المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: غاز التخدير (Gas anesthesia) - المفطرات الطبية المعاصرة دراسة فقهية طبية مقارنة

[عبد الرزاق الكندي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ توطئة:

- ‌ موضوع البحث وأهميته:

- ‌ مشكلة البحث:

- ‌ أسئلة البحث:

- ‌ أهداف البحث:

- ‌ أسباب اختيار الموضوع:

- ‌ ما ستضيفه هذه الدراسة:

- ‌ منهجية البحث:

- ‌ هيكل البحث:

- ‌الفصل الأولالتعريفات المنهجية، وأهمية دراسة نوازل الصيام، وضوابط الفتيا فيها، والعلاقة بين الفقه والطب

- ‌المبحث الأولالتعريفات المنهجية للمُفَطِّرات الطبية المعاصرة

- ‌المطلب الأول: تعريف الصوم:

- ‌المطلب الثاني: تعريف المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الثالث: استخدام مصطلح المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الرابع: تعريف الطب:

- ‌المطلب الخامس: تعريف المعاصرة:

- ‌المبحث الثانيأهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات

- ‌المطلب الأول: تعريف النوازل لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الثاني: أهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات المعاصرة:

- ‌المبحث الثالثشروط الفتوى في النوازل، ومن له حق الإفتاء فيها

- ‌المبحث الرابعالعلاقة بين الفقه والطب

- ‌المطلب الأول: علاقة الفقه بالطب، ومكانة الطب في الشريعة الإسلامية:

- ‌المطلب الثاني: جهود العلماء المسلمين في مجال الطب:

- ‌المطلب الثالث: اعتماد بعض الأحكام الشرعية على التخصصات الطبية:

- ‌المبحث الخامسحكم التداوي

- ‌المطلب الأول: تعريف التداوي:

- ‌المطلب الثاني: حكم التداوي:

- ‌المطلب الثالث: حكم التداوي للصائم:

- ‌الفصل الثانيتقرير قواعد الفقهاء في باب المُفَطِّرات

- ‌المبحث الأولالمُفَطِّرات المجمع عليها والمختلف فيها

- ‌المطلب الأول: المُفَطِّرات المجمع عليها:

- ‌المطلب الثاني: المُفَطِّرات المختلف فيها:

- ‌المبحث الثانيالموسعون والمضيقون في باب المُفَطِّرات

- ‌المطلب الأول: مذهب الموسعين في المُفَطِّرات:

- ‌المطلب الثاني: مذهب المضيقين في المُفَطِّرات:

- ‌المبحث الثالثتحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء

- ‌المطلب الأول: تعريف الجوف في اللغة:

- ‌المطلب الثاني: الجوف في النصوص الشرعية:

- ‌المطلب الثالث: الجوف عند الفقهاء:

- ‌المطلب الرابع: الجوف عند الأطباء المعاصرين (1)

- ‌المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف:

- ‌المبحث الرابعضابط المُفَطِّرات

- ‌الفصل الثالثالمُفَطِّرات الطبية المعاصرة

- ‌المبحث الأولما يدخل الجسم عبر منافذ الوجه

- ‌المطلب الأول: بخاخ الربو وملحقاته:

- ‌المطلب الثاني: غاز الأكسجين:

- ‌المطلب الثالث: غاز التخدير (Gas anesthesia)

- ‌المطلب الرابع: معجون الأسنان ومطهرات الفم ومعالِجاته:

- ‌المطلب الخامس: منظار المعدة:

- ‌المطلب السادس: قطرات الأنف وملحقاتها:

- ‌المطلب السابع: قطرات العين، وملحقاتها:

- ‌المطلب الثامن: قطرات الأذن وملحقاتها:

- ‌المطلب التاسع: الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان:

- ‌المبحث الثانيما يدخل الجسم عبر الجلد نفاذًا وامتصاصاً

- ‌المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية

- ‌المطلب الثاني: حقْن الدم في الوريد:

- ‌المطلب الثالث: الغسيل الكلوي البريتوني (1) (Peritoneal dialysis)

