الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثامن: قطرات الأذن وملحقاتها:
الجانب الطبي:
الأذن: هي عضو السمع والتوازن وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 -
الأذن الخارجية: وتتركب من الصوان، وهو زائدة غضروفية، ووظيفته تركيز وتوجيه ذبذبات الموجات الصوتية التي تدخل الأذن، ويؤدي الصوان إلى القناة السمعية الخارجية وطولها حوالي 3 سم، وكثيراً ما تحتوي على بعض الشعيرات الكثيفة وتنتهي هذه القناة بطبلة الأذن التي تفصل بين الأذن الخارجية والأذن الوسطى.
2 -
الأذن الوسطى: وتبدأ بطبلة الأذن، وهي عبارة عن حجرة دقيقة تحتوي على ثلاث عظمات صغيرة تسمى العظيمات السمعية، وسميت حسب أشكالها، المطرقة، والسندان، والركاب، وهي مرتبة بحيث تنقل الذبذبات من غشاء الطبلة إلى عضو السمع الحقيقي (القوقعة).
وفي القناة الوسطى توجد قناة استاكيوس التي تصل بين الأذن الوسطى وتجويف البلعوم.
3 -
الأذن الداخلية: تحوي الأذن الداخلية على الأعضاء الخاصة بالسمع والتوازن، وهي أكثر أجزاء الأذن تعقيداً وحساسية، وهي موجودة في تجويف عميق داخل العظم الصدغي، ويسمى بالتيه العظمي ويتكون من الدهليز
والقنوات الهلالية والقوقعة (1).
أمراض الأذن:
تتعرض الأذن لعدة أمراض، منها التهابات الأذن الوسطى، وأخماج الأذن المزمنة، وهذه الأمراض غالباً ما يوصف لها علاج موضعي عن طريق قطرات أو مراهم توضع في الأذن (2).
• المسألة الأولى: قطرات الأذن:
طبيعة العلاج بالقطرات:
يقول الدكتور محمد صالح أخصائي الأنف والأذن والحنجرة (3):
المريض يضع في الأذن من 1 - 3 قطرات في الأذن الخارجية على أكثر تقدير، فإذا كانت الطبلة سليمة فلا مشكلة حيث لا منفذ إلى البلعوم الأنفي، وأما إذا كانت الطبلة مثقوبة فتدخل عن طريق ثقب الطبلة إلى الأذن الوسطى ثم عن طريق قناة استاكيوس تنزل إلى البلعوم الأنفي، ثم إلى المريء.
ويضيف الدكتور: من المقرر طبياً أنَّ المسافة بين الأذن الخارجية إلى المعدة
(1) انظر: الشاعر، عبد المجيد، أساسيات علم وظائف الأعضاء، مرجع سابق، ص 97 - 98.
(2)
انظر: هاني عرموش، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 390 - 395.
(3)
من حوار أجريته مع الدكتور محمد بن محمد صالح، أخصائي أنف وأذن وحنجرة بالمستشفى المركزي بمدينة بريدة، السعودية، في عيادته بالمستشفى المذكور، بتاريخ 8/ 2/2010 م. وقد أفاض بالشرح والتفصيل وأجرى تجربة عملية لإثبات، ما قرره.
حوالي 60 سم فالقطرات لا تصل إلى المعدة، أو بنسبة تكاد تكون بحكم المعدوم لسببين:
1 -
أثناء مرور القطرات في الأغشية المخاطية للأذن والبلعوم والمريء يتم امتصاص جزء كبير منها.
2 -
إذ وضعت 3 قطرات على سطح أملس لا يمكن مروه إلى نهاية 60 سم.
فمن وجهة نظري- والكلام لأخصائي أمراض الأذن-أنه في حالة وجود ثقوب في الطبلة فإن القطرات لاتصل إلى المعدة (1).
العلاقة بين الأذن والجوف:
يتبين لنا من خلال كلام المختصين أنه لا علاقة بين الجهاز الهضمي والأذن، إلا في حالة انحراق الطبلة، ففي هذه الحالة يكون الاتصال بينهما عن طريق قناة استاكيوس.
