطرات العين، وملحقاتها:

- ‌المطلب الثامن: قطرات الأذن وملحقاتها:

- ‌المطلب التاسع: الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان:

- ‌المبحث الثانيما يدخل الجسم عبر الجلد نفاذًا وامتصاصاً

- ‌المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية

- ‌المطلب الثاني: حقْن الدم في الوريد:

- ‌المطلب الثالث: الغسيل الكلوي البريتوني (1) (Peritoneal dialysis)

- ‌المطلب الرابع: منظار البطن (LAPROSCOPE):

- ‌المطلب الخامس: القسطرة القلبية (Cardiac Catheterization):

- ‌المطلب السادس: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية والتجميلية

- ‌المبحث الثالثما يدخل الجسم عبر الجهاز التناسلي والشرج

- ‌المطلب الأول: ما يدخل عبر الجهاز التناسلي للمرأة:

- ‌المطلب الثاني: ما يدخل عبر الجهاز البولي

- ‌المطلب الثالث: ما يدخل عن طريق الشرج:

- ‌المبحث الرابعالخارج من البدن

- ‌المطلب الأول: الغسيل الكلوي الدموي (Hemo dialysis):

- ‌المطلب الثاني: التبرع بالدم:

- ‌المطلب الثالث: أخذ الدم للتحليل:

- ‌المطلب الرابع: شفط الدهون (Liposuction):

- ‌الخاتمة

- ‌النتائج والتوصيات

- ‌ التوصيات:

الفصل: ‌المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية

‌المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية

.

تمهيد:

قبل استعراض التفاصيل حول أنواع الحقن وحكم استخدامها يحسن بيان طبيعة الحقن بشكل عام من الناحية الطبية.

أما من الناحية الفقهية فليس للفقهاء المتقدمين كلام عنها لكونها مستجدة وما تحدثوا عنه من حقنة الشرج فتلك صورة مغايرة للحقن الطبية الحديثة (1)، ولكن من خلال الصورة التشريحية فإنَّ أقرب تكييف فقهي له هو ماذكره الفقهاء في مسألة صب الدواء في الجروح الغائرة، وسيأتي تفصيله.

الجانب الطبي:

تعريف الحُقنة:

هي إبرة مجوفة تستخدم كأداة طبية لحقن السوائل الطبية بالجسم سواء تحت الجلد في العروق والشرايين أو في العضل. وتربط بالمحقن الذي يتكون من أنبوب مستدق في أحد طرفيه، ويمر بداخله مكبس، أو ذراع اسطواني مسمط، ويعمل كل من الكبس والذراع على دفع السوائل أو سحبها بواسطة الشفط.

(1) حقنة الشرج التي ذكرها الفقهاء عبارة عن قمع يوضع فيه دواء يصب في الدبر عن طريق أنبوب يدخل إلى الدبر. انظر: الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، مرجع سابق، ج 1، ص 237.

ص: 265

الحالات التي تستخدم فيها الحُقن:

- عند الرغبة بإحداث تأثير دوائي سريع كما هو الحال في حالات الطوارئ.

- عندما يكون المريض غير متعاون أو غير واعي.

- عندما يكون المريض غير قادر على قبول أو تحمل الدواء عن طريق الفم.

- عندما يكون الدواء غير فعال بالطرق الأخرى.

ميزات طرق الحقن:

1.

آنية التأثير: تستعمل في حالات الإسعاف (كمنبهات القلب والتنفس)

2.

قد تكون الطريق الوحيد لإعطاء الدواء (في حالات العمليات الجراحية).

3.

تساعد على ترميم حجم الدم أو البلاسما، وإعطاء المصول في حالات النزف أو الإسهال.

4.

وصول الدواء إلى الدم بكامل كميته ودون أن يتخرب.

5.

الامتصاص السريع للدواء.

6.

في حالات المرضى الذين يسبب لهم الدواء اضطرابات في الجهاز الهضمي.

طرق الحقن المستخدمة:

• الحقن العضلي.

• الحقن في الجلد (داخل الأدمة) أو تحت الجلد.

ص: 266

• الحقن الوريدي.

• الحقن في تجاويف الجسم ويشمل الحقن في الشرايين، وفي القلب (1).