- ‌المطلب الرابع: منظار البطن (LAPROSCOPE):

- ‌المطلب الخامس: القسطرة القلبية (Cardiac Catheterization):

- ‌المطلب السادس: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية والتجميلية

- ‌المبحث الثالثما يدخل الجسم عبر الجهاز التناسلي والشرج

- ‌المطلب الأول: ما يدخل عبر الجهاز التناسلي للمرأة:

- ‌المطلب الثاني: ما يدخل عبر الجهاز البولي

- ‌المطلب الثالث: ما يدخل عن طريق الشرج:

- ‌المبحث الرابعالخارج من البدن

- ‌المطلب الأول: الغسيل الكلوي الدموي (Hemo dialysis):

- ‌المطلب الثاني: التبرع بالدم:

- ‌المطلب الثالث: أخذ الدم للتحليل:

- ‌المطلب الرابع: شفط الدهون (Liposuction):

- ‌الخاتمة

- ‌النتائج والتوصيات

- ‌ التوصيات:

الفصل: ‌المطلب الثالث: غاز التخدير (Gas anesthesia)

‌المطلب الثالث: غاز التخدير (Gas anesthesia)

• الجانب الطِّبي:

التخدير (nesthesia): هو عملية استخدام الأدوية القادرة على محاصرة الإحساس بالألم بصورة أساسية وبعض الإحساسات الأخرى. وتستعمل الأدوية المخدرة لمساعدة المرضى للخضوع للعمليات الجراحية بدون ألم ومعاناة.

بداية علم التخدير:

بدأ علم التخدير الحديث باكتشاف الأثير عام 1842 م، حيث استطاع العالم المسلم الكِندي استقطار الكحول، واكتشف الرازي حمض الكبريت.

وإذا علمنا أنّ الأثير ينتج من تعامل الكحول بحمض الكبريت، لأدركنا أن المسلمين كانوا أول من وضع أسس تركيب هذه المادة المخدرة الجوية (الطيارة) في حقل الكيمياء، فإنّ رابطة الأثير التي هي الجذر الأساسي لمجموعة من المواد المخدرة الاستنشاقية التي تستعمل اليوم (أثير، ميتوكسي فلورين، أنفلورين، فلوروكسنت وفورين).

وقد كان للمسلمين فضل كبير في هذا العلم، فهم الذين أسسوه بوصفه علماً، وأطلقوا عليه اسم (المُرَقِّد) أي المخدر، وخاصة التخدير العام في العمليات الجراحية (1).

(1) انظر: د. الحكيمي، عبد الصمد عبد الرحمن، اختصاصي تخدير وإنقاذ حياة، ومستشار هيئة مستشفى الثورة العام بصنعاء لشؤون الطوارئ وإنقاد الحياة، ومؤسس ومشرف مشروع الإنعاش القلبي الرئوي CPR ، علم التخدير والإنعاش علم عربي إسلامي، موقع صحة الطبي http://www.sehha.com، تاريخ التصفح، 23/ 3/2010 م وانظر: هونكة، زيغريد، شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون، وكمال الدسوقي، (بيروت: دار الجيل، ودار الآفاق الجديدة، الطبعة الثامنة، 1413 هـ- 1993 م) ص 280.

ص: 178

طرق التخدير:

1 -

التخدير عن طريق الأنف: حيث يشم المريض مادةً غازية تؤثر على أعصابه، فيحدث التخدير. وهذا محل بحثنا في هذا المطلب.

2 -

التخدير الجاف: وهو نوع من العلاج الصيني، ويتم بإدخال إبر مصمتةٍ جافةٍ إلى مراكز الإحساس، تحت الجلد، فتستحث نوعاً معيناً من الغدد على إفراز المورفين الطِّبيعي الذي يحتوي عليه الجسم، وبذلك يفقد المريض القدرة على الإحساس.

وهو في الغالب تخدير موضعي، ولا يدخل معه شيء إلى البدن.

