المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب بدء الأذان) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٤

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في المحافظة على وقت الصلوات)

- ‌(باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت)

- ‌(باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها)

- ‌(باب في بناء المساجد)

- ‌(باب اتخاذ المساجد في الدور)

- ‌(باب في السرج في المساجد)

- ‌(باب في كنس المساجد)

- ‌(باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)

- ‌(باب في فضل القعود في المسجد)

- ‌(باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد)

- ‌(باب في المشرك يدخل المسجد)

- ‌(باب المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة)

- ‌(باب النهى عن الصلاة في مبارك الإبل)

- ‌(باب متى يؤمر الغلام بالصلاة)

- ‌(باب بدء الأذان)

- ‌(باب ما جاء في الإقامة)

- ‌(باب الرجل يؤذن ويقيم آخر)

- ‌(باب من أذن فهو يقيم)

- ‌(باب رفع الصوت بالأذان)

- ‌(باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت)

- ‌(باب الأذان فوق المنارة)

- ‌(باب في المؤذن يستدير في أذانه)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع المؤذن)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع الإقامة)

- ‌(باب في الدعاء عند الأذان)

- ‌(باب ما يقول عند أذان المغرب)

- ‌(باب أخذ الأجر على التأذين)

- ‌(باب في الأذان قبل دخول الوقت)

- ‌(باب الأذان للأعمى)

- ‌(باب الخروج من المسجد بعد الأذان)

- ‌(باب في المؤذن ينتظر الإمام)

- ‌(باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا)

- ‌(باب في فضل صلاة الجماعة)

- ‌(باب ما جاء في فضل المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب ما جاء في المشى إلى الصلاة في الظلم)

- ‌(باب ما جاء في الهدى في المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب من خرج يريد الصلاة فسبق بها)

- ‌(باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد)

- ‌(باب ما جاء في الجمع في المسجد مرّتين)

- ‌(باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد)

- ‌(باب في جماع الإمامة وفضلها)

- ‌(باب في كراهية التدافع عن الإمامة)

- ‌(باب من أحق بالإمامة)

- ‌(باب إمامة النساء)

- ‌(باب الرجل يؤمّ القوم وهم له كارهون)

- ‌(باب إمامة البرّ والفاجر)

- ‌(باب إمامة الأعمى)

- ‌(باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة)

- ‌(باب الإمام يصلى من قعود)

- ‌ مشروعية التبليغ عند الحاجة إليه

- ‌(باب الرجلين يؤمّ أحدهما صاحبه كيف يقومان)

- ‌(باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون)

- ‌(باب الإمام ينحرف بعد التسليم)

الفصل: ‌(باب بدء الأذان)

ولما فرغ من بيان المواقيت التى هي سبب وقت الصلاة شرع في بيان الأذان فقال

(باب بدء الأذان)

أى في بيان سبب بدء الأذان، وهو اسم مصدر أذن يؤذن قال في المصباح أذن المؤذن بالصلاة أعلم بها "قال" ابن برّى وقولهم أذن العصر بالبناء للفاعل خطأ والصواب أذن بالعصر بالبناء للمفعول مع حرف الصلة. والأذان لغة الإعلام بالشئ. وشرعا إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة. وهو مشروع للصلوات الخمس بالإجماع. وسبب مشروعيته ما ذكر في الحديث وقدّم عليه بيان المواقيت لما فيها من معنى السببية. وكان بدء مشروعية الأذان بالمدينة على ما هو الصحيح لما رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر قال كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات ليس ينادى للصلاة فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا الخ وفيه فقال عمر أولا تبعثوا رجلا ينادى بالصلاة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قم يا بلال فناد بالصلاة. ولما في روايات الباب من أنه رواه عبد الله بن زيد وهو من الأنصار (وقد وردت) أحاديث تدلّ على أنه شرع بمكة قيل الهجرة (منها) ما رواه الطبراني من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال لما أسرى بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه بلالا وفى إسناده طلحة بن زيد وهو متروك (وما رواه) الدارقطني في الأطراف من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة وإسناده ضعيف أيضا (وما رواه) ابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا لما أسرى بى أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلى بهم فقدمنى فصليت وفيه من لا يعرف

(وما رواه البزّار) وغيره من حديث عليّ قال لما أراد الله تعالى أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها "فذكر الحديث" وفيه إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال الله أكبر الله أكبر وفى آخره ثم أخذ الملك بيده فأمّ بأهل السماء وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا. والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث (وقد جزم) ابن المنذر بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة وإلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد (وقد حاول) السهيلى الجمع بينهما فقال بانيا على صحة الحكمة في مجئ الأذان على لسان الصحابى إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمعه فوق سبع سماوات وهو أقوى من الوحى فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابى المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمعه فقال إنها لرؤيا حقّ وعلم حينئد أن مراد

ص: 125

الله تعالى بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض. وتقوّى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطق على لسانه اهـ من الفتح

(ص) حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، وَحَدِيثُ عَبَّادٍ أَتَمُّ، قَالَا: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ زِيَادٌ: نَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ -يَعْنِي الشَّبُّورَ وَقَالَ زِيَادٌ: شَبُّورُ الْيَهُودِ- فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، وَقَالَ:«هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ» قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَالَ:«هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى» فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ، قَالَ: فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَبَيْنَ نَائِمٍ وَيَقْظَانَ، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَرَانِي الْأَذَانَ، قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَدْ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَتَمَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا، قَالَ: ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ:«مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي؟ » ، فَقَالَ: سَبَقَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ:«يَا بِلَالُ، قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، فَافْعَلْهُ» قَالَ: فَأَذَّنَ بِلَالٌ.

(ش)(رجال الحديث)

(قوله الختلى) بضم الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية المفتوحة نسبة إلى ختل ناحية واسعة كثيرة المدن وراء النهر. وبعضهم ينسبها إلى بلخ وهو خطأ لأنها خلف جيحون

(قوله عن أبي بشر) هو جعفر بن أبي وحشية

(قوله قال زياد الخ) أى قال زياد بن أيوب في روايته حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر. وأما عباد فقال حدثنا هشيم عن أبي بشر فزياد صرح بحديث هشيم بن بشير عن أبي بشر فارتفعت مظنة التدليس عن هشيم

(قوله عن

ص: 126

أبى عمير) هو عبد الله بن أنس بن مالك الأنصارى. روى عن عمومة له من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه أبو بشر. قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عبد البرّ مجهول لا يحتجّ به ووثقه ابن المنذر وابن حزم روى أبو داود والنسائى وابن ماجه

(قوله عن عمومة له) هي جمع عمّ كالبعولة لم تعرف أسماؤهم

(معنى الحديث)

(قوله قال اهتمّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم الخ) أى قال المحدّث أبا عمير من العمومة قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشأن الصلاة وعزم على على أن يعمل ما يسهل به اجتماع الناس لها. يقال اهتمّ الرجل بالأمر قام به وهمّ بالأمر يهمّ عزم عليه فقال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم انصب راية بكسر الصاد المهملة من باب ضرب. والراية العلم فإذا رأى المسلمون الراية آذن بمدّ الهمزة أى أعلم بعضهم بعضا بدخول وقت الصلاة فلم يرض صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنصب الراية لأنه لا تحصل به الثمرة المقصودة على العموم مع السهولة لأن الإعلام بنصب الراية يختص بمن رآها وهو نادر. أما المشتغلون بأعمالهم فلا يعلمون إلا بإخبار أو سماع

(قوله فذكر له القنع) بضم القاف وسكون النون هو الشبور كما قال المصنف. ويقال له البوق كما في رواية البخارى. والقرن كما في رواية مسلم وهو ما ينفخ فيه ليخرج منه صوت مرتقع (قال في النهاية) هذه اللفظة "يعني القنع" قد اختلف في ضبطها فرويت بالباء والتاء والثاء والنون وأشهرها وأكثرها النون (قال الخطابى) قد سألت عنه غير واحد من أهل اللغة فلم يثبتوه لى على شيء واحد. فإن كانت الرواية بالنون صحيحة فلا أراه سمى إلا لإقناع الصوت وهو رفعه يقال أقنع الرجل صوته ورأسه إذا رفعه ومن يريد أن ينفخ في البوق يرفع رأسه وصوته (قال) الزمخشرى أو لأن أطرافه أقنعت إلى داخله أى عطفت. وأما القبع بالباء المفتوحة فلا أحسبه سمى به إلا لأنه يقبع فم صاحبه أى يستره يقال قبع الرجل رأسه في جيبه إذا أدخله فيه (قال الخطابى) سمعت أبا عمر الزاهد يقول هو القثع بالثاء المثلثة. ولم أسمعه من غيره. ويجوز أن يكون من قثع في الأرض قثوعا إذا ذهب فسمى به لذهاب الصوت منه. وقد روى القتع بتاء بنقطتين وهو دود يكون في الخشب الواحدة قتعة. ومدار هذا الحرف على هشيم وكان كثير اللحن والتحريف على جلالة محله من الحديث اهـ. من النهاية ملخصا. وقال في القاموس القنع بالضم الشبور وليس بتصحيف قبع ولا قثع بل ثلاث لغات اهـ

(قوله وقال زياد الخ) أى قال زياد بن أيوب أحد شيخى المصنف في روايته مفسرا القنع بشبور اليهود بالإضافة

(قوله فذكر له الناقوس) أى ذكر بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الناقوس وهو خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها تجعله النصارى علامة على أوقات صلاتهم. وهذا كان أوّلا أما الآن فالناقوس هو المعروف بالجرس

(قوله فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتمّ لهمّ رسول الله

ص: 127

صلى الله عليه وآله وسلم الخ) أى انصرف عبد الله بن زيد والحال أنه مهتمّ بما يتخذونه لجمع الناس للصلاة لاهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فأراه الله عز وجل الأذان في نومه فذهب وقت الغداة إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره بما رآه فقال إني لبين نائم ويقظان أى أنه كان نائما نوما خفيفا إذ أتاني من أعلمنى كلمات الأذان وكان عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رأى الأذان قبل رؤيتى له فكتمه عشرين يوما. ولعله إنما كتمه هذه المدّة انتظارا لنزول الوحى به على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله قال ثم أخبر الخ) أى قال عبد الله ابن زيد ثم أخبر عمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن سمع صوت بلال وهو يؤذن وخرج يجرّ رداءه كما في الرواية الآتية، وقوله سبقني الخ هو على التقديم والتأخير أى قال عمر استحييت من الإخبار فسبقنى عبد الله بن زيد فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا بلال قم. وخصّ بلال بذلك دون غيره لأنه حينما كان يعذّب ليرجع عن الإسلام كان يقول أحد أحد فجوزى بولاية الأذان المشتمل على التوحيد في البداية والنهاية. ولانه كان أرفع صوتا من عبد الله بن زيد كما في الحديث بعد (قال) النووى المراد بقوله قم أى اذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس. قال وليس فيه تعرّض للقيام في حال الأذان اهـ (قال) الحافظ وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ فإن الصيغة محتملة للأمرين وإن كان ما قاله أرجح (ونقل عياض) أن مذهب العلماء كافة أن الأذان قاعدا لا يجوز إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي "وتعقب" بأن الخلاف معروف عند الشافعية. وبأن المشهور عند الحنفية كلهم أن القيام سنة وأنه لو أذن قاعدا صحّ "والصواب" ما قاله ابن المنذر من انهم اتفقوا على أن القيام من السنة اهـ

(قوله فانظر ما يأمرك به الخ) أى تنبه لما يلقيه عليك عبد الله بن زيد فأذن به فقام بلال فألقى عليه عبد الله الأذان فأذن بما ألقاه إليه (وظاهر) الحديث يدلّ على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بالأذان مستندا إلى رؤيا عبد الله بن زيد ورؤيا غير الأنبياء لا تؤمن من الخطأ فلا يبنى عليها حكم شرعيّ (ويجاب بأن) استناده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى رؤيا عبد الله ظاهرىّ وفي الواقع هو مستند إلى الوحى لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينطق عن الهوى "فقد جاء" الوحى مقارنا للرؤيا. ويؤيده ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثى أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبى صلى الله عليه وآله وسلم فوجد الوحى قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبقك بذلك الوحي وروى أن الأذان رآه جمع من الصحابة غير عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب "ففى الأوسط" للطبراني أن أبا بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رآه "وفي الأوسط" للغزالى أنه رآه بضعة عشر رجلا (قال) ابن حجر ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد. وقصة عمر جاءت في بعض طرقه اهـ

