المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: بخاخ الربو وملحقاته: - المفطرات الطبية المعاصرة دراسة فقهية طبية مقارنة

[عبد الرزاق الكندي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ توطئة:

- ‌ موضوع البحث وأهميته:

- ‌ مشكلة البحث:

- ‌ أسئلة البحث:

- ‌ أهداف البحث:

- ‌ أسباب اختيار الموضوع:

- ‌ ما ستضيفه هذه الدراسة:

- ‌ منهجية البحث:

- ‌ هيكل البحث:

- ‌الفصل الأولالتعريفات المنهجية، وأهمية دراسة نوازل الصيام، وضوابط الفتيا فيها، والعلاقة بين الفقه والطب

- ‌المبحث الأولالتعريفات المنهجية للمُفَطِّرات الطبية المعاصرة

- ‌المطلب الأول: تعريف الصوم:

- ‌المطلب الثاني: تعريف المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الثالث: استخدام مصطلح المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الرابع: تعريف الطب:

- ‌المطلب الخامس: تعريف المعاصرة:

- ‌المبحث الثانيأهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات

- ‌المطلب الأول: تعريف النوازل لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الثاني: أهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات المعاصرة:

- ‌المبحث الثالثشروط الفتوى في النوازل، ومن له حق الإفتاء فيها

- ‌المبحث الرابعالعلاقة بين الفقه والطب

- ‌المطلب الأول: علاقة الفقه بالطب، ومكانة الطب في الشريعة الإسلامية:

- ‌المطلب الثاني: جهود العلماء المسلمين في مجال الطب:

- ‌المطلب الثالث: اعتماد بعض الأحكام الشرعية على التخصصات الطبية:

- ‌المبحث الخامسحكم التداوي

- ‌المطلب الأول: تعريف التداوي:

- ‌المطلب الثاني: حكم التداوي:

- ‌المطلب الثالث: حكم التداوي للصائم:

- ‌الفصل الثانيتقرير قواعد الفقهاء في باب المُفَطِّرات

- ‌المبحث الأولالمُفَطِّرات المجمع عليها والمختلف فيها

- ‌المطلب الأول: المُفَطِّرات المجمع عليها:

- ‌المطلب الثاني: المُفَطِّرات المختلف فيها:

- ‌المبحث الثانيالموسعون والمضيقون في باب المُفَطِّرات

- ‌المطلب الأول: مذهب الموسعين في المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الثاني: مذهب المضيقين في المُفَطِّرات:

- ‌المبحث الثالثتحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء

- ‌المطلب الأول: تعريف الجوف في اللغة:

- ‌المطلب الثاني: الجوف في النصوص الشرعية:

- ‌المطلب الثالث: الجوف عند الفقهاء:

- ‌المطلب الرابع: الجوف عند الأطباء المعاصرين (1)

- ‌المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف:

- ‌المبحث الرابعضابط المُفَطِّرات

- ‌الفصل الثالثالمُفَطِّرات الطبية المعاصرة

- ‌المبحث الأولما يدخل الجسم عبر منافذ الوجه

- ‌المطلب الأول: بخاخ الربو وملحقاته:

- ‌المطلب الثاني: غاز الأكسجين:

- ‌المطلب الثالث: غاز التخدير (Gas anesthesia)

- ‌المطلب الرابع: معجون الأسنان ومطهرات الفم ومعالِجاته:

- ‌المطلب الخامس: منظار المعدة:

- ‌المطلب السادس: قطرات الأنف وملحقاتها:

- ‌المطلب السابع: قطرات العين، وملحقاتها:

- ‌المطلب الثامن: قطرات الأذن وملحقاتها:

- ‌المطلب التاسع: الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان:

- ‌المبحث الثانيما يدخل الجسم عبر الجلد نفاذًا وامتصاصاً

- ‌المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية

- ‌المطلب الثاني: حقْن الدم في الوريد:

- ‌المطلب الثالث: الغسيل الكلوي البريتوني (1) (Peritoneal dialysis)

- ‌المطلب الرابع: منظار البطن (LAPROSCOPE):

- ‌المطلب الخامس: القسطرة القلبية (Cardiac Catheterization):

- ‌المطلب السادس: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية والتجميلية

- ‌المبحث الثالثما يدخل الجسم عبر الجهاز التناسلي والشرج

- ‌المطلب الأول: ما يدخل عبر الجهاز التناسلي للمرأة:

- ‌المطلب الثاني: ما يدخل عبر الجهاز البولي

- ‌المطلب الثالث: ما يدخل عن طريق الشرج:

- ‌المبحث الرابعالخارج من البدن

- ‌المطلب الأول: الغسيل الكلوي الدموي (Hemo dialysis):

- ‌المطلب الثاني: التبرع بالدم:

- ‌المطلب الثالث: أخذ الدم للتحليل:

- ‌المطلب الرابع: شفط الدهون (Liposuction):

- ‌الخاتمة

- ‌النتائج والتوصيات

- ‌ التوصيات:

الفصل: ‌المطلب الأول: بخاخ الربو وملحقاته:

‌المطلب الأول: بخاخ الربو وملحقاته:

بخاخ الربو:

أولاً: الجانب الطِّبي (1):

تعريف مرض الربو (asthma): هو أحد أمراض الجهاز التنفسي، وهو عبارة عن التهاب مزمن يصيب القصبات والقصيبات الهوائية مما يؤدي إلى ضيقها عند تعرض المريض للمواد الحساسة وبالتالي صعوبة دخول وخروج الهواء أثناء التنفس، وهذا ما يعرف بالنوبة الربوية.

وضيق القصبات الهوائية يكون بسبب:

1.

