الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنى ليث. روى عن الأعرج وأبي سلمة وسالم وعبد الله ابنى عبد الله بن عمر. وعنه ابناه يعقوب ويحيى ومحمد بن جعفر والداوردى. قال أبو حاتم لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى. و (محصن) بضم الميم وسكون الحاء وكسر الصاد المهملتين (ابن على) الفهرى المدنى. روى عن عوف بن الحارث وعون بن عبد الله. وعنه سعيد بن أبى أيوب وعمرو بن أبى عمرو. ذكره ابن حبان في الثقات وقال يروى المراسيل وقال ابن القطان مجهول الحال. روى له أبو داود والنسائى. و (عوف بن الحارث) بن الطفيل الأزدى. روى عن عائشة وأم سلمة والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود وجماعة. وعبه الزهرى وهشام ابن عروة وبكير بن الأشج وآخرون. قال في التقريب مقبول من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات
(معنى الحديث)
(قوله ثم راح) أى ذهب إلى المسجد أيّ وقت كان لا خصوص آخر النهار
(قوله أعطاه الله عز وجل الخ) أى أعطى الله الذى جاء بعد انقضاء صلاة الجماعة أجرا مثل أجر واحد ممن حضرها من أولها ولا نقص ذلك من أجورهم شيئا بل لكل واحد من المصلين في الجماعة والمصلى وحده أجر كامل الكمال فضل الله وسعة رحمته. ولعله يعطى بالنية أصل الثواب وبالسعى ما فاته من المضاعفة. ويحتمل أن من في قوله من أجرهم بمعنى عن والمعنى أن أجر ذلك الرجل لا ينقص عن أجر واحد ممن حضرها شيئا
(فقه الحديث) دلّ الحديث على حصول ثواب الجماعة لمن خرج قاصدا الصلاة معها ولم يدركها، وعلى أن أجره لم ينقص شيئا من أجور حاضريها
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي والنسائى والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم
(باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد)
وفي نسخة إلى المساجد. وفي أخرى باب في خروج النساء إلى المسجد
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ»
(ش)(حماد) بن سلمة. و (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف
(قوله لا تمنعوا إماء الله الخ) يعني بهن النساء والإماء جمع أمة والمراد بها مطلق المرأة. ولم يقل لا تمنعوا النساء للمناسبة في قوله مساجد الله ولأنه أوقع في النفس من التعبير بالنساء لما فيه من الإشعار
بإباحة الخروج إلى بيوت الله عز وجل (وهذا النهى) يشعر بطلبهن الخروج لأن النهى عن المنع يكون بعد وجود مقتضيه. ويؤيده رواية مسلم عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها
(قوله ولكن ليخرجن الخ) استدراك على النهى عن المنع أتى به لدفع توهم أنه يباح لهنّ الخروج إلى المسجد على أى حال. وقوله وهنّ تفلات أى تاركات للطيب والزينة. وتفلات جمع تفلة وهي المرأة إذا تركت الطيب يقال تفلت المرأة تفلا من باب تعب إذا أنتن ريحها لترك الطيب والادّهان (والنهى في الحديث) محمول على الكراهة لحديث ابن عمر الآتى لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن فإنه يؤذن بعدم تحريم منعهن من الخروج إلى المساجد ولأن حق الزوج في ملازمة المسكن واجب فلا يتركنه للفضيلة. والنهى يعمّ جميع النساء لا فرق بين الشوابّ وغيرهنّ فلا يمنعن من الخروج ما لم تخش الفتنة. وعامّ في جميع الأزمنة "وما سيأتي" للمصنف عن ابن عمر من قوله صلى الله عليه وآله وسلم ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل "لا ينافى العموم" لاحتمال أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نصّ على الليل لأنه مظنة منع الرجال للنساء عن الخروج فيه لا للاحتراز عن غير الليل (قال) النووى ظاهر الحديث أنهما لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهي أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ولا نحوها ممن يفتتن بها وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها. وهذا النهى عن منعهن من الخروج محمول على كراهة التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد ووجدت الشروط المذكورة فإن لم يكن لها زوج ولا سيد حرم المنع إذا وجدت الشروط اهـ وهذا هو مذهب الشافعية. ونحوه للمالكية والحنابلة (واختلفت) الحنفية فقال أبو حنيفة تخرج العجائز لغير الظهر والعصر لأن وقتهما وقت انتشار الفساق وربما تكاد ترغب فتقع في الفتنة بخلاف المغرب لأنه وقت الطعام وبخلاف العشاء والصبح لأنهما وقت نومهم (وقال) أبو يوسف ومحمد يخرجن في جميع الأوقات (قال) العينى والفتوى في هذا الزمان على عدم الخروج في الكل مطلقا لشيوع الفساد وعموم المصيبة اهـ