وفي ضوء الواقع الطبي فإنَّ الدراسة ستتجه لأنواع الحقن الأربع.

3:25 صورة للحقنة

(1) Lyn، W، Julie، K. Silver، M.D. & Ted، A. Lennard، 2007.Eesy injections. Philadelphia. 1 - 20. Butterworth Heinemann Elsevier

ص: 267

المسألة الأولى: الحقن العضلية (Injection Intramuscular)

الجانب الطبي:

سبق لنا في التمهيد الحديث عن ماهية الحُقن وطبيعة استخدامها وأنواعها، وحديثنا هنا عن النوع الأول منها، وهو الحقن العضلية:

طريقة الحقن داخل العضل:

تنفذ الحقن عميقاً داخل العضلات الهيكلية، ويجب أن تكون نقطة الحقن أبعد ما تكون عن الأعصاب الرئيسية وأوعية الدم، وتتم بالعضلات الكبيرة الفقيرة بالأوعية الدموية والأعصاب الكبيرة، وعند البالغين فإن الربع العلوي الخارجي من العضلة الأليوية أكثر المواقع استخداماً من أجل حقن الدواء داخل العضل ، ويمكن أيضا الحقن في الوجه الوحشي للفخذ.

وعادة ما يكون حجم الدواء الذي يمكن إعطاؤه عن طريق العضل محدود، وبشكل عام فإن الحد الأقصى هو 5 مل داخل العضل في المنطقة الألوية و 2 مل في العضلة الدالية.

ويُؤمِّن حقن الدواء داخل العضل تأثيرات دوائية ذات سرعة أقل من الحقن الوريدية، ولكن بشكل عام فهي ذات مدة أكبر، ويمكن أن تُعطى المحاليل المائية أو الزيتية أو المواد الدوائية داخل العضل، وتختلف معدلات الامتصاص عن طريق العضل بشكل واسع حسب نموذج المستحضر المستخدم، فالأدوية التي بشكل محلول ستكون أسرع امتصاصاً من تلك التي تكون بشكل

ص: 268

كبسولات، والأدوية في المستحضرات المائية أسرع امتصاصاً مما هو عليه الحال في المستحضرات الزيتية (1).

3:26 صورة لإبرة العضل في الكتف

3:27 صورة لإبرة العضل في الإلية

الجانب الفقهي للحقن العضلية:

التكييف الفقهي:

من خلال الاستعراض الطبي للحقن العضلية تبين لنا أن حقيقتها إدخال مواد دوائية عن طريق الغرز في الجلد والنفاذ إلى العضل ليتم تشرب الدواء فيها ثم توزيعه على الجسم عن طريق الأوردة الدموية.

وإذا تأملنا ما ذكره الفقهاء في باب المُفَطِّرات نجد أن الصورة التي يمكن تكييف الحقن العضلية عليها هي مسألة المداواة في لحم الساق أو الفخذ.

(1) انظر: طرق الحقن، موقع العيادات السورية على شبكة الإنترنت:

http://www.syrianclinic.com/vb/threads/5219، تاريخ التصفح، 7/ 9/2010 م.

ص: 269

التخريج الفقهي:

نص الشافعية والحنابلة على أن المداواة في الفخذ أو الساق ليس مفسداً للصوم.

وهذه نصوصهم تبين موقفهم من هذه المسألة التي سيبنى عليها الحكم التخريجي للحقن العضلية.

• الشافعية:

قال النووي: «أو أوصل الدواء إلى داخل لحم الساق، أو غرز فيه سكيناً، أو غيرها فوصلت مخه لم يفطر بلا خلاف؛ لأنه لا يعد عضواً مجوفاً» (1).

وقال الشربيني: «لو داوى جرحه الذي على لحم الساق، أو الفخذ فوصل الدواء إلى داخل المخ، أو اللحم، أو غرز فيه حديدة، فإنه لا يفطر؛ لأنه ليس بجوف» (2).

• الحنابلة:

قال ابن مفلح: «وإن قَطَّر في إحليله دهناً لم يفطر، لعدم المنفذ، وإنما يخرج البول رشحاً، كمداواة جرح عميق لم يصل إلى الجوف» (3).

(1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322.

