الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: أخذ الدم للتحليل:
الجانب الطبي:
من أبرز ما تميز به الطب المعاصر الكشف عن الأمراض عن طريق التحاليل المختبرية، وذلك بسحب كمية من الدم من جسم الإنسان، ثم تحليلها ودراستها للتوصل إلى التشخيص الصحيح لحالة الشخص.
تحليل الدم:
تجرى تحاليل الدم عادة على الدم المأخوذ من الأوردة أو من الشرايين بواسطة مثقب رفيع، ويستخدم الدم الوريدي في معظم التحاليل في الكيمياء الحيوية، ويقتصر استخدام الدم الشرياني على بعض التحاليل مثل غازات الدم.
أدوات سحب الدم:
تستخدم المحقنة (Syringe) في سحب الدم الوريدي ويوجد منها نوعان: النوع الأول وهو المستخدم لمرة واحدة فقط، والنوع الثاني محقنة زجاجية قابلة للتعقيم.
أنواع سحب الدم:
لسحب الدم من الجسم صور متعددة، فقد يكون من الطبقات الجلدية (الشعيري)، وقد يكون من الوريد أو الشريان.
سحب الدم الشعيري:
يتم سحب الدم الشعيري عن طريق تثقيب رأس الأصابع (البنان)، أو شحمة الأذن في البالغين، وفي الأطفال الرضع يتم ثقب أخمص القدم، أو إصبع
القدم الكبير، أو باطن القدم بواسطة مشرط رمحي (Puncture).
ويتم سحب عينة الدم الشعيري بتنظيف منطقة السحب وذلك بمسحها بقطعة قطن مبلله بكحول إيثلي، أوكحول أيزوبروبانول 70%، ثم بوخز الإبهام بواسطة المشرط الرمحي بسرعة وخفة فيحدث جرح بعمق 1 - 2 مم، ويثنى الإبهام، فيندفع الدم، ثم تجمع قطرات الدم في أنبوبة اختبار سعتها 15 مم.
سحب الدم الوريدي (Veni puncture):
يسحب الدم الوريدي عادة من الأوردة الموجودة في الذراع أو المرفق بواسطة محقنة جافة ومعقمة جاهزة تستعمل مرة واحدة، حيث يُمسك المرفق باليد اليسرى ويوضع إبهامها على الوريد الذي سيوخز بعيداً عن مكان الوخز 2 سم ومن ثم تمسك المحقنة باليد اليمين للممرض، أو لفني المختبر بين الإبهام والأصابع الثلاثة، ومن ثم تدخل الإبرة في الوريد بوخزة واحدة على أن تكون نهاية الإبرة المشطوفة إلى الأعلى، فيندفع الدم إلى المحقنة نتيجة سحب مدك الإبرة وعندها يسحب من 5 – 10 مل من الدم، ثم يوضع الدم المسحوب في أنبوبة الاختبار.
سحب الدم الشرياني (Arterial Puncture):
نادراً ما تكون هناك حاجة لسحب الدم من الشريان مثل طلب فحص غازات الدم أو دراسة الاختلاف بين مستوى الجلوكوز في الدم الشرياني والدم
الوريدي (1).
ومن هذا التوصيف يتضح لنا أنّ الدم المسحوب إما أنّ يُؤخذ من الجلد أو من الوريد أو الشريان.
3:54 صورة تبين طريقة أخذ الدم الشعيري والشرياني
الجانب الفقهي:
التكييف الفقهي:
إذا تأملنا صور أخذ الدم للتحليل نجد أنّ الصورة المقاربة والمماثلة لها عند الفقهاء المتقدمين هي مسألة الفصد، وقد تحدث الفقهاء عنه وعن حكم تأثيره على الصوم، فما هو الفصد وما تخريج المسألة فقهياً في ضوء هذا التكييف.
(1) انظر: موقع طبيب على الإنترنت: http://www.6 abib.com/lab/alb-20.htm، تاريخ التصفح 13/ 10/2010 م.
الفصد لغة: قطع العروق، وافتصد فلان قطع عرقه ففصد (1).
واصطلاحاً: هو عند الفقهاء بنفس المعنى اللغوي.
جاء في الموسوعة الفقهية: «الفصد: هو قطع العرق لاستخراج الدم الذي يؤذي الجسد» (2).
وقال السرخسي: «هو جرح لا يجوز الإقدام عليه من غير حاجة وعند الحاجة يكون دواء» (3).
والفرق بين الفصد والحجامة أنَّ الحجامة مص الدم بعد شق العرق، والفصد مجرد شق العرق (4).
التخريج الفقهي:
ذهب أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنّ الفصد لا يفسد الصوم، ويكاد أن يكون اتفاق بين المذاهب الأربعة لولا ما ذهب إليه بعض الحنابلة من أنَّ الفصد مفسد للصوم.
