المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في بناء المساجد) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٤

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في المحافظة على وقت الصلوات)

- ‌(باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت)

- ‌(باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها)

- ‌(باب في بناء المساجد)

- ‌(باب اتخاذ المساجد في الدور)

- ‌(باب في السرج في المساجد)

- ‌(باب في كنس المساجد)

- ‌(باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)

- ‌(باب في فضل القعود في المسجد)

- ‌(باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد)

- ‌(باب في المشرك يدخل المسجد)

- ‌(باب المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة)

- ‌(باب النهى عن الصلاة في مبارك الإبل)

- ‌(باب متى يؤمر الغلام بالصلاة)

- ‌(باب بدء الأذان)

- ‌(باب ما جاء في الإقامة)

- ‌(باب الرجل يؤذن ويقيم آخر)

- ‌(باب من أذن فهو يقيم)

- ‌(باب رفع الصوت بالأذان)

- ‌(باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت)

- ‌(باب الأذان فوق المنارة)

- ‌(باب في المؤذن يستدير في أذانه)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع المؤذن)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع الإقامة)

- ‌(باب في الدعاء عند الأذان)

- ‌(باب ما يقول عند أذان المغرب)

- ‌(باب أخذ الأجر على التأذين)

- ‌(باب في الأذان قبل دخول الوقت)

- ‌(باب الأذان للأعمى)

- ‌(باب الخروج من المسجد بعد الأذان)

- ‌(باب في المؤذن ينتظر الإمام)

- ‌(باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا)

- ‌(باب في فضل صلاة الجماعة)

- ‌(باب ما جاء في فضل المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب ما جاء في المشى إلى الصلاة في الظلم)

- ‌(باب ما جاء في الهدى في المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب من خرج يريد الصلاة فسبق بها)

- ‌(باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد)

- ‌(باب ما جاء في الجمع في المسجد مرّتين)

- ‌(باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد)

- ‌(باب في جماع الإمامة وفضلها)

- ‌(باب في كراهية التدافع عن الإمامة)

- ‌(باب من أحق بالإمامة)

- ‌(باب إمامة النساء)

- ‌(باب الرجل يؤمّ القوم وهم له كارهون)

- ‌(باب إمامة البرّ والفاجر)

- ‌(باب إمامة الأعمى)

- ‌(باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة)

- ‌(باب الإمام يصلى من قعود)

- ‌ مشروعية التبليغ عند الحاجة إليه

- ‌(باب الرجلين يؤمّ أحدهما صاحبه كيف يقومان)

- ‌(باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون)

- ‌(باب الإمام ينحرف بعد التسليم)

الفصل: ‌(باب في بناء المساجد)

(باب في بناء المساجد)

وفي بعض النسخ باب ما جاء في بناء المسجد، وفي نسخة تفريع أبواب المساجد، والمساجد جمع مسجد، وهو في اللغة موضع السجود، وفي العرف البقعة المعدّة للعبادة

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عن أبى فزارة) هو راشد بن كيسان

(قوله يزيد بن الأصم) وفى نسخة يزيد الأصمّ واسمه عمرو بن عبيد بن معاوية بن عبادة أبى عوف الكوفي سكن الرّقة. روى عن سعد بن أبى وقاص وابن عباس وأبى هريرة ومعاوية بن أبى سفيان وخالته ميمونة وغيرهم. وعنه جعفر بن برقان والزهرى وميمون بن مهران وأبو فزارة وطائفة. وثقه أبو زرعة والنسائى والعجلى وابن سعد وابن حبان وذكره ابن منده في الصحابة وقال أبو نعيم وابن حبان وغيرهما لا تصحّ له صحبة. مات سنة ثلاث أو أربع ومائة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة

(معنى الحديث)

(قوله ما أمرت بتشييد المساجد) أى ما أذن الله تعالى لى في رفع بنائها وتجصيصها لأن ذلك زائد على قدر الحاجة فالتشييد رفع البناء وتطويله ومنه قوله تعالى "في بروج مشيدة" أى مطوّل بناؤها يقال شدت البيت أشيده من باب باع بنيته بالشيد أى الجصّ وشيدته تشييدا طوّلته ورفعته (قال) ابن رسلان المشهور في الحديث أن المراد بتشييد المساجد رفع البناء وتطويله كما قال البغوى (وفيه ردّ) على من حمل قوله تعالى "في بيوت أذن الله أن ترفع" على رفع بنائها وهو الحقيقة بل المراد أن تعظم فلا يذكر فيها الخنا من الأقوال وتطييبها من الأدناس والأنجاس ولا ترفع فيها الأصوات اهـ

(قوله قال ابن عباس لتزخرفنها) هو موقوف كما رواه ابن حبان لكنه في حكم المرفوع لأن مثل هذا لا يكون من قبل الرأى. واللام في لتزخرفنها لام القسم وهو الذى اعتمده الحافظ خلافا للطينى فإنه ظنّ أنهما حديث واحد فشرحه على أن اللام في لتزخرفنها مكسورة ثم قال هي لام التعليل للمنفى قبله والمعنى ما أمرت

ص: 43

بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة اهـ لأنه لا تثبت الرواية به أصلا فلا يعتمد عليه. وكلام ابن عباس مفصول من كلام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الكتب المشهورة والزخرفة الزينة وأصل الزخرف الذهب ثم استعمل في كل ما يتزين به. وفى النهاية الزخرف النقوش والتصاوير بالذهب ومنه قولهم زخرف الرجل كلامه إذا موّهه وزينه بالباطل

