الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
تحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء
- المطلب الأول: تعريف الجوف في اللغة.
- المطلب الثاني: الجوف في النصوص الشرعية.
- المطلب الثالث: الجوف عند الفقهاء.
- المطلب الرابع: الجوف عند الأطباء المعاصرين.
المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف.
تمهيد
من خلال نصوص الفقهاء في المذاهب الأربعة وغيرها نرى أن السواد الأعظم من الفقهاء جعلوا مناط فساد الصوم بما يصل إلى الجوف على خلاف بينهم في تعريف الجوف، والمنافذ المعتبرة فيما يدخل منها إلى الجوف الأمر الذي أدى إلى اختلافهم في الكثير من المُفَطِّرات بناءً على خلافهم في اعتبار الجوف ومسالك النفاذ إليه، ولذا كان من المهم بيان ذلك لتتضح الصورة عند تخريج المسائل على أقوالهم، ومعرفة ما يفطر من المستجدات حسب قواعدهم.
كما أنّ من الأهمية بمكان بيان الجوف عند الأطباء، وما هو الجوف المؤثر في الصيام لإجراء مقارنة بين تصور الفقهاء للجوف بناءً على مستوى الطب التشريحي في زمنهم وبين تصور الأطباء في ظل التطور الطبي الهائل الذي أظهر الصورة الداخلية للجسم واضحة للعيان، ومن خلال تلك المقارنة ينبني الترجيح في كثير من مسائل المُفَطِّرات الطبية، ليس إسقاطاً لكلام الفقهاء المتقدمين-رحمهم الله فإنهم معذورون فيما قرروه بناءً على ما وصل إليه الطب البشري والتصور التشريحي للجسم في زمنهم.
ومما ينبغي أن يكون متقرراً أنّ الأحكام التي بُنيت على تصور تبين بعد ذلك عدم صحته، فإنّ الحكم يتغير في ضوء التصور الصحيح، وهذا ليس مقتصراً على مسائل المُفَطِّرات الطبية، بل في أبواب كثيرة بنى الفقهاء فيها الحكم على تصور طبي تبين بعد ذلك عدم صحته فتغير الحكم عند الفقهاء على ضوء التصور الصحيح،
ومن ذلك مسألة أقل الحمل وأكثره وما بُني عليه من أحكام (1).
وما أجمل ما قاله الطاهر بن عاشور في الموقف من كلام المتقدمين حيث يقول رحمه الله: «ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله فيهدم ما مضت عليه القرون، وفي كلتا الحالتين ضُرٌ كثير، وهناك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده، علماً بأن غمط فضلهم كفران للنعمة، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة» (2).
وسوف أتطرق لبيان أنّ علة الجوف وجعلها مناطاً لما يفسد الصوم أمرٌ مستنبط من تعبيرات الفقهاء، ولم ينص عليها الشارع في موضوع الصوم مطلقاً، ولم يربط بها حكماً من أحكام الصوم أو مفسداته، وهو الأمر الذي أحدث إرباكاً وتوسعاً في باب المُفَطِّرات، ونظيره استعمال الفقهاء لفظ المخيط في محظورات الإحرام مع عدم وروده في النص النبوي، وإنما ورد النهي عن لباس معين (3).
ولما كان الجوف غير مذكور في النص الشرعي فيما يخص الصوم، ولم يربط
(1) انظر: بن قاسم، عبد الرشيد بن محمد أمين، أقل وأكثر مدة الحمل دراسة فقهية طبية، (بحث منشور في موقع المشكاة، http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=36059 ، ص 4.
(2)
ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، (تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع، د. ط، 1997 م) ج 1، ص 7.
(3)
ذكر بعض أهل العلم أنّ أول من عبَّر بلفظ المخيط هو إبراهيم النخعي (ت:96 هـ)، وتوسع الفقهاء من بعده في مفهومه، انظر: العثيمين، محمد بن صالح، الممتع شرح زاد المستقنع، مرجع سابق، ج 7، ص 127.