(2)

الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، مغني المحتاج، مرجع سابق، ج 1، ص 428.

(3)

ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 56.

ص: 270

حكم الحقنة العضلية في ضوء تخريج الفقهاء المتقدمين:

من خلال كلام الشافعية والحنابلة حول مسألة مداواة لحم الساق، والجروح العميقة، فإنه يتبين لنا أنها غير مفسدة للصوم، أما الحنفية والمالكية فلم أقف لهم على نص في هذه الصورة، إلا أنهم أقل توسعاً في المُفَطِّرات من الشافعية والحنابلة اللذين هما أوسع المذاهب في المُفَطِّرات.

الراجح في حكم الحقن العضلية:

يرى الباحث بعد النظر في حقيقة الحقن العضلية من الناحية الطبية، وفي ضوء تقرير الفقهاء المتقدمين أنَّ الحقن العضلية لا تُفَطِّر للأسباب التالية:

1 -

أنها دواء يضخ إلى الجسم عن طريق العضل، فلا يصدق عليه أنه طعام أو شراب، وليس في معناهما.

2 -

الدواء الواصل عن طريق الحقن العضلية وإن وصل إلى الأوردة الدموية إلا أنه لا يغني الصائم عن الطعام والشراب، ولا يقوم بتزويد الجسم بمواد يستطيع من خلالها القيام بالعمليات الحيوية أو توليد الطاقة، فهو ليس بمعنى الأكل والشرب قطعاً.

3 -

أنّ الدواء يدخل من منفذ الجلد الذي هو منفذ غير معتاد للأكل والشرب، ولا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب، ولا إلى ما اعتبره الفقهاء جوفاً.

ص: 271

وقد أطبق المعاصرون على أن الحقن العضلية لا تُفَطِّر، منهم: الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقاً (1)، والشيخ محمود شلتوت (2)، والشيخ ابن باز مفتي السعودية سابقاً (3)، والشيخ العثيمين (4)، والشيخ يوسف القرضاوي (5).

بل إنَّ الشيخ القرضاوي نقل إجماع المعاصرين على أن الحقن العضلية لا تُفطِّر (6)، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في قراراته حول المُفَطِّرات (7).

• المسألة الثانية: الحقن الجلدية (Skin Injection)

الجانب الطبي:

الحقن الجلدية: هي الحقن التي يتم فيها إعطاء الدواء بين طبقات الجلد، ومن هذه الحقن حقن الأنسولين وحقن التجميل، وحقن التطعيمات، وفي

(1) انظر: الخليل، أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، ص 65.

(2)

انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 136.

(3)

انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 257.

(4)

العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 220 - 221.

(5)

انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 85

(6)

المرجع السابق، ص 85.

(7)

انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات المعاصرة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 464.

ص: 272

التخدير الموضعي، وغيرها (1)، وهذه الحقن تحتوى على مواد علاجية أو تجميلية.

فأما الحقن العلاجية فيتم امتصاص المواد التي فيها عبر المسامات إلى داخل الجسم ثم تمتصها الشعيرات الدموية، ومن ذلك حقن الأنسولين (2)، وحقن التطعيمات.

وأما الحقن التجميلية فهذه تظل المواد المحقونة تحت الجلد كمواد تعويضية عن الأنسجة التالفة، ومن ذلك:

حقن البوتوكس: ويتم حقن هذه المادة في أماكن معينة بالجسم بغرض عمل ارتخاء في عضلات هذه الأماكن مثل «الجبهة، وبين الحاجبين» وعند بعض المرضى نجد أن انقباض عضلات الوجه الزائد يؤدي إلى شكل عبوس أو غضبان ولكن بعد حقن هذه المادة وارتخاء العضلات يظهر الشكل طبيعي، ولكن يحتاج المريض عادة إلى عدة جلسات للحقن قد تصل إلى ست جلسات أو أكثر.

أما حقن الكورتيزون فيتم استعمالها لعلاج النسيج المتجدد الجلدي، ويتم حقنها على جلسات داخل النسيج المتجدد فيتم تعطيل تواصل واستمرار تكوين هذا النسيج المتجدد ويتحسن شكل الجلد (3).