3 -

التخدير بالحقن: وذلك بحقن الوريد بعقار سريع المفعول، بحيث ينام الإنسان في ثوان معدودة، ثم يدخل أنبوب مباشر إلى القصبة الهوائية عبر الأنف، ثم عن طريق الآلة يتم التنفس، ويتم أيضاً إدخال الغازات المؤدية إلى فقدان الوعي فقداناً تاماً (1).

(1) انظر: الألفي، محمد جبر، مفطرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، ج 2، ص 240.

ص: 179

أنواع التخدير:

1 -

تخدير جزئي: وهو الذي يزول معه الشعور بالإحساس والألم في منطقة معينة من الجسم هي محل التخدير.

2 -

تخدير كلي: وهو الذي يفقد فيه الإنسان كامل الشعور والإحساس بالألم في كل أنحاء الجسم.

غاز التخدير: هو غاز كيميائي يتم تصنيعه على شكل سائل يوضع في جهاز أثناء احتياج هذا الغاز.

غازات ومواد التخدير:

الأكسجين: هو غاز ليس له طعم ولا لون ولا رائحة غير قابل للاشتعال ولكن يساعد على الاشتعال بشدة، ويتواجد بالحالة الغازية في الطبيعة، ويعتبر من الدعائم اللازمة للحياة؛ لذلك يستخدم في المشافي لمساعدة المرضى في حال ضيق التنفس، كما يستخدم لأغراض التخدير وذلك بخلطه مع الغاز المخدر لضمان استمرار إمداد المريض بالأكسجين اللازم للحياة، ويتواجد بالحالة السائلة في الأسطوانة بضغط قدره 134.7 ضغط جوي.

أوكسيد النتروز: غاز ليس له لون، ورائحته تؤدي إلى فقدان الوعي، ويستخدم كخلفية مساعدة للتخدير عند خلطه مع الأوكسجين، حيث أنّ هذا الخليط يؤدي إلى تسكين الآلام ولكن في العمليات الجراحية الكبرى يستخدم مع مواد مخدرة أكثر قوة مثل الهالوثين، ويتواجد بالحالة السائلة داخل الأسطوانة عند

ص: 180

ضغط 43.5 ضغط جوي لذلك فأنّه يستخدم والأسطوانة بالوضع الرأسي.

الأنتونوكس: هو خليط من غازي الأوكسجين وأكسيد النتروز بنسبة 50% لكلٍّ منهما يتواجد داخل الأسطوانة بالحالة الغازية، وفائدته أنّه خليط جاهز للاستخدام في حالات تخفيف الآلام.

البروبان الحلقي: غاز لا لون له، ورائحته تشبه رائحة البترول مخدر فعَّال مع الغازات الأخرى، يتواجد بالحالة السائلة داخل الأسطوانات عند ضغط 4.30 ضغط جوي.

ثاني أوكسيد الكربون: غاز لا طعم له، ولا لون ولا رائحة، ويستخدم لإثارة أو تنبيه عملية التنفس؛ لأنَّ عملية الزفير تحدث عندما تصل نسبة ثاني أوكسيد الكربون داخل الرئة إلى قيمة معينة، عندها ترسل إشارة ما إلى المخ لتبدأ عملية الزفير (1).

(1) انظر موقع صحة على شبكة الإنترنت،

http://www.sehha.com/world/index.php?showtopic=17485.

تاريخ التصفح 2/ 4/2010 م.

ص: 181

3:11 صورة لجهاز غاز التخدير

طريقة التخدير بالغاز:

يبدأ التخدير الكلي عادةً بحقنه في الوريد من عقار: (الباربيتورات) السريع المفعول جداً، أو عقار (المورفين)، ونحوه.

بعد ذلك يتم إعطاء المريض غازات مستنشقة عن طريق الأنف مثل غاز (الأثير) وغيره، ويتم ذلك عن طريق كمامة من البلاستيك توضع على فم المريض، أو بإدخال أنبوب (1) إلى القصبة الهوائية عبر الأنف يتم بواسطته إدخال الغازات المؤدية إلى فقدان الوعي تماماً. فيفقد المخَدّر وعيه تماماً بعد ثوانٍ معدودة، ويتم إجراء التنفس بواسطة الآلة.