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز خروج النساء إلى المساجد، وعلى أنه ليس للرجال منعهن من ذلك (قال) الخطابى استدلّ بعض أهل العلم لعموم قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" على أنه ليس للزوج منع زوجته من الحج لأن المسجد الحرام الذى يخرج إليه الناس للحج والطواف أشهر المساجد وأعظمها حرمة فلا يجوز للزوج أن يمنعها من الخروج إليه لأن المساجد كلها دونه وقصده واجب اهـ، ودلّ الحديث أيضا على أنه يجب على النساء ترك الطيب إذا خرجن (وقد جاء) في ذلك أحاديث (منها) ما رواه مسلم من طريق بشر بن سعيد عن زينب امرأة عبد الله قالت قال لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى
آله وسلم إذا شهدت إحداكنّ المسجد فلا تمسّ طيبا (ومنها) ما رواه أيضا عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة. ومثل الطيب ما في معناه مما يثير الشهوة على الرجال كحسن الملبس والتحلى الذى يظهر أثره. ونهين عن الطيب لئلا يفتنّ الرجال بطيبهنّ
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي وابن خزيمة عن أبى هريرة أيضا وأخرجه ابن حبان من حديث زيد بن خالد
(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ»
(ش)(أيوب) بن أبى تميمة كيسان السختيانى. و (نافع) مولى ابن عمر. والحديث تقدم شرحه مستوفى في حديث أبي هريرة. وأخرجه مسلم ومالك في الموطأ
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»
(ش)(رجال الحديث)(العوّام بن حوشب) بن يزيد بن الحارث الشيبانى الربعى أبو عيسى الواسطى. روى عن أبى إسحاق السبيعى وسلمة بن كهيل ومجاهد وأبى إسحاق الشيباني وجماعة. وعنه ابنه سلمة وشعبة وسفيان بن حبيب وحفص بن عمر وهشيم وآخرون. وثقه ابن معين وأحمد وأبو زرعة وقال أبو حاتم ليس به بأس وقال العجلي ثقة ثبت صالح صاحب سنة توفى سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله لا تمنعوا نساءكم المساجد الخ) الجملة الأولى نهي للرجال عن منع النساء عن الحضور في المساجد. والثانية فيها حث وترغيب للنساء في أن يصلين في بيوتهن فإنها أفضل لهنّ. وهذا يدلّ على أن النهى عن المنع في الأحاديث محمول على الكراهة كما تقدّم وكانت صلاتهنّ في البيوت أفضل لأمن الفتنة (وقد جاء) في فضل صلاة النساء في بيوتهن أحاديث كثيرة (منها) ما رواه الطبرانى في الأوسط عن ابن عمر عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال المرأة عورة وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها (ومنها) ما رواه في الكبير عن ابن عمر أيضا قال ما صلت امرأة من صلاة أحب
إلى الله من أشدّ مكان في بيتها ظلمة (وفى رواية) له أيضا النساء عورة وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس في فيستشرفها الشيطان فيقول إنك لا تمرّين بأحد إلا أعجبتيه وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال أين تريدين فتقول أعود مريضا أو أشهد جنازة أو أصلى في مسجد وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها (قال) المنذرى إسناده حسن
(فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على أن صلاة النساء في البيوت أفضل من صلاتهنّ في المساجد
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وأخرجه أحمد وابن خزيمة بهذه الزيادة وأخرجه الطبراني بنحوه
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا جَرِيرٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ» ، فَقَالَ ابْنٌ لَهُ: وَاللَّهِ لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا، وَاللَّهِ لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ، قَالَ: فَسَبَّهُ وَغَضِبَ عليه، وَقَالَ: أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «ائْذَنُوا لَهُنَّ» وَتَقُولُ لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ؟