يقول الدكتور البار: «هناك فتحة في الأذن الوسطى وتتصل بقناة استاكيوس التي تصل إلى البلعوم وتعرف بالقناة البلعومية السمعية، ولكن الأذن الخارجية (وتشمل الصيوان وقناة السمع الخارجية) تفصلها عن الأذن الوسطى الطبلة، وهي غشاء جلدي.
ولهذا فإنّ إفرازات الأذن الخارجية، أو وضع قطرات من الدواء، أو الماء،
(1) المرجع السابق (من الحوار المذكور).
أو أي سائل في الأذن الخارجية لا تصل إلى الأذن الوسطى، وبالتالي لا تصل إلى القناة السمعية البلعومية (قناة استاكيوس) إلا إذا كانت طبلة الأذن مخروقة» (1).
ومن هنا يتقرر أنَّ ما ذكره الفقهاء من اتصال الأذن الخارجية بالجوف كان بناءً على ظن أثبت الطب الحديث عدمه، فلزم أن يتغير ما بُني على هذا الظن على ضوء ما تقرر قطعاً بالطب الحديث، بأنَّه لا صلة بين الأذن والدماغ، ولا صلة بين الأذن والجهاز الهضمي إلا في حالة مرضية نادرة، وهي تخرم الطبلة.
3:24 صورة تشريحية للأذن تبين عزل الطبلة للأذن الخارجية عن الاتصال بقناة استاكيوس
(1) البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة المجمع الفقهي، مرجع سابق، ج 10، ص 217.
(2)
باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 258.
الجانب الفقهي:
التكييف الفقهي:
عند النظر فيما سطره الفقهاء المتقدمون رحمهم الله حول المُفَطِّرات نجدهم قد نصوا على مسألة التقطير في الأذن، وهي مطابقة لمسألتنا حول قطرات الأذن. وسيتبن لنا ما قرروه.
التخريج الفقهي:
ذهب الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنّ الأذن منفذ إلى الجوف أو الدماغ، وبالتالي يفسد الصوم عندهم بما يقطر فيها، وذهب بعض الشافعية إلى أن الأذن ليست منفذاً إلى الجوف، وأنّه لا يفسد الصوم بالتقطير فيها (1)، وفرق بعض الأحناف بين الماء وغيره.
وهذه أقوال المذاهب التي تبين موقفهم من التقطير في الأذن:
• الحنفية:
قال الكاساني: «أو أقطر في أذنه فوصل إلى الجوف أو إلى الدماغ فسد صومه، أما إذا وصل إلى الجوف فلا شك فيه لوجود الأكل من حيث الصورة. وكذا إذا وصل إلى الدماغ، لأنَّ له منفذاً إلى الجوف، فكان بمنزلة زاوية من زوايا
(1) وهو قول الإمام الغزالي واعتبره النووي خلاف جمهور الشافعية. انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 322.
الجوف» (1).
وهذا يبين لنا أن بعض الأحناف يفرقون بين تقطير الماء وغيره وأن الماء لا يؤثر.
وقد بين ابن عابدين حصول الخلاف بقوله: «والحاصل الاتفاق على الفطر بصب الدهن، وعلى عدمه بدخول الماء» (3).
• المالكية:
قال القيرواني في مفسدات الصوم: «ولا يكتحل أو يصب في أذنيه دهناً إلا أن يعلم أنه لا يصل إلى حلقه» (4)
وقال المغربي: «أو صب في أذنه دهنا لوجع به أو غيره فوصل ذلك إلى حلقه فليتماد في صومه ولا يفطر بقية يومه وعليه القضاء ولا يُكَفِّر إن كان في رمضان،
(1) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 93.
(2)
الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، تحفة الملوك في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، تحقيق: د. عبد الله نذير أحمد، (بيروت: دار البشائر الإسلامية، الطبعة: الأولى، 1417 هـ) ج 1، ص 143.
(3)
ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، حاشية رد المختار على الدر المختار، مرجع سابق، ج 2، ص 396.
(4)
القيرواني، خلف بن أبي القاسم، تهذيب المدونة، (د. ط، د، ت) ج 1، ص 132.
فإن لم يصل إلى حلقه فلا شيء عليه» (1).