ص: 128

(ص) قَالَ أَبُو بِشْرٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَيْرٍ، أَنَّ الْأَنْصَارَ تَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ مَرِيضًا لَجَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مُؤَذِّنًا

(ش) غرض المصنف بذكره بيان أن الأنصار زعموا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما أمر بلالا بالأذان دون عبد الله بن زيد لأن هذا كان مريضا ضعيفا لا يقدر على الأذان ولولا ذلك لجعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مؤذنا. وهذا ظنّ منهم. والمعوّل عليه أنه إنما خصّ بلالا لأنه كان أرفع صوتا من عبد الله بن زيد ولو كان كما ظنوا لجعله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مؤذنا بعد ما برئ من مرضه

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب الاهتمام بأمور الدين، وعلى مشروعية التشاور في الأمور المهمة وإبداء المرءوس ما عنده من الرأى إلى الرئيس فيما يراه مصلحة، وعلى أن المطلوب مخالفة أهل الباطل في أعمالهم، وعلى طلب مبادرة من رأى مصلحة إلى إخبار الرئيس بها. وعلى أن رؤيا المؤمن حقّ، وعلى أن غير النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد يطلع في المنام على مراد الحقّ تعالى. لكن لا يكلف الناس به حتى يقرّره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى مشروعية الأذان للصلوات المكتوبة (واختلف) في حكمه "فذهبت" المالكية إلى أنه سنة كفاية لجماعة طلبت غيرها بكل مسجد وبكل موضع جرت العادة بالاجتماع فيه وقالوا بوجوبه كفائيا في المصر (وذهبت) الحنفية والشافعية إلى أنه سنة للمنفرد والجماعة سفرا وحضرا (وذهبت) الحنابلة إلى أنه فرض كفاية للصلوات الخمس المؤداة دون غيرها للرجال جماعة في الأمصار والقرى وغيرهما حضرا (وقال) ابن المنذر هو فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر (وقال) داود هو فرض لصلاة الجماعة وليس بشرط لصحتها (وقال) المحاملى قال أهل الظاهر هو واجب لكل صلاة. واختلفوا في اشتراطه لصحتها

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق المصنف

(باب كيف الأذان)

أى في بيان صفة الأذان وكذا الإقامة

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، ثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ،

ص: 129

حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ، قَالَ: وَتَقُولُ: إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ:«إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُرِيَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:«فَلِلَّهِ الْحَمْدُ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله محمد بن منصور) بن داود بن إبراهيم أبو جعفر العابد سكن بغداد. روى عن يعقوب بن إبراهيم وروح بن عبادة وإسماعيل بن علية وابن عيينة وكثيرين وعنه أبو داود والنسائي وأبو حاتم وابن خزيمة وطائفة. قال النسائى ومسلمة وابن حبان ثقة

ص: 130

وقال أحمد لا أعلم عنه إلا خيرا وقال ابن أبى داود كان من الأخيار. مات سنة أربع أو ست وخمسين ومائتين وله ثمانون سنة. و (الطوسى) نسبة إلى طوس مدينة بخراسان بينها وبين خراسان عشرة فراسخ

(قوله يعقوب) بن إبراهيم بن سعد

(قوله محمد بن عبد الله بن زيد ابن عبد ربه) الأنصارى الخزرجى. روى عن أبيه وأبى مسعود. وعنه أبو سلمة ونعيم بن عبد الله ومحمد بن إبراهيم التيمى وغيرهم. قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. ولد في عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى له الجماعة

(قوله عبد الله بن زيد) بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد الأنصارى الخزرجى أبو محمد المدني. شهد العقبة وبدرا والمشاهد وهو الذى أرى النداء للصلاة في النوم وكانت رؤياه في السنة الأولى بعد بناء المسجد. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه محمد وسعيد بن المسيب وابن أبى ليلى وجماعة (قال) البخارى وابن عدى لا يعرف له إلا حديث الأذان اهـ قال الحافظ قد وجدت له أحاديث غير الأذان جمعتها في جزء. واغترّ الأصبهانى بالأول فجزم به وتبعه جماعة فوهموا. وفى ترجمة عمر بن عبد العزيز من الحلية بسند صحيح عن عبيد الله بن عمر العمرى قال دخلت ابنة عبد الله ابن زيد بن عبد ربه على عمر بن عبد العزيز فقالت أنا ابنة عبد الله بن زيد شهد أبى بدرا وقتل بأحد فقال سليني ما شئت فأعطاها وقال على بن المدينى بسنده عن محمد بن عبد الله بن زيد مات أبى سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن أربع وستين وصلى عليه عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ

(معنى الحديث)

(قوله لما أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالناقوس يعمل) وفى رواية ابن ماجه وأمر بالناقوس فنحت "ولا منافاة" بين هذه الرواية وما تقدم من قوله هو من أمر النصارى، وما في رواية ابن ماجه من قوله فكرهه من أجل النصارى "لأن ذلك" كان ابتداء ولما اضطرّ إلى اتخاذ شيء يجمع الناس به للصلاة أمر أن يعمل فأرى عبد الله بن زيد الأذان "ولا يقال" إن الأمر في الحديث بمعنى الإرادة "لأنه لا يصحّ" أن يريد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعلا يكرهه ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اختار ناقوس النصارى لأنهم أكثر طواعية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومودّة إليه من اليهود قال تعالى "لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى"

(قوله طاف بى وأنا نائم) أى ألمّ بى طائف حال النوم يقال طاف به الخيال طوفا ألمّ به في النوم

(قوله أفلا أدلك) الهمزة للاستفهام داخلة على محذوف أى أترغب فيما تجمع به الناس للصلاة فلا أدلك فالهمزة مقدمة من تأخير أى فألا أدلك

(قوله قال فقال الخ) أى قال عبد الله بن زيد قال الرجل الذى يحمل الناقوس تقول الله أكبر الخ أى أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته. أو من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله. أو أكبر من كل شيء فأفعل التفضيل على بابه على تقدير من. ويحتمل

ص: 131

أن أفعل التفضيل على غير بابه فيكون أكبر بمعنى كبير (قال) ابن الهمام إن أفعل وفعيلا في صفاته تعالى سواء لأنه لا يراد بأكبر إثبات الزيادة في صفته بالنسبة إلى غيره بعد المشاركة لأنه لا يساويه أحد في أصل الكبرياء فكان أفعل بمعنى فعيل اهـ وابتدأ الأذان بالتكبير لأن في لفظة الله أكبر مع اختصارها إثبات الذات وسائر ما يستحقه الله تعالى من الكمالات (وقال) في المرقاة ولأن هذا الذكر مما يستحب أن يقال في كل مقام عال والغالب أن الأذان يكون في مكان مرتفع. ولعلّ وجه تكريره أربعا إشارة إلى أن هذا الحكم جار في الجهات الأربع وسار في تطهير شهوات النفس الناشئة عن طبائعها الأربع اهـ

(قوله أشهد أن لا إله إلا الله الخ) أى أعتقد أنه لا معبود بحقّ في الوجود إلا الله وأعتقد أن محمدا رسول الله

(قوله حىّ على الصلاة الخ) أى أقبلوا على الصلاة والفوز فحىّ اسم فعل أمر مبنيّ على فتح الياء المشددة. والفلاح الفوز يقال أفلح الرجل إذا فاز

(قوله قال ثم استأخر عني الخ) أى قال عبد الله بن زيد ثم تأخر عني هذا الرجل قليلا بعد أن علمني الأذان ثم قال إذا أردت إقامة الصلاة تقول الله أكبر الخ (قال) الخطابى وهو يدلّ على أن المستحب أن تكون الإقامة في غير موقف الأذان اهـ وفيه إشارة أيضا إلى أنه يطلب الفصل بين الأذان والإقامة

(قوله إنها لرؤيا حق) أى صادقة. وحكم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصدق هذه الرؤيا لما تقدم من أن عمر لما رأى الأذان في المنام أتى ليخبر به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبقك بذلك الوحى فهذا يؤيد أنه قيل للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند قصة رؤيا عبد الله بن زيد أنفذها فأنفذها

(قوله فألق عليه الخ) أى أمل على بلال ما رأيته ليؤذن به فإنه أندى صوتا منك. وفى رواية الترمذى فإنه أندى وأمدّ صوتا منك أى أرفع. وقيل أحسن وأعذب (قال الخطابى) فيه دليل على أن كل من كان أرفع صوتا كان أولى بالأذان لأن الأذان إعلام وكل من كان الإعلام بصوته أرفع كان به أحق وأجدر اهـ

(قوله فجعلت ألقيه عليه) أى صرت ألقى الأذان على بلال وألقنه له

(قوله فخرج يجرّ رداءه) وفى رواية الترمذى يجرّ إزاره. والمراد بالإزار الرّداء لأن الإزار لا بدّ أن يكون مربوطا وإلا ينكشف صاحبه

(قوله مثل ما أرى) بضم الهمزة على صيغة المجهول ونائب الفاعل ضمير يعود على عبد الله بن زيد والأصل أراه الله تعالى. وفي نسخة مثل ما رأى بصيغة المعلوم. ولعلّ هذا القول صدر منه بعد ما حكى عبد الله بن زيد رؤياه أو كان ذلك مكاشفة له رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وهو ظاهر العبارة (وفى الحديث دلالة) على تربيع التكبير في أول الأذان وقد ذهب إلى ذلك الشافعى وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء محتجين بهذا الحديث وبحديث أبى محذورة الآتي. وبأن التربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم (وذهب مالك) وأبو يوسف وزيد بن على والصادق

ص: 132

والهادى والقاسم إلى تثنيته محتجين بما وقع في بعض روايات حديث عبد الله بن زيد وهو ما رواه الصنف عن معمر ويونس عن الزهرى من عدم التربيع. وبأن التثنية عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن. وبحديث أبى محذورة الآتى من طريق إبراهيم بن إسماعيل ومن طريق زياد بن يونس وبما رواه مسلم عنه وفيه أن التكبير مثنى فقط (قال في النيل) الحق أن روايات البربيع أرجح لاشتمالها على الزيادة وهى مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها اهـ وفيه دلاله على تثنية الشهادتين وأن لا ترجيع فيهما وإلى ذلك ذهب الكوفيون والهادوية والناصر والحنفية وقالوا لا يستحب الترجيع تمسكا بظاهر هذا الحديث وقالوا إن أكثر الروايات لا ترجيع فيها ولم يكن الترجيع في أذان بلال رئيس المؤذنين ولا في أذان ابن أم مكتوم وهما كانا مؤذنين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل ذكر الترجيع ليس إلا في حديث أبى محذورة الآتي (وأجابوا) عنه بما قاله الطحاوى من أنه يحتمل أن الترجيع إنما كان لأن أبا محذورة لم يمدّ بذلك صوته كما أراده النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إرجع فامدد من صوتك. وبما قاله ابن الجوزى في التحقيق من أن أبا محذورة كان كافرا فلما أسلم ولقنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأذان أعاد عليه الشهادة وكرّرها لتثبت عنده ويحفظها ويكرّرها على أصحابه المشركين فإنهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها فلما كرّرها عليه ظنها فمن الأذان. لكن يردّ هذا كله ما ذكر في الحديث من قوله قلت يا رسول الله علمنى سنة الأذان وقوله تقول أشهد أن لا إله إلا الله تخفض بها صوتك م ترفع صوتك بها فجعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من سنة الأذان. والترجيع في اللغة الترديد. وفى الاصطلاح العود إلى الشهادتين مرّتين مرّتين برفع الصوت بعد قولهما مرّتين مرّتين بخفضه (وذهب) الشافعى ومالك وأحمد وجمهور العلماء إلى أن الترجيع مشروع في الأذان لحديث أبي محذورة الآتى بعده وهو حديث صحيح مشتمل على زيادة غير منافية فيجب قبولها. وهو متأخرّ عن حديث عبد الله بن زيد (قال) النووى في شرح مسلم إن حديث أبى محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر اهـ والترجيع مندوب عند المالكية وسنة عند الحنابلة والشافعية على المذهب الصحيح عندهم فلو تركه عمدا أو سهوا صحّ أذانه وفاتته الفضيلة (وقد ذهب) جماعة من المحدّثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه. والصواب إثباته (والحاصل) أن تربيع التكبير وتثنيته والترجيع وتركه في الأذان ثابت في السنة فمن شاء ربع ومن شاء ثني ومن شاء رجع ومن شاء ترك. واختلاف الروايات في هذا كاختلاف القراءات

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية الأذان والإقامة للصلاة، وعلى أن المطلوب في الأذان رفع الصوت، وعلى مشروعية حمد الله تعالى عند حصول الخير، وعلى مشروعية تربيع