(قوله كما زخرفت اليهود والنصارى) يريد أن اليهود والنصارى زخرفوا معابدهم عندما حرّفوا وبدّلوا وتركوا العمل بما في كتبهم فكأنه يقول أنتم تصيرون إلى مثل حالهم إذا طلبتم الدنيا بالدين وتركتم الإخلاص في العمل وصار أمركم إلى المراءاة بالمساجد والمباهاة بتشييدها وتزيينها (قال) الخطابى إنما زخرفت اليهود والنصارى كنائسهم وبيعهم حين حرّفت الكتب وبدّلتها فضيعوا الدين وعرجوا على الزخارف والتزيين اهـ وأول من زخرف المساجد الوليد ابن عبد الملك بن مروان وذلك في أواخر عصر الصحابة وسكت عليه كثير من أهل العلم خوف الفتنة. وروى ابن ماجه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أراكم تستشرفون مساجدكم بعدى كما شرّفت اليهود كنائسها وكما شرّفت النصارى بيعها (قال) العينى به استدلّ أصحابنا على أن نقش المسجد وتزيينه مكروه ولا يجوز من مال الوقف ويغرم الذى يخرجه سواء ناظر أو غيره "فإن قيل" ما وجه الكراهة إذا كان من نفس ماله "قلت" إما اشتغال المصلى به أو إخراج المال في غير وجهه اهـ (قال) ابن رسلان هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخباره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عما سيقع بعده فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس بأخذهم أموال الناس ظلما وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع نسأل الله السلامة والعافية اهـ (وقال) الشوكانى الحديث يدلّ على أن تشييد المساجد بدعة وقد روى عن أبى حنيفة الترخيص في ذلك. وروى عن أبى طالب أنه لا كراهة في تزيين المحراب (وقال) المنصور بالله إنه يجوز في جميع المسجد (وقال) البدر بن المنير لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة (وتعقب) بأن المنع إن كان للحثّ على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال وإن كان لخشية شغل بال المصلى بالزخرفة فلا لبقاء العلة (ومن جملة) ما عوّل عليه المجوّزون للتزيين أن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك وبأنه بدعة مستحسنة وبأنه مرغب إلى المسجد (وهذه حجج) لا يعوّل عليها من له حظ من التوفيق لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنه نوع من المباهاة المحرّمة وأنه من علامات الساعة كما روى عن عليّ عليه السلام وأنه من صنع اليهود والنصارى وقد كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليها عموما وخصوصا "ودعوى"

ص: 44

ترك إنكار السلف "ممنوعة" لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدّول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل وأحدثوا من البدع ما لا يأتى عليه الحصر ولا ينكره أحد وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة وصرخوا بين ذلك عليهم "ودعوى" أنه بدعة مستحسنة "باطلة" وقد عرّفناك وجه بطلانها حديث من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ في باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب "ودعوى" أنه مرغب إلى المسجد "فاسدة" لأن كونه داعيا إلى المسجد ومرغبا إليه لا يكون إلا غرضه قصده النظر إلى تلك النقوش والزخرفة. فأما من كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله عز وجل التي لا تكون عبادة على الحقيقة إلا مع خشوع وإلا كانت كجسم بلا روح فليست إلا شاغلة عن ذلك كما فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الإنبجانية التي بعث بها إلى أبي جهم. وكما سيأتى في باب تنزيه قبلة المصلى عما يلهى. وتقويم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك توقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلفون لذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلا على بهيمة اهـ ببعض تصرّف (قال) الحافظ في الفتح رخص في ذلك بعضهم وهو قول أبي حنيفة إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال فها هنا أمور (أولها) أن تزويق المساجد وتحسينها إذا كان يلهى المصلين ويشغل قلوبهم فهو مجمع على كراهته (والأمر) الثاني إذا كان هذا مباهاة ورياء وسمعة فهو أيضا مكروه بل بناء المساجد بهذه النية الفاسدة يكون مكروها أيضا فضلا عن التزيين والتحسين (والأمر) الثالث أن يحكم بناؤها ويبنى بالجصّ وغيرها مما يستحكم به الصنعة فهذا غير مكروه عندنا. والدليل عليه أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم عن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة مثله. وأيضا يؤيده ما فعل عثمان رضي الله تعالى عنه في خلافته كما في الحديث الذى بعد هذا فإنه فعل ما فعل مستدلا بهذا الحديث وكل ما فعل كان من باب الإحكام لا من باب التزيين المحض. وأما الحجاره المنقوشة فلم ينقشها ولم يأمر بنقشها بل حصل له كذلك منقوشة من بعض ولاياته فركبها في المسجد وقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين" والذين أنكروا عليه من الصحابة لم يكن عندهم دليل يوجب المنع إلا الحثّ على اتباع السلف في ترك الرفاهية وهذا كما ترى لا يقتضى التحريم ولا الكراهة. وأما حديث أبي داود هذا فهو أيضا لا يدلّ على المنع ودلالته على المنع ممنوعة فإن فيه ما أمرت بتشييد المساجد. فنفي كون التشييد مأمورا به لا يقتضى الكراهة فإن نفى الوجوب يصدق بجواز الفعل أيضا فلا يستوجب الكراهة. وأما قول ابن عباس لتزخرفنها فلا دليل فيه أيضا لأنه موقوف على ابن عباس ولو سلم رفعه حكما

ص: 45

فهو محمول على التزيين والزخرفة التي تلهى بال المصلى أو يكون مباهاة ورياء وسمعة كما تفعله اليهود والنصارى (والأمر) الرابع أن يبنى المسجد بالغصب بأخذ أموال الناس ظلما (والخامس) أن يبنيه الواقف بمال الوقف فهذا أيضا حرام لم يرخص فيه أحد من العلماء (ثم اعلم) أنه قد ثبت أن عبد الله بن الزبير رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قد بنى الكعبة ورفع بناءها على ما كان قبل ذلك من البناء وشيدها والذين خالفوه ما كان عندهم حجة إلا أنهم يقولون لا ينبغي أن تغير عما كانت عليه كما أشار ابن عباس على ابن الزبير لما أراد أن يهدم الكعبة ويجدّد بناءها بأن يرمّ ما وهي منها ولا يتعرّض لها بزيادة ولا نقصان وقال له لا آمن أن يجئ من بعدك أمير فيغير الذى صنعت. وقد حكى عن الرشيد أو المهدى أو المنصور أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير فناشده مالك في ذلك وقال أخشى أن يصير ملعبة للملوك فتركه، فإنكار الشوكانى وغيره على تشييد المساجد مطلقا من غير تفصيل ليس في محله اهـ ببعض تصرّف

(فقه الحديث) والحديث يدل على عدم مشروعية رفع بناء المساجد وتشييدها، وعلى عدم جواز زخرفتها بالنقوش والذهب والفضة ونحو ذلك وأن ذلك من عمل اليهود والنصارى فيطلب البعد عنه

(من أخرج الحديث أيضا) أخرج البخارى قول ابن عباس تعليقا. قال الحافظ ولم يخرج المرفوع للاختلاف على يزيد بن الأصمّ في وصله وإرساله اهـ

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَقَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ»

(ش)(قوله أيوب) السختيانى

(قوله عن أبى قلابة) هو عبد الله بن زيد الجرمى البصرى

(قوله لا تقوم الساعة الخ) أى لا تقوم القيامة حتى يتفاخروا ببنائها وذلك كأن يقول أحدهم للآخر مسجدى أرفع من مسجدك أو أزين أو أوسع أو أحسن رياء وسمعة وطلبا للمدحة

