الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: الجوف عند الأطباء المعاصرين (1)
.
الجوف من حيث التشريح الطبي له مفهوم واسع، ومن حيث كونه مؤثراً في الصيام له مفهوم ضيق.
أما المفهوم الطبي التشريحي للجوف فهو: «كل فراغ في الجسم يحتوي على الأعضاء الداخلية» (2)، وهناك عدة تجاويف رئيسية في بدن الإنسان (Body Cavities) أبرزها: التجويف الجمجمي، والتجويف النخاعي، والتجويف الأنفي، والتجويف الصدري، التجويف البطني (3).
1 -
التجويف الجمجمي:
وهو تجويف ممتلئ بالدماغ وبأغشية ثلاث تغلف الدماغ تعرف (بالسحايا)، وسائل يفرز من الضفائر المشيمية الموجودة في البطينيات الدماغية يملأ فراغات تجويف الجمجمة لحماية الدماغ من الصدمات، وهو ما يعرف باسم
(1) قام بمراجعة هذا المطلب وإقراره طبياً: الدكتور خالد حميد، استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير بمستشفى الملك فهد التخصصي والمستشفى المركزي بالقصيم، السعودية، وزميل كلية الجراحة الدولية، والدكتور عزت محمود موسى، أخصائي طب العائلة والرعاية الأسرية وطب الأطفال بمركز الحرس الوطني الطبي بالقصيم، والدكتور محمود محمد سالم، أخصائي طب العائلة والرعاية الأولية بمركز الحرس الوطني الطبي بالقصيم.
(2)
الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، (عَمان: مكتبة اليازوري العلمية، د. ط، د. ت) ص 23.
(3)
انظر: البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مرجع سابق، ج 10، ص 210.
(السائل الدماغي الشوكي)(1).
2:1 صورة توضيحية للتجويف الجمجمي
العلاقة بين الدماغ والجهاز الهضمي:
في الجمجمة تجويف يشغله الدماغ وأغشية الدماغ (السحايا) والسائل الدماغي الشوكي، ويتولد هذا السائل في البطينين الجانبيين (الوحشيين) من الدماغ، ثم يسيل هذا السائل إلى البطين الثالث من الدماغ، ومنه إلى البطين الرابع، ليصل إلى أغشية الدماغ الخارجية، فيسير بين الأم الجافية، وهي الغشاء الغليظ الخارجي للدماغ، والأم الحنون، وهي الغشاء الرقيق الملتصق بالدماغ.
(1) انظر: الحسيني، إسماعيل، موسوعة طب المفاصل والعظام، (عَمان: الأردن، دار أسامة، الطبعة الأولى 2004 م) ص 92 - 96، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 10، ص 210 - 211.
وتبدأ من هناك عملية امتصاصه، ليذهب إلى الأوردة والجيوب الوريدية الموجودة في القحفة والجمجمة، كما يسير هذا السائل في الغشاء المحيط بالنخاع الشوكي (الحبل الشوكي)، ووظيفته حماية الدماغ والنخاع الشوكي من الهزات والارتطامات والصدمات.
ويفرز الدماغ 500 مليلتر (نصف لتر) يومياً من هذا السائل، ويتم امتصاصه كذلك يوميًا للحفاظ على سلامة الدماغ، ولا يصل شيء من هذا السائل إلى الأنف إلا في حالة كسر في قاع الجمجمة، وهي حالة خطيرة قد تستدعي تدخلًا جراحيًا، وليس لبطينات الدماغ ولا للسائل الدماغي الشوكي أي علاقة بالجهاز الهضمي.
ومن هنا نعلم أنَّ البلغم الموجود في الأنف أو البلعوم الأنفي ليس من الدماغ كما كان يعتقده القدماء، وبالتالي فإنَّ كل ما ذكره الفقهاء المتقدمون-رحمهم الله من اتصال الدماغ بالجهاز الهضمي أثبت الطب الحديث عدم صحته، فالمأمومة ومداواتها وبطون الدماغ كلها بعيدة كل البعد عن الجوف المقصود في الصيام (1).
(1) انظر: إسحاق أزيموف، الدماغ البشري طاقاته ووظائفه، ترجمة: عبده سعيد، (القاهرة، مكتبة الأنجلو مصرية، د. ط،1969 م) ص 189 - 210، الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، مرجع سابق، ص 30، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 210 - 211، كما أفادني الدكتور محمد البار بتلك المعلومات وأكدها لي في حوار أجريته معه في عيادته في مدينة جدة. وتوسع الباحث في بيان أنه لا علاقة للدماغ بالجوف المؤثر في الصيام؛ لأنّ الفقهاء المتقدمين –رحمهم الله كانوا يعتقدون أن الدماغ جوف مؤثر، وأنّ له منفذًا إلى المعدة، وهو ما بيَّن الطب المعاصر عدم صحته.