(ش)(جرير) بن عبد الحميد
(قوله ائذنوا للنساء الخ) أى إذا طلبن الإذن كما يدلّ عليه ما في مسلم عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فائذنوا لهنّ. والتقييد بالليل ليس للاحتراز عن النهار كما تقدم بل للنصّ على الوقت الذى يظنّ أنهنّ يمنعن فيه من الخروج لأنه مظنة الريبة. ولذا قال ابن عبد الله بن عمر لا نأذن لهن فيتخذنه دغلا وإذا أذن لهنّ بالليل الذى هو مظنة الريبة فالإذن لهنّ في غيره بالأولى (قال) في الفتح عكس بعض الحنفية فجرى على ظاهر الخبر فقال التقييد بالليل لكون الفساق فيه في شغل بفسقهم أو نومهم بخلاف النهار فإنهم ينتشرون فيه. وهذا وإن كان ممكنا لكن مظنة الريبة في الليل أشدّ وليس لكلهم في الليل ما يشتغل به. وأما النهار فالغالب أنه يفضحهم ويصدّهم عن التعرّض لهنّ ظاهرا لكثرة انتشار الناس ورؤية من يتعرّض فيه لما لا يحلّ له فينكر عليه اهـ
(قوله فقال ابن له) أى لابن عمر وهو بلال أو واقد كما صرّح به في روايتى مسلم. ورجح الحافظ أنه بلال قال لورود في ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم ولم يختلف عليهما في ذلك اهـ
(قوله
(ص) فيتخذنه دغلا) تعليل لقوله لا نأذن لهن. والدغل بفتح الدال المهملة والغين المعجمة الخداع وأصله الشجر الملتفّ الذى يكمن فيه أهل الفساد ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع يلفّ في نفسه أمرا ويظهر غيره. وكأنه قال ذلك غيرة لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت
(قوله فسبه وغضب عليه وقال الخ) وفى رواية لمسلم فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط. وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبرانى السبّ المذكور باللعن ثلاث مرّات. وفى رواية زائدة عن الأعمش فانتهره. وفى رواية لأحمد فقال عبد الله أحدثك عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتقول هذا أى آتيك بالنصّ القاطع وأنت تتلقاه بالرأى (قال) الطيبى كأنّ بلالا لما اجتهد رأى من النساء وما في خروجهنّ إلى المساجد من المنكرات أقسم على منعهنّ فردّه أبوه بأن النصّ لا يعارض بالرأى. ونظيره ما وقع لأبى يوسف حين روى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يحبّ الدّباء فقال رجل أنا ما أحبه فسلّ السيف أبو يوسف وقال جدّد الإيمان وإلا لقتلتك قاله القارى. وأنكر ابن عمر على ابنه لتصريحه بمخالفة الحديث برأيه وإلا فلو قال مثلا إن الزمان قد تغير وإن بعضهن ربما ظهر منها قصد المسجد وإصمار غيره فالظاهر أنه ما كان يمر عليه. وإلى ذلك أشارت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا في الحديث الآتى (قال) في الفتح وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنة برأيه وعلى العالم بهواه وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغى له، وجواز التأديب بالهجران فقد وقع في رواية ابن أبى نجيح عن مجاهد عند أحمد فما كلمه عبد الله حتى مات اهـ "فانظر" إلى ابن عمر كيف غضب على ابنه وسبه لما صادر السنة برأيه مع أنه يريد بذلك سدّ باب الفتنة على النساء "وإلى حال" كثير من أهل زماننا كيف يقدمون عاداتهم الموافقة لأهوائهم على السنة ويحسنونها. وما وقفوا عند هذا الحدّ. بل عابوا على السنة والعاملين بها فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلىّ العظيم (قال) الطيبى عجبت ممن يتسمى بالسنيّ إذا سمع سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وله رأى رجح رأيه عليها. وأىّ فرق بينه وبين المبتدع أما سمع لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. وها هو ابن عمر وهو من أكابر الصحابة وفقهائها كيف غضب لله ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهجر فلذة كبده لتلك الهنة عبرة لأولى الألباب اهـ