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن زخرفة المساجد والمباهاة بها من علامة القيامة فيطلب البعد عن ذلك (وقد ورد) في ذمّ زخرفة المساجد أحاديث (منها) ما رواه ابن خزيمة وصححه من طريق أبي قلابة أن أنسا قال سمعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا (ومنها) ما رواه الترمذى ابنوا المساجد واتحذوها جما "بضم الجيم وتشديد الميم أى بدون شرف جمع شرفة وهي ما يوضع على أعالى القصور والمدن وبينها فرج

ص: 46

شبه طاقات الشباك لتطويل البناء والزخرفة" (ومنها) ما رواه البيهقى عن ابن عمر نهانا أو نهينا أن نصلى في مسجد مشرف (ومنها) ما صححه ابن خزيمة أمر عمر ببناء المسجد فقال أكنّ الناس وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس "وأكن بفتح الهمزة من الإكنان أى استرهم" وما رواه ابن ماجه من طريق عمرو بن ميمون عن عمر مرفوعا ما ساء عمل قوم إلا زخرفوا مساجدهم

(وقال) أبو الدرداء إذا حليتم مصاحفكم وزوّقتم مساجدكم فالدّمار عليكم

(من روى الحديث أيضا) رواوه النسائى بلفظ من أشراط الساعة أن يتباهي الناس في المساجد ورواه أحمد وابن ماجه

(ص) حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ الْمُرَجَّى، ثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَّالُ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَ طَوَاغِيتُهُمْ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله رجاء بن المرجى) بضم الميم وفتح الراء وتشديد الجيم ابن رافع الغفارى أبو محمد ويقال أبو أحمد المروزى أو السمرقندى. روى عن أبى نعيم وأبى اليمان وقبيصة والنضر بن شميل وغيرهم. وعنه أبو حاتم الرازى وأبو بكر بن أبي الدنيا وأبو داود وابن ماجه وآخرون. قال أبو حاتم صدوق وقال الخطيب كان ثقة ثبتا إماما في علم الحديث وحفظه والمعرفة به وقال الدارقطنى حافظ ثقة وقال ابن حبان كان متيقظا ممن جمع وصنف. مات ببغداد غرّة جمادى الأولى سنة تسع وأربعين ومائتين

(قوله أبو همام) هو أبو محمد بن محبب وقد صرّح به في بعض النسخ ومحبب بصيغة اسم المفعول بوزن معظم القرشي البصرى. روى عن الثورى وإبراهيم بن طهمان وهشام بن سعد وإسراءيل وسعيد بن السائب وغيرهم. وعنه ابن بشار وابن المثنى والبخارى وأبو داود وابن ماجه وكثيرون. قال أبو حاتم صالح الحديث صدوق ثقة وقال أبو داود ثقة وأثنى عليه وقال الحاكم شيخ ثقة وقال مسلمة بن قاسم ثقة معروف وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة إحدى وعشرين ومائتين

(قوله سعيد بن السائب) ابن يسار الطائفى. روى عن أبيه ونوح في صعصعة وعبد الله بن يزيد. وعنه معن بن عيسى ووكيع وشعيب بن حرب وابن عيينة وابن مهدى. وثقه ابن معين والدارقطنى وابن حبان وقال أبو داود والنسائى لا بأس به. مات سنة إحدى وسبعين ومائة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه

(قوله محمد بن عبد الله بن عياض) روى عن عثمان بن أبى العاص. وعنه سعيد بن السائب ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول. روى له أبو داود

(قوله عثمان بن أبى

ص: 47

العاص) بن بشر أبى عبد الله نزيل البصرة. قدم على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في وفد ثقيف واستعمله على الطائف ثم أقرّه أبو بكر وعمر ثم استعمله عمر على عمان والبحرين روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسعة أحاديث روى عنه سعيد ابن المسيب ونافع بن جبير ويزيد بن عبد الله والحسن بن أبى الحسن. مات سنة إحدى أو خمس وخمسين في خلافة معاوية. روى له الترمذى وأبو داود وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله أمره أن يجعل مسجد الطائف الخ) أى أمره أن يجعل المسجد في المكان الذى كانت فيه أصنامهم. والطائف بلد شرقى مكة على مرحلتين أو ثلاث منها. والطواغيت جمع طاغوت يطلق بالاشتراك على الشيطان وعلى الصنم وهو المراد هنا ويكون جمعا وواحدا ومذكرا ومؤنثا (ومن هذا) الحديث أخذت الأمة أن أىّ بلد يفتحونها يحوّلون كنائسها مساجد ومدارس انتهاكا للكفر ومحوا لأثره وإيذاء للكفار حيث عبدوا غير الله تعالى في هذا المكان

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب جعل أماكن عبادة الكافرين مساجد إذا آل أمرها إلى المسلمين لمحو معالم الكفر وقد فعل ذلك كثير من الصحابة

(من روى الحديث أيضا) رواه ابن ماجه والحاكم

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، وَمُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، وَهُوَ أَتَمُّ، قَالَا: ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَخْبَرَهُ، "أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وسَقْفُهُ بالْجَرِيدِ وعَمَدُهُ قال مجاهد وَعُمُدُهُ مِنْ خَشَبِ النَّخْلِ - فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بِنَائِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عَمَدَهُ -قَالَ مُجَاهِدٌ: عُمُدَهُ خَشَبًا- وَغَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ -قَالَ مُجَاهِدٌ: وَسَقَّفَهُ السَّاجَ-"، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْقَصَّةُ: الْجِصُّ

(ش)(قوله وهو أتمّ) أى حديث مجاهد أتم في الرواية من حديث محمد بن يحيى

(قوله حدثنا أبى) هو إبراهيم بن سعد

(قوله صالح) بن كيسان

(قوله مبنيا باللبن الخ) بفتح

ص: 48

اللام وكسر الموحدة جمع لبنة وهو ما يعمل من الطين مربعا للبناء غير مطبوخ

(قوله وسقفه بالجريد) وفى أكثر النسخ مبنيا باللبن والجريد أى وسقفه الجريد كما صرح به في رواية البخارى والجريد سعف النخل إذا جرّد عن الخوص

(قوله قال مجاهد وعمده الخ) غرض المصنف بهذا بيان الاختلاف بين لفظى شيخيه فإن محمد بن يحيى قال عمده بفتحتين، ومجاهد بن موسى قال عمده بضمتين هكذا ضبطه بعض الشراح. فالخلاف بينهما في ضبط لفظ عمد. ويحتمل أنهما اتفقا على قوله وعمده وزاد مجاهد قوله من خشب النخل. ويؤيده ما في بعض النسخ قال مجاهد من خشب النخل بدون لفظ وعمده، وهذا هو الظاهر. وعمد جمع كثرة لعمود وجمع القلة أعمدة وهو مبتدأ خبره قوله من خشب النخل. وخشب بفتح الخاء والشين المعجمتين ويجوز ضمهما، وفى بعض النسخ وعمده خشب النخل بإسقاط لفظ من