ص: 133

التكبير في الأذان وتثنية باقى ألفاظه ما عدا لا إله إلا الله. وعلى مشروعية تثنية التكبير ولفظ قد قامت الصلاة في الإقامة وإفراد باقى ألفاظها، وعلى عدم مشروعية الترجيع في الأذان وعلى أنه يطلب الترتيب في الأذان والإقامة فإذا أتى بكلمة في غير موضعها أعادها في محلها ومشهور مذهب مالك أنه يستأنف

(فائدة) قال القاضى عياض إن الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان مشتمل على نوعيه من العقليات والسمعيات. فأوّله إثبات الذّات وما تستحقه من الكمال والتتزيه عن أضدادها وذلك بقوله "الله أكبر" وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالة على ما ذكرناه. ثم صرّح بإثبات الوحدانية ونفى ضدّها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى. وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدّمة على كل وظائف الدين. ثم صرّح بإثبات النبوّة والشهادة بالرسالة لنبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية. وموضعها بعد التوحيد لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع وتلك المقدّمات من باب الواجبات. وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه سبحانه وتعالى. ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات فدعا إلى الصلاة وعقبها بعد إثبات النبوّة لأن معرفة وجوبها من جهة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا من جهة العقل. ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهي آخر تراجم عقائد الإسلام ثم كرّر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها وهو متضمن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلى فيها على بينة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده وجزيل ثوابه اهـ

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والبيهقى وأحمد والدارمى والترمذى وقال حسن صحيح قال محمد بن يحيى الذهلى ليس في أخبار عبد الله ابن زيد أصحّ من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمى لأن محمدا قد سمع من أبيه عبد الله بن زيد اهـ وقال ابن خزيمة حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدا سمع من أبيه وابن إسحاق سمع من التيمى وليس هذا مما دلسه

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ: فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَقَالَ مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَمْ يُثَنِّيَا

ص: 134

(ش) أى كما روى محمد بن إبراهيم بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه عبد الله بن زيد رواه محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى عن سعيد بن المسيب عن عبد الله ابن زيد بتربيع التكبير أول الأذان وبتثنيته في الإقامه وبإفراد كل ألفاظها غير جملة قد قامت الصلاة. وحديث الزهرى أخرجه أحمد في مسنده عن محمد بن إسحاق عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال لما أجمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بى من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران "الحديث" وأخرجه الحاكم من هذا الطريق وقال هذه أمثل الروايات في قصة عبد الله بن زيد لأن سعيد بن المسيب قد سمع من عبد الله بن زيد ورواه يونس ومعمر وشعيب وابن إسحاق عن الزهرى. ومتابعة هؤلاء لمحمد بن إسحاق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذى تحتمله عنعنة ابن إسحاق

(قوله وقال فيه ابن إسحاق عن الزهرى الخ) الغرض منه بيان الاختلاف على الزهرى في التكبير الأول في الأذان فرواه محمد بن إسحاق عنه مربعا ورواه معمر ويونس عنه بلا تربيع بل بذكره مرّتين. وقوله لم يثنيا يعنى لم يذكرا الله أكبر الله أكبر مرّتين تنزيلا لهاتين الجملتين منزلة الجملة الواحدة

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ؟ ، قَالَ: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِي، قَالَ:" تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ".

(ش)(رجال الحديث)

(قوله الحارث بن عبيد) الأيادى أبو قدامة البصري. روى عن ثابت البنانى وأبى عمران الجونى ومالك بن دينار وآخرين. وعنه ابن المبارك ومسدد وزيد

ص: 135

ابن الحباب وسعيد بن منصور. قال ابن مهدى كان من شيوخنا وما رأيته إلا جيدا وقال أحمد مضطرب الحديث وقال ابن حبان كان ممن كثر وهمه حتى خرج عن جملة من يحتجّ بهم إذا انفردوا وقال الساجى صدوق عنده مناكير وقال النسائى صالح وقال ابن معين ضعيف وقال أبو حاتم ليس بالقوى يكتب حديثه ولا يحتجّ به. روى له الجماعة إلا البخارى

(قوله محمد ابن عبد الملك بن أبى محذورة) القرشى الجمحي المكي المؤذن. روى عن أبيه عن جده في الأذان وعنه الحارث بن عبيد والثورى. وثقه ابن حبان وقال ابن القطان مجهول الحال لا نعلم روى عنه إلا الحارث وقال عبد الحق لا يحتج بهذا الإسناد وقال الذهبى في الميزان محمد بن عبد الملك ابن أبى محذورة في الأذان ليس بحجة يكتب حديثه. روى له أبو داود

(قوله عن أبيه) هو عبد الملك بن أبي محذورة القرشي الجمحى المكي. روى عن أبيه وعبد الله بن محيريز. وعنه أولاده عبد العزيز ومحمد وإسماعيل وحفيداه إبراهيم بن إسماعيل وإبراهيم بن عبد العزيز والنعمان ابن راشد وغيرهم. وثقه ابن حبان وقال في التقريب مقبول. روى له أبو داود والترمذى والنسائى

(قوله عن جده) هو أبو محذورة القرشي الجمحى المكي الصحابى. قيل اسمه أوس وقيل سمرة بن معير بكسر الميم وسكون العين المهملة وقيل غير ذلك. وقال الزبير بن بكار أبو محذورة اسمه أوس بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح من قال غير هذا فقد أخطأ. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه عبد الملك وعبد الله بن محيريز ومحمد بن يزيد النخعى وغيرهم. قيل مات سنة تسع وخمسين ولاه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأذان يوم الفتح وكان أحسن الناس أذانا وأنداهم صوتا. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه

(معني الحديث)

(قوله علمنى سنة الأذان) أى طريقته المشروعة

(قوله فمسح مقدّم رأسى) أى مسح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقدّم رأس أبى محذورة. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك لتحصل له بركة يده الشريفة فيحفظ ما يلقى إليه فقد روى ابن ماجه والبيهقى عن عبد الله بن محيريز وكان يتيما في حجر أبى محذورة بن معير حين جهزه إلى الشام فقلت لأبى محذورة أى عمّ إنى خارج إلى الشام وإني أسأل عن تأذينك فأخبرنى أن أبا محذورة قال خرجت في نفر فكنا ببعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فصرخنا نحكيه نهزأ به فسمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأرسل إلينا قوما فأقعدونا بين يديه فقال أيكم الذى سمعت صوته قد ارتفع فأشار إليّ القوم كلهم وصدقوا فأرسل كلهم وحبسنى وقال لى قم فأذن فقمت

ص: 136

ولا شئ أكره إليّ من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا مما يأمرني به فقمت بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فألقى عليّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التأذين هو بنفسه فقال قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال لى ارفع من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حىّ على الصلاة حيّ على الصلاة حىّ على الفلاح حيّ على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم دعانى حين قضيت التأذين فأعطانى صرّة فيها شئ من فضة ثم وضع يده على ناصية أبى محذورة ثم أمّرها على وجهه ثم على ثدييه ثم على كبده ثم بلغت يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بارك الله لك وبارك عليك فقلت يا رسول الله أمرتنى بالتأذين بمكة قال نعم قد أمرتك فذهب كلّ شيء كان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كراهية وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ ورواه الدارقطني في سننه وفيه عن أبى محذورة قال لما خرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة أطلبهم فكنا في بعض طريق حنين فقفل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للصلاة قال فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون "الحديث"

(قوله تقول الخ) هو خبر بمعنى الأمر أى قل الله أكبر الخ

(قوله فإن كان صلاة الصبح إلخ) أى إن كان ما يؤذن له صلاة الصبح قلت في أذانها بعد الحيعلتين الصلاة خير من النوم أى لذّتها خير من لذّته عند أرباب الذوق وأصحاب الشوق (وأصل مشروعيتها) كما رواه الطبراني بسنده أن بلالا أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤذنه بالصبح فوجده راقدا فقال الصلاة خير من النوم مرّتين فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا يا بلال اجعله في أذانك إذا أذنت للصبح. وروى ابن ماجه نحوه عن سعيد بن المسيب "ولا يشكل" على هذا ما رواه مالك في الموطأ من أن المؤذن جاء عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائما فقال الصلاة خير من النوم فقال اجعلها في نداء الصبح "لأن مراد عمر" الإنكار على المؤذن حيث جعل هذه الكلمة في غير موضعها وهو نداء الصبح فكأنه قال اجعلها في الموضع الذى جعلها فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولا يتوهم أن عمر أتى بها من نفسه (وفى هذا دلالة) على أن التثويب مشروع

ص: 137

في أذان الصبح خاصة وإلى ذلك ذهب الجمهور، ويدلّ لهم أيضا ما جاء عن بلال قال قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تثوبنّ في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر رواه ابن ماجه والترمذى وضعف إسناده. وما سيأتى للمصنف في باب في الثويب عن مجاهد قال كنت مع ابن عمر فثوّب رجل في الظهر أو العصر فقال اخرج بنا فإن هذه بدعة (وحكى) الشيخ أبو حامد والمحاملى وغيرهما عن النخعى أنه كان يقول التثويب سنة في كل الصلوات كالصبح (وحكى) القاضى أبو الطيب عن الحسن بن صالح أنه مستحب في أذان العشاء أيضا وقال لأن بعض الناس قد ينام عنها. وروى نحوه عن الشعبي. لكن ما قالوه لا دليل عليه لأن الأحاديث لم ترد بإثباته إلا في الصبح خاصة (قال في النيل) الواجب الاقتصار على فعلها في الصبح والجزم بأن فعلها في غيرها بدعة كما صرّح بذلك ابن عمر وغيره (وذهبت) العترة والشافعى في أحد قوليه إلى أن التثويب بدعة (قال) في البحر أحدثه عمر فقال ابنه هذه بدعة. وعن على عليه السلام حين سمعه لا يزيدوا في الأذان ما ليس منه "ثم قال" بعد أن ذكر حديث أبى محذورة وبلال لو كان لما أنكره علىّ وابن عمر وطاوس. سلمنا فأمر به إشعارا في حال لا شرعا جمعا بين الآثار اهـ "وأقول" قد عرفت رفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأمر به على جهة العموم من دون تخصيص بوقت دون وقت. وابن عمر لم ينكر مطلق التثويب بل أنكره في صلاة الظهر. ورواية الإنكار عن علىّ عليه السلام بعد صحتها لا تقدح في مروىّ غيره لأن المثبت أولى ومن علم حجة. والتثويب زيادة ثابتة فالقول بها لازم اهـ كلام النيل. ويعنى برفعه أحاديث الباب. وما رواه البيهقى عن حفص ابن عمر في سعد المؤذن أن سعدا كان يؤذن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال حفص فحدثتي أهلى أن بلالا أتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليؤذنه بصلاة الفجر فقالوا إنه نائم فنادى بلال بأعلى صوته الصلاة خير من النوم فأقرّت في صلاة الفجر إلى غير ذلك من الأحاديث (وعلى) القول بأن الصبح له أذانان هل يكون التثويب فيهما أم في اللأول دون الثاني (فذهب) إلى الأول الشافعية وهو ظاهر مذهب المالكية. ويدلّ لهم ما جاء من الروايات التي فيها التثويب ولم تقيد بالأول (منها) ما ذكره المصنف (ومنها) ما رواه الطحاوى بسنده عن محمد بن سيرين عن أنس قال كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم مرّتين (ومال صاحب) سبل السلام إلى أن التثويب في الأذان الأول دون الثاني وحمل المطلق من الروايات على المقيدة بالأول حيث قال في شرح حديث رواه ابن خزيمة عن أنس من السنة إذا قال المؤذن في الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم وفى رواية النسائى الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأذان الأول من الصبح وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات (قال) ابن رسلان وصحح هذه الرواية ابن خزيمة