تضخم وتورم الأغشية المخاطية الموجودة فيها.

2.

زيادة إفرازات المخاط.

3.

إنقباض العضلات الخارجية للشعيبات الهوائية.

(1) معظم المعلومات الطبية حول بخاخ الربو وملحقاته استفدتها من حوار طبي أجريته مع الدكتور عمر سعيد العمودي، استشاري الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي بمدينة جدة: وعضو هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز في مكتبه بالمستشفى الجامعي بتاريخ 12/ 6/2010 م.

ص: 146

3:1 صورة لقصبة هوائية سليمة

3:2 صورة لقصبة هوائية مصابة بالربو

أعراض مرض الربو:

1.

صعوبة في التنفس وضيق في الصدر وصفير.

2.

كحة ونقص في الأكسجين.

3.

زرقة في الأطراف وعدم قدرة على الكلام.

يتكون الجهاز التنفسي من الجزء العلوي والجزء السفلي:

الجزء العلوي:

?- الأنف: وهو تجويف ينقسم إلى قسمين أيمن وأيسر، ويفصل بينهما الحاجز الأنفي، ويبطنه غشاء مخاطي وظيفته ترطيب الهواء الداخل وتدفئته وتنقيته من الغبار والعوالق بمساعدة شعيرات موجودة في الأنف.

2 -

البلعوم: وهو قناة عضلية طولها 14 سم تصل بين الأنف من الخلف

ص: 147

والمريء من الأعلى، ويعتبر جزء من الجهاز الهضمي، ويتكون من ثلاثة أجزاء.

أ-البلعوم الأنفي (الجزء العلوي) وتصل إليه إفرازات الأنف والجيوب الأنفية وما يوضع في الأنف من دواء سائل أو بخاخ أو أبخرة أو دخان.

ب-البلعوم الفمي (الجزء المتوسط) ويقع خلف الفم مباشرة وعن طريقه يتم بلع الغذاء والشراب والدواء وكل ما يدخل الفم، ويتصل مباشرة بالمريء الموصل إلى المعدة.

جـ-البلعوم الحنجري (الجزء السفلي): ويقع خلف الحنجرة، وفيه تقع فتحة الحنجرة، ويغطيها لسان المزمار عند البلع حتى لا يدخل الطعام والشراب إلى الحنجرة مما يؤدي إلى الشَرَق والغصة والكحة.

3 -

الحنجرة: وتقع فوق القصبة الهوائية وتتصل بالبلعوم، ويغطيها لسان المزمار، وتحتوي الحنجرة على الحبال الصوتية المسؤولة عن إخراج الأصوات أثناء الكلام.

3:3 صورة للجزء التنفسي العلوي

ص: 148

الجزء السفلي:

?- القصبة الهوائية: تتكون من مجموعة من الغضاريف التي تلي الحنجرة مباشرة ويبلغ طولها 10 سم، ويقع نصفها الظاهر في أسفل العنق والنصف الباطن أعلى تجويف الصدر، وتُغطى من الداخل بغشاء مخاطي له أهداب عديدة وتفرز مادة مخاطية خفيفة، وتعمل على تنقية الهواء الداخل وطرد فضلات الزفير، وتنقسم القصبة الهوائية إلى شعبتين.

2 -

الشعب الهوائية: تنقسم القصبة الهوائية إلى شعبتين رئيسيتين يمنى ويسرى تتصل الشعبة اليمنى بالرئة اليمنى، والشعبة اليسرى بالرئة اليسرى، ثم تنقسم كل شعبة هوائية إلى شعيبات أصغر فأصغر حتى تصل إلى الأسناخ.

3 -

الشعيبات والحويصلات الهوائية: تتفرع الأسناخ إلى مجموعات كثيرة من الحويصلات الرقيقة التي تعرف بالحويصلات الهوائية، يتم من خلال جدراها انتقال الأكسجين من الرئة إلى الدم أثناء الشهيق، وطرد ثاني أكسيد الكربون من الدم إلى الرئة، ثم إلى الخارج أثناء الزفير (1).

(1) انظر: الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، (عَمان، الأردن، مكتبة اليازوري العلمية، د. ط) ص 94، وموقع الموسوعةالطبية، http://www.webmd.com/asthma/default.htm، تاريخ التصفح 21/ 5/2010 م.

ص: 149

3:4 صورة للجزء التنفسي السفلي

أدوية الربو:

تنقسم أدوية الربو إلى قسمين أساسيين هما أدوية السيطرة طويلة الأمد وأدوية السيطرة السريعة.

1 -

أدوية السيطرة طويلة الأمد: تستخدم للسيطرة على الربو المزمن أو الدائم.

2 -

أدوية السيطرة السريعة: تستخدم لأعراض نوبة الربو الحادة أو تفاقم النوبات.

الأجهزة المستخدمة لعلاج مرض الربو:

البخاخات: وهي عبوات ذات أشكال مختلفة، يتم من خلالها إيصال جميع أنواع الأدوية - (الكورتيزون ومشتقاته) و (الكرومليون ومشتقاته) - إلى الشعب

ص: 150

الهوائية سواء كانت من مشتقات الكورتيزون، أو من موسعات الشعب الهوائية قصيرة، أو طويلة الأمد، وميزتها: صغر الجرعة الدوائية المستخدمة والتي تحسب بالميكروجرام (واحد على المليون من الجرام)(1).

أنواع البخاخات:

?- البخاخات المضغوطة (أنابيب مضغوطة).

2 -

البخاخات ذات البودرة الجافة (أنابيب اسطوانية) ومنها:

أ-البخاخ ذو القرص (دسكهيلير).

ب-البخاخ الاسطواني الدائري (دسكاكس).