(قوله فلم يزد فيه أبو بكر شيئا الخ) أى لم يغير أبو بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في مسجده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئا بالزيادة والنقصان حين بناه بل أعاده على ما كان عليه من القدار وزاد عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُفى طوله وعرضه وبناه بما بنى به زمن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وروى) أحمد عن نافع أن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ زاد في المسجد من الأسطوانة إلى المقصورة وقال عمر لولا أنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ينبغى أن نزيد في مسجدنا ما زدت (وروى) يحيى أن ابن عمر قال إن الناس كثروا في عهد عمر فقال له قائل يا أمير المؤمنين لو وسعت في المسجد فقال عمر لولا أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إنى أريد أن أزيد في قبلة مسجدنا ما زدت فيه (وقال ابن سعد) أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا أبو أمية بن يعلى عن سالم أبى النضر قال لما كثر المسلمون في عهد عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وضاق بهم السجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور إلا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات الؤمنين فقال عمر للعباس يا أبا الفضل إن مسجد المسلمين قد ضاق بهم وقد ابتعت ما حواله من المنازل نوسع به على المسلمين في مسجدهم إلا دارك وحجر أمهات المؤمنين فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم فقال العباس ما كنت لأفعل قال فقال له عمر اختر منى إحدى ثلاث إما أن تبيعنيها بما شئت من بيت المال وإما أن أخطك حيث شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين وإما أن تصدّق بها على المسلمين فتوسع في مسجدهم فقال لا ولا واحدة منها فقال عمر اجعل بينى وبينك من شئت فقال أبيّ بن كعب فانطلقا إلى أبيّ فقصا عليه القصة فقال أبىّ إن شئتما حدّثتكما بحديث سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالا حدثنا فقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إن الله تعالى أوحى إلى داود أن ابن لى بيتا أذكر فيه فخط له هذه الخطة خطة بيت

ص: 49

المقدس فإذا تربيعها بزاوية بيت رجل من بنى إسراءيل فسأله داود أن يبيعه إياها فأبى فحدّث داود نفسه أن يأخذه منه فأوحى الله إليه أن يا داود أمرتك أن تبني لى بيتا أذكر فيه فأردت أن تدخل في بيتي الغصب وليس من شأنى الغصب وإن عقوبتك أن لا تبنيه قال يا رب فمن ولدي عال فمن ولدك فأخذ عمر بمجامع أبيّ بن كعب فقال جئتك بشيء فجئت بما هو أشدّ منه لتخرجنّ مما قلت فجاء يقوده حتى دخل المسجد فأوقفه على حلقة من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيهم أبو ذرّ فقال أبيّ نشدت الله رجلا سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكر حديث بيت المقدس حين أمر الله داود أن يبنيه إلا ذكره فقال أبو ذرّ أنا سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال آخر أنا سمعته يعني من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فأرسل أبيا قال فأقبل أبيّ على عمر فقال يا عمر أتتهمنى على حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال عمر والله يا أبا المنذر ما اتهمتك عليه ولكن أردت أن يكون الحديث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ظاهرا قال وقال عمر للعباس اذهب فلا أعرض لك في دارك فقال العباس أما إذا قلت ذلك فإنى قد تصدّقت بها على المسلمين أوسع عليهم في مسجدهم فأما وأنت تخاصمنى فلا قال فخط له عمر داره التى هي اليوم وبناها من بيت مال المسلمين ذكره السمهودي في تاريخ المدينة

(قوله وأعاد عمده الخ) أى قال محمد بن يحيى في روايته وأعاد عمر عمده التى كان عليها المسجد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال مجاهد بن موسى في روايته أعاد عمده حال كونها خشبا. وهو مع كثرة الفتوحات في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه من هيئة البناء وإنما احتاج إلى تجديده للتوسعة. والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة الجصّ بلغة أهل الحجاز (وقال) الخطابى تشبه الجصّ وليست به (وقال) العيني الجصّ لغة فارسية معرّبة وأصلها كجّ وفيه لغتان فتح الجيم وكسرها وهو الذي يسميه أهل مصر جيرا وأهل الشام يسمونه كلسا اهـ

(قوله وسقفه بالساج الخ) أى قال محمد في روايته وسقف عثمان المسجد بالساج فهى جملة فعلية معطوفة على قوله وجعل عمده. وقال مجاهد في روايته وسقفه الساج فهى جملة اسمية. والساج خشب يجلب من الهند واحدته ساجة وهو من شجر يعظم جدّا ويذهب طولا وعرضا وله ورق عريض يتغطى الرجل بورقة منه فتكنه من المطر اهـ من اللسان (وروى) يحيى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال لما ولى عثمان كلمه الناس أن يزيد في مسجدهم وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة حتى إنهم ليصلون في الرحاب فشاور فيه عثمان أهل الرأى من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه فصلى الظهر بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنى قد أردت أن أهدم مسجد رسول الله

ص: 50

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأزيد فيه وأشهد أنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة وقد كان لى سلف وإمام سبقنى وتقدّمنى عمر بن الخطاب كان قد زاد فيه وبناه وقد شاورت أهل الرأى من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه فحسن الناس يومئذ ذلك ودعوا له فأصبح فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه. وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وفرغ منه حين دخلت سنة ثلاثين اهـ (قال) ابن بطال الحديث يدلّ على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلوّ في تحسينها وتشييدها والمباهاة ببنيانها خشية الفتنة فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه في عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل قد نخر في أيامه ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر ولم يزد على أن يجعل مكان اللبن حجارة وقصة سقفه بالساج مكان الجريد فحسنه بما لا يقتضى الزخرفة ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه فلم يقتصر هو وعمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما عن البلوغ في تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علمهما بكراهة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك وليقتدى بهما بالأخذ من الدنيا بالقصد والزهد والكفاية في معالى أمورها وإيثار البلغة منها اهـ

(فقه الحديث) دلّ الحديث على بيان هيئة بناء مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى أنه حصل فيه تغيير في زمان عمر وعثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما لكنه لم يكن بالزخرفة المكروهة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ «إِنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَتْ سَوَارِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ أَعْلَاهُ مُظَلَّلٌ بِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَبَنَاهَا بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَبِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَبَنَاهَا بِالْآجُرِّ فَلَمْ تَزَلْ ثَابِتَةً حَتَّى الْآنَ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله شيبان) بن عبد الرحمن أبو معاوية التميمي البصرى سكن الكوفة ثم انتقل إلى بغداد ومات بها. روى عن الحسن البصري وقتادة والأعمش وعبد الملك بن عمير وسماك بن حرب وغيرهم. وعنه عبد الرحمن بن مهدى وأبو داود الطيالسى

