الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويكون مندوباً إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن، ولكن لا يترتب عليه هلاك النفس أو تلف الأعضاء.
- ويكون مباحاً إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين.
- ويكون مكروهاً إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من المرض المراد إزالته.
- ويكون محرمًا إذا أحدث أضرارًا تفوق أضرار المرض، عملاً بقاعدة «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» ، وهي قاعدة متقررة عند الأصوليين (1).
OOOOO
المطلب الثالث: حكم التداوي للصائم:
المسألة الأولى: الرخصة للمريض:
أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض بالجملة؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:183 - 184].
وقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
(1) انظر: الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، مرجع سابق، ج 3، ص 190.
أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185].
قال ابن قدامة: «أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة» (1).
المسألة الثانية: المرض المبيح للفطر:
من خلال ما سبق بيانه من حكم التداوي، وكون المرض من أسباب جواز الفطر في رمضان، فهل كل مرض يجيز التداوي الذي يفسد الصوم؟. هذا ما سيتبين في تقرير هذه المسألة.
لفظ «المرض» واسع يدخل تحته صور كثيرة، فليس كل مرض يبيح الفطر، كما أنه ليس كل مرض يبيح التيمم، وكلاهما رُبِطت الرخصة فيه بالمرض.
قال الإمام الشافعي: «والمرض اسم جامع لمعانٍ مختلفة فالذي سمعت أنّ المرض الذي للمرء أن يتيمم فيه: الجراح» (2).
وهذا تقريرٌ من الإمام الشافعي أنّ اللفظ ليس على إطلاقه، وأنه ليس كل ما يُسمى مرضاً سبباً للرخصة.
وقال أيضاً: «وإن زاد مرض المريض زيادة بينة أفطر، وإن كانت زيادة
(1) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، مرجع سابق، ج 3، ص 41.
(2)
الشافعي، محمد بن إدريس أبو عبد الله، الأم، (بيروت: الطبعة الثانية، 1393 هـ) ج 1، ص 42.
محتملة لم يفطر» (1).
وقال ابن قدامة: «فإن الأمراض تختلف، منها ما يضر صاحبه الصوم، ومنها ما لا أثر للصوم فيه
…
فلم يصلح المرض ضابطاً، وأمكن اعتبار الحكمة، وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره» (2).
فكل من كان الصوم يجهده سواء بزيادة المرض، أو تأخر الشفاء، أو تحمل مشقة زائدة عن المشقة المعتادة في الصيام، أو يخاف تجدد المرض فهذا هو محل الرخصة الذي يجوز له الفطر في رمضان.
وأما من كان الصوم لا يجهده، ولا يزيد من مرضه ولا يخاف معه تأخر الشفاء، أو تجدد المرض فهذا ليس محلاً للرخصة.
يقول الشيخ القرضاوي: «هناك أمراض يتعايش معها الإنسان ولا تؤثر على حياته اليومية، وأمراض ساكنة لا توجب له تغير الحال، ولا تزيد بالصوم فهذه ليست محلاً للرخصة» (3).
وقد يجب الفطر على الصائم إذا كان لا يطيق الصوم بحال، أو مع حصول الهلكة والتلف فهذا يجب عليه الفطر ويأثم بالصيام.
(1) المرجع السابق، ج 2، ص 104.
(2)
ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، مرجع سابق، ج 3، ص 42.
(3)
القرضاوي، يوسف عبد الله، فقه الصيام، (القاهرة: دار الصحوة، ودار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الأولى 1411 هـ- 1991 م) ص 56.
قال الشاطبي: «الإجماع على أن التكليف بما لا يطاق غير واقع في الشريعة» (1).
وقال القرطبي: «للمريض حالتان: إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر واجباً.
الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم» (2).
وقال الشوكاني: «للمريض حالتان إن كان لا يطيق الصوم كان الإفطار عزيمة، وإن كان يطيقه مع تضرر ومشقة كان رخصة، وبهذا قال الجمهور» (3).
ويمكننا أن نخلص مما سبق بالآتي:
1 -
المريض الذي لا يقدر على الصوم بحال يجب عليه الفطر.
2 -
المريض الذي لا يقدر على الصوم إلا بمشقة غير معتادة يجوز له الفطر.
سواء نتج عن هذه المشقة تأخير البُرء، أو مضاعفة المرض.
3 -
المرض الذي يُخشى (يقيناً أو غالباً) حصوله بسبب الصيام يجوز معه الفطر.
(1) الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، مرجع سابق، ج 1، ص 150.
(2)
القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 276.
(3)
الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 1، ص 180.
4 -
المرض الذي تحصل به مشقة محتملة معتادة؛ لا يُباح معه الفطر.
المسألة الثالثة: حكم التداوي للصائم:
من خلال ما تم استعراضه من نصوص الأئمة العلماء وفهمهم للنصوص الواردة في الترخيص للمريض بالفطر فقد توصلت للنتائج الآتية:
- إذا كان حال المريض ممن يجوز له الفطر جاز له التداوي بما يُفَطِّر.
- إذا كان المريض ممن يجب عليه الفطر لأجل الدواء وجب عليه التداوي بما يُفَطِّر.
- إذا كان التداوي بما لا يُفطِّر فإنه يجري عليه الأحكام الخمسة الجارية على حكم التداوي المذكورة سابقاً.