المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٤

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في المحافظة على وقت الصلوات)

- ‌(باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت)

- ‌(باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها)

- ‌(باب في بناء المساجد)

- ‌(باب اتخاذ المساجد في الدور)

- ‌(باب في السرج في المساجد)

- ‌(باب في كنس المساجد)

- ‌(باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)

- ‌(باب في فضل القعود في المسجد)

- ‌(باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد)

- ‌(باب في المشرك يدخل المسجد)

- ‌(باب المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة)

- ‌(باب النهى عن الصلاة في مبارك الإبل)

- ‌(باب متى يؤمر الغلام بالصلاة)

- ‌(باب بدء الأذان)

- ‌(باب ما جاء في الإقامة)

- ‌(باب الرجل يؤذن ويقيم آخر)

- ‌(باب من أذن فهو يقيم)

- ‌(باب رفع الصوت بالأذان)

- ‌(باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت)

- ‌(باب الأذان فوق المنارة)

- ‌(باب في المؤذن يستدير في أذانه)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع المؤذن)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع الإقامة)

- ‌(باب في الدعاء عند الأذان)

- ‌(باب ما يقول عند أذان المغرب)

- ‌(باب أخذ الأجر على التأذين)

- ‌(باب في الأذان قبل دخول الوقت)

- ‌(باب الأذان للأعمى)

- ‌(باب الخروج من المسجد بعد الأذان)

- ‌(باب في المؤذن ينتظر الإمام)

- ‌(باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا)

- ‌(باب في فضل صلاة الجماعة)

- ‌(باب ما جاء في فضل المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب ما جاء في المشى إلى الصلاة في الظلم)

- ‌(باب ما جاء في الهدى في المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب من خرج يريد الصلاة فسبق بها)

- ‌(باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد)

- ‌(باب ما جاء في الجمع في المسجد مرّتين)

- ‌(باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد)

- ‌(باب في جماع الإمامة وفضلها)

- ‌(باب في كراهية التدافع عن الإمامة)

- ‌(باب من أحق بالإمامة)

- ‌(باب إمامة النساء)

- ‌(باب الرجل يؤمّ القوم وهم له كارهون)

- ‌(باب إمامة البرّ والفاجر)

- ‌(باب إمامة الأعمى)

- ‌(باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة)

- ‌(باب الإمام يصلى من قعود)

- ‌ مشروعية التبليغ عند الحاجة إليه

- ‌(باب الرجلين يؤمّ أحدهما صاحبه كيف يقومان)

- ‌(باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون)

- ‌(باب الإمام ينحرف بعد التسليم)

الفصل: ‌(باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)

كان أعظم جرما وإن لم يعدّ من الكبائر

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن الله تعالى يطلع نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ما شاء، وعلى أن الله عز وجل لا يضيع أجر من عمل خيرا ولو قلّ، وعلى الحثّ على تنظيف المساجد وإخراج القمامة منها وإن قلت، وعلى عظم ذنب من نسي شيئا من القرآن بعد حفظه أو ترك العمل به

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة وصححه والترمذى وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال وذاكرت به محمد بن إسماعيل يعني البخارى فلم يعرفه واستغربه قال محمد ولا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعا من أحد من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا قوله حدثنى من شهد خطبة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول لا نعرف للمطلب سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال عبد الله وأنكر علىّ بن المدينى أن يكون المطلب سمع من أنس اهـ ملخصا قال العينى قد ذكر صاحب الكمال أنه روى عن أنس اهـ

(باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)

أى في بيان طلب اعتزال النساء عن الرجال أثناء الدخول في المساجد والخروج منها للصلاة فيها. وفي بعض النسخ باب ما جاء في اعتزال النساء

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَبُو مَعْمَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ» ، قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ، حَتَّى مَاتَ، وَقَالَ غَيْرُ عَبْدِ الْوَارِثِ: قَالَ عُمَرُ: وَهُوَ أَصَحُّ.