(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الإذن للنساء في الخروح إلى المساجد للصلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم مطوّلا والبخارى مقتصرا على قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخرح الطبرانى وأحمد نحوه وأخرجه البيهقي من طريق شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله
وسلم قال لا تمنعوا النساء المساجد بالليل فقال ابنه والله لنمنعهن يتخذنه دغلا فرفع يده فلطمه وقال أحدّثك عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتقول هذا اهـ
(باب التشديد في ذلك)
أى في خروج النساء إلى المساجد. وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة. والأولى إثباتها
(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَتْ:«لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بعده لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَهُ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ» ، قَالَ يَحْيَى: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَمُنِعَهُ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ
(ش)(القعنبى) عبد الله بن مسلمة
(قوله لو أدرك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى لو بقى ورأى ما يفعله النساء من الزينة والطيب وحسن الثياب وغيرها لمنعهنّ من الخروج إلى المساجد (قال) العينى لو شاهدت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا ما أحدث نساء هذا الزمان من أنواع البدع والمنكرات لكانت أشدّ إنكارا ولا سيما نساء مصر فإنهنّ أحدثن من البدع ما لا يوصف (منها) الشاشات على رءوسهنّ كأسنمة البخت (ومنها) مشيهنّ في الأسواق في ثياب فاخرة وأنواع طيب فائحة مكشوفات الوجوه مائلات متبخترات (ومنها) ركوبهنّ على مراكب في نيل مصر وخلجانها مختلطات بالرجال وبعضهنّ يغنين بأصوات عالية مطربة (ومنها) غلبتهنّ على الرجال وقهرهنّ إياهم وحكمهنّ عليهم (ومنها) صنف قوّادات يفسدن الرجال والنساء (ومنها) صنف بغايا قاعدات مترصدات للفساد (ومنها) صنف سوارق من الدور والحمامات (ومنها) صنف سواحر يسحرن وينفثن في العقد (ومنها) بياعات في الأسواق يتعابطن بالرجال (ومنها) صنف نوائح ينحن على الموتى بالأجرة (ومنها) صنف دقاقات ولطامات يدققن صدورهنّ ويلطمن خدودهنّ وراء الموتى بالأجرة (ومنها) صنف مغنيات يغنين بأنواع الملاهي بالأجرة للرجال والنساء (ومنها) صنف خطابات يخطبن للرجال نساء لها أزواج توقع بينهن وبين أزواجهن فتنة حتى يطلقن منهم وغير ذلك من الأصناف الكثيرة الخارجة عن قواعد الشريعة "فانظر" إلى قول عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا لو أدرك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أحدث النساء الخ، وليس بين هذا القول وبين وفاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا مدّة يسيرة لطيفة. على أنهنّ ما أحدثن عشر
معشار ما أحدثت نساء هذا الزمان. ولو كانت هذه النساء في ذلك الزمان لمنعن الحياة فضلا عن أن يمنعن المسجد ونحوه اهـ ملخصا. وعلمت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا منعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النساء من القواعد الدينية المقتضية لمنع الفساد ومن قوله ليخرجنّ وهن تفلات ومن نهيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهنّ عن مسّ الطيب إذا خرجن إلى المساجد فلا يقال من أين علمت عائشة هذه الملازمة والحكم بالمنع وعدمه ليس إلا لله تعالى (قال) في الفتح تمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقا وفيه نظر إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظنّ ظنته فقالت لو رأى لمنع فيقال عليه لم ير ولم يمنع فاستمر الحكم حتى أن عائشة لم تصرّح بالمنع وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع. وأيضا فقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بمنعهنّ. ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهنّ من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى. وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهنّ فإن تعين المنع فليكن لمن أحدث. والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة أهـ