البخاخات المضغوطة:

- يكون الدواء على شكل سائل مضغوط مع الهواء في أنابيب.

- حجم المادة المضغوطة = 10 مليلترات تعطي 200 جرعة، كل جرعة تعادل 100 ميكروجرام (واحد على المليون من الجرام).

- قد تختلف في الحجم، والجرعة حسب تصميم الشركة المنتجة واحتياج المريض، لكن فكرتها واحدة.

(1) Adams، F، V. 2007. The Asthma Sourcebook.3 rd edi. 43 . New York. The McGraw-Hill Companies

ص: 151

طريقة استعمال البخاخات المضغوطة

أ- مباشر:

تُوضع فتحة البخاخ في الفم، ويتم إغلاق الشفتين حولها بإحكام، وأخذ نفس ببطء وعمق (الشهيق)، ويتم حينها الضغط على جهاز البخاخ لإخراج الدواء مع الاستمرار باستنشاق الهواء مع حبس النفس لمدة ?0 ثوان.

ب- عن طريق القمع الهوائي: حيث يتم توصيل قمع هوائي بالبخاخ مما يساعد على:

- سهولة إيصال الدواء إلى الرئة عندما يقوم المريض بسحب الهواء.

- التقليل من ترسب الدواء في تجويف الفم والحنجرة، وإيصاله إلى الرئة بتركيز عالي.

3:5 صورة للاستخدام المباشر للبخاخ

3:6 صورة للاستخدام عن طريق البرميل الهوائي

3:7 صورة لبعض الأقماع الهوائية

ص: 152

طريقة استعمال البخاخات ذات البودرة الجافة:

1.

توجد البودرة الدوائية جاهزة داخل الجهاز المخصص للاستنشاق أو في كبسولات خارجية توضع داخل الجهاز يتم تخريمها عند الاستعمال لاستنشاقها.

2.

هناك أشكال متعددة وطرق مختلفة لاستعمال هذه الأدوية ولكن في الإجمال يتم شفط هذه البودرة إلى داخل الرئة أثناء التنفس.

3.

تكون البودرة جاهزة للاستنشاق بعد تدوير القرص يميناً ويساراً قبل كل نشقة من الفم.

3:8 صورة تبين بخاخات البودرة

3 -

النبيوليزير (الرذاذ البخاري): هو جهاز كهربائي يقوم بتحويل محلول المادة الدوائية إلى بخار مرئي يستنشقه المريض بواسطة كمامة توضع على الأنف والفم أو من خلال توصيلة توضع في الفم مباشرة، ويعطى عادة أثناء الأزمات الربوية في المنازل والمستشفيات، وله أشكال كثيرة وأنواع متعددة، والجرعة

ص: 153

المستخدمة: من ?- 4 جرعات يومياً حسب الحاجة، وتستمر فترة الاستنشاق مابين ?0 - ?5 دقيقة للجرعة.

والجرعة المستخدمة في جهاز النبيوليزير: 2 سم محلول ملحي + ?- 2 ملل فنتولين + 2 ملل أتروفينت (250 - 500) ميكروجرام، وهي جرعة عالية مقارنة بالبخاخات حيث تعادل ما يقارب 20 بَخَّة ويترسب في داخل الرئة ?0% من الجرعة المعطاه، أما الباقي فيترسب في الأنابيب الموصلة وفي الأجزاء العلوية من مجاري التنفس ومعظمه يتطاير في الهواء (1).

3:9 صورة لجهاز النبيوليزير، وكيفية استخدامه

(1) من حوار طبي أجريته مع الدكتور عمر سعيد العمودي، استشاري الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي بمدينة جدة: وعضو هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز في مكتبه بالمستشفى الجامعي بتاريخ 12/ 6/2010 م.

ص: 154

ملاحظات هامة:

1.

عند غسل الفم بالماء بعد استخدام البخاخ يتم التخلص من 50% من المادة المترسبة.

2.

استخدام القمع الهوائي يمنع ترسب الدواء في البلعوم الفمي وبالتالي تنعدم فرص وصوله إلى المعدة.

3.

الأقماع الهوائية لا يمكن استخدامها مع بخاخات البودرة في الوقت الحالي، لعدم وجود آلية طبية لذلك.

4.

كمية الدواء التي يمكن وصولها إلى المعدة باستخدام جهاز النبيوليزر أكبر بكثير من الكمية التي تُعطى من خلال البخاخات الأخرى.

استخدام البخاخ مباشرة

استخدام بواسطة القمع الهوائي

3:10 صورة تبين الفرق في توزع الدواء إذا تم استخدام القصبة الهوائية حيث يصل الدواء إلى الرئة ولا يترسب في البلعوم الفمي

ص: 155

ثانيًا: الجانب الفقهي:

التكييف الفقهي:

عند النظر في مسألة بخاخ الربو وحقيقته في ضوء المقدمات الطِّبية السابقة نستطيع أن نكيفه فقهياً على ثلاث صور عند الفقهاء المتقدمين-رحمهم الله:

1.

الصورة الأولى: مسألة استنشاق بخار الأطعمة والبخور والتداوي به.

2.

الصورة الثانية: مسألة دخوله في عموم الأكل أو الشرب حيث يتم تناوله من الفم.

3.

الصورة الثالثة: مسألة المتبقي من المضمضة حال الصيام.

التخريج الفقهي:

وأما تخريج حكم كل صورة في ضوء نصوص الفقهاء من المذاهب الأربعة فهو كالتالي:

• الصورة الأولى: مسألة استنشاق بخار الأطعمة والبخور والتداوي به.

وحكمه عند الفقهاء في ضوء التكييف الفقهي على مسألة استنشاق بخار الأطعمة والبخور يكون مُفَطِّراً عند الجمهور (الحنفية، والمالكية، والحنابلة)، وغير مُفَطِّر عند الشافعية، وأقوالهم تبين لنا موقفهم من هذه المسألة.