القول الأول: (أنه غير مفسد للصوم)
وهذا ما ذهب إليه الحنفية، والمالكية (5)، والشافعية، وجمهور الحنابلة.
•
(1) انظر: ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري، لسان العرب، مرجع سابق، ج 3،ص 336.
(2)
مجموع من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق ج 32، ص 146.
(3)
السرخسي، شمس الدين محمد بن أحمد، المبسوط، مرجع سابق، ج 13، ص 131.
(4)
الموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق، ج 32، ص 147.
(5)
ويرى الحنفية والمالكية والشافعية كراهة الفصد تنزيهاً إذا كان يضعف الصائم، وهو ما سيتبين من أقوالهم.
الحنفية:
قال الحصفكي في حديثه عن فعل ما لا يُفَطِّر: «أي فعل ما لا يظن الفطر به كفصد» (1).
وقال ابن عابدين: «وكره له فعل ما ظن أنه يضعفه عن الصوم كالفصد والحجامة» (2).
• المالكية:
قال المغربي في حديثه عن الذي لا يفسد الصوم: «وحجامة مريض، ومثلها الفِصادة
…
وتكره الفِصادة والحجامة» (3).
• الشافعية:
قال النووي: «ولا يُفَطِّر الفصد والحجامة، لكن يكرهان للصائم» (4).
• الحنابلة:
قال ابن مفلح: «ومن جرح نفسه لا للتداوي بدل الحجامة لم يُفْطِرْ» (5).
القول الثاني: (أن الفصد مفسد للصوم)
وهو رواية في مذهب الحنابلة.
(1) انظر: ابن عابدين، محمد أمين، حاشية رد المختار على الدر المختار، مرجع سابق، ج 2، ص 411.
(2)
المرجع السابق، ج 2، ص 419.
(3)
المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 416.
(4)
النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين، مرجع سابق، ج 2، ص 357.
(5)
ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 1، ص 36.
قال المرداوي: «ظاهر كلام المصنف أنه لا يفطر بغير الحجامة، فلا يفطر بالفصد، وهو أحد الوجهين
…
والوجه الثاني: يفطر به، جزم به ابن هبيرة عن الإمام أحمد» (1).
حكم سحب الدم للتحليل في ضوء كلام الفقهاء المتقدمين:
من خلال ما سبق من كلام الأئمة يتبين أنّ سحب الدم للفحص لا يُفَطِّر عند المذاهب الأربعة.
أما الحنفية والمالكية والشافعية فلأنهم يرون الحجامة لا تُفَطِّر فما دونها من باب أولى.
وأما الحنابلة فقد استبعدوا قياسه على الحجامة، لأنّ ما يخرج بالفصد يسير، وما يخرج بالحجامة كثير.
وأما أصحاب القول الثاني (بعض الحنابلة) فيرون أنَّ الفصد مفسد للصوم لأنهم قاسوه على الحجامة.
أقوال الفقهاء المعاصرين في حكم أخذ سحب الدم للتحليل:
يكاد الفقهاء المعاصرون يطبقون على أنّ أخذ الدم لغرض التحليل لا يفسد الصوم، حتى الذين يرون فساد الصوم بالتبرع بالدم، وذلك أن التبرع عندهم كالحجامة، أما أخذ الدم لغرض التحليل فكميته يسيرة ولا يؤثر على الصوم
(1) المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، مرجع سابق، ج 3، ص 303.
عندهم (1).وهو الذي قررته الندوة الطبية الفقهية التابعة لمجمع الفقه الإسلامي حول التداوي (2).
الترجيح:
يرى الباحث أنَّ سحب الدم للتحليل أيَّاً كان نوعه شعيري، أو وريدي، أو شرياني، لا يفسد الصوم وذلك للآتي:
إذا تقرر عدم فساد الصوم بالتبرع بالدم الذي تصل كميته إلى نصف لتر، فسحب كمية تُقَدّر بخمسة مليلتر لا تفسد الصوم من باب أولى.
أنّ القائلين من الحنابلة بفساد الصوم بالفصد لا يعتمدون على دليل، أو تعليل صحيح، وقياسهم على الحجامة لا يستقيم لوجود الفارق بينهما؛ لأنّ علة النهي عن الحجامة غير معلومة حتى يقاس عليها.
وإن سلمنا أن العلة في الحجامة هي الضعف الذي يحصل للمحجوم فهي علة منتفية في سحب كمية التحليل.
OOOOO
(1) منهم الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد العثيمين. انظر: العفاني، سيد بن حسين، نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، مرجع سابق، ج 3، ص 117 - 118.
(2)
انظر: قرارات الندوة الطبية الفقهية المنعقدة بالدار البيضاء في 8 - 11 صفرهـ 14 - 17 يونيو 1997 م، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 465.