ص: 51

ومعاذ بن معاذ وعبيد الله بن موسى وآخرون. قال أبو حاتم حسن الحديث صالحه يكتب حديثه ووثقه العجلى والنسائي والترمذى والبزّار وابن سعد وابن شاهين وابن حبان وابن معين وقال ابن خراش كان صدوقا وأثنى عليه أحمد وقال الساجى صدوق وعنده مناكير وأحاديث عن الأعمش تفرّد بها. مات سنة أربع وستين ومائة. روى له الجماعة

(قوله عن عطية) ابن سعد بن جنادة العوفى أبى الحسن الكوفى. روى عن أبي سعيد الخدرى وابن عباس وأبى هريرة وابن عمر وزيد بن أرقم وآخرين. وعنه فراس بن يحيى والأعمش وحجاج بن أرطاة وفضيل بن مرزوق وغيرهم. قال ابن معين صالح وقال أبو داود ليس بالذى يعتمد عليه وقال أبو زرعة لين وقال فضيل كان ثقة وله أحاديث صالحة وقال أحمد والنسائى والثورى وابن عدى ضعيف زاد ابن عدى يكتب حديثه وكان يعدّ مع شيعة أهل الكوفة وقال أبن سعد كان ثقة إن شاء الله تعالى وله أحاديث صالحة ومن الناس من لا يحتج به وقال أبو حاتم ضعيف يكتب حديثه وحسن له الترمذى أحاديث. قيل توفى سنة إحدى عشرة ومائة وقيل سنة سبع وعشرين ومائة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله كانت سواريه الخ) أى كانت أعمدته في زمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جذوع النخل وسقفه من جريد النخل ثم بليت الأعمدة في زمن أبى بكر رضي الله تعالى عنه فأعادها كما كانت ثم بليت زمن عثمان فبناها بالطوب المحروق فلم يزل كذلك حتى حدّث ابن عمر بهذا الحديث. فالسوارى جمع سارية وهى الأعمدة. والآجر بمدّ الهمزة وضم الجيم وتشديد الراء واحده آجرة فارسى معرّب وهو الطوب المحروق (وظاهره ينافى) ما تقدم من أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ جعل عمده من حجارة منقوشة. ويمكن الجمع بأنه جعل بعض الأعمدة من حجارة منقوشة وبعضها من الآجرّ. وقيل إن هذه الرواية ضعيفة لأن فيها عطية ابن سعد العوفى وقد ضعفه غير واحد. ولم يذكر ابن عمر بناء عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لأن بناءه كان كبناء أبى بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فكان فعله كفعله فلذا ذكره مرّة حيث أراد ذكر الزيادة وتركه مرّة حيث لم يرد ذكرها وأما بناء عثمان فكان مغايرا لبنائهم لاعتبار تغيير الآلات والزيادة فاحتاج إلى ذكره

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي عُلُوِّ الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ: لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِينَ

ص: 52

سُيُوفَهُمْ، فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي، حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَإِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ:«يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا» فَقَالُوا: وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عز وجل، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَت فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ، فَنُبِشَتْ وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَعَهُمْ، وَيَقُولُ:

«اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ

فَانْصُرِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ»

(ش)(قوله عبد الوارث) بن سعيد

(قوله عن أبى التياح) هو يزيد بن حميد

(قوله قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة) أى أول هجرته إليها لما همّ كفار مكة بقتله وكان قدومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لثمان خلون من ربيع الأول كما قاله الحاكم، ويقال لاثنتى عشرة خلت من ربيع الأول كما جزم به الكلبي والنووى وابن النجار. وفى نسخة لما قدم

(قوله فنزل في علو المدينة) بضم العين المهملة وكسرها لغتان مشهورتان وهى العالية التى من جهة نجد وما كان دون ذلك من جهة تهامة فهى السافلة. وأخذ من نزوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بأعلى المدينة التفاؤل له ولدينه بالرفعة وعلوّ الشأن

(قوله في حىّ الخ) بتشديد المثناة التحتية القبيلة وجمعها أحياء (ولما نزل) رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببنى عمرو بن عوف وكان بين الأوس والخزرج ما كان من العداوة وكانت الخزرج تخاف أن يدخل دار الأوس والأوس تخاف أن يدخل دار الخزرج وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة قتل ابنا للحارث يوم بعاث فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أين أسعد بن زرارة فقال سعد بن خيثمة ومبشر ابن عبد المنذر ورفاعة بن عبد المنذر كان يا رسول الله أصاب منا رجلا يوم بعاث فلما كانت ليلة

ص: 53

الأربعاء جاء أسعد إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متقنعا بين المغرب والعشاء فلما رآه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يا أبا أمامة جئت من منزلك إلى هنا وبينك وبين القوم ما بينك قال أبو أمامة لا والذى بعثك بالحق ما كنت لأسمع بك في مكان إلا جئت ثم بات عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أصبح ثم غدا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لسعد بن خيثمة ورفاعة ومبشر ابنى عبد المنذر أجيروه قالوا أنت يا رسول الله أجره فجوارنا في جوارك فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجيره بعضكم فقال سعد بن خيثمة هو في جوارى ثم قالت الأوس يا رسول الله كلنا له جار فكان أسعد بن زرارة بعد يغدو ويروح إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله فأقام فيهم أربع عشرة ليلة) وعن عويمر بن ساعدة لبث فيهم ثمانى عشرة ليلة وفى رواية للبخارى فلبث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذى أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى يونس بن بكير عن المسعودى عن الحكم بن عتيبة قال لما قدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنزل بقباء قال عمار بن ياسر ما لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدّ من أن يجعل له مكانا يستظل به إذا استيقظ ويصلى فيه فجمع حجارة فبنى مسجد قباء فهو أول مسجد بنى بالمدينة وهو في أول مسجد صلى فيه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأصحابه جماعة ظاهرا وأول مسجد بنى لجماعة المسلمين عامة وإن كان قد تقدم بناء غيره من المساجد (وروى) ابن أبى شيبة عن جابر قال لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسنين نعمر المساجد ونقييم الصلاة. فهذه الرواية تدلّ على أن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجد قباء (وروى) مسلم من طريق عبد الرحمن ابن أبي سعيد عن أبيه سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المسجد الذى أسس على التقوى فقال هو مسجدكم هذا (ولأحمد) والترمذى من وجه آخر عن أبى سعيد اختلف رجلان في المسجد الذى أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال آخر هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسألاه عن ذلك فقال هو هذا وفى ذلك "يعنى مسجد قباء" خير كثير. وهذا السؤال صدر ممن ظهرت له المساواة بين المسجدين في اشتراكهما في أن كلا منهما بناه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلذلك سئل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عنه فأجاب بأن المراد مسجده (قال) في الفتح يحتمل أن تكون المزية لما اتفق من طول إقامته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمسجد المدينة بخلاف مسجد قباء فما أقام به إلا أياما قلائل وكفى بهذا مزية والحق