القول الأول: (استنشاق بخار الأطعمة والبخور مُفَطِّر).

وهو قول الحنفية، والمالكية، والحنابلة.

ص: 156

الحنفية:

قال ابن عابدين: «ولو أدخل حلقه الدخان بأي صورة كان الإدخال، حتى لو تبخر بخور فآواه إلى نفسه واشتمه ذاكراً لصومه أفطر لإمكان التحرز عنه» (1).

• المالكية:

قال الدسوقي: «متى وصل دخان البخور أو بخار القدر للحلق وجب القضاء; لأن دخان البخور وبخار كل منهما جسم يتكيف به الدماغ ويتقوى به، أي تحصل له قوة كالتي تحصل له من الأكل» (2).

• الحنابلة:

قال البهوتي: «ولا يفسد صومه إن طار إلى حلقه ذباب أو غبار طريق أو نخل نحو دقيق أو دخان بلا قصد لعدم إمكان التحرز منه» (3).

ومفهومه أنّه إذا كان قاصداً فسد صومه.

وهذه الأقوال صريحة في أنَّ البخار المتصاعد من الأطعمة والبخور مفسد للصوم عندهم، وتخريجاً على أقوالهم هذه يكون عندهم بخاخ الربو مُفَطِّراً للصائم.

(1) ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، حاشية رد المختار على الدر المختار، مرجع سابق، ج 2، ص 395.

(2)

الدسوقي، محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، مرجع سابق، ج 1، ص 525.

(3)

البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، شرح منتهى الإرادات، (بيروت: عالم الكتب، الطبعة الثانية، 1996 م) ج 1، ص 482.

ص: 157

القول الثاني: (استنشاق بخار الأطعمة والبخور غير مُفَطِّر).

وهو قول الشافعية

قال الرملي: «ووصول الدخان الذي فيه رائحة البخور أو غيره إلى الجوف لا يفطر به، وإن تعمَّد فتح فِيه لأجل ذلك وهو ظاهر لما تقرر أنّها ليست عيناً عرفاً إذ المدار هنا عليه» (1).

وقول الشافعية إنّ بخار القدر والبخور لا يُفَطِّر الصائم ولو تعمده، يتخرج عليه أنّ بخاخ الربو غير مُفَطِّر عندهم.

• الصورة الثانية: دخوله في عموم الأكل أو الشرب حيث يتم تناوله من الفم ولاحتوائه على مواد دوائية.

وحكمه في ضوء هذا التكييف يكون مُفَطِّراً على المذاهب الأربعة، كونه داخل في عموم الأكل والشرب حيث لم يُفرِّق الفقهاء المتقدمون بين القليل والكثير، فقد نصوا على أنّ تناول القليل يُفَطِّر.

• الحنفية:

قال السرخسي: «وإن تناول سمسمة وابتلعها ابتداء فهو مُفْطِر لأنَّ هذا يقصد إبطال صومه ومعنى هذا أنّه إذا أدخل سمسمة في فمه فابتلعها فقد وُجِد

(1) الرملي، شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الشهير بالشافعي الصغير، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، (بيروت: دار الفكر للطباعة، د. ط، 1404 هـ - 1984 م) ج 3، ص 169.

ص: 158

منه القصد إلى إيصال المُفَطِّر إلى جوفه وذلك مفسد لصومه» (1).

• المالكية:

قال المغربي (المعروف بالحطَّاب): «إذا ابتلع الصائم في النهار ما يبقى بين أسنانه من الطعام يجب عليه قضاء؛ لأنّه أمر غالب» (2).

ومفهومه أنَّ تناول هذا اليسير عمداً يفسد الصوم لكونه ليس غالباً.

• الشافعية:

قال الشربيني: «والذي يفطر به الصائم عشرة أشياء، الأول: ما وصل من عين وإن قلَّت كسمسمة عمداً مختاراً عالماً بالتحريم إلى مطلق الجوف من منفذ مفتوح» (3).

• الحنابلة:

قال البهوتي: «لو أدخل إلى جوفه شيئاً من كل محل ينفذ إلى معدته مطلقاً أي سواء كان ينماع ويغذى، أو لا، كحصاة وقطعة حديد ورصاص ونحوهما ولو طرف سكين من فعله أو فعل غيره بأذنه فسد صومه أو وجد طعم علك مضغه بحلقه فسد صومه لأنّه دليل وصول أجزائه إليه» (4).

(1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 142.

(2)

المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 425.

(3)

الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، مرجع سابق، ج 1، ص 237.

(4)

البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، شرح منتهى الإرادات، مرجع سابق، ج 1، ص 481.

ص: 159

وهذه الأقوال تدل على أنَّ فقهاء المذاهب الأربعة يرون الفطر بوصول اليسير من الطعام أو الشراب إلى الحلق، وعلى تكييف بخاخ الربو أنّه نظير الأكل والشرب لاحتوائه على مادة دوائية وجزء من الماء يكون استخدام البخاخ مّفَطِّراً عندهم.

• الصورة الثالثة: مسألة المتبقي من المضمضة حال الصيام.

وحكمه في ضوء هذا التكييف أنّه غير مُفَطِّر عند المذاهب الأربعة، حيث يرون أنّ المتبقي من الماء بعد المضمضة في دائرة العفو.

• الحنفية:

قال السرخسي: «ألا ترى أنَّ الصائم إذا تمضمض فإنّه يبقى في فمه بَلَّة، ثم تدخل بعد ذلك حلقه مع ريقه، وأحد لا يقول بأنّ ذلك يُفَطِّره» (1).