(قوله كما منعه نساء بني إسراءيل) الضمير يرجع إلى المسجد. وفى بعض النسخ كما منعت وهى رواية البخارى ومسلم. ومنع نساء بنى إسراءيل لاحتمال أن تكون شريعتهم المنع. أو لاحتمال أنهن منعن بعد الإباحة وهو الأقرب لما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عائشة موقوفا قالت كنّ نساء بنى إسراءيل يتخذن أرجلا من خشب يتشرّفن للرجال في المساجد فحرّم الله عليهنّ المساجد وسلطت عليهنّ الحيضة. وهذا وإن كان موقوفا له حكم الرفع لأن مثله لا يقال بالرأى
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والبيهقي
(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَاصِمٍ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ:«صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا»
(ش)(رجال الحديث)(ابن المثنى) هو محمد. و (عمرو بن عاصم) بن عبد الله بن الوازع الكلابى القيسى أبا عثمان البصرى الحافظ. روى عن حماد بن سملة وشعبة وجرير بن حازم ومعتمر بن سليمان وطائفة. وعنه البخارى وأبو خيثمة وأبو داود والدارمي وإبراهيم الجوزجاني
وكثيرون. وثقه ابن معين وقال ابن سعد صالح وقال النسائى ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق في حفظه شيء. مات سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له الجماعة و (مورّق) بضم الميم وتشديد الراء المكسورة ابن مشمرج بالجيم ويقال ابن عبد الله العجلى أبي معتمر البصرى. روى عن عمر وسلمان الفارسى وأبى ذرّ وابن عباس وأنس وأبى الأحوص عوف بن مالك وآخرين. وعنه حميد الطويل ومجاهد وعاصم الأحول وتوبة العنبرى وغيرهم قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من العباد وقال أبن سعد كان ثقة عابدا ووثقه ابن معين. مات سنة خمس أو ثمان ومائة
(معنى الحديث)
(قوله صلاة المرأة في بيتها الخ) أى ثواب صلاتها في مسكنها الذى تسكنه وتأوى إليه أكثر من ثواب صلاتها في حجرتها أى صحن دارها. قاله ابن الملك أراد بالحجرة ما تكون أبواب البيوت إليها وهى أدنى حالا من البيت في الستر
(قوله وصلاتها في مخدعها الخ) بتثليث الميم وفتح الدال المهملة البيت الصغير الذى يكون داخل البيت الكبير تحفظ فيه الأمتعة النفيسة مأخوذ من أخدعت الشئ إذا أخفيته. وكانت صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها لأن مبنى أمرها على التستر فكلما كان المكان أستر كانت الصلاة فيه أفضل (والحديث يدلّ) على أن صلاة المرأة في هذه الأمكنة أفضل من صلاتها في المساجد حتى مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما يؤيده ما رواه أحمد وابن حبان عن أم حميد امرأة أبى حميد الساعدى أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال قد علمت أنك تحبين الصلاة معى وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدى فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شئ من بيتها وأظلمه وكانت تصلى فيه حتى لقيت الله عز وجل ورواه ابن خزيمة أيضا وبوّب عليه فقال باب اختيار المرأة الصلاة في حجرتها على صلاتها في دارها وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال وما ورد من قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد فهو محمول على صلاة الرجال دون النساء
(فقه الحديث) دلّ الحديث على ترغيب المرأة في صلاتها في بيتها، وعلى أن الفضل في صلاتها يتفاوت بتفاوت الأمكنة في الستر
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن خزيمة والبيهقى
(ص) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ» قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَهَذَا أَصَحُّ
(ش) هذا الحديث تقدم شرحه وافيا في باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال. ولعل المصنف أعاده هنا لأن في استقلالهن بباب من أبواب المسجد تشديدا في خروجهن
(باب السعى إلى الصلاة)
أى الإسراع في المشى إليها أيجوز أم لا. وفي بعض النسخ باب ما جاء في السعى إلى الصلاة
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَنْبَسَةُ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» .