ص: 54

أن كلا منهما أسس على التقوى وقوله تعالى في بقية الآية "فيه رجال يحبون أن يتطهروا" يؤيد كون المراد مسجد قباء. وعند أبى داود بإسناد صحيح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال نزلت هذه الآية في أهل قباء فيه رجال يحبون أن يتطهروا. وعلى هذا فالسرّ في جوابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن المسجد الذى أسس على التقوى مسجده دفع توهم أن ذلك خاصّ بمسجد قباء اهـ

(قوله ثم أرسل إلى بني النجار) هم قبيلة كبيرة من الأنصار والنجار أبو هذه القبيلة واسمه تيم اللات ولقب بالنجار لأنه كما قيل اختتن بالقدوم وإنما دعا بني النجار لأنهم كانوا أخوال عبد المطلب

(قوله متقلدين سيوفهم) كذا في رواية الأكثر بثبوت النون ونصب السيوف. وفي رواية متقلدى سيوفهم بالإضافة. والتقليد جعل نجاد السيف على المنكب

(قوله فقال أنس الخ) مرتب على محذوف أى جاء بنو النجار متقلدين سيوفهم وسار بهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من بني عمرو بن عوف إلى المدينة فقال أنس فكأني أنظر إلى أبي بكر وهو خلفه. وأردفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تشريفا له وإشارة إلى عظيم قدره وإلا فقد كان لأبى بكر ناقة أخرى هاجر عليها

(قوله وملأ بني النجار حوله الخ) أي أشراف بني النجار ورؤساؤهم سائرون حوله. وسموا بذلك لأنهم ملأى بالرأى والغنى وكأنهم مشوا معه صلى الله عليه وآله وسلم متقلدين بسيوفهم أدبا وتشريفا حتى ألقي بفناء أى نزل في فناء دار أبى أيوب خالد بن زيد الأنصارى. والفناء بكسر الفاء فضاء أمام الدار وجمعه أفنية

(وروى) أن الناقة لما بركت عند باب أبى أيوب جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يريد أن ينزل عنها فتحلحل فطاف بها أبو أيوب فوجد جبار بن صخر ينخسها برجله فقال له أبو أيوب يا جبار عن منزلى تنخسها أما والذى بعثه بالحق لولا الإسلام لضربتك بالسيف فنزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منزل أبى أيوب وقرّ قراره واطمأنت داره (وعن) عمارة بن خزيمة أنه قال لما كان يوم الجمعة وارتفع النهار دعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم براحلته وحشد المسلمون ولبسوا السلاح وركب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ناقته القصوى والناس معه عن يمينه وعن شماله وخلفه منهم الراكب والماشي فاعترضنا الأنصار فما مرّ بدار من دورهم إلا قالوا هلمّ يا رسول الله إلى العزّة والمنعة والثروة فيقول لهم خيرا ويدعو ويقول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلوا سبيلها فإنها مأمورة وقد أرخى لها زمامها وما يحركها وهى تنظر يمينا وشمالا والناس كنفيها حتى بركت على باب مسجده ثم ثارت وهو عليها فسارت حتى بركت على باب أبى أيوب الأنصارى ثم التفتت يمينا وشمالا ثم ثارت وبركت في مبركها الأول وألقت جرانها "أى مقدّم عنقها" بالأرض فنزل عنها وقال هذا المنزل إن شاء الله تعالى فاحتمل أبو أيوب رحله وأدخله بيته فاختار الله لنبيه صلى الله

ص: 55

تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يحبه فقد كان يحب النزول على بني النجار لنسبه فيهم. وقد صحّ عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال خير دور الأنصار دار بنى النجار فهم أوسط دور الأنصار وأخوال عبد المطلب. واستمرّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في منزل أبى أيوب حتى بنى فسجده ومساكنه. قيل كانت إقامته عنده شهرا

(قوله يصلى حيث أدركته الصلاة) أى في المكان الذى أدركه فيه وقت الصلاة، وفي رواية البخارى وكان يحب أن يصلى حيث أدركته الصلاة

(قوله وإنه أمر ببناء المسجد) أى أمره الله تعالى ببناء مسجد المدينة. وإن بكسر الهمزة لأنه كلام مستقل. وأمر بالبناء للمجهول. ويحتمل أن يكون مبنيا للمعلوم والضمير في إنه للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والمسجد بكسر الجيم وفتحها الموضع الذى يسجد فيه. وفي الصحاح المسجد بفتح الجيم موضع السجود وبكسرها البيت الذى يصلى فيه

(قوله فأرسل إلى بني النجار الخ) وفى رواية الشيخين فأرسل إلى ملأ بنى النجار فقال يا بني النجار فهو عطف على محذوف أى فجاءوا فقال يا بنى النجار وقد صرح به في رواية مسلم. وقوله ثامنوني بحائطكم هذا أى قدّروا ثمنه وبيعونيه بالثمن يقال ثامنت الرجل في البيع أثامنه إذا قاولته في ثمنه وساومته على بيعه واشترائه اهـ نهاية. والحائط البستان فيه النخيل إذا كان عليه جدار

(قوله لا نطلب ثمنه لا إلى الله) أى لا نطلب ثمنه إلا من الله عز وجل فإلى بمعنى من كما عند الإسماعيلى ويجوز أن تكون لانتهاء الغاية ويكون التقدير ننهى طلب الثمن إلى الله تعالى والمعنى لا نطلب منك الثمن بل نتبرّع به ونطلب الأجر من الله تعالى. وهذا هو المشهور في الصحيحين (وظاهر الحديث) أنهم لم يأخذوا ثمنه منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكن روى عن الزهرى أن المربد الذى بني فيه المسجد كان لسهل وسهيل ابنى عمرو وأنهما كان في حجر أبى أمامة أسعد بن زرارة وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال حين بركت ناقته هذا المنزل إن شاء الله تعالى ثم دعا اليتيمين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى أن يقبله هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجدا (وروى) الواقدى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اشتراه من بنى عفراء بعشرة دنانير ذهبا دفعها أبو بكر (وروى) أن أسعد بن زرارة عوّض الغلامين نخلا له في بني بياضة (وروى) أيضا أن أبا أيوب قال هو ليتيمين وأنا أرضهيما فأرضاهما (وروى) مثله أيضا عن معاذ بن عفراء (وطريق) الجمع بين رواية الباب ورواية الزهرى أنهم لما قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى سأل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمن يختص بملكه منهم فعينوا له الغلامين فابتاعه منهما (ويجمع) بين رواية الواقدى وما بعدها بأن أبا بكر رغب في الخير كما رغب فيه أسعد وأبو أيوب ومعاذ بن عفراء فدفع أبو بكر العشرة ودفع كل من أولئك ما دفع فاشتركوا في الثمن

