المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الخامس: منظار المعدة: - المفطرات الطبية المعاصرة دراسة فقهية طبية مقارنة

[عبد الرزاق الكندي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ توطئة:

- ‌ موضوع البحث وأهميته:

- ‌ مشكلة البحث:

- ‌ أسئلة البحث:

- ‌ أهداف البحث:

- ‌ أسباب اختيار الموضوع:

- ‌ ما ستضيفه هذه الدراسة:

- ‌ منهجية البحث:

- ‌ هيكل البحث:

- ‌الفصل الأولالتعريفات المنهجية، وأهمية دراسة نوازل الصيام، وضوابط الفتيا فيها، والعلاقة بين الفقه والطب

- ‌المبحث الأولالتعريفات المنهجية للمُفَطِّرات الطبية المعاصرة

- ‌المطلب الأول: تعريف الصوم:

- ‌المطلب الثاني: تعريف المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الثالث: استخدام مصطلح المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الرابع: تعريف الطب:

- ‌المطلب الخامس: تعريف المعاصرة:

- ‌المبحث الثانيأهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات

- ‌المطلب الأول: تعريف النوازل لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الثاني: أهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات المعاصرة:

- ‌المبحث الثالثشروط الفتوى في النوازل، ومن له حق الإفتاء فيها

- ‌المبحث الرابعالعلاقة بين الفقه والطب

- ‌المطلب الأول: علاقة الفقه بالطب، ومكانة الطب في الشريعة الإسلامية:

- ‌المطلب الثاني: جهود العلماء المسلمين في مجال الطب:

- ‌المطلب الثالث: اعتماد بعض الأحكام الشرعية على التخصصات الطبية:

- ‌المبحث الخامسحكم التداوي

- ‌المطلب الأول: تعريف التداوي:

- ‌المطلب الثاني: حكم التداوي:

- ‌المطلب الثالث: حكم التداوي للصائم:

- ‌الفصل الثانيتقرير قواعد الفقهاء في باب المُفَطِّرات

- ‌المبحث الأولالمُفَطِّرات المجمع عليها والمختلف فيها

- ‌المطلب الأول: المُفَطِّرات المجمع عليها:

- ‌المطلب الثاني: المُفَطِّرات المختلف فيها:

- ‌المبحث الثانيالموسعون والمضيقون في باب المُفَطِّرات

- ‌المطلب الأول: مذهب الموسعين في المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الثاني: مذهب المضيقين في المُفَطِّرات:

- ‌المبحث الثالثتحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء

- ‌المطلب الأول: تعريف الجوف في اللغة:

- ‌المطلب الثاني: الجوف في النصوص الشرعية:

- ‌المطلب الثالث: الجوف عند الفقهاء:

- ‌المطلب الرابع: الجوف عند الأطباء المعاصرين (1)

- ‌المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف:

- ‌المبحث الرابعضابط المُفَطِّرات

- ‌الفصل الثالثالمُفَطِّرات الطبية المعاصرة

- ‌المبحث الأولما يدخل الجسم عبر منافذ الوجه

- ‌المطلب الأول: بخاخ الربو وملحقاته:

- ‌المطلب الثاني: غاز الأكسجين:

- ‌المطلب الثالث: غاز التخدير (Gas anesthesia)

- ‌المطلب الرابع: معجون الأسنان ومطهرات الفم ومعالِجاته:

- ‌المطلب الخامس: منظار المعدة:

- ‌المطلب السادس: قطرات الأنف وملحقاتها:

- ‌المطلب السابع: قطرات العين، وملحقاتها:

- ‌المطلب الثامن: قطرات الأذن وملحقاتها:

- ‌المطلب التاسع: الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان:

- ‌المبحث الثانيما يدخل الجسم عبر الجلد نفاذًا وامتصاصاً

- ‌المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية

- ‌المطلب الثاني: حقْن الدم في الوريد:

- ‌المطلب الثالث: الغسيل الكلوي البريتوني (1) (Peritoneal dialysis)

- ‌المطلب الرابع: منظار البطن (LAPROSCOPE):