(1) الموسوعة الطبية الحديثة، ج 3، ص 525، نقلا عن: العقرب، عبد الحليم عبد الحافظ، أحكام الصيام المترتبة على تحديد الجوف، مرجع سابق، ص 227.

(2)

انظر: عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 674.

(3)

من حوار مع الدكتور مجدي كامل عبد الجليل، أخصائي التجميل بمستشفى بريدة المركزي في السعودية بتاريخ 6/ 2/2010 م.

ص: 273

3:28 صورة تبين حقنة الأنسولين الجلدية

3:29 صورة تبين تعاطي حقن البوتوكس تحت الجلد

الجانب الفقهي للحقن الجلدية:

التكييف الفقهي:

عند النظر في كلام الفقهاء المتقدمين لا نجد لهم حديث عن صورة مطابقة للحقن الجلدية لعدم وجودها في زمنهم، إلا أننا نجد صور مقاربة لها من حيث المؤدى العام، فالحقن الجلدية التي تعطى بين طبقات الجلد الصورة الأقرب لها ما ذكره الفقهاء في مسألة مداواة الجرح في الفخذ أو الساق، فتكيف فقهياً عليها.

التخريج الفقهي:

نص الشافعية والحنابلة على أن المداواة في الفخذ أو الساق ليس مفسداً للصوم، وقد سبقت أقوالهم في المسألة السابقة (الحقنة العضلية) فإدخال الدواء إلى لحم الفخذ أو الساق لا يُفَطِّر عندهم (1).

(1) انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322، وابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 56.

ص: 274

وعليه فإن الحقنة الجلدية سواء النافذة كحقن الأنسولين والتطعيمات، أو المستقرة في الجلد، كالحقن التجميلية كلها لا تفسد الصوم ولا تؤثر على صحته.

ترجيح الباحث:

بعد الاستعراض الطبي والفقهي للحقن الجلدية يرى الباحث أن الحقن الجلدية لا تُفَطِّر، سواء ما يتم امتصاصه، أو ما يبقى مستقراً تحت الجلد، وأسباب الترجيح هي:

1 -

أن الحقن الجلدية عبارة عن دواء يضخ للجسم عن طريق العضل، فلا يصدق عليها أنها طعام أو شراب، وليس في معناهما.

2 -

ما يتم امتصاصه عبارة عن أدوية وعقاقير لا تغني الصائم عن الطعام والشراب، ولا يقوم بتزويد الجسم بما يحتاجه من مواد حيوية، فهي ليس بمعنى الأكل والشرب قطعاً.

3 -

أنّ الدواء الداخل من الجلد لا يصل إلى ما اعتبره الفقهاء جوفاً (1).

وهذا ماقرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته حول المُفَطِّرات (2)، وعليه

(1) ويبقى أمر آخر ليس محل دراستنا وهو الحكم الشرعي لحقن التجميل، وخطورتها، لأنّ عدم تأثيرها على صحة الصوم لا يعني جواز استخدامها مطلقاً، فهذه مسألة للفقهاء المعاصرين فيها كلام وتفصيل ليس محله هذا البحث.

(2)

انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات المعاصرة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 464.

ص: 275

معظم المعاصرين، ومنهم:

الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقاً (1)، والشيخ محمود شلتوت (2)، والشيخ ابن باز مفتي السعودية سابقاً (3)، والشيخ العثيمين (4)، والشيخ يوسف القرضاوي (5).

وذكر الشيخ القرضاوي أن القول بعدم تفطير الحقن الجلدية والعضلية هو ما أجمع عليه الفقهاء المعاصرون (6).

• المسألة الثالثة: الحقن الوريدية:

الجانب الطبي:

الوريد: وعاء أُنبوبي يحمل الدم في اتجاه القلب، حيث يجري الدم في الجسم بواسطة شبكة من الأنابيب تُسمَّى الأوعية الدموية.

(1) انظر: السبكي، محمود محمد خطاب، الدين الخالص للسبكي، تحقيق: محمود أمين خطاب، (د. د، الطبعة الثالثة، 1406 هـ- 1958 م) ج 8، ص 457. وفتوى الشيخ محمد بخيت مثبتة بحاشية الصفحة المذكورة.

(2)

انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 136.

(3)

انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 257.