وهذا النص من السرخسي صريح بأنَّ الماء المتبقي من أثر المضمضة لا يفسد الصوم عندهم وعند غيرهم حيث نص على موافقة المذاهب الثلاثة لهم (2) بقوله: «وأحد لا يقول: بأنَّ ذلك يُفَطِّره» .

• المالكية:

قال العبدري: «قال ابن القاسم: ويجوز بلع ريقه إذا تمضمض» (3).

(1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 142.

(2)

كتاب المبسوط عمدة في المذهب الحنفي ومقارن مع المذاهب الأخرى، حيث يحكي السرخسي من وافق وخالف المذهب في المسألة.

(3)

العبدري، محمد بن يوسف، التاج والإكليل شرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 426.

ص: 160

وهذا يدل صراحة على أنَّ المالكية يرون أنّ بلع الرِّيق بعد المضمضة لا يؤثر في الصيام مع حصول اليقين أنّه يصل إلى المعدة.

• الشافعية:

قال النووي: «إذا تمضمض الصائم لزمه مَجُّ الماء، ولا يلزمه تنشيف فمه بخرقة ونحوها بلا خلاف» (1).

ومعلوم بداهة أن المتبقي يتم ابتلاعه ويصل إلى المعدة.

• الحنابلة:

يرى الحنابلة عدم فساد الصوم ببلع المتبقي من ماء المضمضة

قال البهوتي: «لو بلع ما بقي من أجزاء الماء بعد المضمضة لم يفسد» (2).

وهذه الأقوال الصريحة عند فقهاء المذاهب الأربعة تدل على أنَّ بخاخ الربو غير مُفَطِّر عندهم في حال تكييفه أنّ المتبقي منه في الفم نظير المتبقي من المضمضة تخريجاً على أقوالهم.

وهذا التكييفات والتخريجات في ضوء ما قرره الفقهاء المتقدمون مقاربة وليست مطابقة تماماً؛ لأنّ تصور مثل هذه الحالة وتعقيداتها الطِّبية لم يكن في مخيلتهم، والواجب في مثل هذه المستجدات النظر إلى الحقيقة الطِّبية وهل تنطبق

(1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 338.

(2)

البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، شرح منتهى الإرادات، مرجع سابق، ج 1، ص 483.

ص: 161

تماماً على النظر الفقهي القديم.

والحقيقة أنّ الأمر قد يكون مختلفاً، ومن ذلك مسألة بخاخ الربو حيث أثبت الطِّب أن المادة الداخلة لا تكاد تُرى بالعين المجردة، وهي يسيرة جداً، وجزء من ذلك اليسير يَعْلَق بالبلعوم الفمي، ولا يلج مباشرة، والتخلص من نصفه ممكن بالمضمضة، كما أنّ هناك أجهزة مساعدة على عدم علوق شيء من ذلك في البلعوم الفمي، كما هو الحال في استخدام الأقماع الهوائية مع البخاخ، ولذا تباينت أقوال المعاصرين في هذه المسألة على قولين. وفيما يلي بيانها:

• أقوال الفقهاء المعاصرين وأدلتهم في حكم استخدام بخاخ الربو للصائم:

القول الأول: أن بخاخ الربو لا يُفَطِّر:

وهذا ما ذهب إليه كثير من المعاصرين، منهم:

الشيخ عبد العزيز بن باز (1)(مفتى السعودية سابقاً)، والشيخ محمد العثيمين (2)، والشيخ يوسف القرضاوي (3)، الدكتور هيثم خياط (4)، والشيخ عبد

(1) انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (الرياض: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الطبعة الثانية، 1420 هـ) ج 15، ص 265.

(2)

انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 210.

(3)

انظر. فتوى الشيخ يوسف القرضاوي على موقعه على الإنترنت: www.qaradawi.net. تاريخ التصفح، 7/ 3/2010 م.

(4)

انظر: الخياط محمد هيثم، المفطرات في ضوء الطب الحديث، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 287.

ص: 162

الله البسام (1)، والشيخ فيصل مولوى (2)، والدكتور أحمد الخليل (3)، واللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية (4).

أدلتهم:

الدليل الأول: قياس الواصل إلى الجوف من بخاخ الربو على المتبقي من المضمضة والاستنشاق، وذلك بأن الصائم له أن يتمضمض ويستنشق، إجماعاً (5)، وإذا تمضمض سيبقى شيء من أثر الماء ومع بلع الريق سيدخل المعدة، ونظيره الداخل من بخاخ الربو إلى المريء ثم إلى المعدة قليل جداً، فيقاس على الماء المتبقي بعد المضمضة (6).

(1) انظر: البسام، عبد الله بن عبد الرحمن، توضيح الأحكام من بلوغ المرام، (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، الطبعة الثانية، 1414 هـ -1994 م) ج 3، ص 171.

(2)

انظر: موقع الشيخ على الإنترنت www.mawlawi.net، تاريخ التصفح 7/ 3/2010 م. والشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء.

(3)

الخليل، أحمد بن محمد، مفطرات الصيام المعاصرة، (الدمام: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1425 هـ - 2005 م) ص 33.

(4)

انظر: عبد المحسن، عبد العزيز بن فهد، جامع الفتاوى الطبية والأحكام المتعلقة بها، (الرياض: دار القاسم، الطبعة الأولى، 1425 هـ -2004 م) ص 136.

(5)

انظر: السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 142، والعبدري، محمد بن يوسف، التاج والإكليل شرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 426، النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 338، البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، شرح منتهى الإرادات، مرجع سابق، ج 1، ص 483.