- ‌المطلب الخامس: القسطرة القلبية (Cardiac Catheterization):

- ‌المطلب السادس: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية والتجميلية

- ‌المبحث الثالثما يدخل الجسم عبر الجهاز التناسلي والشرج

- ‌المطلب الأول: ما يدخل عبر الجهاز التناسلي للمرأة:

- ‌المطلب الثاني: ما يدخل عبر الجهاز البولي

- ‌المطلب الثالث: ما يدخل عن طريق الشرج:

- ‌المبحث الرابعالخارج من البدن

- ‌المطلب الأول: الغسيل الكلوي الدموي (Hemo dialysis):

- ‌المطلب الثاني: التبرع بالدم:

- ‌المطلب الثالث: أخذ الدم للتحليل:

- ‌المطلب الرابع: شفط الدهون (Liposuction):

- ‌الخاتمة

- ‌النتائج والتوصيات

- ‌ التوصيات:

الفصل: ‌المطلب الخامس: منظار المعدة:

‌المطلب الخامس: منظار المعدة:

الجانب الطبي:

ما هو منظار المعدة؟

إنّ مصطلح: منظار المعدة (Upper Gi Endoscopy): يقصد به التقنية الخاصة للنظر داخل جزء من الجسم، وهو الجزء العلوي من الجهاز الهضمي.

ومنظار المعدة: عبارة عن أنبوب بلاستيكي طري مزود في نهايته بعدسه وقنوات، ويدخل عن طريق الفم بعد رش الغشاء المخاطي للبلعوم بمحلول مخدر موضعي، ويدهن رأس الأنبوب بمادة زيتية مزلجة، ويدخل المنظار إلى المريء ثم المعدة ثم الإثنى عشر لرؤية جدار المعدة والإثنى عشر ما سبق، ويتم ضخ الماء عن طريق القنوات لتنظيف عدسات المنظار من إفرازات المعدة والمريء لتتضح الرؤية، ثم يتم شفط الماء إلا أنَّ جزءاً منه يبقى في المعدة ويتم امتصاصه فيها (1).

(1) أفادني بذلك الدكتور خالد حميد، استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير بمستشفى الملك فهد التخصصي والمستشفى المركزي بالقصيم، المملكة العربية السعودية، وزميل كلية الجراحة الدولية. في حوار أجريته معه في المستشفى المركزي بالقصيم في 2/ 2/2010 م.

ص: 206

3:17 صورة للجهاز الهضمي

3:18 صورة لمنظار المعدة

عمل منظار المعدة:

يُستخدم المنظار للتشخيص، ومعالجة أمراض ومشكلات الجهاز الهضمي في بعض الحالات، ويقوم بإجراء منظار المعدة أخصائيو الجهاز الهضمي، وأطباء مؤهلون في التخصص الدقيق، ويعطي صوراً تمتاز بكفاءة عالية على شاشة التلفاز، وفي كثير من الحالات يعتبر منظار المعدة أدق من الأشعة السينية، ويُعد ذو فائدة كبرى في تشخيص وتقييم مشكلات مختلفة كآلام البلع وصعوبة البلع، أو آلام المعدة والبطن، والنزيف والقرح وكذلك الأورام، كما يقوم المنظار

ص: 207

بمهمات علاجية إضافة إلى مهمة الكشف والتصوير، حيث يتم تزويد المنظار بالمادة العلاجية مثل: حقن دوالي المريء، ونقاط النزف من المريء والمعدة والإثنى عشر.

ويستخدم المنظار أيضا للقيام بمهمة غسيل المريء والمعدة بمحاليل مائية، ويغلب على معظم هذه المواد (نظراً لتعددها وكثرتها) التحلّل والامتصاص عن طريق الجهاز الهضمي.

أما كمية الدواء المستخدم فتكون حسب الإجراء الطبي المطبق على المريض ودرجته ونوع المادة المستعملة (1).