(4)

العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 220 - 221.

(5)

انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 85.

(6)

المرجع السابق، ص 85.

ص: 276

وهناك ثلاثة أنواع من الأوعية هي: الشرايين والشعيرات والأوردة، وتقوم معظم الأوردة بإرجاع الدم إلى القلب بعد أن يقوم بتغذية الخلايا وتنقيتها من الفضلات والسموم، ويسمَّى الدم الجاري في الأوردة الدم الوريدي، ويصب كل الدم الوريدي في وريدين كبيرين جدًا مفتوحين في القلب، أحدهما الوريد الأجوف العلوي، الذي يحمل الدم من الرأس واليدين، والآخر الوريد الأجوف السفلي الذي يحمل الدم من اليدين والقدمين (1).

طبيعة الحقن الوريدية:

الحقن الوريدية هي إدخال مواد إلى داخل دم الإنسان عن طريق الوريد، وهي إما سوائل مغذية تعوض الجسم عن حاجاته الغذائية، أو عقاقير علاجية، أو مواد مساعدة على التشخيص (2).

(1) انظر: موقع الموسوعة المعرفية الشاملة على شبكة الإنترنت:

http://mousou 3 a.educdz.com تاريخ التصفح، 4/ 7/2010 م.

(2)

البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 201.

ص: 277

3:30 صورة تبين طريقة إعطاء الحقن الوريدية

ومن خلال ما سبق يتبين أن الحقن الوريدية على نوعين:

1 -

الحقن الوريدية المغذية:

وهي عبارة عن سكريات ومعادن وسوائل تعطى عن طريق التسريب الوريدي وهذه تكون بكميات كبيرة ولمدة طويلة، وتُجعل على شكل محاليل معقمة تحتوي على المواد الغذائية اللازمة للبقاء على قيد الحياة، موضوعة في قِرَب طبية توصل بأنبوب في طرفه إبرة تُحقن في وريد المريض. وتعطى للمرضى الذين لا يستطيعون الحصول على حاجتهم من المواد الغذائية لأسباب مرضية، أو غيرها كالمضربين عن الطعام (1).

ويتكون محلول التغذية الوريدي من ماء معقم وكمية قليلة من كلوريدا

(1) من حوار مع الدكتوره زكية مرسي زكي، أخصائية تخدير. بالمستشفى المركزي بمدينة بريدة، السعودية، بتاريخ 9/ 2/2010 م.

ص: 278

الصوديوم، والدكستروز (السكر)، الذي يعتبر المصدر الرئيسي لإمداد الجسم بالطاقة، حيث يحتوي كل لتر من هذا المحلول على 50 جرام من السكر، ويتم حفظ هذا المحلول بأكياس بلاستيكية، أو عبوات زجاجية.

استفادة الجسم من الحقن الوريدية:

تقول الدكتوره زكية مرسي: «حقن المحاليل عن طريق الوريد تذهب المواد فيها مع تيار الدم إلى جميع أجزاء الجسم للاستفادة منها في العمليات الحيوية المختلفة فإما أن تسرع تفاعل حيوي، أو تلغى آخر، أو تستخدم في توليد الطاقة، ويستفيد الجسم من تسريب السوائل المحتوية على مغذيات كأي غذاء يتم هضمه وامتصاصه بالدم في تعويض الجسم بالجلوكوز والمعادن والسوائل اللازمة للقيام بالعمليات الحيوية المختلفة وتوليد الطاقة» (1).

2 -

الحقن الوريدية العلاجية:

وهي عبارة عن مواد دوائية مخلوطة ببعض المحاليل الملحية أو السكرية تُعطى لمعالجة الأمراض المختلفة، أو للمساعدة في إجراء تشخيص، وهذه عادة تعطى في الحالات العادية عن طريق الحقن دفعة واحدة، ولا يستغني بها الجسم عن الطعام والشراب، ولا تمده بالطاقة اللازمة، وإنما هي لأغراض علاجية (2).

(1) المرجع السابق (من نفس الحوار مع الدكتوره).

(2)

أفادني بذلك الدكتور محمد علي البار كبير خبراء المجامع الفقهية في الجانب الطبي في حواري معه في عيادته الخاصة بمدينة جدة، في تاريخ 27 - جمادى الثاني-1431 هـ الموافق 9/ 6/2001 م.

