الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الغسيل الكلوي البريتوني (1)(Peritoneal dialysis)
الجانب الطبي:
دور الكلى في الجسم:
تقوم الكلى بعدة وظائف أساسية تشمل الآتي:
1.
إزالة الفضلات السامة الناتجة عن حرق الغذاء في خلايا الجسم.
2.
وزن مستوى الماء والأملاح في الجسم.
3.
إفراز هرمونات أساسية للمحافظة على العظام، وتكوين كريات الدم الحمراء.
الفشل الكلوي:
يعتبر الفشل الكلوي من الأمراض الشائعة في هذا العصر، ومن أهم أسبابه:
1.
داء السكري.
2.
ارتفاع ضغط الدم.
3.
التهابات أنسجة الكلية (2).
(1) وتعرف أيضاً باسم الديلزة الصفاقية.
(2)
انظر: الشاعر، عبد المجيد، وآخرون، أساسيات علم وظائف الأعضاء، مرجع سابق، ص 274، وباشا، حسان شمسي، الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر رمضان، مرجع سابق، ص 50.
4.
أسباب أخرى مثل: العيوب الخَلْقية، أو الإصابة بالتهابات جرثومية متكررة.
علاج الفشل الكلوي:
في حال حصول الفشل الكلوي فإنَّ الإنسان لا يمكنه العيش بدون كلى فاعلة، إلا أن الطب قد ابتكر علاجات لهذا المرض وهي:
1.
الغسيل الدموي (الديلزة الدموية).
2.
الغسيل البريتوني (الديلزة الصفاقية).
3.
زراعة الكلية (1).
وما يهمنا في هذا: المطلب الغسيل البريتوني، إذ هو المتوافق في التكييف الفقهي مع مبحث الداخل عن طريق الجلد.
عملية غسيل الكلى:
هي طريقة طبية مستحدثة تستخدم لعلاج قصور الكلى لتنقية الدم من الفضلات التي تتراكم نتيجة عجز الكلى عن طرحها خارج الجسم (2).
(1) من حوار مع الدكتور الاستشاري ماهر بشير الخردة جي، استشاري أمراض الكلى بمستشفى بريدة المركزي، السعودية، بتاريخ 6/ 3/2010 م، وانظر: هاني عرموش، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 662.
(2)
انظر: كنعان، أحمد محمد، الموسوعة الطبية الفقهية، مرجع سابق، ص 466.
وسوف نتناول في هذا المبحث الغسيل البريتوني بالدراسة طبيا وفقهياً (1).
الغسيل البريتوني:
الجانب الطبي:
اكتشف الأطباء وجود غشاء في بطن الإنسان يشابه الغشاء الموجود في الكلية الصناعية. وهذا الغشاء يحيط بالأمعاء والأعضاء الأخرى في البطن، ويسمح لأمعاء البطن بالتحرك من غير حدوث احتكاك فيما بينها. ويتحوي على فتحات صغيرة جداً تشبه المنخل؛ لذلك عندما يتم وضع سائل في تجويف البطن (وليس في المعدة) فإنَّ الفضلات السامة تترشح من الدم الموجود في الأوعية الدموية لأعضاء البطن إلى هذا السائل عن طريق الانتشار؛ لذلك تم استغلال هذا الغشاء كأحد الطرق لإزالة المواد السامة والفضلات من الجسم.
طريقة الغسيل البريتوني:
يتم إدخال وإخراج السائل المستخدم للغسيل البريتوني من وإلى تجويف البطن من خلال استخدام أنبوب صغير في البطن، وينفذ من الجسم بجانب السُرَّه، وهذا الأنبوب يستخدم لإدخال أو سحب السائل.
مكونات السائل المستخدم للغسيل البريتوني:
يتم استخدام الماء النقي المضاف إليه الأملاح والمعادن بتركيزات مختلفة.
(1) أما الغسيل الدموي فمحله في مبحث الخارج من البدن، حيث تكييفه الفقهي يتوافق مع الخارج من البدن.
وسبب استخدام السكر هو مقدرته على جذب الماء الزائد من الأوعية إلى تجويف البطن (1).
وفي هذه العملية يتم دخول كمية من سكر الجلوكوز الموجود في السائل الذي يوضع داخل جوف البطن إلى دم المريض عن طريق الغشاء البريتوني (2).
وهناك طريقتان يتم بها استخدام الغسيل البريتوني:
1 -
الطريقة اليدوية:
في هذه الطريقة يقوم المريض بوضع السائل النقي في تجويف البطن حيث يترك السائل من 4 - 6 ساعات، وخلال هذه الفترة تنتقل الفضلات السامة من الدم إلى تجويف البطن ثم إلى السائل. وبعد مرور هذه الفترة يقوم المريض بفتح الأنبوب وتفريغ السائل المحمل بالسموم والسوائل الزائدة عن حاجة الجسم. ثم يتم وضع سائل نقي مرة أخرى في تجويف البطن. وفي كل مرة يضع المريض كميات تتراوح بين 1 - 3 لتر حسب حجم جسمه، وتتكرر هذه العملية 4 أو 5
(1) انظر: د. السويداء، عبد الكريم عمر، استشاري أمراض الباطنة والكلى، كلية الطب، جامعة الملك عبد العزيز، من بحث مقدم للندوة الفقهية، المنعقدة بالرياض 1428 هـ، بعنوان: غسيل الكلى وأثره على الصيام، ص 8، سلسة الإصدارات الفقهية لموقع الفقه الإسلامي (1)، الرياض 23/ 8/1428 هـ. http://www.islamfeqh.com/Nadawat/NadwaInfo.aspx?ID=1، تاريخ التصفح 26/ 8/2010 م.