3:19 صورة تبين الأماكن التي يقوم منظار المعدة بتصويرها

(1) ذكر ذلك الدكتور خالد حميد، استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير في حواري معه المشار إليه سابقاً، وانظر: باشا، حسان شمسي، الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر رمضان، (جدة: مكتبة السوادي، د. ط، 1415 هـ) ص 37، كما سبق إجراء عملية منظار المعدة للباحث، فأصبحت الصورة واضحة لدية نظرياً وعملياً.

ص: 208

الجانب الفقهي:

التكييف الفقهي (1):

بعد التصور الطبي الواضح لمنظار المعدة نستطيع أن نكيفه فقهياً على صورتين عند الفقهاء المتقدمين:

1 -

الصورة الأولى: مسألة ابتلاع الحصاة والنوى وما لا ينتفع به البدن.

2 -

الصورة الثانية: مسألة إدخال خيط إلى المعدة وطرفه الآخر في الخارج.

التخريج الفقهي:

أما تخريج حكم كل صورة في ضوء نصوص الفقهاء من المذاهب الأربعة فهو كالتالي:

الصورة الأولى: قياس منظار المعدة على مسألة ابتلاع الحصاة والنوى وما لا ينتفع به البدن.

وحكم إدخال منظار المعدة في ضوء هذه المسألة عند الفقهاء يكون مُفَطِّراً عند المذاهب الثلاثة، المالكية، والشافعية، والحنابلة.

وغير مُفَطِّر عند الحنفية، وذهب إليه بعض المالكية، وشيخ الإسلام ابن

(1) هذا التكييف بناءً على افتراض إدخال منظار المعدة مجرداً من المواد المصاحبة، أو الدوائية أو المساعدة للرؤية.

ص: 209

تيمية من الحنابلة (1).

والخلاف بين الجمهور والأحناف أنّ الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) يرون أنَّ الفطر يقع بمجرد الدخول، بينما الأحناف يشترطون في دخول الجامدات استقرار الداخل إلى المعدة إذا كان مما لا ينتفع به البدن.

أما خلاف المذاهب الأربعة مع بعض المالكية فيرجع للخلاف في اشتراط أن يكون الداخل إلى المعدة مما ينتفع به البدن، أو عدم اشتراطه.

قال ابن رشد: «وسبب اختلافهم في هذه هو قياس المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي، فمن رأى أنَّ المقصود بالصوم معنى معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنها عبادة غير معقولة، وأنَّ المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عما يرد الجوف سوى بين المغذي وغير المغذي» (2).

القائلون بالتفطير: (المالكية والشافعية والحنابلة).

• المالكية:

قال سحنون: قلت لابن القاسم عن قول مالك في الكحل فقال: قال مالك «إذا دخل حلقه-أي الكحل- وعلم أنَّه قد وصل الكحل إلى حلقه فعليه القضاء» (3).

(1) سيأتي بيان أقوالهم وأدلتهم مفصلة.

(2)

ابن رشد، محمد بن أحمد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مرجع سابق، ج 1،ص 212.

(3)

سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، 1، ص 197.

ص: 210

ومعلوم أن الكحل مما لا يتغذى به.

وقال المغربي: «والذي يجب الإمساك عنه في الصوم نوعان أحدهما إيصال شيء إلى داخل البدن، والثاني إخراج شيء عنه، فالذي يوصل إلى داخل البدن ما يصل إلى الحلق ثم ينماع ويقع الاغتذاء به أو لا ينماع ويتطعم أو لا يتطعم وذلك كالطعام والشراب المغذيين وكالدرهم والحصا، وسائر الجمادات التي لا تتطعم ولا تنماع، ولا يقع بها غذاء» (1).

• الشافعية:

قال النووي: «ولا فرق بين أن يأكل ما يؤكل وما لا يؤكل، فإن استف تراباً أو ابتلع حصاة أو درهماً أو ديناراً بطل صومه، لأنَّ الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف، وهذا ما أمسك، ولهذا يقال: فلان يأكل الطين ويأكل الحجر» (2)

• الحنابلة:

قال البهوتي: «أو أدخل إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه مما ينفذ إلى معدته شيئاً من أي موضع كان ولو خيطاً ابتلعه كله، أو ابتلع بعضه أو رأس سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه فغاب في جوفه فسد صومه» (3).