ص: 279

3:31 صورة توضح كيفية إعطاء محاليل التغذية عن طريق الوريد

الجانب الفقهي:

التكييف الفقهي للحقن الوريدية:

لم يتعرض الفقهاء المتقدمون –رحمهم الله لهذه الحقن أو صورة مشابهة لها؛ إذ لم يكن ذلك معروفا في زمانهم، وما تحدثوا عنه من أمر الحقنة الشرجية فهي صورة مختلفة تماماً عن هذه الحقن، حيث أنها عبارة عن وعاء جلدي يوضع به الدواء ويصب عن طريق قمع في الدبر (1).

فيعوزنا تكييف هذه المسألة على صورة مطابقة أو مشابهة عند الفقهاء المتقدمين، وأقرب ما يمكن تكييفه عليه هو مسألة ما يخترق الجلد ويصل العضل،

(1) انظر: ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري، لسان العرب، مرجع سابق، ج 13، ص 126، والنووي، يحيى بن شرف الدين، تحرير ألفاظ التنبيه، تحقيق: عبد الغني الدقر، (دمشق: دار القلم، الطبعة الأولى، 1408 هـ) ج 1، ص 125. والحقنة الشرجية تُستخدم اليوم في الطب الحديث بأدوات أكثر تطوراً، وتم بحثها في مبحث ما يدخل عن طريق الجهاز التناسلي والشرج، ص (358).

ص: 280

كالصورة التي تم التخريج عليها في الحقنة العضلية (1).

التخريج الفقهي:

في ضوء هذا التكييف يكون الحكم فيها هو ما قلناه في الحقنة العضلية من أن ما تم نفاذه عبر الجلد إلى العضل ولم يصل الجوف لا يفطر، كما نص عليه الشافعية والحنابلة (2).

هذا من حيث التكييف والتخريج التقريبي عند الأئمة المتقدمين، ولكن كون هذه المسألة لم يسبق لها صورة مشابهة تماماً عند المتقدمين كثر الخلاف فيها عند الفقهاء المعاصرين، لذا يحسن عرض آرائهم وأدلتهم حول هذه الحقن.

أقوال الفقهاء المعاصرين وأدلتهم في حكم الحقن الوريدية للصائم:

الحقن الوريدية من المسائل التي أثارت جدلاً كبيراً بين الفقهاء المعاصرين، فمنهم من ذهب إلى أن المغذية مفسدة للصوم وغير المغذية لا تفسد الصوم.

ومنهم من قال أن المغذية وغير المغذية لا تفسد الصوم، وقال آخرون كلاهما يفسد الصوم.

وسوف نستعرض أقوالهم وأدلتهم واعتراضاتهم. ثم نخلص إلى الراجح إن شاء الله تعالى:

(1) انظر: مطلب الحقن العضلية، ص (265).

(2)

النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322، وابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 56.

ص: 281

القول الأول: أنّ الحقن المغذية تُفَطِّر الصائم، وغير المغذية لا تُفَطِّر.

وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته حول المُفَطِّرات (1)، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية (2). وإليه ذهب أكثر المعاصرين، منهم: الشيخ عبد العزيز بن باز مفتى السعودية سابقاً (3)، والشيخ محمد العثيمين (4)، والشيخ عبد العزيز البسام (5)، والدكتور وهبة الزحيلي (6)، والشيخ أحمد الخليل (7).

أدلتهم:

1 -

أنَّ الحقن المغذية يحصل بها معنى الأكل والشرب؛ لاكتفاء البدن واستغنائه بها عن المواد المألوفة من أنواع الطعام والشراب، فهي تعطي للجسم كل وحداته الحرارية، وتحدث فيه التوازن لمتطلباته من الماء، بينما غير المغذية لا

(1) قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 454.

(2)

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، مرجع سابق، ج 10، ص 252.

(3)

انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 258.

(4)

انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 219.

(5)

انظر: البسام، عبد الله بن عبد الرحمن، توضيح الأحكام من بلوغ المرام، (مكة المكرمة، مكتبة النهضة الحديثة، الطبعة الثانية 1414 هـ -1994 م) ج 3، ص 495.