(2)
انظر: باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 261.
مرات يوميا.
2 -
الطريقة الآلية:
تعتمد هذه الطريقة على استخدام جهاز يقوم بوضع السائل النقي وسحب السائل المحمل بالسموم لفترة تتراوح من 7 إلى 9 ساعات أثناء النوم فقط. خلال هذه الفترة يظل المريض موصولاً إلى جهاز الغسيل البريتوني. وتمتاز هذه الطريقة بعدم حاجة المريض لفصل وإعادة شبك الأنبوب الموجود في البطن. كذلك عدم حاجة المريض إلى وضع وتفريغ السائل بنفسه ولكن هذه الطريقة تتطلب وجود المريض في السرير خلال فترة الديلزة (1).
3:34 صورة تبين طريقة الغسيل البريتوني
(1) انظر: د. السويداء، عبد الكريم عمر، غسيل الكلى وأثره على الصيام، مرجع سابق، ص 8.
الجانب الفقهي للغسيل البريتوني:
التكييف الفقهي:
تحدث الفقهاء المتقدمون عن صورة مشابهة للغسيل البريتوني وهي مسألة مداواة الجائفة (1)، وعلى ضوء هذا التكييف يتبين حكم هذه العملية تخريجاً على أقوال أصحاب المذاهب الأربعة.
التخريج الفقهي:
اختلف الفقهاء المتقدمون في مداواة الجائفة وأثرها على الصوم على قولين، فمنهم من قال إنّ مداواة الجائفة مفسد للصيام، ومنهم من قال أنها غير مفسدة.
القول الأول: (مداواة الجائفة مفسد للصيام)
وهو مذهب الجمهور (الحنفية، والشافعية، والحنابلة)، على تفريق عند الأحناف بين الدواء الرطب واليابس. وهذا بيان بأقوالهم:
• الحنفية:
قال الكاساني: «وأما ما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ من غير المخارق
(1) والجائفة هي: الجرح الذي يصل إلى الجوف من غير المخارق الأصلية، سواء وصل إلى البطن، أو الصدر، أو الخاصرة، أو المثانة. وتحصل الجائفة بكل ما يفضي إلى باطن الجوف، فلا فرق بين أن يجيف بحديدة، أو خشبة محددة، ولا بين أن تكون الجائفة واسعة أو ضيقة، ولو قدر إبرة. انظر: النووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين (بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405 هـ) ج 9، ص 265، والموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق، ج 15، ص 82.
الأصلية بأن داوى الجائفة والآمة، فإن داواها بدواءٍ يابسٍ لا يفسد؛ لأنَّه لم يصل إلى الجوف ولا إلى الدماغ، ولو علم أنَّه وصل يفسد في قول أبي حنيفة، وإن داواها بدواء رطب يفسد عند أبي حنيفة، وعندهما لا يفسد» (1).
• الشافعية:
قال الشيرازي: «وإن كانت به جائفة، أو آمة، فداواها فوصل الدواء إلى الجوف، أو الدماغ، أو طعن نفسه، أو طعنه غيره بإذنه فوصلت الطعنة إلى جوفه، بطل صومه، لما ذكرناه في السعوط أو الحقنة» (4).
وقال النووي: «لو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه أو دماغه، أفطر
(1) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1982 م) ج 2، ص 93.
(2)
محمد بن الحسن وأبو يوسف.
(3)
المرغيناني، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني، الهداية شرح البداية، مرجع سابق، ج 1، ص 125.
(4)
الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، مرجع سابق، ج 1، ص 182.
عندنا، سواء كان الدواء رطباً أو يابساً» (1).
• الحنابلة:
قال المرداوي: «أو احتقن، أو داوى الجائفة بما يصل إلى جوفه فسد صومه، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب» (2).
وقال ابن قدامة: «وإن أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان، أو إلى دماغه مثل أن احتقن، أو داوى جائفة بما يصل جوفه، أو طعن نفسه، أو طعنه غيره بإذنه بما يصل جوفه،
…
أفطر» (3).
أدلتهم:
1 -
حديث: «إِنَّمَا الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» (4).
2 -
أنَّه أوصل إلى جوفه الدواء باختياره، ولا فرق بين وصول الدواء ووصول الطعام والشراب إلى جوف (5).
(1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 330.
(2)
المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، مرجع سابق، ج 3، ص 299.
(3)
ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 352.
(4)
سبق تخريجه، انظر: ص (131).
(5)
انظر: الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الحاوي الكبير، مرجع سابق، ج 3، ص 456.