(1) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 426.

(2)

النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 323.

(3)

البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 318.

ص: 211

وهذه النصوص تبين موقف الجمهور من دخول الجامد إلى المعدة، وأن الفطر يقع بمجرد دخولها، ولا يشترط استقرارها.

أدلة الجمهور:

اعتمد الجمهور في اعتبار كل ما يدخل مُفَطِّر على دليلين:

1 -

حديث النهي عن الاكتحال، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال:«لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» (1).

وقالوا إنَّ الكحل يصل إلى المعدة، وليس مما ينتفع به البدن فهذا دليل على أنَّه يفطر بما وصل إلى المعدة سواء أكان ينتفع به البدن أو لا.

2 -

أثر ابن عباس ب قال: «إِنَّمَا الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» (2)، على اعتبار كل مجوف في الجسم مناطاً لفساد الصوم بما يصل إليه، بغض النظر عن طبيعة هذا الواصل، سواء انتفع به البدن أم لم ينتفع.

المناقشة:

سبق مناقشة استدلال الجمهور بالدليلين في باب مبحث الجوف عند الفقهاء، وبيَّن الباحث عدم التسليم بهذا الاستدلال (3).

(1) سبق تخريجه، ص (125).

(2)

سبق تخريجه، ص (131).

(3)

انظر: المبحث الثاني: تحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء، المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف، ص (125).

ص: 212

القول الثاني: عدم التفطير (الأحناف، وبعض المالكية، وابن تيمية من الحنابلة):

وأصحاب هذا القول على قسمين في سبب قولهم بعدم التفطير.

- الأحناف يرون أنَّ السبب عدم استقرار الداخل.

- بعض المالكية، وابن تيمية يرون السبب كون الداخل مما لا ينتفع به البدن.

• الحنفية:

يشترط الأحناف لدخول الجامدات إلى المعدة استقرارها كشرط لفساد الصوم، وعلى هذا التخريج يكون دخول منظار المعدة مجرداً لا يفسد الصوم عندهم.

قال الجصاص: «كل ما وصل إلى الجوف واستقر فيه مما يستطاع الإمتناع منه سواء كان وصوله من مجرى الطعام والشراب أو من مخارق البدن التي هي خلقة في بنية الإنسان أو من غيرها؛ لأنَّ المعنى في الجميع وصوله إلى الجوف واستقراره فيه مع إمكان الامتناع منه في العادة» (1).

قال الكاساني: «ولو طعن برمح فوصل إلى جوفه أو إلى دماغه فإن أَخرجه

(1) الجصاص، أبو بكر، أحمد بن علي الرازي، أحكام القرآن، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ط، 1405 هـ) ج 1، ص 238.

ص: 213

مع النصل لم يفسد وإن بقي النصل فيه يفسد» (1).

• بعض المالكية، وابن تيمية:

يشترط بعض المالكية، وشيخ الإسلام ابن تيمية أن يكون الداخل إلى المعدة مما ينتفع به البدن، وإلا لم يكن مُفَطِّراً، وعلى ضوء هذا فإنَّ حكم إدخال منظار المعدة لا يكون مُفَطِّراً حسب مذهبهم.

• بعض المالكية:

قال ابن الحاجب: «وشرطه (أي الصوم) الإمساك في جميع زمانه عن إيصال طعام أو شراب إلى الحلق، أو إلى المعدة من منفذ واسع كالفم والأنف والأذن يمكنه الاحتراز منه، وإيلاج الحشفة في قبل أو دبر وفي نحو التراب والحصا والدراهم قولان» (2).

• ابن تيمية:

قال ابن تيمية: «فالصائم نهي عن الأكل والشرب؛ لأن ذلك سبب التقوى فترك الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير الذي يجري فيه الشيطان إنما يتولد من الغذاء لا عن حقنة ولا كحل» (3).

وهذا نص في اشترطه أن يكون الداخل من الأكل والشرب الذي يولد الدم

(1) الكاساني، علاء الدين أبوبكر، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 93.