ص: 138

قال فشرعية التثويب إنما في الأذان الأول للفجر لأنه لإيقاظ النائم. وأما الأذان الثانى فإنه إعلام بدخول الوقت ودعاء إلى الصلاة. ولفظ النسائى في سننه الكبرى من جهة سفيان عن أبى جعفر عن أبى سليمان عن أبى محذورة قال كنت أؤذن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكنت أقول في أذان الفجر الأول حىّ على الفلاح الصلاة خير من النوم قال ابن حزم وإسناده صحيح. ومثل ذلك في سنن البيهقى الكبرى من حديث أبى محذورة أنه كان يثوّب في الأذان الأول من الصبح بأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "قلت" وعلى هذا ليس الصلاة خير من النوم من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها بل هو من الألفاظ التى شرعت لإيقاظ النائم. وإذا عرفت هذا هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب هل هو من ألفاظ الأذان أو لا وهل هو بدعة أو لا اهـ كلام صاحب سبل السلام (ويدلّ على) أن التثويب في الأول ما رواه الطحاوى بسنده عن أبى محذورة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه في الأذان الأول من الصبح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم (وما رواه) أيضا عن نافع عن ابن عمر أنه قال كان في الأذان الأول بعد الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم (وما رواه) البيهقى عنه أنه قال لمؤذنه إذا بلغت حىّ على الفلاح في الفجر فقل الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم (وما سيأتى) للمصنف عن أبى محذورة وفيه الصلاة خير من النوم في الأول من الصبح (والحاصل) أن الأئمة الأربعة يقولون بالتثويب في أذان الصبح لا فرق بين من يقول منهم إن له أذانا واحدا وبين من يقول إن له أذانين. ولم نر من قال منهم بمثل ما قاله صاحب سبل السلام (وليس في الحديث) ذكر حىّ على خير العمل (وقد ذهبت) العترة إلى إثباته وأنه بعد أن يقول المؤذن حىّ على الفلاح يقول مرّتين حيّ على خير العمل (واحتج) القائلون بذلك بما في كتب أهل البيت كأمالى أحمد ابن عيسى والتجريد والإحكام وجامع آل محمد من إثبات ذلك مسندا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في الإحكام قد صح لنا أن حىّ على خير العمل كانت على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤذن بها وتطرح إلا في زمن عمر وهكذا قال الحسن بن يحيى (وبما أخرجه) البيهقى في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يؤذن بحيّ على خير العمل أحيانا. وروى فيها عن علىّ بن الحسين أنه قال هو الأذان الأول. وروى الطبرى في إحكامه عن زيد بن أرقم أنه أذن بذلك. قال الطبرى رواه ابن حزم. ورواه سعيد ابن منصور في سننه عن أبى أمامة بن سهل البدرى. ولم يرو ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعا (وأجاب الجمهور) عنه بأن الأحاديث الواردة بذكر ألفاظ الأذان في الصحيحين وغيرهما من دواوين الحديث ليس في شيء منها ما يدلّ على ثبوت ذلك. قالوا وإذا صحّ ما روى من أنه

ص: 139

الأذان الأول فهو منسوخ بأحاديث الأذان التي لم تذكر فيها جملة حيّ على خير العمل. وقد أورد البيهقى حديثا في نسخ ذلك ولكنه من طريق لا يثبت النسخ بمثلها اهـ من النيل ببعض تصرف

(فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على أن من جهل شيئا يطلب منه أن يسأل من هو عالم به. وعلى طلب الرأفة والشفقة بالمتعلم، وعلى مشروعية التبرّك بأهل الفضل، وعلى مشروعية الترجيع في الأذان وقد علمت بيانه، وعلى مشروعية التثويب في أذان الصبح بقوله الصلاة خير من النوم مرّتين بعد الحيعلتين. وإلى ذلك ذهب الجمهور، كما تقدم منهم عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصرى وابن سيرين والزهرى ومالك والثورى وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأصحاب الشافعى

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن حبان والنسائى والبيهقى وفي إسناده محمد ابن عبد الملك بن أبى محذورة والحارث بن عبيد والأول غير معروف والثانى فيه مقال. لكن قد رواه النسائى والطحاوى من طرق أخرى والروايات يقوّى بعضها بعضا

(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ السَّائِبِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا الْخَبَرِ وَفِيهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فِي الْأُول مِنَ الصُّبْحِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ مُسَدَّدٍ أَبْيَنُ، قَالَ فِيهِ: وَقَالَ: وَعَلَّمَنِي الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قال أبو داود وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَإِذَا أَقَمْتَ الصلاة فَقُلْهَا مَرَّتَيْنِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، أَسَمِعْتَ؟ قَالَ: فَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ، لَا يَجُزُّ نَاصِيَتَهُ وَلَا يَفْرُقُهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَيْهَا

ص: 140

(ش) غرض المصنف بذكر هذا الحديث بيان أن بينه وبين ما قبله اختلافا ففيه التقييد بقوله في الأول من الصبح دون الحديث الأول. والأول أصرح وأكمل في ألفاظ الأذان من هذا وفى هذا ذكر ألفاظ الإقامة دون الأول غير أن الحسن بن عليّ ذكر في روايته عن أبى عاصم ألفاظ الإقامة مفصلة ولم يذكر فيها قد قامت الصلاة. وفى روايته عن عبد الرزاق ذكر الإقامة مجملة وأنها مرّتان وذكر فيها قد قامت الصلاة مرّتين. وهذا الاختلاف لا يقدح في الحديث لأنها زيادة من ثقة وهي مقبولة

(رجال الحديث)

(قوله أبو عاصم) الضحاك بن مخلد. و (عبد الرزاق) بن همام و (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز

(قوله عثمان بن السائب) المكي الجمحى مولى أبى محذورة روى عن أبيه وأم عبد الملك. وعنه ابن جريج. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول وقال ابن القطان لا يعرف. روى له أبو داود والنسائى

(قوله أخبرنى أبي) هو السائب المكي الجمحى. روى عن أبى محذورة. وعنه ابنه عثمان. ذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي لا يعرف روى له أبو داود والنسائى هذا الحديث فقط

(قوله وأم عبد الملك) كذا في رواية البيهقي والدارقطنى. وهي زوج أبي محذورة قال في التقريب مقبولة وقال البيهقى مجهولة الحال روت عن زوجها وعنها عثمان بن السائب

(معنى الحديث)

(قوله نحو هذا الخبر) أى حدّث محمد بن عبد الملك بن أبى محذورة عن أبيه عن جده نحو هذا الحديث. ولفظه عند البيهقي من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج بسنده إلى أبى محذورة قال خرجت في عشرة فتيان مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى حنين فأذنوا وقمنا نؤذن مستهزئين بهم فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ائتونى بهؤلاء الفتيان فقال أذنوا فأذنوا وكنت أحدّهم صوتا فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم هذا الذى سمعت صوته اذهب فأذن لأهل مكة وقل لعتاب بن أسيد أمرنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أن أؤذن لأهل مكة وقال قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرّتين أشهد أن محمدا رسول الله مرّتين ثم ارجع فقل أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرّتين حيّ على الصلاة مرّتين حيّ على الفلاح مرتين الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فإذا أقمت للصلاة فقلها مرّتين قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ونحوه عند الدارقطنى

(قوله في الأول من الصبح) أى في الأذان الأول من الصبح. وفى نسخة في الأولى من الصبح أى في المناداة الأولى للصبح. والنسخة الأولى هي الصحيحة ويؤيدها ما تقدم من الروايات التى فيها الأذان الأول (وفى هذا) دلالة على أن التثويب في الأذان الأول للفجر دون الثانى وقد علمت ما فيه

(قوله وحديث مسدد أبين) أي حديث مسدد بن

ص: 141

مسرهد السابق أظهر وأتمّ في بيان ألفاظ الأذان من حديث الحسن بن علىّ وإن كان في حديث الحسن زيادة ألفاظ الإقامة

(قوله قال فيه وقال الخ) أى قال الحسن بن على في الحديث وقال أبو محذورة وعلمنى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن أقول الإقامة مرّتين مرّتين الله أكبر الله أكبر الخ

(قوله وقال عبد الرزاق الخ) أى قال في روايته بسنده قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأبي محذورة وإذا اقمت الصلاة فقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة مرّتين

(قوله أسمعت) بهمزة الاستفهام أى قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل سمعت ما قلته لك في الأذان والإقامة. ويحتمل أن يكون هذا قول عبد الرزاق لتلميذه أسمعت ما رويت لك. ويمكن أن يقال إنه على صيغة الخطاب من الإسماع أى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأبى محذورة أى إذا أقمت الصلاة وقلت كلمات الإقامة فقد أسمعت الجماعة. ولعلّ الغرض من هذا تثبيت أبى محذورة في الأذان

(قوله لا يجزّ ناصيته) أى لا يقطع شعر ناصيته يقال جزّ الصوف إذا قطعه من باب قتل وردّ

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والدارقطني بلفظ تقدم وأخرجه الطحاوى من طريق روح بن عبادة وأبى عاصم عن ابن جريج ورواه النسائى والدارقطنى أيضا من طريق حجاح عن ابن جريج بسند المصنف وفيه وعلمنى الإقامة مرّتين ثم ذكر كلمات الإقامة فذكر الله أكبر أربع مرّات والشهادتين مرّتين والحيعلتين مرّتين وقد قامت الصلاة مرّتين ثم التكبير مرّتين ثم ذكر كلمة التوحيد مرّة. وكذلك أخرج البيهقي بسنده من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج بهذا السند وذكر فيه قال وقد علمنى الإقامة مرّتين مرّتين ثم ذكر كلمات الإقامة. وأخرج الدارقطنى حديث عبد الرازق عن ابن جريج بهذذ السند فذكر قصة الأذان مفصلة وقال في آخره وإذا أقمت فقلها مرّتين قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة أسمعت. وكما ذكر المصنف والدارقطنى حديث عبد الرزاق كذلك ذكره البيهقى وإذا أقمت فقلها مرّتين قد قامت الصلاة أسمعت. وأخرجه البيهقى أيضا من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج بسنده وفيه وقد علمنى الإقامة مرّتين ثم ذكر كلمات الإقامة

(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا عَفَّانُ، وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، وَحَجَّاجٌ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالُوا: ثَنَا هَمَّامٌ، ثَنَا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، أَنَّ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ

ص: 142

سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً: الْأَذَانُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَالْإِقَامَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "، كَذَا فِي كِتَابِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عفان) بن مسلم بن عبد الله البصرى الأنصارى أبو عثمان. روى عن شعبة وهمام بن يحيى وسليمان بن المغيرة وأبي عوانة والحمادين وغيرهم. وعنه البخارى وأحمد وقتيبة وابن معين وكثيرون. قال أبو حاتم ثقة متقن متقن وقال العجلي ثقة ثبت صاحب سنة وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا حجة كثير الحديث وقال ابن خراش كان من خيار المسلمين وقال ابن قانع ثقة مأمون ووثقه كثيرون. مات ببغداد سنة عشرين ومائتين. روى له الجماعة

(قوله وسعيد بن عامر) الضبعى أبو محمد البصري. روى عن سعيد بن أبى عروبة وشعبة وهمام بن يحيى ومحمد بن عمرو بن علقمة وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل وأبو خيثمة وإسحاق ابن راهويه وابن معين وآخرون. قال ابن معين هو الثقة المأمون وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال العجلى رجل صالح ثقة من خيار المسلمين وقال أبو حاتم كان رجلا صالحا في حديثه بعض الغلط وهو صدوق ووثقه ابن حبان وابن قانع. توفي لأربع بقين من شوال سنة ثمان ومائتين. روى له البخارى ومسلم وأبو داود

(قوله وحجاج) بن منهال الأنماطي أبو محمد السلامى البصرى. روى عن الحمادين وجرير بن حازم وشعبة وعبد العزيز بن الماجشون. وعنه البخارى والذهلي والجوزجاني والفضل بن العباس وهلال بن العلاء وآخرون. وثقه أحمد والنسائى وابن سعد وقال كثير الحديث وقال أبو حاتم ثقة فاضل وقال العجلي ثقة رجل صالح وقال ابن قانع ثقة مأمون وقال الفلاس ما رأيت مثله فضلا ودينا. مات سنة ست عشرة أو سبع عشرة ومائتين

ص: 143

روى له الجماعة

(قوله المعنى واحد) أى أن روايتهم جميعا متفقة في المعنى وإن اختلفت ألفاظهم

(قوله عامر الأحول) هو ابن عبد الواحد البصرى. روى عن عائذ بن عمرو وعطاء بن أبى رباح وشهر بن حوشب ونافع مولى ابن عمر ومكحول وجماعة. وعنه شعبة وسعيد بن أبي عروبة والحمادان وأبان بن يزيد وآخرون. قال أحمد والنسائى ليس حديثه بشئ وليس بالقوى وقال أبو حاتم ثقة لا بأس به وقال ابن عدى لا أرى برواياته بأسا ووثقه ابن حبان. روى له الجماعة إلا البخارى. و (مكحول) الدمشقى الإمام. و (ابن محيريز) بضم الميم وفتح الحاء المهملة بعدها مثناة تحتية ساكنة هو عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب بن لوذان أبو محيريز المكي سكن بيت المقدس. روى عن أبى محذورة وعبادة بن الصامت وأبى سعيد الخدرى وفضالة بن عبيد ومعاوية بن أبى سفيان وآخرين. وعنه عبد الملك بن أبى محذورة وبسر بن عبد الله ومكحول وعطاء. قال أحمد بن عبد الله العجلى وابن خراش ثقة من خيار الناس ووثقه النسائى. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى

(معنى الحديث)

(قوله تسع عشرة كلمة) بتقديم المثناة الفوقية على السين المهملة وهذا بالنسبة للترجيع. وما في بعض النسخ من إسقاطه فهو غلط (وإلى أن) كلمات الأذان تسع عشرة كلمة ذهبت الشافعية وطائفة من أهل العلم (وذهب) أبو حنيفة والثورى وأحمد إلى أنه خمس عشرة كلمة واحتجوا بحديث عبد الله بن زيد المتقدم. لكن العمل على حديث أبى محذورة مقدّم على العمل بحديث عبد الله بن زيد لأوجه (منها) أن حديث أبى محذورة متأخر فإنه سنة ثمان من الهجرة وحديث عبد الله بنّ زيد أول الإمر (الثاني) أن فيه زيادة وزيادة الثقة مقبولة (الثالث) أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقنه إياه (الرابع) أنه عمل أهل الحرمين (وذهب) مالك إلى أنه سبع عشرة كلمة لعدم تربيع التكبير أول الأذان عبده. يدلّ له ما رواه مسلم عن أبى محذورة أن نبىّ الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه الأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله لا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا الله الخ (قال ابن رشد) في البداية اختلف العلماء في الأذان على أربع صفات مشهورة (إحداها) تثنية التكبير فيه وتربيع الشهادتين وباقيه مثنى. وهو مذهب أهل المدينة مالك وغيره. واختار المتأخرون من أصحاب مالك الترجيع وهو أن يثني الشهادتين أولا خفيا ثم يثنيهما مرة ثانية مرفوع الصوت (والصفة الثانية) أذان المكيين وبه قال الشافعى وهو تربيع التكبير الأول والشهادتين وتثنية باقى الأذان (والصفة الثالثة) أذان الكوفيين وهو تربيع التكبير الأول وتثنية باقى الأذان وبه قال أبو حنيفة (والصفة الرابعة) أذان البصريين وهو تربيع التكبير الأول وتثليث الشهادتين وحىّ على الصلاة وحى على الفلاح يبدأ بأشهد

ص: 144

أن لا إله إلا الله حتى يصل حىّ على الفلاح ثم يعيد كذلك مرة ثانية ثم يعيدهنّ ثالثة وبه قال الحسن البصرى وابن سيرين. والسبب في اختلاف كل واحد من هؤلاء الفرق الأربع اختلاف الآثار في ذلك واختلاف اتصال العمل عند كل واحد منهم وذلك أن المدنيين يحتجون لمذهبهم بالعمل المتصل بذلك في المدينة. والمكيون كذلك أيضا يحتجون بالعمل المتصل عندهم بذلك. وكذلك الكوفيون والبصريون. ولكل واحد منهم آثار تشهد لقوله. أما تثنية التكبير في أوله على مذهب أهل الحجاز فروى من طرق صحاح عن أبى محذورة وعبد الله بن زيد الأنصارى وتربيعه أيضا مروىّ عن أبى محذورة من طرق أخر. وعن عبد الله بن زيد (قال الشافعى) هى زيادات يجب قبولها مع اتصال العمل بذلك بمكة. وأما الترجيع الذى اختاره المتأخرون من أصحاب مالك فروى من طريق أبى قدامة. قال أبو عمر أبو قدامة عندهم ضعيف. وأما الكوفيون فبحديث ابن أبي ليلى. وفيه أن عبد الله بن زيد رأى في المنام رجلا قام على خرم حائط وعليه بردان أخضران فأذن مثنى وأقام مثنى وأنه أخبر بذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقام بلال فأذن مثنى وأقام مثنى. والذى خرّجه البخارى في هذا الباب إنما هو من حديث أنس فقط وهو أن بلالا أمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا قد قامت الصلاة فإنه يثنيها وخرّج مسلم عن أبى محذورة صفة أذان الحجازيين. ولمكان هذا التعارض الذى ورد في الأذان رأى أحمد بن حنبل وداود أن هذه الصفات المختلفة إنما وردت على التخيير لا على إيجاب واحدة منها وأن الإنسان مخير فيها اهـ ببعض تصرّف

(قوله سبع عشرة كلمة) هذا صريح في شفع الإقامة إلا كلمة التوحيد. وبه قال أبو حنيفة والثورى وابن المبارك مستدلين بهذا الحديث وبقياسا على الأذان (وقال مالك) هي عشر كلمات وجعل قد قامت الصلاة مرّة واحدة. فهى عنده وتر إلا التكبير. وهو قول للشافعى في القديم. واستدلّ بما سيأتى للمصنف ورواه البخارى عن أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. وبأن نقل أهل المدينة المتواتر وعملهم المستفيض على ذلك (وقال الشافعى) إن الإقامة إحدى عشرة كلمة بتكرير قد قامت الصلاة مرتين وهو قول عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصرى والزهرى ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق وداود وابن المنذر. واحتحوا بحديث عبد الله بن زيد المتقدم. وبما رواه البخارى عن أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ووتر الإقامة إلا قد قامت الصلاة. وبما سيأتى للمصنف عن ابن عمر قال كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّتين مرّتين والإقامة مرّة مرّة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة. قالوا والحكمة في إفراد الإقامة أن السامع يعلم أنها إقامة فلو ثنيت لاشتبهت بالأذان. ولأنها للحاضرين فلم تحتج إلى تكرير بخلاف الأذان (وحكى) إمام الحرمين أن الإقامة تسع كلمات

ص: 145

يفرد جميع كلماتها ما عدا التكبير الأول. هو قول قديم للشافعى (وحكى) القاضى حسين والفوراني والسرخسى والبغوى أنها ثمان كلمات بإفراد ألفاظها كلها (واختار) محمد بن أبى بكر ابن إسحاق بن خزيمة أنه إن رجع في الأذان ثنى جميع كلمات الإقامة فيجعلها سبع عشرة كلمة وإن لم يرجع أفرد الإقامة يجعلها إحدى عشرة كلمة

(قوله كذا في كتابه في حديث أبى محذورة) أى ما ذكر في حديث أبى محذورة من أن كلمات الأذان تسع عشرة كلمة وكلمات الإقامة سبع عشرة كلمة حدّث به همام بن يحيى من كتابه لا من حفظه وإذا حدّث من كتابه أتقن أو أن المراد أن هماما حدّث بالحديث من حفظه. وفي التحديث من لفظه مقال فأراد تلاميذه تقوية ما حدّث به بأنه هكذا في كتابه فوافق حفظه كتابه. فلا يقال إن هماما وهم في ذكر الإقامة كما قال البيهقي في المعرفة إن مسلم بن الحجاج ترك رواية همام عن عامر واعتمد على رواية هشام عن عامر التي ليس فيها ذكر الإقامة؛ لأن عدم تخريج مسلم له لا يقتضى عدم صحته لأنه لم يلتزم إخراج كل الصحيح. على أنه قد تابع سعيد بن أبى عروبة عند الطبراني هماما في روايته عن عامر فلا وهم في رواية همام

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والدارمى والدارقطي والحاكم والطبراني والشافعى والبيهقى وتكلم عليه بأوجه من التضعيف. لكن ردّها ابن دقيق العيد وصحح الحديث. ورواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ يَعْنِي عَبْدَ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ:"قُل: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: ثُمَّ ارْجِعْ، فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "

ص: 146

(ش)(رجال الحديث)

(قوله ابن عبد الملك الخ) القرشى الجمحى المكي المؤذن. روى عن عطاء الخراسانى وعن ابن محيريز عن جدّه. وعنه ابنه إبراهيم وابن جريج ومحمد بن سعيد الطائفى. وثقه ابن حبان وقال ابن المديني بنو أبى محذورة الذين يحدّثون كلهم ضعفاء ليسوا بشئ روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه

(قوله عن ابن محيريز) كذا في أكثر النسخ وهي رواية الدارقطني وهو عبد الله بن محيريز. وفي بعض النسخ عن ابن أبى محيريز ولعله غلط

(معنى الحديث)

(قوله ألقى علىّ الخ) أى أملى عليّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأذان بقوله قل الله أكبر الخ وفيه دليل على أن الأذان تسع عشرة كلمة ولم يذكر فيه الإقامة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى من عدّة طرق عن ابن جريج وكذا ابن ماجه والبيهقى من طريق المصنف مطوّلا بلفظ تقدّم في شرح الحديث الثانى من الباب

(ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي مَحْذُورَةَ، يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ، يَقُولُ:"أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الْأَذَانَ، حَرْفًا حَرْفًا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ "، قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ فِي الْفَجْرِ: «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ» .

(ش)(رجال الحديث)

(قوله النفيلى) هو عبد الله بن محمد

(قوله إبراهيم بن إسماعيل الخ) أبو إسماعيل القرشى. روى عن أبيه وجده. وعنه بشر بن معاذ وعبد الله بن عبد الوهاب وآخرون. ضعفه الأزدى وقال في التقريب مجهول. روى له الترمذى والنسائى وأبو داود

(معنى الحديث)

(قوله يذكر أنه سمع أبا محذورة الخ) وفي رواية الدارقطني يحدّث عن أبيه أبى محذورة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى إله وسلم ألقى هذا الأذان عليه الله أكبر الخ بدون قوله حرفا حرفا

(قوله حرفا حرفا) أى كلمة كلمة من إطلاق الجزء وإرادة الكل وانتصابه

ص: 147

على الحال وإن كان غير مشتقّ لأن غير المشتق يقع حالا في مواضع منها إذا دلّ على الترتيب كما هنا

(قوله الله أكبر الخ) بتربيع التكبير وهكذا رواه البيهقى من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنظلى قال أنبأنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة قال أدركت أبى وجدّى يؤذنون هذا الأذان الذى أؤذن ويقيمون هذه الإقامة فيقولون إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه أبا محذورة فذكر الأذان بتربيع التكبير أوّله وتثنية الشهادتين ثم رجع بهما مثنى مثنى أيضا وتثنية الحيعلتين والتكبير وختم بلا إله إلا الله. وفي بعض نسخ المتن بتثنية التكبير وهى رواية ابن الأعرابى وابن عيسى (وبها استدلّ) مالك على تثنية التكبير في الأذان (واستدلّ) أيضا بما أخرجه النسائى قال حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنى إبراهيم وهو ابن عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبى محذورة قال حدثنى أبي عبد العزيز وجدّى عبد الملك عن أبى محذورة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقعده فألقى عليه الأذان حرفا حرفا قال إبراهيم هو مثل أذاننا هذا قلت له أعد علىّ قال الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرّتين أشهد أن محمدا رسول الله مرّتين ثم قال بصوت دون ذلك الصوت يسمع من حوله أشهد أن لا إله إلا الله مرّتين أشهد أن محمدا رسول الله مرّتين حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين الله أكبر ألله أكبر لا إله إلا الله (فظهر) من هذه الروايات أن أبا محذورة وأولاده لم يقتصروا على الرواية التى فيها التكبير مثنى في أوّله والترجيع في الشهادتين

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى بلفظ تقدم والدارقطني بتربيع التكبير أوّل الأذان وأخرجه الطبرانى

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، ثَنَا زِيَادٌ يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ يَعْنِي الْجُمَحِيَّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِيِّ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ يَقُولُ:«اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ أَذَانِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَمَعْنَاهُ.

(ش)(رجال الحديث)

(قوله نافع بن عمر) بن عبد الله بن جميل (الجمحى) القرشى المكي. روى عن ابن أبى مليكة وعمرو بن دينار وبشر بن عاصم. وعنه يحيى القطان وابن المبارك

ص: 148

والقعنبى وابن مهدى ووكيع وكثيرون. قال أحمد ثبت صحيح الكتاب ووثقه ابن معين والنسائى وابن حبان وأبو حاتم. مات بمكة سنة تسع وستين ومائة. روى له الجماعة

(معنى الحديث)

(قوله ثم ذكر مثل أذان حديث ابن جريج) أى ذكر نافع بن عمر في حديثه مثل ما ذكر عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج في حديثه من الترجبع وبقية ألفاظ الأذان إلا التكبير أوّله فإنه في رواية ابن جريج بالتربيع وفى رواية نافع بالتثنية

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي مَحْذُورَةَ، قُلْتُ: حَدِّثْنِي عَنْ أَذَانِ أَبِيكَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَذَكَرَ، فَقَالَ:«اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ» ، قَطْ.