(ش)(عنبسة) بن خالد. و (يونس) بن يزيد
(قوله إذا أقيمت الصلاة الخ) وفي رواية للبخارى إذا سمعتم الإقامة. وفي أخرى له أيضا إذا أتيمتم الصلاة. وفي رواية لمسلم إذا ثوّب بالصلاة. والتقييد بالإقامة ليس للاحتراز بل هو نصّ على المحل الذى يتوهم فيه جواز الإسراع لإدراك أول الصلاة مع الإمام فإذا لم يجز الإسراع في هذه الحالة فعدم الجواز قبل الإقامة بالطريق الأولى فالنهى عن الإسراع في الإتيان إلى الصلاة مطلقا حال الإقامة أو غيرها وبعضهم جعل القيد للاحتراز وقال الحكمة في النهى عن الإسراع في هذا الوقت دون غيره أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إليها فيقرأ في تلك الحال فلا يحصل له تمام الخشوع في الترتيل وغيره بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة ربما لا تقام حتى يستريح (قال) النووى إنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها لأنه إذا نهى عن الإتيان لها سعيا في حال الإقامة مع خوف فوت بعضها فقبل الإقامة أولى. وأكد ذلك ببيان العلة فقال صلى الله عليه وآله وسلم
فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة. وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة. وأكد ذلك تأكيدا آخر فقال فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوات بعض الصلاة فصرّح بالنهى وإن فات من الصلاة ما فات وبين ما يفعل فيما فات اهـ ببعض تصرّف "ولا يقال" هذا مناف لقوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله} "لأن المراد" بالسعى في الآية القصد يدل عليه قوله تعالى {وذروا البيع} أى اشتغلوا بأمر المعاد واتركوا أمر المعاش (قال) في المرقاة ليس السعى الكامل منحصرا على الأقدام بل المراد تحصيل الإخلاص في الوصول إلى المرام والنهى إنما هو عن الإسراع المفضى إلى تشتيت البال وعدم استقامة الحال
(قوله وائتوها تمشون) أى بالطمأنينة والسكينة اللتين عليهما مدار الطاعة إذ المقصود من العبادة الحضور مع المعبود
(قوله وعليكم السكينة) أى الزموها. وهى التأنى في الحركات واجتناب العبث والوقار في الهيئة وغضّ البصر وخفض الصوت والإقبال على الطريق من غير التفات (والحكمة) في هذا الأمر تستفاد من زيادة في رواية مسلم في آخر هذا الحديث وهى قوله فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة أى في حكم الصلاة (وفى الحديث) دلالة على النهى عن الإسراع في المشي إلى الصلاة مطلقا سواء فيه صلاة الجمعة وغيرها وسواء أخاف فوات تكبيرة الإحرام وغيرها أم لا. وإلى ذلك ذهب زيد بن ثابت وأنس وأحمد وأبو ثور واختاره ابن المنذر وحكاه العبدرى عن أكثر العلماء (وذهب) ابن مسعود وابن عمر والأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن يزيد وإسحاق بن راهويه إلى أنه إذا خاف فوات تكبيرة الإحرام أسرع قال النووى لما روى أن عبد الله بن مسعود اشتدّ إلى الصلاة وقال بادروا حدّ الصلاة يعنى التكبيرة الأولى. والأول أصح لما روى أبو هريرة وساق حديث الباب اهـ قال الترمذى اختلف أهل العلم في المشى إلى المسجد. فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى حتى ذكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلى الصلاة. ومنهم من كره الإسراع واختار أن يمشى على تؤدة ووقار وبه يقول أحمد وإسحاق وقالا العمل على حديث أبى هريرة. وقال إسحاق إن خاف فوت التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع في المشى اهـ
(قوله فما أدركتم فصلوا) أى مع الإمام. والفاء واقعة في جواب شرط محذوف أى إذا فعلتم ما أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع فما أدركتم الخ. واستدلّ بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بإدراك أى جزء من الصلاة وهي السبع والعشرون درجة لكن من أدركها من أولها تكون درجاته أكمل وهذا قول الجمهور. وقيل لا تدرك الجماعة بأقلّ من ركعة لحديث من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك. وقياسا على الجمعة. لكن تقدم أن هذا الحديث ورد في الأوقات وأن في الجمعة حديثا خاصا بها