(2)

ابن الحاجب، الكردي المالكي، جامع الأمهات، (د. ط، دت) ج 1، ص 172.

(3)

ابن تيمية، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 25، ص 245.

ص: 214

وينتفع منه البدن.

التخريج الفقهي للصورة الثانية:

مسألة إدخال خيط إلى المعدة وطرفه الآخر في الخارج.

عند التأمل في مسألة المنظار نجد أنَّ صورة أخرى مشابهة له تكلم عنها الفقهاء، ألا وهي فساد الصوم بإدخال خيط طرفه في المعدة والآخر في الخارج، وتخريج حكم المنظار في ضوء هذا التكييف -إدخال خيط إلى المعدة وطرفه الآخر في الخارج- أنّه غير مفسد للصوم عند الحنفية، ومفسد له عند الشافعية والحنابلة.

القول الأول (إدخال خيط إلى المعدة وطرفه الآخر في الخارج غير مفسد للصوم):

وهو قول الحنفية:

قال السرخسي: «ولو طعن برمح حتى وصل إلى جوفه لم يفطره لأنَّ كون الرمح بيد الطاعن يمنع وصوله إلى باطنه حكماً فإن بقي الزج في جوفه فسد صومه؛ لأنَّه صار مغيباً حقيقة فكان واصلاً إلى باطنه وهو قياس ما لو ابتلع خيطاً، فإنَّ بقي أحد الجانبين بيده لم يفسد صومه وإن لم يبق فسد صومه» (1).

وهذا القول يبين لنا أنَّ الحنفية يرون عدم فساد الصوم إذا بقي طرف الخيط خارج الفم، وهو ماينطبق على منظار المعدة.

(1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 98.

ص: 215

القول الثاني (إدخال خيط إلى المعدة وطرفه الآخر في الخارج مفسد للصوم):

وهو قول الشافعية والحنابلة

• الشافعية:

قال النووي: «وكذا لو ابتلع طرف خيط وطرفها الآخر بارز أفطر بوصول الطرف الواصل ولا يعتبر الانفصال من الظاهر» (1).

• الحنابلة:

قال البهوتي: «أو أدخل إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه

مما ينفذ إلى معدته شيئا من أي موضع كان، ولو خيطاً ابتلعه كله، أو ابتلع بعضه أو رأس سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه فغاب في جوفه فسد صومه» (2).

وهذه الأقوال تبين أنّهم يرون فساد الصوم بمجرد وصول شيء إلى المعدة ولو بقي طرفه في الخارج، وهو ما ينطبق على منظار المعدة، فيكون عندهم مُفَطِّر.

ولم أقف على قول للمالكية في هذه الصورة، ولعل ذلك يرجع لكون المالكية أقلّ المذاهب توسعاً في باب المُفَطِّرات، فلم يفترضوا حصول هذه الصورة.

أقوال الفقهاء المعاصرين وأدلتهم في حكم استخدام منظار المعدة للصائم:

• القول الأول: أنه (مُفَطِّر).

(1) النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين، مرجع سابق، ج 2، ص 358.

(2)

البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 318.

ص: 216

وذهب أصحاب هذا القول إلى أنه مُفَطِّر بكل حال سواء دخل مجرداً أو مصحوباً بمادة دهنية أو دوائية، وممن ذهب إلى هذا القول الشيخ وهبة الزحيلي (1)، والشيخ توفيق الواعي (2)،والشيخ محمود عويضة (3).

أدلتهم:

أدلة أصحاب هذا القول هي أدلة الجمهور في أنّ كل ما يدخل إلى المعدة مُفَطِّر سواء كان مغذياً أو غير مغذ، وسواء استقر في المعدة أو لم يستقر.

ومما استدلوا به النهي عن الاكتحال للصائم، وأثر ابن عباس الفطر مما دخل، وقد ذكرتها وبينت الاعتراض عليها في التخريج الفقهي للمنظار عند الجمهور.

• القول الثاني: (غير مُفَطِّر).