(ش) يعنى أن التكبير في حديث مالك بن دينار أوّل الأذان مثنى فقط كما في رواية نافع ابن عمر. لكن هذا التعليق وصله الدارقطنى وليس فيه لفظ الله أكبر الله أكبر مرّتين قال حدثنا القاضى أبو عمر حدثنا على بن عبد العزير حدثنا مسلم حدثنا داود بن أبى عبد الرحمن القرشي حدثنا مالك بن دينار قال صعدت إلى ابن أبى محذورة فوق المسجد الحرام بعد ما أذن فقلت له أخبرنى عن أذان أبيك لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال كان يبدأ فيكبر ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حيّ على الصلاة حي على الفلاح مرّة ثم يرجع فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حتى يأتى على آخر الأذان الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. وذكر في هذه الرواية أن الترجيع في الشهادة مرّة وكذا في الحيعلتين. لكن الحديث تفرّد به داود بن أبى عبد الرحمن كما قاله الدارقطنى

(ص) وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ جَدِّهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:" ثُمَّ تَرَجَّعْ فَتَرْفَعُ صَوْتَكَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ "

(ش) أى ورواية جعفر بن سليمان مثل رواية نافع بن عمر بتثنية التكبير وباقى الألفاظ إلا أن جعفرا قال في حديثه ثم ترجع فترفع صوتك "بلفظ الأمر من التفعل. أو بلفظ المضارع من رجع ورفع في الصيغتين" بدل قول ابن جريج في حديثه ثم ارجع فمدّ من صوتك. وقوله الله أكبر الله أكبر بيان للتشبيه في كذلك ذكره لزيادة الإيضاح

(قوله عن ابن أبي محذورة عن عمه عن جدّه) الظاهر أن المراد من ابن أبي محذورة في هذا السند ابن ابنه فإن أبى محذورة لا يروى عن عمه

ص: 149

أى عن أخى أبى محذورة ولم يثبت أن أخا أبى محذورة أسلم وروى عنه أحد من الناس بل قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال ابن جرير وغيره كان لأبى محذورة أخ يسمى أنيسا قتل يوم بدر كافرا فلا يمكن أن يروى ابن أبى محذورة وهو عبد الملك عن عمه أخى أبيه بل هو يروى عن أبيه بلا واسطة بينهما. وكذلك يشكل رواية عمه عن جدّه فإنه محال لأنه لم يثبت أن جدّ عبد الملك بن أبى محذورة أسلم. ولم يرو الأذان إلا عن أبي محذورة لا عن أبيه. فيمكن أن يوجه الكلام بأن المراد من ابن أبى محذورة عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة وهو يروى عن عمه وهو عبد الله بن محيريز فإنه وإن لم يكن له عما على الحقيقة فهو عمّ مجازىّ فإنه كان يتيما في حجر أبى محذورة فكأنه ابنه فصار كأنه عمّ لعبد العزيز وهو يروى عن جدّه أى جدّ عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبى محذورة وهو أبو محذورة صاحب الأذان. ويمكن أن يكون المراد من ابن أبى محذورة ابن ابن ابنه إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبى محذورة وهو يروى عن عمه عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة وهو يروى عن جده عبد الملك أو أبى محذورة وعبد العزيز هذا له رواية عن عبد الله بن محيريز وأبى محذورة. ووقع في رواية ابن السني عن النسائى عن بشر بن معاذ عن إبراهيم بن عبد العزيز حدثني أبى عبد العزيز حدثنى جدى عبد الملك عن أبى محذورة وهو وهم والصواب ما رواه الترمذى عن بشر بن معاذ عن إبراهيم قال حدثنى أبي وجدّى جميعا عن أبى محذورة اهـ من تهذيب التهذيب. فهذا الكلام يدلّ على أن عبد العزيز له رواية عن أبيه عبد الملك وعن جدّه أبى محذورة فيمكن أن يكون المراد عن جدّه في حديث جعفر بن سليمان إما عبد الملك أو أبا محذورة. وقد بالغت في تصفح هذا الحديث فلم أجد هذا السياق لغير أبى داود فيما تصفحت من الكتب. والذى يغلب على الظن أن في هذا السند تصحيفا ولعله كتب في محلّ عن أبيه عمه غلطا والله تعالى أعلم (ظهر لك) مما تقدم أن الأذان فيه تثنية التكبير أوّله وتربيعه والترجيع في الشهادتين وعدمه مع تثنية التكبير وتربيعه وأن الإقامة ورد فيها تربيع التكبير مع تثنية جميع كلماتها ما عدا لا إله إلا الله وفيها تثنية جميع ألفاظها إلا كلمة التوحيد وفيها إفراد جميع كلماتها إلا التكبير أوّلها وآخرها وقد قامت الصلاة فإنها مثناة (قال) الحافظ ابن القيم كل هذه الوجوه جائزة مجزئة لا كراهة فيها وإن كان بعضها أفضل من بعض لأنه قد ثبت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جميع ذلك وعمل به أصحابه فمن شاء ربع التكبير ومن شاء ثنى الإقامة ومن شاء أفردها إلا قوله قد قامت الصلاة فإن ذلك مرّتان على كل حال وهذا كما قيل في التشهدات والتوجهات. ولكن ذلك لا ينافى أن يختار الإنسان لنفسه أصحّ ما ورد أو أن يأخذ بالزائد فالزائد هذا خلاصة ما في الباب اهـ لكن قد علمت أن قد قامت الصلاة وردت مفردة أيضا كما عليه عمل أهل المدينة

ص: 150

(ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قال سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ -أَوْ قَالَ- الْمُؤْمِنِينَ، وَاحِدَةً، حَتَّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبُثَّ رِجَالًا فِي الدُّورِ يُنَادُونَ النَّاسَ بِحِينِ الصَّلَاةِ، وَحَتَّى هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رِجَالًا يَقُومُونَ عَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ الْمُسْلِمِينَ بِحِينِ الصَّلَاةِ حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا» ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمَّا رَجَعْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنَ اهْتِمَامِكَ رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ -قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: أَنْ تَقُولُوا- لَقُلْتُ إِنِّي كُنْتُ يَقْظَانَ غَيْرَ نَائِمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: -وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى- «لَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ عز وجل خَيْرًا» ، -وَلَمْ يَقُلْ عَمْرٌو:«لَقَدْ» - فَمُر بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، وَلَكِن لَمَّا سُبِقْتُ اسْتَحْيَيْتُ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا جَاءَ يَسْأَلُ فَيُخْبَرُ بِمَا سُبِقَ مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنَّهُمْ قَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَقَاعِدٍ وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي بِهَا حُصَيْنٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَتَّى جَاءَ مُعَاذٌ، قَالَ شُعْبَةُ: وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إِلَى قَوْلِهِ كَذَلِكَ فَافْعَلُوا، "ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، قَالَ: فَجَاءَ مُعَاذٌ،

ص: 151

فَأَشَارُوا إِلَيْهِ، قَالَ شُعْبَةُ: وَهَذِهِ سَمِعْتُهَا مِن حُصَيْنٍ، قَالَ: فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا، قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ مُعَاذًا، قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً، كَذَلِكَ فَافْعَلُوا "قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ" أَمَرَهُمْ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أُنْزِلَ رَمَضَانُ، وَكَانُوا قَوْمًا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصِّيَامَ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَلَيْهِمْ شَدِيدًا فَكَانَ مَنْ لَمْ يَصُمْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فَكَانَتِ الرُّخْصَةُ لِلْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ فَأُمِرُوا بِالصِّيَامِ " قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَفْطَرَ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ لَمْ يَأْكُلْ حَتَّى يُصْبِحَ، قَالَ:" فَجَاءَ عُمَرُ، فَأَرَادَ امْرَأَتَهُ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ فَظَنَّ أَنَّهَا تَعْتَلُّ فَأَتَاهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَرَادَ الطَّعَامَ فَقَالُوا: حَتَّى نُسَخِّنَ لَكَ شَيْئًا، فَنَامَ " فَلَمَّا أَصْبَحُوا نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ فيها {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187].

(ش)(قوله شعبة) بن الحجاج. و (ابن المثنى) هو محمد. و (ابن أبى ليلى) عبد الرحمن بن بسار

(قوله أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال) أى غيرت ثلاثة تغييرات وكذا الصيام كما سيأتي. والمراد من الصلاة الصلاة وما يتعلق بها من الأذان (الحالة الأولى) أنهم كانوا قبل مشروعية الأذان يؤذن بعضهم بعضا بحضور الصلاة فغير هذا بمشروعية الأذان (الثانية) كان أحدهم إذا جاء إلى الصلاة وقد سبقه الإمام بشئ منها أخبره القوم بما سبق به فيشتغل بفعله ثم يوافق الإمام فيما هو فيه (الثالثة) استقبال بيت المقدس والتحوّل إلى الكعبة. وهذه الحالة لم تذكر في هذا الحديث بل سقطت من الراوى سهوا وذكر بدلها الصيام. وقد جاءت هذه التحويلات الثلاثة في رواية أحمد عن المسعودى قال حدثنى عمرو بن مرّة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن معاذ ابن جبل قال أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال. فأما أحوال الصلاة فإن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدم المدينة وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ثم إن الله عز وجل أنزل عليه "قد نرى تقلب وجهك في السماء فنولينك قبلة ترضاها" الآية فوجهه الله إلى مكة فهذا حول قال وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نقسوا أو كادوا ينقسون ثم إن رجلا من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله

ص: 152

وسلم فقال يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم ولو قلت إني لم أكن نائما لصدقت إنى أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مثنى حتى فرغ من الأذان ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذى قال غير أنه يزيد في ذلك قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمها بلالا فليؤذن بها فكان بلال أوّل من أذن بها. قال وجاءه عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله إنى قد طاف بي مثل الذى طاف به غير أنه سبقنى. وهذان حولان قال وكانوا يأتون الصلاة وقد سبقهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببعضها فكان الرجل يشير إلى الرجل إذا جاءكم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصليها ثم يدخل مع القوم في صلاتهم قال فجاء معاذ فقال لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقنى قال فجاء وقد سبقه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببعضها قال فثبت معه فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاته قام فقضى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنه قد سنّ لكم معاذ فهكذا فاصنعوا. فهذه ثلاثة أحوال "الحديث"

(قوله قال وحدثنا أصحابنا الخ) أى قال عبد الرحمن ابن أبى ليلى حدثنا أصحابنا والمراد بأصحابه الصحابة فإنه قد سمع من جماعة منهم فالحديث مسند لا مرسل وجهالة أسماء الصحابة لا تضرّ. ويؤيد أنه سمع من الصحابة ما رواء الطحاوى وابن أبى شيبة في مصنفه قال حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرّة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال حدثنا أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصارى جاء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلا قام وعليه بردان أخضران فقام على حائط فأذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى اهـ

(قوله لقد أعجبنى الخ) أى سرّني أن تكون صلاة المسلمين أو قال المؤمنين بالشك من الراوى واحدة أى أن تكون جماعة بإمام واحد لا منفردين حتى لقد أردت ان أبعث رجالا وأنشرهم في الدور والقبائل يعلمون الناس بدخول وقت الصلاة ولقد رأيت أيضا أن آمر رجالا يقومون على الآطام يعلمون الناس بالصلاة "يقال همّ بالشئ من باب قتل إذا أراده ولم يفعله. ويقال بث السلطان الجند في البلاد نشرهم" وقوله بحين الصلاة أى في وقت الصلاة فالباء بمعنى في كقوله تعالى "وبالأسحار هم يستغفرون" أى في وقت الأسحار. ويحتمل أن تكون زائدة. والآطام جمع أطم بضم الهمزة والطاء المهملة بناء مرتفع

(قوله حتى نقسوا الخ) من باب نصر وهو مفرّع على محذوف أى أن بعض الصحابة لما رأى اهتمام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لجمع الناس للصلاة أشار بالناقوس فأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم به فصنع كما تقدم فضربوا به أو قاربوا أن يضربوا به. وهذه الجملة من كلام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

ص: 153

على ما هو الظاهر. ويحتمل أن يكون أدرج في الحديث من بعض رواته

(قوله قال فجاء الخ) أى قال ابن أبى ليلى جاء رجل من الأنصار وهو عبد الله بن زيد كما في رواية أحمد المتقدمة والبيهقي