(قوله وكان فيه الخ) أى كان في الحائط الذى بنى في مكانه المسجد خرب

ص: 56

بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء جمع خربة ككلم وكلمة كما قاله ابن الجوزى وهو مضبوط في بعض النسخ كذلك. ويجوز أن يكون بكسر الخاء وفتح الراء جمع خربة كعنب وعنبة وهو ما يهدم من البناء (وقال) الخطابى لعلّ صوابه خرب بضم الخاء جمع خربة بضمها أيضا وهي الخروق في الأرض إلا أنهم يقولونها في كل ثقبة مستديرة في أرض أو جدار. أو لعل الرواية جرف جمع جرفة. وأبين منه إن ساعدته الرواية حدب جمع حدبة لقوله فسوّيت وإنما يسوى المحدودب أو الخروق في الأرض وأما الخرب فإنها تعمر ولا تسوى اهـ (قال القاضى) عياض هذا التكلف لا حاجة إليه فإن الذى في الرواية صحيح المعنى لأنه كما أمر بقطع النخل لتسوية الأرض أمر بالخرب فرفعت رسومها وسوّيت مواضعها لتصير جميع الأرض مبسوطة مستوية للمصلين. وفي مصنف ابن أبى شيبة فأمر بالحرث فحرث. وهو الذى قاله ابن الأثير إنه روى بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة يريد الموضع المحروث للزراعة

(قوله فنبشت) أى كشفت وأخرج ما فيها من العظام والصديد. وأمر بنبشها لأنهم لا حرمة لهم "فإن قيل" كيف اشترى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبور المشركين وأمر بنبشها والقبر مختص بمن دفن فيه فلا يجوز بيعه ولا نقله عنه "قيل" إن ذلك مختص بقبور المسلمين لا الكفار. أو يقال إنه دعت الضرورة والحاجة إلى نبش قبورهم فأمر به لذلك. والأول أظهر (وبهذا الحديث) احتج من أجاز نبش قبور الكفار لتتخذ مكانها مساجد. وبما سيأتى للمصنف عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا قبر أبي رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن. وقالوا إذا جاز نبشها لطلب المال فنبشها للانتفاع بمواضعها في المساجد أولى وليس حرمتهم موتى بأعظم منها أحياء بل هو مأجور في مثل ذلك (وقال) الأوزاعي لا يفعل لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما مرّ بالحجر قال لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين فنهى أن ندخل عليهم بيوتهم فكيف قبورهم اهـ (وردّ بأن) ما قاله قياس معارض للنصّ فلا يعوّل عليه (وأما بناء المساجد) في مقابر المسلمين فلا يجوز ما لم تندرس فإذا اندرست جاز ذلك (قال) ابن القاسم من المالكية لو أن مقبرة من مقابر المسلمين عفت فبنى قوم عليها مسجدا لم أر بذلك بأسا وذلك لأن المقابر وقف من أوقاف المسلمين لدفن موتاهم لا يجوز لأحد أن يملكها فإذا درست واستغنى عن الدفن فيها جاز صرفها إلى المسجد لأن المسجد أيضا وقف من أوقاف المسلمين لا يجوز تمليكه لأحد وما هو لله فلا بأس أن يستعان ببعضه في بعض (وقال) ابن وهب منهم أيضا إن المقبرة إذا ضاقت عن الدفن تحرث "أى تزرع" بعد عشر سنين (وقال) ابن الماجشون

ص: 57

منهم أيضا المقبرة إذا ضاقت عن الدفن وبجانبها مسجد ضاق بأهله لا بأس أن يوسع المسجد ببعضها والمقبرة والمسجد حبس على المسلمين (وقالت) الحنابلة إذا صار الميت رميما جازت زراعة المقبرة وحرثها والبناء عليها وإلا فلا يجوز (وقال) العينى من الخنفية ذكر أصحابنا أن المسجد إذا خرب ودثر ولم يبق حوله جماعة والمقبرة إذا عفت ودثرت تعود ملكا لأربابها فإذا عادت ملكا يجوز أن يبنى موضع المسجد دار وموضع المقبرة مسجد وغير ذلك فإن لم يكن لها أرباب تكون لبيت المال اهـ (وقالت) الشافعية يكره البناء في مقبرة غير مسبلة ويحرم في المسبلة سواء أكان البناء فوق الأرض أم في باطنها فيجب على الحاكم هدم جميع الأبنية التى في القرافة المسبلة للدفن فيها وهي التى جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها لأنه يضيق على الناس ولا فرق بين أن يكون البناء قبة أو بيتا أو مسجدا أو غير ذلك

(قوله وبالنخل فقطع) أى أمر بالنخل فقطع. وهو محمول على غير المثمر فإن قطعه جائز مطلقا أو على المثمر لأجل الحاجة

(قوله فصفوا النخل قبلة المسجد) وفي نسخة فصفف النخل الخ أى جعلوه سوارى جهة القبلة ليسقف عليها (وعن) الحسن لما أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بناء المسجد قال ابنوا لى عريشا كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى والأمر أعجل من ذلك قيل له وما ظلة موسى قال كان إذا قام أصاب رأسه السقف "والثمامات جمع ثمامة وهو نبت يسدّ به خصاص البيوت"(وروى) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى فيه وهو عريش اثنى عشر يوما ثم بناه باللبن وسقفه (وروى) أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال له يا محمد إن الله تعالى يأمرك أن تبنى له بيتا وأن ترفع بنيانه بالرهص والحجارة فقال كم أرفعه يا جبريل قال سبعة أذرع. وقيل خمسة أذرع ولما ابتدأ في بنائه أمر بالحجارة وأخذ حجرا فوضعه بيده أوّلا ثم أمر أبا بكر فجاء بحجر فوضعه إلى جنب حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم عمر كذلك ثم عثمان كذلك ثم عليا نقله السمهودى عن الأقشهرى (وروى) البيهقي وأبو يعلى نحوه وزاد فيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هؤلاء الخلفاء من بعدى "والرهص الطين الذى يتخذ منه الجدار" ولما أسسوه جعلوا قبلته إلى بيت المقدس وجعلوا طوله مما يلى القبلة إلى مؤخره مائة ذراع وفى الجانبين الآخرين مثل ذلك فهو مربع وقيل كان أولا سبعين ذراعا في ستين ثم لما فتح صلى الله عليه وآله وسلم خيبر زاد عليه مثله وجعل له ثلاثة أبواب باب في مؤخره وباب عاتكة المسمى بباب الرحمة والباب الذى كان يدخل منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المسمى بباب آل عثمان اليوم وهذان البابان لم يغيرا بعد أن صرفت القبلة ولما صرفت القبلة عن بيت المقدس سدّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الباب الذى كان خلفه وفتح بابا حذاءه