ذهب أصحاب هذا القول على أن إدخال منظار المعدة غير مُفَطِّر إذا دخل مجردا ً من المواد الدهنية أو الدوائية.

وهذا هو قول جمهور المعاصرين، منهم: الشيخ محمد بخيت المطيعي (4)،

(1) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العشر، ج 2، ص 376.

(2)

انظر: الواعي، توفيق، وآخرون، المرشد الإسلامي في الفقه الطبي، (المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر، الطبعة الرابعة، 1410 هـ ـ 1990 م) ص 34 - 35.

(3)

عويضة، أبو إياس محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، مرجع سابق، ص 247.

(4)

انظر: الخليل، أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، ص 46.

ص: 217

والشيخ العثيمين (1)، والشيخ القرضاوي (2)، والمختار السلامي (3)، والصديق الضرير (4)، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي بالأغلبية (5).

أدلتهم:

استدل أصحاب هذا القول بأنَّ المنظار ليس أكلاً ولا شرباً، ولا يحصل به انتفاع للبدن، كما أنَّه لايستقر فيها، فعليه لا وجه للقول بإفساد عبادة عينية بدون دليل (6).

الترجيح:

يرى الباحث في ضوء التصور الطبي والتخريج الفقهي السابق بيانه أنَّ منظار المعدة مُفَطِّر للأسباب التالية:

1 -

أنَّ المنظار لا يمكن إدخاله بدون استخدام المادة الدهنية المزلجة، كما بين ذلك الأطباء، وعليه فإنَّ إدخال هذه المادة يدخل في عموم الأكل والشرب لفظاً أو معنى، وقد سبق في ضابط المُفَطِّرات أنّ ما يصدق عليه

(1) العثيمين، محمد بن صالح، الممتع شرح زاد المستقنع، مرجع سابق، ج 6، ص 371.

(2)

القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 74.

(3)

انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 288.

(4)

المرجع السابق ص 380.

(5)

المرجع السابق ص 455.

(6)

انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 74، العثيمين، محمد بن صالح، الممتع شرح زاد المستقنع، مرجع سابق، ج 6، ص 371، الخليل، أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، مرجع سابق، ص 46.

ص: 218

ذلك فهو مُفَطِّر.

فإن اعترض معترض بأن هذه المادة يسيرة وتخرج مع المنظار، فالجواب: أنَّ هذا مخالف للواقع وقد بين الأطباء-كما تقرر في الجانب الطبي- أنَّ جزءًا ليس باليسير يعلق في الداخل وتمتصه المعدة والأمعاء.

2 -

أنّ استخدام منظار المعدة يصاحبه استخدام الماء أو مواد منظفة تزيل إفرازات المريء والمعدة لتتضح الرؤية (1)، ثم يتم شفطها ويعلق جزء منها في المعدة. وهذا يصدق عليه أنّه إدخال الطعام أو الشراب إلى المعدة.، والحكم الشرعي يكون للحال للغالب (2).

أما القول بعدم التفطير إذا تم إدخال المنظار بدون مواد دهنية، فهذه صورة ليست موجودة في الواقع، وحكمها معلق بما إذا حصلت، والذي يريد الباحث بيانه هنا حكم حقيقة طبية قائمة ومتداولة.

وعليه فإن الصائم الذي يحتاج للمنظار في نهار رمضان ويشق عليه تأخيره إلى بعد الإفطار فإنه يستخدمه ويقضي مكان ذلك اليوم، فإن لم يشق عليه تأخيره إلى الليل فيحرم عليه استخدامه، لأنه مُفَطِّر.

OOOOO

(1) يتم استخدام الماء والمنظفات عند إدخال منظار المعدة بنسبة تزيد على 90%.

(2)

انظر: القرافي، أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي، الفروق، تحقيق: خليل منصور، (بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط، 1418 هـ - 1998 م) ج 4، ص 403، الصنعاني، محمد بن إسماعيل، إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد، تحقيق: صلاح الدين مقبول، (الكويت: الدار السلفية، د. ط، 1405 هـ) ص 79.

ص: 219