(6)

انظر: باشا، حسان شمسي، التداوي والمفطرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 258 - 259، والخليل أحمد بن محمد، مفطرات الصيام المعاصرة، السعودية، مرجع سابق، ص 34، والسكاكر، عبد الله بن حمد، فقه نوازل الصيام، مرجع سابق، ص 6.

ص: 163

ووجه ذلك أن عبوة بخاخ الربو تحتوي على 10 ملليتر من السائل بما فيه المادة الدوائية، وهذه الكمية مُعدَّة على أساس أن يبخ منه 200 بَخَّة (أي أن 10 مللتر تنتج 200 بَخَّة) وهذا يعني أنّه في كل بَخَّة يخرج جزء من المللتر الواحد، فكل بَخَّة تشكل أقل من قطرة واحدة (1)، وهذه القطرة الواحدة ستقسم إلى أجزاء يدخل الجزء الأكبر منه إلى الجهاز التنفسي، وجزء آخر يترسب على جدار البلعوم الفمي، والباقي قد ينزل إلى المعدة وهذا المقدار النازل إلى المعدة يعفى عنه قياساً على المتبقي من المضمضة، فإن المتبقي منها أكثر من القدر الذي يبقى من بَخَّة الربو بحيث لو مضمض المرء بماء مختلط بمادة مشعة (أي تظهر في الأشعة) لاكتشفنا المادة المشعة في المعدة بعد قليل، مما يؤكد وجود قدر يسير معفو عنه، وهوأكثر مما يمكن أن يتسرب إلى المريء من بخاخ الربو يقيناً» (2).

المناقشة:

اعترض أصحاب القول الثاني (3) بأنّ هذا قياس مع الفارق؛ لأنَّ المحل الذي يقصد به الجناية على الصوم إنما هو الحلق، وهو ليس مقصود المضمضة، بل مقصودها هو الفم، بخلافه في بخاخ الربو فإن الجوف مقصود له (4).

(1) وهذه القطرة تمثل جزءاً واحداً من خمسة وسبعين جزءاً مما في معلقة الشاي الصغيرة.

(2)

انظر: خياط، محمد هيثم، المفطرات في ضوء الطب الحديث، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 287.

(3)

وهم القائلون أنّ استخدام بخاخ الربو مفطر.

(4)

انظر فتوى دار الإفتاء المصرية، موقع دار الإفتاء http://www.dar-alifta.org، تاريخ التصفح 8/ 3/2010 م.

ص: 164

الجواب: يرى الباحث عدم التسليم بأنّ محل الجناية على الصوم هو الحلق، فالحلق إنما هو مظنة الوصول إلى المعدة، وبخاخ الربو لا يقصد به المعدة وإنما يُقصد به الرئتين، فليس ثمة جناية على الصوم.

الدليل الثاني: قياس البخاخ على السواك في جواز استعماله للصائم مع وجود بعض المواد فيه والتي قد عفي عنها؛ لقلتها ولكونها غير مقصودة، فقد ذكر الأطباء أنّ السواك يحتوي على ثمان مواد كيميائية، تقي الأسنان، واللثة من الأمراض، وهي تتحلل باللعاب، وتدخل البلعوم، فإذا عُفي عن هذه المواد التي تدخل إلى المعدة؛ لكونها قليلة وغير مقصودة، فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو يعفى عنه للسبب ذاته (1).

المناقشة:

اعترض اصحاب القول الثاني بأنّ المعفو عنه هو ما عَسُر دفعه، وأما ما نحن فيه فمقصود متعمد.

الجواب: يرى الباحث بعدم التسليم لهذا الإيراد؛ لأنَّ القصد لا محل له هنا، إذ لو كان كذلك لجاء المنع من السواك إلا للعبادة فقط، والصواب أنّه يشمل حال العبادة وغيرها، حيث لم يقصره الأئمة على السواك للصائم حال الوضوء

(1) انظر: باشا، حسان شمسي، التداوي والمفطرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 258 - 259، والخليل أحمد بن محمد، مفطرات الصيام المعاصرة، السعودية، مرجع سابق، ص 33، السكاكر، عبد الله بن حمد، فقه نوازل الصيام، مرجع سابق، ص 6.

ص: 165

والصلاة، وإنما أطلقوا العبارة، ومن ذلك قول الإمام مالك:«لا بأس بالسواك للصائم في أول النهار وفي آخره» (1).

الدليل الثالث: أن ما يحصل من بخاخ الربو لا يعتبر أكلاً أو شربًا في العادة، فلا يحصل به الفطر (2).

المناقشة:

اعترض أصحاب القول الثاني بأنّه وإن كان لا يعتبر أكلاً أو شربًا في العادة فإن ذلك لا يخرجه عن جملة المُفَطِّرات، فالعبرة بدخول الجرم للجوف اختياراً؛ لدلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم بما يشمل محل النزاع.

وحقيقة الصيام هي: الإمساك، وتحقق الإمساك إنما يكون بمنع دخول أي جرم إلى الجوف.

الجواب: يرى الباحث أن هذا الإيراد ليس في محله إذ ليس الممنوع مطلق دخول شيء إلى الجوف فقد جاء العفو عن دخول اليسير جداً كالباقي من المضمضة والسواك.

الدليل الرابع: أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو ليس قطعيًا فقد

(1) انظر: سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 200.

(2)

انظر: فتوى دار الإفتاء المصرية، موقع دار الإفتاء http://www.dar-alifta.org، تاريخ التصفح 8/ 3/2010 م.

ص: 166

يدخل وقد لا يدخل، والأصل صحة الصوم، ولا يزول هذا اليقين بالشك.

المناقشة:

اعترض أصحاب القول الثاني بأنّه قد ثبت من الناحية الطِّبية أن الذي يصل إلى المعدة من الدواء يقارب الثمانين بالمائة والباقي يذهب إلى الجهاز التنفسي، فلم يصبح وصول الدواء للمعدة مشكوكًا فيه.