• الشافعية:
قال النووي: «ولو قطر في أذنه شيئاً فوصل إلى الباطن أفطر على الأصح عن الأكثرين كالسعوط، والثاني: لا يفطر كالاكتحال قاله الشيخ أبو علي، والقاضي حسين، والفوراني» (2).
والقول الثاني اختاره الغزالي حيث يقول: «والصحيح أن تقطير الدهن في الأذن لا يضر» (3).
وقد صرح النووي أنّ قول الغزالي خلاف قول جمهور الشافعية حيث قال: «لو قطر في أذنه ماءً، أو دهناً، أو غيرهما فوصل إلى الدماغ فوجهان: أصحهما يفطر، وبه قطع المصنف والجمهور» (4).
• الحنابلة:
قال ابن قدامة: «أو قطر في أذنه فوصل إلى دماغه، أو داوى مأمومه بما يصل إليه أفطر؛ لأنه إذا بطل بالسعوط دل على أنه يبطل بكل واصل من أي موضع
(1) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 426.
(2)
النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين، (بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405 هـ) ج 2، ص 223.
(3)
الغزالي، محمد بن محمد بن محمد، الوسيط في المذهب، مرجع سابق، ج 2، ص 525.
(4)
النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق ج 6، ص 322.
كان، ولأنّ الدماغ أحد الجوفين فأبطل الصوم ما يصل إليه كالآخر» (1).
وقال البهوتي: «أو قطر في أذنه ما يصل إلى دماغه لأن الدماغ أحد الجوفين فالواصل إليه يغذيه» (2).
أدلتهم:
1 -
حديث لقيط بن صبرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» (3).
ووجه الاستدلال: أنه لما بطل الصوم بما يصل إلى الدماغ عن طريق الأنف، فكذلك بما يصل إليه من الأذن؛ لأنَّ الدماغ أحد الجوفين (4).
والجواب عن هذا الاستدلال:
يجاب عن استدلال الجمهور بأنّ هذا الاستدلال في غير محله، وذلك أنّ الطب الحديث أثبت أنّه لا علاقة بين الأذن والدماغ كما بينَّاه سابقاً.
2 -
حديث: «إنما الفطر مما دخل» (5).
(1) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 352.
(2)
البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 318.
(3)
سبق تخريجه، ص (126)(في الحاشية).
(4)
انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق ج 6، ص 320.
(5)
سبق تخريجه، ص (131).
والتقطير في الأذن يصدق عليه ذلك، ففسد الصيام في التقطير فيها.
والجواب عن هذا الاستدلال:
أنّ الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (1)، وأنَّه على فرض صحته فإنَّه ليس على إطلاقه، وإلا للزم المخالف في صور لا يلتزم بها، وقد سبق تفصيل ذلك في مناقشة كلام الجمهور حول الجوف (2).
حكم قطرات الأذن في ضوء المذاهب الأربعة:
بعد هذا الاستعراض لأقوال أصحاب المذاهب الأربعة يتبن لنا أن قطرات الأذن مفسدة للصوم عندهم.
وغير مفسدة للصوم على قول بعض الشافعية كالغزالي والقاضي حسين.
وقد يتخرج لنا حكم آخر إذا تأملنا اشتراط المالكية وصول القطرات إلى الحلق فإن القطرات لا تكون مفطرة، حسب لازم قولهم، حيث أنّ قطرات الأذن لاتصل إلى الحلق، وقد اشترطوا وصولها.
ولكن إذا نظرنا إلى مقياسهم فيما يعتبر واصلا إلى الحلق، فإن القطرات تكون مفطرة لاعتبارهم أن وجود الطعم في الحلق هو دليل الوصول، فيتخرج الحكم على مذهب المالكية على صورتين: التفطير وعدمه.
(1) انظر: الزيلعي، عبد الله بن يوسف أبو محمد، نصب الراية، مرجع سابق، ج 2، ص 453.
(2)
انظر: الفصل الثاني، المبحث الثالث، المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف، ص (125).
الراجح في قطرات الأذن:
بعد الاستعراض لما قرره الطب حول صلة الأذن بالجهاز الهضمي، وما ذكره الفقهاء في هذه المسألة وأدلتهم ومناقشتها يترجح للباحث أن قطرات الأذن لا تفطر سواء كانت الطبلة سليمة أم مثقوبة، وذلك للأسباب التالية:
1.