ويستمر إعطاء المريض الغازات المؤدية إلى فقدان الوعي فقداناً تاماً حسب طول مدة التخدير المطلوبة.

(1) وهو ما يعرف بالأنبوب الرغامي.

ص: 182

وعند تخدير المريض تخديراً كلياً يطلب منه الصيام (الامتناع عن الأكل والشرب) قبله بعدة ساعات.

ثم قبل التخدير، وقبل أخذ المريض إلى غرفة العمليات بوقت قصير يتم إعطاؤه عقاراً سائلاً عن طريق الفم لمنع القيء، ولترخية العضلات، وأحياناً يتم إدخال أنبوب إلى المعدة لاستخراج السوائل المتراكمة فيها، وقد يتقيأ المريض بعد العملية من أثر التخدير (1).

3:12 صورة تبين طريقة التخدير العادية

3:13 صورة توضح إدخال الأنبوب الرغامي إلى القصبة الهوائية

(1) هذه المعلومات من حوار مطول أجريته مع الدكتور ضرار خالد الزعتري استشاري التخدير والإنعاش في مستشفى الحبيب الطبي بالمملكة العربية السعودية في مكتبه بمستشفى الحبيب بتاريخ، 22/ 6/2010 م. وانظر: البار، محمد علي، المفطرات في مجال التداوي، مجلة المجمع الفقهي، مرجع سابق، ج 10، ص 240، وباشا، حسان شمسي، التداوي والمفطرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ج 10، ص 260.

ص: 183

الجانب الفقهي:

الجانب الفقهي لاستنشاق غاز التخدير يتناول مسألتين لهما أثر على الصيام.

حكم استنشاق غاز التخدير.

حكم الإغماء وفقدان الوعي أثناء الصيام.

أولاً: حكم استنشاق غاز التخدير أثناء الصيام.

• التكييف الفقهي:

عند النظر في حقيقة غاز التخدير ومواده الطِّبية نجد أن صورته تشبه صورة استنشاق الهواء فهو مماثل لصورة غاز الأكسجين.

• التخريج الفقهي:

القول في غاز التخدير هو القول في غاز الأكسجين؛ ذلك أنّ المواد التي تعطى غازات مجردة لا تحتوي على أي مواد جامدة أو سائلة ففي هذه الحالة حكمه حكم استنشاق الهواء وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي (1). وهي من المسائل البديهية المقررة، لولا إشكالية حفظ الغاز بصورة سائلة، وهذا الإشكال ينفك ببيان أنَّ الأكسجين يعود لحالته الغازية بمجرد مفارقته للأسطوانة. وهذا ما تطمئن إليه نفس الباحث لوضوح الصورة الطِّبية لهذه المسألة.

(1) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المفطرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 454.

ص: 184

وهذا هو حكم إعطاء غاز التخدير مجرداً، أما إذا صحبه إعطاء مواد مغذية عبر الوريد كما يحدث في بعض الحالات فهذا مُفَطِّر ليس بسبب الغاز ولكن بسبب المواد المغذية (1).

ثانياً: حكم تأثير الإغماء على الصائم.

• التكييف الفقهي للتخدير من حيث زوال العقل:

هذه المسألة تتكيف على مسألة الإغماء التي تحدَّث عنها الفقهاء، لكون التخدير الكلي مطابق لها بزوال العقل والإدراك.

• التخريج الفقهي:

فقدان الوعي-الإغماء- له حالتان أثناء الصيام:

الحالة الأولى: أن يغمى عليه من قبل الفجر ويستمر حتى ما بعد غروب الشمس.

اختلف العلماء في حكم هذه الحالة، فالجمهور على عدم صحة الصوم في هذه الحالة، وذهب الأحناف إلى صحته.

القول الأول: ذهب الجمهور (المالكية، والشافعية، والحنابلة) إلى عدم صحة الصوم.