(قوله وجعلوا عضادتيه حجارة) أى بنوا جانبى الباب بحجارة. والعضادة بكسر العين المهملة الخشبة التي على كتف الباب (وقال)

ص: 58

الأزهرى عضادتا الباب الخشبتان المنصوبتان عن يمين الداخل منه وشماله فوقهما العارضة

(قوله وجعلوا ينقلون الصخر) أى صاروا ينقلون الحجارة لأجل تأسيس المسجد (فقد) روى أنهم أسسوه إلى ثلاثة أذرع بالحجارة وكملوه باللبن (وعن) أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه يبنون المسجد فجعل أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحمل كل رجل منهم لبنة وعمار بن ياسر لبنتين لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقام إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمسح ظهره وقال يا ابن سمية لك أجران وللناس أجر وآخر زادك من الدنيا شربة من لبن وتقتلك الفئة الباغية

(وما رواه) أحمد عن أبى هريرة أنهم كانوا يحملون اللبن إلى بناء المسجد ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معهم قال فاستقبلت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو عارض لبنة على بطنه فظننت أنها شقت عليه فقلت: ناولنيها يا رسول الله قال خذ غيرها يا أبا هريرة فإنه لا عيش إلا عيش الآخرة (فكاد) في البناء الثانى لأن أبا هريرة لم يحضر البناء الأول لأن قدومه كان عام خيبر فلا منافاة بينه وبين حديث أم سلمة

(قوله وهم يرتجزون) جملة حالية من الضمير في ينقلون أى يقولون رجزا. والرجز بحر من بحور الشعر معروف يكون كل مصراع منه مفردا تسمى قصائده أراجيز واحدها أرجوزة فهو كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر ويسمى قائله راجزا كما يسمى قائل الشعر شاعرا يقال رجز الرجل يرجز من باب قتل قال شعرا رجز وارتجز مثله

(قوله ويقول اللهم) أى وهم يقولون معه ذلك كما في رواية الشيخين فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معهم وهم يقولون اللهم لا خير الخ وفى رواية للبخارى اللهم لا أجر إلا أجر الآخره "ولا يقال" كيف يقول ذلك والشعر محرّم عليه لقوله تعالى "وما علمناه الشعر وما ينبغى له""لأن ما هنا" سجع لا شعر لأنه غير موزون، وعلى فرض أنه موزون فهو إنشاد من كلام الغير "ففى" رواية للبخارى بعد البيت فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسمّ لى. والمحرّم عليه إنشاؤه لا إنشاده. على أنهم اتفقوا على أن الشعر ما قصد وزنه فإن جرى الموزون على اللسان من غير قصد فليس بشعر وعليه يحمل ما جاء من ذلك عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كقوله: هل أنت إلا أصبع دميت

وفى سبيل الله ما لقيت وقوله: أنا النبى لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

(قوله فانصر الأنصار والمهاجره) الأنصار جمع نصير كأشراف جمع شريف وناصر كصاحب وأصحاب والاسم النصرة بالضم وسموا بذلك لأنهم أعانوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أعدائه. والمهاجره الجماعة المهاجرة الذين هاجروا من مكة إلى المدينة محبة فيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وطلبا للآخرة والهجرة في الأصل اسم من الهجر ضدّ الوصل ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض وترك الأولى

ص: 59

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وعلى جواز الإرداف، وعلى مشروعية التفاف المرءوسين حول الرئيس، وعلى مشروعية الصلاة في أىّ مكان حضرت الصلاة فيه، وعلى جواز الصلاة في مرابض الغنم، وعلى طلب المبادرة ببناء المساجد، وعلى مشروعية البيع والشراء ومنع الغضب، وعلى مشروعية التبرّع لله عز وجل وعلى جواز نبش قبور المشركين الدراسة وبيعها، وعلى جواز قطع الأشجار المثمرة لأجل الحاجة، وعلى جواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها (قال) الخطابى إن المقابر إذا نبشت ونقل ترابها ولم يبق هناك نجاسة تخالط أرضها فإن الصلاة فيها جائزة وإنما نهى عن الصلاة في المقبرة إذا كان قد خالط ترابها صديد الموتى ودماؤهم فإذا نقلت عنها زال ذلك الاسم وعاد حكم الأرض إلى الطهارة اهـ، ودلّ الحديث أيضا على جواز بناء المساجد موضع قبور المشركين (قال) الخطابى فيه دليل على أن من لا حرمة لدمه في حياته لا حرمة لعظامه بعد مماته اهـ ودلّ أيضا على جواز قول الشعر ولا سيما الرجز للتعاون على الأعمال الشاقة لما فيه من تحريك الهمة وتشجيع النفوس على معالجة الأمور الصعبة، وعلى تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكمال أخلاقه، وعلى أن خير الآخرة هو الخير الدائم دون غيره، وعلى مشروعية الدعاء بالنصر للمسلمين

(من روى الحديث أيضا) رواه البخارى ومسلم والنسائى

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ حَائِطًا لِبَنِي النَّجَّارِ فِيهِ حَرْثٌ وَنَخْلٌ، وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «ثَامِنُونِي بِهِ» فَقَالُوا: لَا نَبْغِي، فَقُطِعَ النَّخْلُ وَسَوَّى الْحَرْثَ وَنُبَشَ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ:«فَاغْفِرْ» مَكَانَ «فَانْصُرْ» .

(ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان أنه قد اختلف على أبى التياح في بعض ألفاظه فرواه عنه عبد الوارث باللفظ المتقدم ورواه عنه حماد بن سلمة وقال فيه حرث مكان كانت فيه خرب في رواية عبد الوارث، وفيه فاغفر للأنصار بدل فانصر الأنصار. وأخرج هذه الرواية ابن ماجه من طريق وكيع عن حماد بن سلمة بلفظ كان موضع مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبنى النجار وكان فيه نخل ومقابر للمشركين فقال لهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثامنونى به قالوا لا نأخذ له ثمنا أبدا قال فكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يبنيه وهم يناولونه والنبى صلى الله تعالى عليه على آله وسلم يقول ألا إن العيش عيش

ص: 60