عدم وجود منفذ بين الأذن والجهاز الهضمي، إلا في حال انخراق الطبلة.
2.
أنه في حال انخراق الطبلة فإن قطرات الأذن لاتصل إلى المعدة بحال؛ لما أثبتناه في التقرير الطبي.
3.
على فرضية وصول شيء من القطرات إلى المعدة فإن الواصل في عداد المعدوم، حيث أنّ الكمية الواصلة مما لا يكاد يُرى بالعين المجردة، فيكون أقل مما يعفى عنه من بقايا المضمضة.
4.
أنّ ما استدل به الجمهور على بطلان الصيام بالتقطير في الأذن مبني على اعتقاد طبي غير صحيح، فلزم أن يدور الحكم مع السبب الذي بُني عليه، فلما بني على سبب تبين عدمه انتقض الحكم، وليس لديهم دليل يقوى على إبطال عبادة متيقنة إلا ما اعتقدوه من العلاقة بين الأذن والدماغ أو الحلق وتبين عدم صحته.
• المسألة الثانية: غسول الأذن:
تفرز القناة السمعية الخارجية شمع الأذن (الصملاخ)(cerumen)
ووظيفته وقائية لمنع حدوث ضرر على القناة السمعية بحكم اتصالها بالهواء الخارجي، وعند تسرب الماء أو العدوى، أو أي أذية. كما يقوم شمع الأذن باصطياد الجسيمات الدقيقة مثل ذرات الغبار.
وحالة شمع الأذن هذه تتراوح بين الحالتين السائلة والصلبة المتصخرة، وفي الحالة الاعتيادية فإنّ شمع الأذن ينتقل من داخل القناة نحو الأذن الخارجية، ثم يأخذ بالاضمحلال، أو يبدأ بالجفاف والسقوط. ولعدد من الأسباب، فإنَّ هذا التراكم قد يتحول إلى كتلة مضغوطة تعيق سلامة السمع وتتسبب في طنين وألم للشخص (1).
العلاج:
ويتم علاج تشمع الأذن بعدة طرق منها: غسل القناة بالماء الدافئ الذي ينثر برفق بواسطة إبرة لتليين الشمع بهدف تسهيل انتقاله وخروجه (2)، وهي الطريقة التي لها تعلق ببحثنا.
الجانب الفقهي:
إذا تأملنا مسألة غسول الأذن فإنه ينطبق عليها التكييف الفقهي المذكور في
(1) Hawke، M. 2003. Ear diseases: A clinical guide. 33 - 39. Hamilton. BC Decker Inc.
(2)
من مقال للدكتوره. سيليستا روب-نيكلسون، رئيسة تحرير «هارفارد ويمن هيلث ووتش» ، خدمة هارفارد الطبية، كلية هارفارد، جريد الشرق الأوسط، العدد 10757.
مسألة قطرات الأذن، ويتخرج الحكم والترجيح فيه مثل الذي ذُكر في القطرات.
إلا أنهما يفترقان في الحكم الراجح فيما إذا كانت الطبلة مثقوبة، ففي القطرات كان الترجيح بعدم إفساد القطرات للصوم لما سبق ذكره.
أما في الغسول فإنَّ الحكم يكون مختلفاً، حيث أنّ كمية المياه التي تعطى في الغسول كثيرة وتتسرب إلى الحلق عن طريق قناة استاكيوس، فتصل بدورها إلى المعدة، التي هي محل الطعام والشراب فيستفيد منه الجسم، فتكون مفسدة للصيام؛ لأنها ليست بالقليلة- نظير ما يبقى من المضمضة - التي تكون في حكم المعفو عنه.
وقد تبين أنَّه لا يصل إلى الحلق شيء إلا في حال انخراق الطبلة، وأنه في حال الانخراق يكون ما يصل من القطرات في حكم المعفو عنه.
وأما حكم الغسول في حال انخراق الطبلة فإنّه مفسد للصوم حسب ما ترجح للباحث؛ لأن الكمية الداخلة كثيرة، وتصل المعدة، وليست نظير المعفو عنه.
OOOOO