القول الثاني: (مداواة الجائفة غير مفسد للصيام):
وهو مذهب المالكية.
وقال الدردير في حديثه عن المُفَطِّرات: «ولا قضاء في غالب قيء ..... ولا في دهن جائفة، أي دهن وضع على الجرح الكائن في البطن الواصل للجوف؛ لأنه لا يصل لمحل الطعام والشراب وإلا لمات من ساعته» (3).
أدلتهم:
أن الدواء لا يصل لمحل الطعام والشراب، وإلا لمات المريض من ساعته (4).
(1) المدونة الكبرى هي رواية سحنون، عبد السلام بن سعيد التنوخي عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك.
(2)
سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 198.
(3)
الدردير، أحمد أبو البركات، الشرح الكبير، تحقيق: محمد عليش، (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 1، ص 533.
(4)
المرجع السابق، ج 1، ص 533.
الترجيح:
يرى الباحث أنّ قول المالكية بعدم فساد الصوم بمداوة الجائفة هو الراجح، وذلك للأسباب التالية:
1.
الحديث الذي استدل به الجمهور «إِنَّمَا الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» ضعيف ولا يصح ففي سنده راوٍ مجهول، وقد نص الأئمة على تضعيفه منهم الزيلعي في نصب الراية (1)، وقال الهيثمي:«رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه» (2)، وقال القاري:«ولجهالة المولاة-أحد رواة الحديث- لم يثبته بعض أهل العلم» (3).
وعلى فرضية صحة الحديث فإن قصة الحديث وسياقه تبين لنا المراد من النص، وهو أن المقصود الداخل المعتاد من الفم (4).
2.
العبرة في التفطير ليس بما وصل إلى أي جوف، وإنما ما وصل إلى الجهاز الهضمي من طعام أو شرب، أو كان في معناهما حقيقة أو صورة، ولا يوجد هذا في مداواة الجائفة، فلا يصدق عليه أنه طعام أو شراب، وليس
(1) الزيلعي، عبد الله بن يوسف، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، مرجع سابق ج 2، ص 453.
(2)
الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، مرجع سابق، ج 3، ص 167.
(3)
القاري، علي بن سلطان محمد، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تحقيق: جمال عيتاني، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1422 هـ - 2001 م) ج 4، ص 437.
(4)
سبق تفصيل الرد في ذلك في الفصل الأول، المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف، ص 101. فاكتفيت بالإجمال، واستغنيت عن التفصيل بالإحالة إليه.
في معناهما.
3.
أنَّ الصحابة لا زلوا تصيبهم الجروح ويداونها، ولم ينبه النبي صلى الله عليه وسلم على كون ذلك مما يفسد الصوم مع وجود الداعي لبيانه لو كان مُفَطِّراً، ومعلوم أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (1).
حكم الغسيل البريتوني في ضوء هذا التخريج (مداواة الجائفة):
الغسيل البريتوني يكون مفسداً للصوم عند الجمهور (الحنفية، والشافعية، الحنابلة)، وغير مفسد للصوم عند المالكية.
أقوال المعاصرين في الغسييل البريتوني:
لم أقف على نص صريح لأحد من الفقهاء المعاصرين في الغسيل البريتوني، سوى ما قرره مجمع الفقه الإسلامي من التوقف في هذه المسألة (2).
الترجيح في حكم الغسيل البريتوني في نهار رمضان:
بحسب ما سبق من مقدمات طبية حول الغسيل البريتوني فإنّ الذي يظهر للباحث أن الغسيل البريتوني مفسد للصوم للأسباب الآتية:
1.
أنه يتم إدخال كمية كبيرة من السوائل (الماء، والأملاح، والمعادن،
(1) انظر: الغزالي، أبو حامد، محمد بن محمد، المستصفى في علم الأصول، مرجع سابق، ص 192.
(2)
انظر: قرارات مجلة مجمع الفقه الإسلامي المنعقد حول المُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 455.
والسكر) بحيث تتفاعل مع الدم لمدة طويلة ويتم انتقال هذه المواد إلى الدم، وهي كثيرة كما هو متقرر طبياً.
2.
أنّ هذه العملية تستمر لساعات طويلة مابين 4 - 5 في الغسيل اليدوي، 7 - 9 في الغسيل الآلي، مما يدل على أنّ كمية السكريات والأملاح الداخلة إلى الدم كبيرة، ويمكن استغناء الجسم بها عن الطعام لمدة من الزمن.
3.
أنّه إذا كان الغسيل البريتوني يمد الجسم بالمواد الحيوية من الأملاح والسكريات، فإن حكم الغسيل البريتوني هو حكم الحقن المغذية (1) حيث وجه التفطير فيها ليس وصولها إلى الجوف، وإنما استفادة الجسم من السكريات والأملاح الكثير الداخلة إلى الدم خلال العملية، فهو بمعنى الأكل والشرب.
OOOOO
(1) سبق في مطلب الحقن بيان أسباب الترجيح في أنَّ الحقن المغذية مُفَطِّرة، انظر، ص (286).