(قوله لما رأيت من اهتمامك) بكسر اللام وفتح الميم علة لقوله رأيت رجلا مقدّمة عليه

(قوله ثم قام فقال مثلها الخ) أى قال الرجل كلمات مثل كلمات الأذان إلا أنه زاد قد قامت الصلاة. وفي رواية البيهقى قد قامت الصلاة مرّتين

(قوله ولولا أن يقول الناس الخ) مقول لقول محذوف أى قال عمرو بن مرزوق في روايته قال عبد الله بن زيد ولولا أن يقول الناس بالاسم الظاهر. وقال محمد بن المثنى في روايته لولا أن تقولوا بالضمير أي لولا أني أخاف أن يقول الناس إني كاذب لقلت إني كنت يقظانا غير نائم أى غير مستغرق في النوم كأنى كنت يقظانا، وفي رواية أحمد إني رأيت فيما يرى النائم ولو قلت إني لم أكن نائما لصدقت

(قوله وقال ابن المثنى لقد أراك الله خيرا الخ) أى قال ابن المثنى في روايته قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن زيد لقد أراك الله خيرا بزيادة لقد. ولم يقل عمرو بن مرّة في روايته لقد بل قال أراك الله خيرا كما هو في بعض النسخ وهي الصواب

(قوله فقال عمر أما إني الخ) بفتح الهمزة وتحفيف الميم وكسر همزة إن. أى قال عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنى قد رأيت رؤيا مثل رؤيا عبد الله بن زيد لكن لما سبقني عبد الله بذكر ما رآه استحييت أن اقصّ عليك رؤياى فسبقت مبنىّ للمفعول. وإلى هنا تمت الحالة الأولى من الأحوال الثلاثة (ثم شرع) في بيان الحالة الثانية للصلاة بقوله كان الرجل إذا جاء يسأل الخ أى كان الواحد من الصحابة إذا جاء لأداء الصلاة في الجماعة معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسأل كم صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الركعات فيخبره من دخل المسجد قبله ولم يدخل في الصلاة. أو يخبره المصلون بالإشارة كما تقدم في رواية أحمد فكان الرجل يشير إلى الرجل إذا جاءكم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصليها ثم يدخل مع القوم في صلاتهم. أو كان يخبره بالكلام قبل تحريمه في الصلاة

(قوله وإنهم قاموا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى أن الصحابة كانوا إذا أتوا للصلاة معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدخلون في الصلاة فمن كان مسبوقا اشتغل بما سبق به فيكونون على أحوال مختلفة، فمنهم القائم ومنهم الراكع ومنهم الساجد ومنهم القاعد ومنهم الموافق للإمام ويحتمل أن المعنى كانوا إذا دخلوا المسجد وقد سبقوا صلوا ما فاتهم منفردين قبل أن يدخلوا في الجماعة ثم يدخلون بعد. ويؤيده ما في رواية أحمد المتقدمة من قوله فكان الرجل يشير إلى الرجل كم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصليها ثم يدخل مع القوم في صلاتهم

(قوله قال ابن المثنى قال عمرو وحدثنى الخ) أى قال محمد بن المثنى في روايته بسنده قال عمرو بن مرّة حدثني بهذه القصة حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبى ليلى كما حدثنى بها ابن أبى ليلى

ص: 154

بدون واسطة

(قوله حتى جاء معاذ الخ) مرتبط بقوله قاموا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من بين قائم الخ أى أنهم داموا على هذه الحالة حتى جاء معاذ بن جبل. فقوله قال ابن المثنى الخ معترض بينهما. وقوله قال شعبة الخ معترض بين قوله حتى جاء معاذ وبين قوله لا أراه على حال

(قوله وقد سمعتها من حصين الخ) أى قال شعبة بن الحجاج سمعت هذه الرواية أيضا من حصين وقد زاد حصين فيها بعد قوله حتى جاء معاذ قوله فقال لا آراه على حال إلا كنت عليها إلى قوله كذلك فافعلوا. ففى رواية شعبة عن حصين تمام الحديث إلى قوله كذلك فافعلوا. وفي رواية عمرو بن مرّة تمامه إلى قوله حتى جاء معاذ

(قوله ثم رجعت إلى حديث عمرو بن مرزوق) لأنه أوضح من حديث ابن المثنى

(قوله قال فجاء معاذ فأشاروا الخ) أى قال عمرو بن مرزوق بسنده إلى ابن أبى ليلى. والغرض منه بيان أنه روى هذه الزيادة عن شعبة عن حصين كما رواها ابن المثنى إلا أن ابن مرزوق زاد فيها قوله فأشاروا إليه أى بالذى سبق به من الصلاة

(قوله وهذه سمعتها من حصين) أى جملة فأشاروا إليه بكذا وكذا من الركعات (والحاصل) أن شعبة روى هذا الحديث من طريقين (الأولى) عن عمرو بن مرّة عن ابن أبى ليلى وهو من أول الحديث إلى آخره (الثانية) عن حصين عن ابن أبى ليلى وهو من أول الحديث إلى قوله إن معاذا قد سنّ لكم سنة كذلك فافعلوا. وأما عمرو بن مرّة فرواه أيضا من طريقين (الأولى) عن ابن أبى ليلى (الثانية) عن حصين عن ابن أبى ليلى. فرواية عمرو بن مرّة عن ابن أبى ليلى مطوّلة. وروايته عن حصين إلى قوله حتى جاء معاذ فقط

(قوله فقال معاذ لا أراه الخ) أى لا أعلمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على حال إلا كنت على تلك الحالة وأصنع كما يصنع فإذا سلم قضيت ما سبقت به. وقال رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذلك اجتهادا منه كراهة مخالفته النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما هو عليه

(قوله إن معاذا قد سنّ لكم الخ) وفى رواية أحمد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنه قد سنّ لكم معاذ فهكذا فاصنعوا. فرضى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما فعله معاذ ورغب الناس فيه وأمرهم بسلوكه. ولعله جاء الوحي موافقا له فرضى به وأقرّه. ونسب صلى الله عليه وآله وسلم هذه السنة إلى معاذ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ظاهرا لإجرائها على يديه أوّلا وإلا فهى سنته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه أقرّها وأمر بها (ويستفاد) من هذا أن المسبوق يجب عليه أن يوافق الإمام فيما هو فيه من الأركان والأعمال فإذا فرغ الإمام قضى ما فاته (وأنه يجوز) الاجتهاد بحضرته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. وإلى هنا تمت الحالة الثانية للصلاة (والحالة الثالثة) ليست بمذكورة في هذا الحديث وإنما هي الرواية الآتية

(قوله وحدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما قدم المدينة الخ) شروع في بيان تحويلات الصيام الثلاثة (الأولى) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم من كل شهر

ص: 155

ثلاثة أيام ويأمر أصحابه بها حين قدم المدينة وكان يصوم يوم عاشوراء فحوّل إلى صيام رمضان لكن على التخيير فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم ثم حوّل إلى تحتم الصيام على من كان حاضرا صحيحا ورخص للمريض والمسافر وهى الحالة الثانية (والثالثة) كانوا إذا نام الواحد منهم بعد الغروب يمنع من الطعام والشراب والجماع إلى الليلة التالية فحوّل هذا إلى الترخيص في ذلك إلى طلوع الفجر. ويوضح هذا ما رواه الإمام أحمد وفيه أما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء ثم إن الله عز وجل فرض عليه الصيام فأنزل الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلهم" إلى هذه الآية "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" قال وكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه قال ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى "شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن" إلى قوله "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" قال فأثبت الله عز وجل صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذى لا يستطيع الصيام. فهذان حولان قال وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا قال ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة "بكسر فسكون" ظلّ يعمل صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما فرآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد جهد جهدا شديدا قال مالى أراك قد جهدت جهدا شديدا قال يا رسول الله إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائما قال وكان عمر قد أصاب من النساء من جارية أو حرّة بعد ما نام وأتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله عز وجل "أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" إلى قوله تعالى "ثم أتموا الصيام إلى الليل" اهـ. وقوله ثم أنزل رمضان أى صوم شهر رمضان. وهذا هو التحويل الأوّل

(قوله وكانوا قوما لم يتعوّدوا الخ) أى لم تكن عاداتهم الصيام فلا يتحملونه

(قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه) أى من كان حاضرا مقيما صحيحا وجب عليه صيامه

(قوله فكانت الرخصة للمريض والمسافر) أى جعلت سهولة الأمر بعدم وجوب الصيام على المريض والمسافر فأمروا بالصيام أى امر بالصيام من كان حاضرا صحيحا بقوله تعالى "فمن شهدم منكم الشهر فليصمه" وهذا هو التحويل الثانى

(قوله قال وكان الرجل الخ) أى قال ابن أبي ليلى وكان الرجل أول الإسلام إذا جاء وقت الفطر ونام قبل فطره امتنع عليه الإكل وكذا غيره من المفطرات حتى يصبح. ولا مفهوم للإصباح فإنه إذا أصبح حرم عليه الأكل ونحوه حتى يمسى كما في رواية البخاري إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي فجاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في المساء فأراد

ص: 156

وقاع زوجه فقالت إنى قد نمت فظن أنها تعتلّ أى تتمسك بحجة وهى كاذبة لأجل دفعه فواقعها وجاء صرمة بن قيس رجل من الأنصار وكان عاملا في أرض له وهو صائم فلما أتى المساء رجع إلى أهله فأراد طعاما فقالوا له اصبر حتى نسخن لك شيئا من الطعام فغلبته عيناه من التعب فلما حضر الطعام أيقظه أهله فكره أن يأكل خوفا من الله تعالى فبات طاويا وأصبح صائما فما انتصف النهار إلا وقد اشتدّ عليه الجهد فرآه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له مالى أراك قد جهدت جهدا شديدا فقصّ خبره كما تقدم في رواية أحمد

(قوله فلما أصبحوا الخ) أى لما أصبحوا وقد جاء عمر فقال يا رسول الله إنى أعتذر إلى الله تعالى وإليك مما وقع مني وذكر له قصته مع امرأته. وقام جماعة وقالوا مثل ما قال عمر فنزلت عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذه الآية "أحلّ لكم ليلة الصيام الرّفث" أى الجماع "إلى نسائكم" فكانت رخصة لحلّ الجماع في الليل ونزل أيضا "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" فكانت رخصة في حلّ الأكل في الليل ولو بعد النوم

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى لكبير القوم أن ينظر في مصالحهم ولا سيما أمور الدين وعلى أن من رأى من الرّعية شيئا يظنه مهما يستحب له أن يعرضه على كبيرهم، وعلى مشروعية الأذان والإقامة، وعلى أن الصلاة لم تشرع من مبدأ الأمر على هذه الحالة بل دخلها التغيير

(ولعلّ الحكمة) في ذلك تمييز المؤمن من المنافق فبها يظهر إيمان المؤمن ويزداد إيمانا على إيمانه حيث يمتثل لما جاءت به الشريعة المطهرة. ويظهر نفاق المنافق ويزداد شقاء على شقائه لعدم امتثاله لذلك. وعلى أن الصيام أيضا لم يكن مشروط من مبدإ الأمر على الحالة التى هو بها الآن بل دخله التغيير كالصلاة. ولعلّ الحكمة في ذلك تسهيل أمر الصيام على الأمة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى من طريق الأعمش عن عمرو بن مرّة وأخرجه ابن خزيمة والطحاوى والبيهقي وأبو بكر بن أبى شيبة

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، ح وَثَنَا نَصْرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَأُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ -وَسَاقَ نَصْرٌ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَاقْتَصَّ ابْنُ الْمُثَنَّى مِنْهُ قِصَّةَ صَلَاتِهِمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَطُّ- قَالَ: الْحَالُ الثَّالِثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَلَّى -يَعْنِي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ- ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَأَنْزَلَ

ص: 157

اللَّهُ عز وجل هَذِهِ الْآيَةَ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] فَوَجَّهَهُ اللَّهُ عز وجل إِلَى الْكَعْبَةِ -وَتَمَّ حَدِيثُهُ- وَسَمَّى نَصْرٌ صَاحِبَ الرُّؤْيَا، قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ فِيهِ: فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ أَمْهَلَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ مِثْلَهَا، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: زَادَ بَعْدَ مَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَقِّنْهَا بِلَالًا» فَأَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ. وَقَالَ فِي الصَّوْمِ: قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ " يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَيَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 183، 184] فَكان مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ، وَيُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، فَهَذَا حَوْلٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فَثَبَتَ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ وَعَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَقْضِيَ، وَثَبَتَ الطَّعَامُ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ اللَّذَيْنِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ "، وَجَاءَ صِرْمَةُ وَقَدْ عَمِلَ يَوْمَهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ

ص: 158

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عن أبي داود) هو سليمان بن داود الطيالسي

(قوله المسعودى) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود. روى عن إسحاق الشيبانى وأبى إسحاق السبيعى وجامع بن شدّاد وعبد الرحمن بن الأسود وعطاء بن السائب وآخرّين. وعنه السفيانان وشعبة ووكيع ويزيد بن هارون وأبو نعيم وجماعة. قال يعقوب ابن شيبة كان ثقة صدوقا إلا أنه تغير بآخره وقال ابن عمار كان ثبتا قبل أن يختلط ومن سمع منه ببغداد فسماعه ضعيف وقال العجلي وابن خراش ثقة إلا أنه تغير بآخره وقال ابن حبان اختلط حديثه فلم يتميز فاستحقّ الترك. مات سنة ستين أو خمس. وستين ومائة. روى له البخارى في التاريخ وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله وساق نصر الحديث) أى ذكر نصر بن المهاجر الحديث بتمامه في روايته وتقدم لفظه عند أحمد عن أبى النضر عن المسعودى

(قوله واقتصّ ابن المثنى منه الخ) أى قصّ محمد بن المثنى أحد شيخى المصنف بهذا السند في الحديث قصة صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، جهة بيت المقدس واقتصر عليها ولم يذكر بقية الأحوال الثلاثة فقال الحال الثالث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا. وفى رواية البخارى ستة عشر أو سبعة عشر. وفي صحيح مسلم والنسائى ستة عشر. ورجحه النووى في شرح مسلم والحافظ في الفتح وقال رواية ثلاثة عشر شاذة كما شذّت رواية تسعة أشهر وعشرة أشهر وشهرين وثمانية عشر شهرا وسنتين لأن أسانيد الجميع ضعيفة اهـ وجاء السبعة عشر فيما أخرجه الطبرى وغيره من طريق على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال لما هاجر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم فكان يدعو وينظر إلى السماء فنزل قوله تعالى "قد نرى تقلب وجهك في السماء" الآية. ويمكن الجمع بين رواية ستة عشر ورواية سبعة عشر بأن من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرا وألغى الزائد فإن القدوم كان في ثانى عشر ربيع الأول وكان التحويل بعد نصف رجب من السنة الثانية. ومن جزم بسبعة عشر لم يلغ الزائد (وظاهر حديث) الباب ورواية ابن عباس المذكورة أن استقباله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيت المقدس وقع بعد الهجرة إلى المدينة. لكن روى أحمد من طريق أخرى عن ابن عباس قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه. فهذه الرواية تفيد أن استقباله بيت المقدس كان قبل الهجرة. ويمكن الجمع بينهما بأن يكون أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولما هاجر إلى المدينة أن يستمرّ على

ص: 159

الصلاة إلى بيت المقدس. ويؤيده ما أخرجه الطبراني من طريق ابن جريج قال صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة

(قوله قد نرى تقلب وجهك في السماء) أى تردّد وجهك وتصرّف نظرك إلى جهة السماء متشوّقا للأمر باستقبال الكعبة. وهو خطاب تودّد ورحمة. وقد للتحقيق أو التكثير بالنظر لتردّد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا لرؤية الله تعالى إذ لا تكثير فيها

(قوله فلنولينك الخ) أى لنحوّلنك عن بيت المقدس إلى قبلة تحبها وتميل إليها. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحبها لأنها قبلة أبيه إبراهيم ولأنها أدعى إلى إسلام العرب لأنها مزارهم ومطافهم ومفخرتهم ولأنها قبلته من قبل فهو يميل إليها بحسب الطبع وإذا كانت موافقة للطبع كانت أحب. وهذا وعد من الله تعالى له بما يحبه "وفى قوله فولّ وجهك شطر المسجد الحرام" أى جهته "إنجاز له" والمراد بالمسجد الحرام الكعبة فهو من إطلاق اسم الكلّ على الجزء. وعبر بالمسجد إشارة إلى أن البعيد يكفيه استقبال الجهة ولا يلزمه استقبال عين الكعبة. ولما نزلت الآية وتحوّل إلى الكعبة قال السفهاء من اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها. وقال حيّ بن أخطب إن كان استقبالكم إلى بيت المقدس فيما مضى على هدى فقد انتقلتم الآن إلى ضلال وإن كان على ضلال فلم أقرّكم عليه ومن مات منكم قبل التحويل مات على ضلال وضاعت أعماله فشقّ ذلك على أقارب من مات قبل التحويل فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنزل قوله تعالى "قل لله المشرق والمغرب" وقوله "وما كان الله ليضيع إيمانكم" أى صلاتكم إلى بيت المقدس (والحاصل) أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى مستقبلا الكعبة وهو بمكه ثم أمر باستقبال بيت المقدس تأليفا لليهود فصلى إليه مدّة وهو بمكة ثم هاجر إلى المدينة فصلى إليه ستة عشر شهرا أو سبعة عشر فكانوا يقولون إن محمدا يفارق ديننا ويصلى لقبلتنا وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحب أن يصلى إلى الكعبة حتى نزل عليه جبريل يوما فقال له يا جبريل أودّ أن الله عز وجل يحوّلنى إلى قبلة أبى إبراهيم فسل ربك ذلك فقال له أنت أكرم عليه منى ثم صعد إلى السماء فصار النبى صلى الله عليه وآله وسلم ينظر لجهتها منتظرا الإذن فنزل عليه جبريل عليه السلام بعد ركعتين من صلاة الظهر في رجب بالأمر بالتحويل إلى الكعبة فتحوّل وتحوّل الناس معه وكان يوما مشهودا فافتتن اليهود وأهل النفاق. وتحويل القبلة أول نسخ وقع في شريعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله اسلم (قولة فولوا وجوهكم شطره) أى نحو البيت الحرام وهو أمر للأمة بعد أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لدفع ما يتوهم من أن استقبال الكعبة من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله وتمّ حديثه) أى انتهى حديث محمد بن المثنى من هذا الطريق

(قوله

ص: 160

وسمى نصر الخ) أي ذكر نصر بن المهاجر في روايته عن يزيد بن هارون اسم من رأى الأذان في منامه فقال جاء عبد الله بن زيد وقال في الحديث فاستقبل الرجل المرئى القبلة وقال الله أكبر بتثنية التكبير. والمشهور عنه تربيعه كما في الروايات الصحيحة. وفى هذه الرواية ضعف لأن ابن أبي ليلى لم يسمع عن معاذ كما تقدم وفيها المسعودى وفيه مقال

(قوله ثم أمهل هنية) بالتصغير أى زمنا قليلا

(قوله إلا أنه قال الخ) أى قال عبد الله بن زيد زاد الرجل المرئيّ جملة قد قامت الصلاة مرّتين بعد الحيعلتين

(قوله وقال في الصوم الخ) أى قال نصر بن المهاجر في روايته في أحوال الصوم قال معاذ إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر قيل هى البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ويصوم يوم عاشوراء فأنزل الله تعالى "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم" أى فرض الله عليكم الصيام كما فرضه على الذين من قبلكم من الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى يومنا ما أخلى الله تعالى أمة لم تفرضه عليهم كما فرضه عليكم. وفى هذا التشبيه تأكيد للحكم وترغيب لنفوس المخاطبين فإن الصوم عبادة شاقة والشئ الشاقّ إذا عمّ سهل. وعن ابن عباس ومجاهد أن المراد بمن قبلكم أهل الكتاب. وعن الحسن والسدّى والشعبى أنهم النصارى. والمماثلة إما في أصل الوجوب وعليه أبو مسلم والجبائى. وإما في الوقت والمقدار بناء على أن أهل الكتاب فرض عليهم صوم رمضان فتركه اليهود إلى صوم يوم من السنة وزعموا أنه اليوم الذي أغرق فيه فرعون. وزاد النصارى على رمضان عشرين يوما "فقد" أخرج الطبرانى عن مغفل بن حنظلة مرفوعا كان على النصارى صوم شهر رمضان فمرض ملكهم فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن عشرا ثم كان ملك آخر فأكل لحما فأوجع فوه فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن سبعة ثم كان عليهم ملك آخر فقال ما ندع من هذه الثلاثة الأيام شيئا أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع ففعل فصارت خمسين يوما

(قوله لعلكم تتقون) أى تحذرون المعاصى لأن الصوم فيه كسر النفس وترك الشهوات التى هى أمّ المعاصى "فقد" أخرج الشيخان مرفوعا يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "أى قاطع للشهوة"

(قوله أياما معدودات) أياما منصوب على أنه مفعول لصيام أو بفعل مقدّر أى صوموا أياما معدودات أى قلائل معينات بالعدد. وقيل معدّات للعطايا الرّبانية فالصالحون يتهيأون لها لما في الحديث إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرّضوا له لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا رواه الطبرانى عن محمد بن مسلمة

(قوله فعدّة من أيام أخر) عطف على محذوف جواب الشرط أى من كان مريضا أو مسافرا فأفطر يجب عليه صيام عدّة أيام فطره من أيام غير رمضان

(قوله وعلى الذين يطيقونه الخ) أى ويجب على الذين يستطيعون الصيام إن أفطروا إعطاء فدية إطعام مسكين قدر ما يأكله كلّ يوم. وهو

ص: 161

نصف صاع من برّ أو صاع من غيره عند الحنفية ومدّ عند الجمهور

(قوله فكان من شاء أن يصوم صام الخ) خيرهم الله تعالى لئلا يشقّ عليهم لأنهم كانوا لم يتعوّدوا الصوم ثم نسخ التخيير بقوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" وقد أخرج الشيخان والترمذى والنسائي والطبرانى عن سلمة بن الأكوع قال لما نزلت هذه الآية "وعلى الذين يطيقونه" كان من شاء صام ومن شاء أفطر ويفتدى. فعل ذلك حتى نزلت الآية التى بعدها فنسختها "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"

(قوله فهذا حول) أى الانتقال من صوم ثلاثة أيام ويوم عاشوراء إلى رمضان على التخيير حول من أحوال الصيام

(قوله فأنزل الله عز وجل شهر رمضان) أى تلك الأيام المعدودات شهر رمضان فشهر خبر لمبتدإ محذوف وشهر يجمع على أشهر جمع قلة وكثرة على شهور وأصله من شهر الشئ أشهره. وهو لكونه ميقاتا للعبادات والمعاملات صار مشهورا بين الناس فلذلك سمى شهرا. ورمضان مصدر رمض من باب علم إذا احترق لأنه يحرق ذنوب الصائم. وقال الخليل إنه من الرمض بسكون الميم وهو مطر يأتى قبل الخريف يطهر وجه الأرض من الغبار. والمناسبة فيه ظاهرة أيضا فإن رمضان يطهر من صامه من الذنوب

(قوله الذى أنزل فيه القرآن) أى جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم أنزل عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منجما في ثلاث وعشرين سنة على حسب الوقائع. وذلك أن جبريل عليه السلام تلقاه من اللوح المحفوظ ونزل به إلى سماء الدنيا فأملاه على السفرة الذين مقرّهم بيت العزّة في سماء الدنيا فكتبته في الصحف على هذا الترتيب ثم نزل به علي النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ثلاث وعشرين سنة مفرّقا على حسب الوقائع. فجبريل أملاه على السفرة ابتداء وتلقاه عنهم انتهاء (والحكمة) في نزوله مفرّقا تجديد الحجج على المعاندين وزيادة إيمان للؤمنين. والقرآن لغة ماخوذ من القرء وهو الجمع. واصطلاحا اللفظ المنزل على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه المتعبد بتلاوته

(قوله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) حالان من القرآن لازمان له أي أنزل هاديا وآيات واضحات للناس فارقا بين الحق والباطل

(قوله ومن كان مريضا أو على سفر الخ) كرّر لأن الله تعالى ذكر في الآية الأولى تخيير المريض والمسافر والمقيم الصحيح ثم نسخ تخيير المقيم الصحيح بقوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فلو اقتصر على هذا لاحتمل أن يشمل النسخ الجميع فأعاد بعد ذكر الناسخ الرخصة للمريض والمسافر ليعلم أن الحكم باق فيهما على ما كان عليه. والمراد بالمسافر من سافر سفر قصر وتلبس به قبل الفجر

(قوله وثبت الطعام الخ) أى استمرّ جواز الإفطار والإطعام للشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذين لا يقدران على الصوم من غير نسخ. وهذا حول ثان للصيام. وهذا كله مبنيّ على أن آية "وعلى الذين يطيقونه" منسوخة. وأما على أنها غير منسوخة فتكون على تقدير لا أى وعلى الذين لا يطيقونه فدية الخ

ص: 162