(6)

انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 377.

(7)

والخليل، أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، السعودية، مرجع سابق، ص 66 - 67.

ص: 282

يستغني بها البدن عن الطعام والشراب (1).

2 -

غير المغذية لا تفسد الصوم قياساً على مسألة إيصال الدواء إلى داخل لحم الساق، أو غرز السكين فيه، فإنه لا يفسد الصوم (2).

المناقشة:

اعترض القائلون بأنّ غير المغذية تفطر؛ لأنها لا تخلو من كميات قليلة من سوائل ملحية وسكرية.

والجواب: أنَّ هذه الكمية قليلة جداً لا يستغني بها الصائم عن الطعام فلم تصر بمعنى الأكل والشرب، وليست أكلاً ولا شرباً.

القول الثاني: أن الحقن الوريدية المغذية والعلاجية لا تفسد الصوم.

وهو قول الشيخ محمد بخيت المطيعي (3)، والشيخ محمود شلتوت (4)، والشيخ سيد سابق (5)، والشيخ يوسف القرضاوي (6)، والشيخ محمود عبد

(1) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 214، والخليل، أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، مرجع سابق، ص 67.

(2)

النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322.

(3)

انظر: السبكي، محمود محمد خطاب، الدين الخالص للسبكي، مرجع سابق، ج 8، ص 457. والفتوى مثبتة بحاشية الصفحة المشار إليها من كتاب الدين الخالص.

(4)

انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 136.

(5)

سيد سابق، فقه السنة، (القاهرة: الفتح للإعلام العربي، د. ط، د. ت)، ج 1، ص 323.

(6)

انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 86. ومع أن الشيخ القرضاوي قرر ذلك في كتابه فقه الصيام، إلا أنَّه في فتواه الأخيرة يقول بأنَّ الأحوط ترك الإبر المغذية أثناء الصوم وهذا نص كلامه –حفظه الله-: «هناك نوع من الإبر يصل بالغذاء مصفى إلى الجسم، كإبر الجلوكوز فهي تصل بالغذاء إلى الدم مباشرة، فهذه قد اختلف فيها علماء العصر،

، فمنهم من يرى هذا النوع مُفَطِّرا؛ لأنَّه يصل بالغذاء إلى أقصى درجاته حيث يصل إلى الدم مباشرة، وبعضهم يقول: إنها لا تفطر أيضًا، وإن كانت تصل إلى الدم لأنّ الذي يفطر هو الذي يصل إلى المعدة، والذي يشعر الإنسان بعده بالشبع، أو بالري، فالمفروض في الصيام هو حرمان شهوة البطن وشهوة الفرج، أي أن يشعر الإنسان بالجوع وبالعطش، ومن هنا يرى هؤلاء العلماء أن هذه الإبر المغذية أيضًا لا تفطر، ومع أني أميل إلى هذا الرأي الأخير أرى أن الأحوط على كل حال أن يمتنع المسلم عن هذه الإبر في نهار رمضان، فعنده متسع لأخذها بعد الغروب .... ، فهو على الأقل يشعر بنوع من الانتعاش، بزوال التعب الذي يزاوله ويعاينه الصائم عادة، وقد أراد الله من الصيام أن يشعر الإنسان بالجوع والعطش، ليعرف مقدار نعمة الله عليه، وليحس بآلام المتألمين وبجوع الجائعين وبؤس البائسين» ا-هـ. انظر الفتوى في موقع الشيخ على شبكة الانترنت:

http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp? ، تاريخ التصفح، 7/ 7/2010 م.

ص: 283

اللطيف عويضة (1).

أدلتهم:

1.

ما لا يدخل عن طريق منفذ معتاد لا يعد مُفَطِّراً ولو استفاد منه الجسم، سواء دخل من الوريد أو العضل، لأنه لا يصل منها شيء إلى الجوف.

2.

ما يدخل عن طريق المسام لا يفطر باتفاق المذاهب، ولو أحسه في حلقه واستفاد منه البدن كما هو الحال في المراهم (2).

3.

(1) عويضة، محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، مرجع سابق، ص 250 - 251

(2)

انظر موقع دار الإفتاء المصرية، http://www.dar-alifta.org/fastbook/index.html ، تاريخ التصفح 7/ 7/2010 م.