(قوله وما فاتكم فأتموا) أى والذى سبقكم به الإمام من الصلاة فافعلوه بعد سلامه (وفي هذا دليل) على أن الذى يدركه
المرء من صلاة إمامه هو أول صلاته لأن لفظ الإتمام يقع على باق من شيء قد تقدم سائره (واختلف في ذلك) فذهب الجمهور إلى أن ما أدركه المأموم مع الإمام هو أول صلاته وقد روى ذلك عن علي بن أبى طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصرى ومكحول وعطاء والزهرى والأوزاعي وإسحاق بن راهويه مستدلين بهذه الرواية وبما رواه الدارقطني عن قتادة أن على بن أبي طالب قال ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن. وبأن من أدرك مع الإمام من المغرب ركعة ثم قام بعد فراغ إمامه يصلى ركعة ثم يتشهد ثم يقوم إلى الثالثة وهو متفق عليه. قالوا وهو دليل ظاهر على أن الذى فاته لو كان أول صلاته ما جلس عقب ركعة بل كان يتشهد عقب الركعتين (وذهب جماعة) منهم سفيان الثورى وأبو حنيفة وأحمد ومجاهد وابن سيرين إلى أن ما أدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته حتى استحبوا له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة سورة وترك القنوت. واحتجوا بما في بعض روايات هذا الحديث من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما فاتكم فاقضوا. قالوا إن القضاء لا يكون إلا للفائت (والراجح) ما ذهب إليه الجمهور. ولا منافاة بين رواية فأتموا ورواية فاقضوا لأن القضاء وإن كان يطلق على فعل ما فات وقت أدائه يطلق أيضا بمعنى الأداء للأصل كقوله تعالى {فإذا قضيت الصلاة} الآية وقوله تعالى {فإذا قضيتم مناسككم} أى فرغتم منها وهو المراد هنا جمعا بين الروايات فلا حجة فيه لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته على أن أكثر الرواة على رواية فأتموا كما ذكره المصنف (قال البيهقي) والذين قالوا فأتموا أكثر وأحفظ وألزم لأبى هريرة "الذى هو راوى الحديث" فهو أولى والله تعالى أعلم اهـ وكذا قال الحافظ في الفتح قال العينى وفي المسألة أربعة أقوال (أحدها) أنه أول صلاته وأنه يكون بانيا عليه في الأفعال والأقوال وهو قول الشافعى وإسحاق والأوزاعي وهو مرويّ عن على وابن المسيب والحسن وعطاء ومكحول ورواية عن مالك وأحمد واستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم وما فاتكم فأتموا لأن لفظ الإتمام واقع على باق من شيء قد تقدم سائره. وروى البيهقى من حديث عبد الوهاب بن عطاء ثنا إسراءيل عن أبى إسحاق عن الحارث عن على أنه قال ما أدركت فهو أول صلاتك. وعن ابن عمر بسند جيد مثله (الثاني) أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبنى عليها وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها وهو قول مالك. قال ابن بطال عنه ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقضى مثل الذى فاته من القراءة بأم القرآن وسورة. قال سحنون هذا الذى لم نعرف خلافه. دليله ما رواه البيهقى من حديث قتادة أن على بن أبى طالب قال ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن (الثالث) أنه أول صلاته إلا أنه يقرأ فيها بالحمد وسورة مع الإمام. وإذا قام للقضاء قضى بالحمد وحدها لأنه آخر صلاته وهو قول المزني وإسحاق وأهل الظاهر (الرابع)
أنه آخر صلاته وأنه يكون قاضيا في الأفعال والأقوال وهو قول أبى حنيفة وأحمد في رواية وسفيان ومجاهد وابن سيرين اهـ
(فقه الحديث) دلّ الحديث على النهي عن الإسراع في الإتيان إلى الصلاة، وعلى الحث على التأني والوقار حال المجئ إليها، وعلى حصول فضيلة الجماعة بإدراك أيّ جزء مع الإمام لقولة فما أدركتم فصلوا ولم يفصل بين القليل والكثير، وعلى مشروعية دخول المأموم مع الإمام في أى حالة وجده عليها، وعلى أن ما أدركه المأموم مع الإمام هو أول صلاته وتقدم بيانه