2:2 صورة توضيحية تبين الدماغ وعدم اتصاله بالجهاز الهضمي
2 -
التجويف الصدري: وهو المعروف بالقفص الصدري، ويوجد فيه الرئتان والقلب، وتقع الرئتان أحداهما في يمين التجويف الصدري، والأخرى في يساره، ويقع القلب في وسط التجويف مائلاً قليلاً إلى جهة اليسار، والقلب مغطى بغشاء يسمى التامور، والغشاء الخارجي منه غليظ سميك، أما الداخلي المحيط بعضلة القلب فهو رقيق، ويسمى الشغاف.
وفي القلب ذاته أربعة تجاويف فهناك الأذينان: (الأيمن والأيسر) في أعلى القلب، وفي كل واحد منهما يتجمع الدم، كما أنّ هناك البطينين:(الأيمن والأيسر)، وهما أكبر وأغلظ من الأذينين، ومن البطين الأيمن يضخ الدم إلى الرئة، ومن الأيسر يضخ الدم إلى كافة أجزاء الجسم (1).
2:3 صورة تبين التجويف الصدري ومحتوياته
(1) انظر: بابلي، ضحى محمود، الموسوعة الصحية الشاملة، (الرياض: وزارة الصحة، الطبعة الثانية، 1426 هـ _2005 م) ص 431، الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، مرجع سابق، ص 23، والحسيني، إسماعيل، موسوعة طب المفاصل والعظام، مرجع سابق، ص 87.
3 -
التجويف الأنفي: يوجد في عظام الوجه تجاويف عدة تعرف بالجيوب الأنفية، وهي ترخم الصوت، وتخفف من وزن الرأس، ولها إفرازات هي التي تصل إلى البلعوم الأنفي (nasopharynx) ومنه إلى البلعوم الفموي (oropharynx) المعروف بالحلق (1).
2:4 صورة توضح التجويف الأنفي وعلاقته بالجهاز الهضمي
(1) انظر: بابلي، ضحى محمود، الموسوعة الصحية الشاملة، مرجع سابق، ص 872، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 209 - 210.
4 -
التجويف البطني: ويحتوي على القناة الهضمية، والغدد الملحقة بجهاز الهضم.
وتجويف البطن هو: الجزء الذي ينحصر بين عضلة الحجاب الحاجر من أعلى، وبين الحجاب الحوضي من أسفل، ويحده من الخلف العمود الفقري والعضلات المحيطة به، وما يسمى بجدار البطن الأمامية، ونهايات الأضلاع، وغضاريفها.
وينقسم تجويف البطن إلى جزئين رئيسين هما:
أولاً: تجويف البطن الحقيقي: وهو الجزء الأكبر، ويقع أعلى الجزء السفلي المعروف بتجويف الحوض.
ويحتوي على أعضاء مختلفة من الجهاز الهضمي، والجهاز البولي، وأوعية دموية، وغدد صماء وغير صماء، وأعصاب وغدد لمفاوية، وطحال.
ثانياً: تجويف الحوض: ويحتوي تجويف الحوض على أجزاء من الجهاز البولي، والجهاز التناسلي، بالإضافة إلى المستقيم، والقولون السيني، والغدد اللمفاوية وأوعيتها، والأوعية الدموية، والأعصاب (1).
(1) انظر: الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، مرجع سابق، ص 24، و 131، الحسيني، إسماعيل، موسوعة طب المفاصل والعظام، مرجع سابق، ص 73. مجموعة من العلماء، الموسوعة العربية العالمية، مرجع سابق، ج 4، ص 468، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 210.
2:5 صورة تبين التجويف البطني
الجوف المؤثر في الصيام عند الأطباء المعاصرين (1):
للأطباء المعاصرين المهتمين بالشأن الفقهي والذين استكتبتهم المجامع الفقهية، ولهم مؤلفات وبحوث حول المُفَطِّرات الطبية رأي في تحديد الجوف المؤثر في الصيام من الناحية الطبية التشريحية، بناءً على مقصد الصيام الشرعي، حيث يرون أنَّ الجوف الذي يؤثر في الصيام ويحصل فساد الصوم بوصول الطعام والدواء إليه هو: الجهاز الهضمي، أو ما جاوز الفم والبلعوم من الجهاز الهضمي (المعدة، والأمعاء).