الجواب: أننا نسلِّم بصحة ما ذكرتم، ولكن هذا الواصل يسير جداً، ولا يُرى بالعين المجردة فهو ملحق بما عُفي عنه، قياسا على المضمضة والاستنشاق (1).

الدليل الخامس: بخاخ الربو يدخل مع مخرج النفس، لا مخرج الطعام والشراب (2).

المناقشة:

واعترض أصحاب القول الثاني بأن هذا الفرق بين المخرجين غير مؤثر، فالعبرة بالوصول إلى ما يسمى جوفًا دون التفات إلى المخرج.

الجواب: يرى الباحث أنّ العبرة ليست بالوصول لما يسمى جوفاً، وأنَّ العبرة بما يسمى أكلاً أو شرباً أو ما كان في معناهما حقيقة أو صورة، كما سبق بيانه

(1) انظر: الخليل أحمد بن محمد، مفطرات الصيام المعاصرة، السعودية، مرجع سابق، ص 33، والسكاكر، عبد الله بن حمد، فقه نوازل الصيام، مرجع سابق، ص 6.

(2)

انظر: العفاني، سيد بن حسين، نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، (مصر: بني سويف، مكتبة معاذ بن جبل، الطبعة الخامسة 1421 هـ -2000 م) ج 3، ص 270.

ص: 167

في ضابط المُفَطِّرات، وهذا لا يتحقق في بخاخ الربو.

القول الثاني: أن بخاخ الربو مُفَطِّر:

وممن ذهب إلى هذا القول الشيخ محمد المختار السلامي (مفتي تونس)(1)، والشيخ محمود عبد اللطيف عويضة (2)، والشيخ وهبة الزحيلي (3)، والشيخ محمد تقي العثماني (4)، والشيخ فضل حسن عباس (5).

أدلتهم:

الدليل الأول: أنّ كل ما يدخل الجوف من الأجرام اختياراً يفسد الصوم؛ لأنَّ المعنى في الجميع وصوله إلى الجوف واستقراره فيه مع إمكان الامتناع منه في العادة.

واستندوا لأثر ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال: «إِنَّمَا الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا

(1) انظر: السلامي، محمد المختار، بحث المفطرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 33.

(2)

انظر: عويضة، محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، (مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 2005 م) ص 247.

(3)

انظر: الزحيلي، وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، (دمشق: دار الفكر، الطبعة الثامنة، 1425 هـ -2005 م) ج 3، ص 1719.

(4)

انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 366.

(5)

انظر: عباس، فضل حسن، التبيان والإتحاف في أحكام الصيام، (عَمَّان: دار الفرقان للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1416 هـ -1996 م) ص 112.

ص: 168

خَرَجَ» (1).

المناقشة:

أنّ العبرة ليس بالوصول لما يسمى جوفاً، وأن العبرة بما يسمى أكلاً أو شرباً أو ما كان في معناهما حقيقة أو صورة، كما سبق بيانه في ضابط المُفَطِّرات، وهذا لا يتحقق في بخاخ الربو.

أما أثر ابن عباس رضي الله عنهما فلا يدل على التوسع بمفهوم الجوف إذ الخطاب الشرعي متوجه إلى الغالب، والنادر لا حكم له؛ بل إن قلنا إنّ أثر ابن عباس مرفوع حكماً فيكون فهماً لآية الصيام {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]، فالخطاب العام يتوجه تفسيره بالمعنى الشرعي إن كان له معنى شرعي، وأثر ابن عباس له معنى شرعي وهو ما دلت عليه الآية من منع الأكل والشرب، وعليه يترجح هذا المعنى على غيره، وإن كان غيره قد يقع، وهذا ما أقره الأصوليون ومنهم: الإمام السبكي حيث يقول: «والخطاب الشرعي المجمل يكون من جهة أنّ الشرعي أرجح وأغلب من غيره، وإن كان غيره قد يقع، فالحكم للغالب» (2).

(1) سبق تخريجه، ص (131).

(2)

السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، (بيروت: عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1999 م)، ج 3، ص 405. (بتصرف).

ص: 169

كما أنّ الاستدلال بعموم أثر ابن عباس ينتقض عليهم بصور منها الداخل من مسام الجلد حيث أجمعوا على عدم فساد الصوم بما يدخل منها، وكذا نفى بعضهم فساد الصوم بما يدخل الإحليل ما لم يصل المعدة، مما يدل على أن العموم غير مقصود، فإن أخرجوا هذه الصور لاعتبارات فغيرها يخرج باعتبارت أخرى، وعليه لا يُسلم لهم الاستدلال بالأثر (1).

الدليل الثاني: أنّ معنى الصوم هو الإمساك، ولا يتحقق الإمساك بدخول شيء ذي جرم إلى الجوف، وإلا كان ركن الصيام منعدمًا، وأداء العبادة بدون ركنها لا يتصور، والخارج من البخاخ رذاذ له جرم مؤثر، حيث أنّ بخاخ الربو يحتوي على مستحضرات طبية دوائية (الفانتلين + ماء + أوكسجين)، فهو مادة مركبة من أجزاء خاصة، غير أجزاء الهواء المعتاد الذي يتنفسه الإنسان.

المناقشة:

نُسلِّم أنّ بخاخ الربو له جرم، ولكن هذا الجرم مما جاء العفو عن نظائره مثل الداخل إلى الجوف من بقايا المضمضة والسواك.

الدليل الثالث: أن المادة المنبعثة من البخاخ تدخل إلى الجوف من منفذ معتبر، والجمهور يرون أنَّ الدخان والبخور مُفَطِّر إذا أُدخل إلى الجوف عمداً خلافاً للشافعية القائلين بعدم الإفطار بالدخان والبخور (2).