• المالكية:

(1) وهذه المسألة تم بحثها في مبحث الحقن، ص (265).

ص: 185

قال الخرشي: «إذا أغمي عليه اليوم كله من فجره لغروبه فالقضاء» (1).

والمالكية لا يشترطون تبييت النية في كل ليلة ويكتفون بنية واحدة عند دخول الشهر (2).

• الشافعية:

قال النووي: «إذا نوى الصوم من الليل ثم أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه» (3).

وقال الشربيني: «ولا يجزئه الصوم إذا أغمي عليه جميع النهار» (4).

• الحنابلة:

قال ابن قدامة: «ومن نوى من الليل فأغمي عليه قبل طلوع الفجر فلم يفق حتى غربت الشمس لم يجزه صيام ذلك اليوم» (5).

ودليل الجمهور أنّ الإمساك لم يحصل، وهو أحد ركني الصوم (6).

(1) الخرشي، محمد بن عبد الله، شرح مختصر خليل، (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 2، ص 248.

(2)

النفراوي، أحمد بن غنيم بن سالم، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، (بيروت: دار الفكر، د. ط، 1415 هـ) ج 1، ص 315.

(3)

النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 358.

(4)

الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، مرجع سابق، ج 1، ص 498.

(5)

ابن قدامة، المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 11.

(6)

ابن قدامة، المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 345.

ص: 186

القول الثاني: ذهب الحنفية إلى صحة الصوم في هذه الحالة.

قال السرخسي: «رجل أغمي عليه في شهر رمضان حين غربت الشمس فلم يفق إلا بعد الغد فليس عليه قضاء اليوم الأول؛ لأنّه لما غربت الشمس وهو مفيق فقد صح منه نية صوم الغد، وركن الصوم هو الإمساك، والإغماء لا ينافيه، فتأدَّى صومه في اليوم الأول لوجود ركنه وشرطه، وعليه قضاء اليوم الثاني لأن النية في اليوم الثاني لم توجد، وقد بينا أن صوم كل يوم يستدعي نية على حدة، وبمجرد الركن بدون الشرط لا تتأدَّى العبادة» (1).

أدلة الحنفية:

قال الحنفية إنّ النية قد صحت، وذهاب الإدراك بعدها لا يمنع صحة الصوم؛ لوجود الإمساك المقترن بالنية، لأنّ الأصل وجودها منه من الليل حملاً لحال المسلم على الصلاح.

واستدلوا بقياس الإغماء على النوم فلو نام من الليل بعد أن نوى ولم يستيقظ إلا بعد الغروب صح صومه، فكذلك الإغماء (2).

وفي ضوء هذا التخريج فإن استعمال المريض غاز التخدير من قبل الفجر إلى

(1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 70.

(2)

انظر: المرغيناني، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني، الهداية شرح البداية، (المكتبة الإسلامية، د. ط، د. ت) ج 4، ص 97، وملا خسرو، محمد بن فراموز، درر الحكام شرح غرر الأحكام، (د. ط، د. ت) ج 3، ص 1.

ص: 187

غروب الشمس يكون مُفَطِّراً على رأي الجمهور، وغير مُفَطِّر على رأي الأحناف.

الترجيح:

والذي يظهر للباحث أن القول بصحة الصوم هو الصواب؛ لعدم وجود دليل يقوى على إبطال عبادة حقيقتها الإمساك مع النية، وقد حصلت النية وتحقق الإمساك، ولا وجه للتفريق بين النائم والمغمى عليه، وما فرَّق به الجمهور واعترضوا به من أنَّ النائم يمكن إيقاظه، فإن طبيب التخدير والإنعاش يمكنه إيقاظ الشخص المخدر متى أراد فلا وجه للتفريق.

الحالة الثانية: أن يغمى عليه بعض النهار.

القول الأول:

ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية، والشافعية، والحنابلة) إلى أنّه إذا أفاق جزءاً من النهار سواء في أول أو آخره، ولو يسيراً صح صومه. وفيما يلي بيان اقوالهم:

• الحنفية:

قال السرخسي: «رجل أغمي عليه في شهر رمضان حين غربت الشمس فلم يفق إلا بعد الغد فليس عليه قضاء اليوم الأول» (1).