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم من طريق يونس
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَذَا قَالَ الزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَعْمَرٌ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»
(ش) أى قال الزبيدى ومن ذكر معه في روايتهم عن الزهرى وما فاتكم فأتموا مثل رواية يونس عنه. وغرض المصنف بهذا بيان أن رواية فأتموا أقوى وأصح من رواية فاقضوا لأن الرواة عن الزهرى كلهم متفقون عليها ولم يرو عنه فاقضوا إلا سفيان بن عيينة. هذا و (الزبيدى) هو محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصى. روى عن سعيد المقبرى والزهرى وعبد الرحمن ابن جبير والفضل بن فضالة وجماعة. وعنه الأوزاعى وإسماعيل بن عياش ومحمد بن حرب ويحيى بن حمزة وآخرون. قال ابن سعد كان ثقة أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث وقال الخليلى ثقة حجة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من الحفاظ المتقنين والفقهاء في الدين ووثقه العجلى وأبو زرعة والنسائى وابن معين. مات سنة ست أو سبع وثمانين ومائة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. ولم نقف على من وصل رواية الزبيدى. و (ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن. وروايته عند البخارى. و (إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم. وروايته عند ابن ماجه. و (معمر) بن راشد. وروايته عند مسلم. و (شعيب بن أبى حمزة) وروايته عند البخارى والبيهقي في الجمعة
(ص) وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ: «فَاقْضُوا»
(ش) أى روى سفيان بن عيينة الحديث عن محمد في مسلم بن شهاب الزهرى وتفرد بقوله وما فاتكم فاقضوا. وروايته أخرجها الطحاوى والنسائى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا "ودعوى" المصنف أن
ابن عيينة تفرد عن الزهرى بلفظ فاقضوا "غير مسلمة" لقد أخرج الطحاوى بسنده إلى الليث ابن سعد قال حدثنى ابن الهاد عن ابن شهاب عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أتيتم الصلاة "الحديث" وفيه وما فاتكم فاقضوا
(ص) وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:«فَأَتِمُّوا» ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَأَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كُلُّهُمْ «فَأَتِمُّوا»
(ش) ساق المصنف هذه التعاليق تقوية لما رواه أكثر تلاميذ الزهري عنه من أن الحديث بلفظ فأتموا. ثم أيد ذلك برواية ابن مسعود وأبى قتادة وأنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم ورواية محمد بن عمرو عن أبى سلمة أخرجها الطحاوى، في شرح معاني الآثار. ورواية جعفر بن ربيعة لم نقف على من وصلها. ورواية ابن مسعود لم نقف على من وصلها أيضا. ورواية أبى قتادة الحارث ابن ربعى أخرجها البخارى ومسلم. ورواية أنس أخرجها الطحاوى بسنده إلى حميد الطويل عن أنس عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال إذا جاء أحدكم يعني إلى الصلاة فليمش على هيئته فليصلّ ما أدرك وليقض ما سبق به منها
(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ:«ائْتُوا الصَّلَاةَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ وَاقْضُوا مَا سَبَقَكُمْ» .
(ش) ساق المصنف هذه الرواية للإشارة إلى أنه قد اختلف على أبى سلمة فروى الزهرى ومحمد بن عمرو الحديث بلفظ فأتموا ورواه عنه سعد بن إبراهيم بلفظ فاقضوا لكن أخرج الطحاوى رواية سعد وفيها فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. ولعل سعدا روى الحديث عن أبي سلمة مرّتين مرة بلفظ فاقضوا وهي التي رواها أبو داود. ومرّة بلفظ فأتموا وهي التى رواها الطحاوى
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:«وَلْيَقْضِ» . وَكَذَا قَالَ أَبُو رَافِعٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،