(1) سبق الرد على هذا الإيراد بتوسع في الفصل الثاني، المبحث الثالث، المطلب الخامس، ص (125).

(2)

انظر: الغرياني، الصادق عبد الرحمن، مدونة الفقه المالكي وأدلته، (بيروت: مؤسسة الريان، الطبعة الأولى 1423 هـ ـ 2002 م) ج 1، ص 631، والألفي، محمد جبر، مفطرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 76.

ص: 170

المناقشة:

أولاً: دخول دخان البخور محل خلاف بين الفقهاء المتقدمين فالشافعية لا يرون كونه مُفَطِّراً فننازعكم في محل الاستدلال، حيث يقول الرملي (المعروف بالشافعي الصغير):«ووصول الدخان الذي فيه رائحة البخور أو غيره إلى الجوف لا يفطر به، وإن تعمد فتح فيه لأجل ذلك وهو ظاهر لما تقرر أنّها ليست عينا عرفا إذ المدار هنا عليه» (1).

ثانياً: على فرض التسليم فإنَّ الداخل يسير جدا أقلّ مما جاء العفو عنه في المضمضة والسواك.

الترجيح في حكم بخاخ الربو:

بعد هذا الاستعراض الطِّبي والفقهي فإن الباحث يرجح أنّ استخدام بخاخ الربو غير مُفَطِّر، كما يرى أنّ استخدام القمع الهوائي يحدث اطمئناناً أكثر حيث أثبت الطِّب أنّه باستخدامه تصل كمية الدواء شبه كاملة إلى الرئتين.

والباحث إذ يرجح القول الأول فإنّ ذلك يرجع لعدة أمور:

1.

قوة أدلة القول الأول.

2.

(1) الرملي، شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الشهير بالشافعي الصغير، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، (بيروت: دار الفكر للطباعة، د. ط، 1404 هـ - 1984 م) ج 3 ص 169.

ص: 171

أنّ اعتراضات أصحاب القول الثاني على أدلة القول الأول أجاب عنها الباحث في موطنها، فأغنى عن إعادتها هنا.

3.

أنَّ أدلة القول الثاني تمت الإجابة عليها.

4.

التشخيص الطِّبي الدقيق لعملية استخدام بخاخ الربو يدل على أنَّ الكمية الواصلة إلى المعدة ضئيلة جداً (1).

5.

أنّ المادة الداخلة يقصد إيصالها إلى الجهاز التنفسي، وعليه يغيب القصد المؤثر في الصوم عند إدخال المادة.

6.

أنّه باستخدام القمع الهوائي يمكن فك النزاع بين القولين، وجمعهم على الجواز، حيث تزول العلة التي ذكرها القائلون بأن البخاخ مُفَطِّر.

• حكم بخاخ البودرة.

بخاخ البودرة حكمه حكم البخاخ العادي (المضغوط) في التكييف والتخريج والخلاف بين المعاصرين؛ بل إنّ الكمية التي تخرج منه لا يكاد يشعر بها المريض كما أفاد الأطباء، فهو غير مُفَطِّر لما سبق في ترجيح حكم بخاخ الربو

(1) قام الباحث بإجراء تجربة تقريبية على 13 شخص لقياس المتبقي من المضمضة بإشراف الدكتور هاني سعدي شكري، أخصائي العلوم الطبية الحيوية، الجامعة الوطنية الماليزية UKM، وقد توصل إلى نتيجة مقاربة تقدر كمية المتبقي من المضمضة في اللعاب مابين 1 - 1.5 مليلتر. وكانت آلية التجربة باستخدام وعاء بلاستيكي خاص عليه مؤشر المليلتر، فتم إعطاء كل شخص 60 مليلتر من الماء ليتمضمض به ثم يمجه في نفس الوعاء المذكور، فتبين أنّ الماء قد نقص مابين 1 - 1.5 مليلتر، وهذه الكمية أكثر من المتبقي من بخاخ الربو، حيث أنَّ البخة الواحدة لا تساوي واحد مليلتر، فضلاً عن المتبقي منها.

ص: 172

العادي، ويفارق بخاخ الربو العادي بعدم وجود أنبوب طبي يمكن استخدامه معه حتى الآن كما مر معنا في الجانب الطِّبي.

• حكم استخدام جهاز النبيوليزر (الرذاذ البخاري).

جهاز النبيوليزر يقال فيه من التكييف والتخريج الفقهي ما قيل في التخريج الأول والثاني لبخاخ الربو، ولا ينطبق عليه التكييف والتخريج على الصورة الثالثة (صورة المتبقي من المضمضة والسواك)؛ لأن الكمية المستخدمة في الجرعة الواحدة كبيرة حيث تعادل 20 بَخَّة مقارنة مع الكمية الداخلة من بقايا المضمضة والسواك؛ كما أنّ مدة الجرعة الواحدة 10 - 15 دقيقة للجرعة الواحدة مما يعزز دخول كمية منه إلى المعدة، ولذا يفارق البخاخ العادي من حيث كمية الدواء الداخلة.

وبناءً على ما سبق ذكره من القواعد والأصول، والتكييف والتخريج الفقهي، والأدلة والأقوال والترجيحات، فإنّ الباحث يرى أنّه مُفَطِّر لمفارقته البخاخ العادي من حيث أنَّ الكمية الداخلة إلى المعدة كبيرة، حيث يستمر استنشاق المريض للدواء مابين 10 إلى 15 دقيقة، كما أنّه يُعْطَى بدفع عالي يوصل جزء كبير منه إلى البلعوم.

OOOOO

ص: 173