وهذا فيمن أغمي عليه كل النهار فمن أفاق في بعضه فهو من باب أولى.

• الشافعية:

(1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 70.

ص: 188

قال النووي: «والأظهر أن الإغماء لا يضر إذا أفاق لحظة من نهار» (1).

ولهم قول آخر أنّه متى أفاق في أول النهار صح صومه، وإن أفاق في آخره فقط لم يصح صومه.

قال الماوردي: «المسألة على قولين: أحدهما: متى أفاق في بعض النهار صح صومه، والثاني: لا يصح صومه حتى يكون مفيقاً في أول النهار» (2).

وعلل من قال بوجوب الإفاقة أول النهار بأنّه يلزم أن يدخل أول العبادة بنية (3).

• الحنابلة:

قال ابن قدامة: «ومتى أفاق المغمى عليه في جزء من النهار صح صومه سواء كان في أوله أو آخره» (4).

القول الثاني: ذهب المالكية أنّه إذا أغمي عليه أكثر من نصف النهار لم يصح صومه، وإن كان أقل صح صومه.

(1) النووي، يحيى بن شرف الدين، منهاج الطالبين وعمدة المفتين، (بيروت: دار المعرفة، د. ط، د. ت) ج 1،ص 36.

(2)

الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الحاوي الكبير، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1999 م) ج 3، ص 441.

(3)

انظر: الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 1، ص 185.

(4)

ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق،.ج 3، ص 12.

ص: 189

قال الخرشي: «إذا أغمي عليه اليوم كله من فجره لغروبه فالقضاء، وكذا لو أغمي عليه جلَّ اليوم سلم أوله أم لا ، وأما لو أغمي عليه أقلّ اليوم، - وهو ما دون الجُلّ الشامل للنصف- فإن لم يسلم أوله بأن طلع عليه الفجر مغمى عليه بحيث لو كان صحيحا ونوى لما صحت نيته فالقضاء أيضا» (1).

ودليل الجمهور في صحة الصوم في الحالة الثانية-إن أفاق بعض النهار- قالوا لوجود الإمساك وهو أحد ركني الصيام (2).

حكم التخدير بعض النهار على ضوء كلام الأئمة:

حكم التخدير إذا كان في جزء من النهار فعلى قول الأحناف يصح صومه، وعلى قول المالكية إن استمر التخدير أكثر من نصف النهار لم يصح وإن كان أقلّ صح، وعلى قول جمهور الشافعية والحنابلة يصح صومه، وعلى قول بعض الشافعية يصح إن كان التخدير بعد دخول الفجر.

الترجيح:

سبق في الحالة الأولى الترجيح بأن الصوم يصح لو أغمي عليه كل النهار بعد أن بَيَّت النية من الليل، فهنا يصح من باب أولى، وما قيل في سبب الترجيح في الحالة الأولى يقال هنا.

(1) الخرشي، محمد بن عبد الله، شرح مختصر خليل، (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 2، ص 248.

(2)

ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 345.

ص: 190

تنبيه:

بعد هذا الاستعراض لحكم التخدير الكلي عن طريق استنشاق غازات التخدير فإن ما تم تقريره هو بناءً على حالة إعطاء الغازات المخدرة وأثرها على زوال العقل، أما ما قد يصاحب ذلك في بعض الحالات من إعطاء المريض سوائل مغذية، أو إدخال أنبوب إلى المعدة لإخراج السوائل المتراكمة، فهذا أمر آخر يكون فساد الصوم فيه بسبب المغذي، أو استخراج السوائل قياساً على القيء، وكذلك إذا تقيأ المريض بعد عملية التخدير- مع علمه مسبقاً بأن التخدير قد يسبب له التقيؤ- فإن صيامه يفسد بالقيء لأنّه وقع بسبب منه.

OOOOO

ص: 191