ص: 284

الأصل صحة الصوم حتى يثبت ما يفسده بدليل شرعي، فإننا إذا شككنا في شيء مُفَطِّر أم لا؟ فالأصل عدم الفطر، فلا نجرؤ على أن نفسد عبادة متعبد لله إلا بدليل واضح يكون لنا حجة عند الله.

4.

الحقن المغذية لا تبعد الجوع والظمأ، ولا يحس من تناولها بالشبع والري؛ لأنه لا يدخل المعدة، ولا يمر بالجهاز الهضمي. ومجرد استفادة الجسم منها لا يكفي للقول بالتفطير فقد يحدث هذا لمن يغتسل بماء بارد وهو صائم فيشعر بالانتعاش، ومع هذا لا يفطر بالإجماع (1).

المناقشة:

اعترض القائلون بأن الحقن المغذية تفطر على هذا القول بأنه يحصل بالحقن المغذية ما يحصل من الأكل والشرب، والشريعة لا تفرق بين المتماثلات (2).

وأجاب القائلون بعدم التفطير بالحقن المغذية بأنها وإن كان يحصل بها استفادة البدن فإن هذا ليس وحده علة لفساد الصوم؛ لأنَّ الذي يُفطر هو الذي يصل إلى المعدة، والذي يشعر الإنسان بعده بالشبع، أو بالري فالمفروض في الصيام هو حرمان شهوة البطن وشهوة الفرج، أي أن يشعر الإنسان بالجوع

(1) انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 86.

(2)

انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 214.

ص: 285

وبالعطش (1).

الترجيح:

بعد هذا الاستعراض الطبي والفقهي يرى الباحث أن الحقن الوريدية المغذية تفسد الصوم وغير المغذية لا تفسد الصوم وذلك للأسباب الآتية:

1.

أنَّ الحقن المغذية تقوم مقام الأكل والشرب في منح الجسم بالطاقة والمواد الحيوية اللازمة ويستغني بها من يتناولها عن الطعام والشراب لفترات قد تطول أياماً أو شهوراً، فهي بمعنى الأكل والشرب.

2.

أنَّ كل ما يتغذى به الجسم يقع تحت دائرة المُفَطِّرات حيث لا فارق بين الأكل والشرب، وما يتغذى به البدن لتحقق المعنى في كل منهما.

3.

أن ما تحقق فيه معنى المنصوص، يلحق به، وهذا المعنى متقرر عند الأصوليين، يقول الإمام الجويني: «ما علم قطعًا التحاقه بالمنصوص عليه، فلا حاجة فيه إلى استنباط معنى من مورد النص، وبيان وجود ذلك المعنى في المسكوت عنه؛ بل العقل يسبق إلى القضاء بالإلحاق، ويقدره بالمنصوص

(1) انظر فتوى الشيخ القرضاوي السابق ذكرها في موقعه على شبكة الإنترنت: http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=5452&version=1&template_id=130&parent_id=17

تاريخ التصفح، 7/ 7/2010 م.

ص: 286

عليه» (1).

4.

القول بأنَّها لا تفطر لأنها لم تدخل إلى الجوف، يجاب عليه بأن الجوف مصطلح حادث لم يعلق الشارع الحكيم فساد الصوم عليه، وإنما العبرة بالأكل والشرب، وما كان في معناهما يأخذ حكمهما، بغض النظر عن وصوله الجوف أو عدم وصوله.

5.

الحقن غير المغذية ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما ولا صورتهما، وما كان كذلك فليس بمُفَطِّر، فيبقى التفطير بالمغذية لأنها بمعنى الأكل والشرب.

6.

الكمية اليسيرة من المحلول الملحي أو السكري الموجود في الحقن الوريدية العلاجية لا يغني الجسم عن الأكل والشرب، ولا يمد الجسم بالطاقة، وإنما هو مساعد لدخول الدواء إلى الدم، فلا يتحقق فيه الأكل والشرب حقيقة ولا صورة ولا معنى. وعليه فليس بمُفَطِّر.

OOOOO

(1) الجويني، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، البرهان في أصول الفقه، مرجع سابق، ج 2، ص 516.

ص: 287