يقول الدكتور محمد علي البار (2): «والجهاز الهضمي هو على الحقيقة:
(1) وأقصد الأطباء المسلمين المهتمين بهذا الشأن، ومن أبرزهم: الأطباء الذين استكتبتهم المجامع الفقهية في مسألة الجوف المؤثر في الصيام.
(2)
الدكتور محمد علي البار: استشاري أمراض باطنية، ومستشار قسم الطب الإسلامي بمركز الملك فهد للبحوث الطبية وجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ورئيس مركز أخلاقيات الطب، وزميل الكليات الملكية للأطباء في المملكة المتحدة (غلاسجو وأدنبره ولندن)، وهو من أشهر الشخصيات المهتمة بالعلاقة بين الفقه والطب، وممن يستكتبهم مجمع الفقه الإسلامي في القضايا الفقهية المتعلقة بالطب، وله مؤلفات كثيرة في هذا المجال منها: الصوم وأمراض السمنة، الوجيز في علم الأجنة القرآني، علم التشريح عند المسلمين، موت القلب أو موت الدماغ، وغيرها. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 10، ج 2، وموقع الدكتور على الإنترنت www.khayma.com/maalbar . كما أفادني بها في حواري معه.
الجوف المقصود في الصيام؛ إذ هو موضع الطعام والشراب، وكل ما يدخل إلى الجهاز الهضمي متجاوزاً الفم والبلعوم يكون سبباً للإفطار ومفسداً للصيام» (1).
ويرى الدكتور البار أنّ الدماغ، والفرج، والمثانة، ليس لها أي علاقة بالجهاز الهضمي (2).
ويقول الدكتور حسان شمسي باشا (3): «ليس هناك أدنى شك في أنَّ الدماغ لا يرتبط بالجهاز الهضمي، وأنَّ المثانة والإحليل لا علاقة لهما بالجهاز الهضمي، وأن المهبل والرحم منفصلان كلياً عن جهاز الهضم، والذي أراه هو أنَّ الجهاز
(1) البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، ج 10، ص 216.
(2)
انظر: المرجع السابق، ص 211، و 338.
(3)
الدكتور حسان شمسي باشا: رئيس قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد، واستشاري أمراض القلب، وعضو الهيئات الملكية للأطباء الداخلين في بريطانيا، وعضو الهيئات الملكية للأطباء الداخلين في إيرلندا، وهو من المختصين الذين لهم متابعات فقهية، وممن يستكتبهم مجمع الفقه الإسلامي في القضايا الفقهية المتعلقة بالطب، وله مصنفات في هذا، منها: الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر رمضان، ومسؤولية الطبيب بين الفقه والقانون، ودليلك على عمليات القلب الجراحية، وغيرها. انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 10، ج 2، وموقع الدكتور على الإنترنت www.drchamsipasha.com .
الهضمي هو الجوف المقصود في الصيام فهو موضع الطعام والشراب، وكل ما يدخل إلى الجهاز الهضمي متجاوزًا الفم والبلعوم يكون سببًا للإفطار ومفسدًا للصيام» (1).
ويقول الدكتور خالد حميد استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير (2): «ما من شك أنّ الدماغ ليس له رابط بالجهاز الهضمي والذي أراه بأن الجهاز الهضمي المتضمن المريء والمعدة والأمعاء هو الجوف المقصود بالصيام، فهو مكان الطعام والشراب، وأن كل ما يدخل هذا الجهاز مما بعد الفم والبلعوم يكون سبباً للإفطار ومفسداً للصوم، وأما الجهاز البولي من إحليل ومثانة والجهاز التناسلي من رحم ومبايض وغيرها فلا علاقة لها بالجهاز الهضمي ولا رابط بينهما» (3).
ويقول الدكتور عمر بن سعيد العمودي (4): «الجوف المؤثر في الصيام هو: المريء، والمعدة، والأمعاء الدقيقة» (5).
OOOOO
(1) باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 254.
(2)
الدكتور خالد حميد، استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير بمستشفى الملك فهد التخصصي والمستشفى المركزي بالقصيم، المملكة العربية السعودية، وزميل كلية الجراحة الدولية.
(3)
أخبرني بذلك في مقابلة حوارية في المستشفى المركزي بالقصيم.
(4)
استشاري الأمراض الصدرية، وأستاذ الأمراض الباطنية والصدرية والربو ورئيس وحدة الأمراض الصدرية بكلية الطب جامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
(5)
أفادني بتلك المعلومات في حوار أجريته معه في المستشفى الجامعي بمدينة جدة، بتاريخ 12/ 6/2010 م.