(ش)(قوله عبد الوارث) بن سعيد. و (أيوب) بن أبى تميمة كيسان السختياني

(قوله لو تركنا هذا الباب للنساء) أى باب المسجد الذى أشار إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو الباب الذي فتحه إلى جهة بيت المقدس بعد تحويل القبلة. وجواب لو محذوف والتقدير لو تركنا هذا الباب للنساء لكان حسنا وذلك لئلا يختلط الرجال بالنساء في الدخول والخروج إذا حضرن المسجد لصلاة الجماعة فتحصل الفتنة. فينبغى أن يجعل في المساجد باب مخصوص للنساء يدخلن ويخرجن منه وإلا فيحترزن عن الاختلاط بهم. ومحلّ جواز ذهابهنّ إلى المساجد إن أمنت الفتنة وإلا فيمنعن من حضور المساجد كما قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعه نساء بنى إسرائيل رواه المصنف في باب التشديد في ذلك "أى

ص: 71

في خروج النساء إلى المسجد"

(قوله فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات) أى لم يدخل عبد الله ابن عمر من هذا الباب الذى أشار إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أن مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُلأنه فهم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو تركنا هذا الباب الخ نهى الرجال عن دخولهم من هذا الباب وهو كان أشدّ اتباعا للسنة. وظاهر هذا أن غير ابن عمر من الصحابة كان يدخل من هذا الباب وهو إن ثبت فمحمول على غير أوقات الصلاة أو أنهم لم يسمعوا من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهيا صريحا في ذلك

(قوله وقال غير عبد الوارث الخ) أى قال غير عبد الوارث ممن روى هذا الحديث في روايته كإسماعيل بن علية قال عمر بن الخطاب لو تركنا هذا الباب الخ بجعل الحديث من مسند عمر موقوفا عليه وإسقاط ابن عمر فهو منقطع وهو أصحّ. وأيد المصنف هذا بذكر الروايتين الآتيتين

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فذكر مَعْنَاهُ، وَهُوَ أَصَحُّ

(ش)(قوله فذكر معناه) أى ذكر إسماعيل بن علية عن أيوب السختياني معنى الحديث المتقدم الذى رواه عبد الوارث عن أيوب غير أن حديث عبد الوارث وحديث إسماعيل موقوف على عمر. وصحح المصنف الوقف. ولعل وجه تصحيحه ما ذكره عن نافع من أن عمر كان ينهى الرجال عن الدخول من باب النساء. لكن هذا الترجيح غير مسلم فإن رواية الرفع فيها عبد الله بن عمرو وعبد الوارث وكلاهما ثقتان ثبتان فلا ترجح رواية الوقف عليه، على أن الترجيح يحتاج إلى أن يكون بينهما معارضة وليس هنا كذلك بل يمكن أن يكون مرفوعا أيضا قاله رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قاله عمر بن الخطاب ونهى عنه لما رأى من رغبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه ولم يكن عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى صريح بل إشارة فنهى عنه سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لما رأى في ذلك من المصلحة فإن راوى الحديث قد يسمع الحديث منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم يفتي به ولا يرفعه إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع أن رواية نافع عن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ منقطعة قال أحمد بن حنبل نافع عن عمر منقطع

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، ثَنَا بَكْرُ بْنَ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، «كَانَ يَنْهَى أَنْ يُدْخَلَ مِنْ بَابِ النِّسَاءِ»

ص: 72

(ش)(قوله بكير) بن عبد الله بن الأشج

(قوله كان ينهى أن يدخل الخ) بالبناء للمفعول أى كان عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ينهى الرجال عن الدخول من باب النساء يعنى باب المسجد المخصوص بدخول النساء للصلاة. ونهى عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن ذلك لما رآه من أن اجتماع الرجال مع النساء عند دخولهنّ من باب واحد ربما أدى إلى الفتنة فينبغى أن يجعل للنساء باب في المسجد خاصّ لدخولهنّ وخروجهنّ دفعا لما يترتب على الاختلاط من الفتنة. وإذا كان هذا بالنسبة لدخولهنّ المساجد وخروجهنّ منها فبالأولى الاحتراز في غيرها

(باب فيما يقول الرجل عند دخوله المسجد)

وفى بعض النسخ باب ما جاء فيما يقول عند دخول المسجد

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ، أَوْ أَبَا أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ "

(ش)(رجال الحديث)

(قوله محمد بن عثمان) التنوخى (الدمشقى) أبو عبد الرحمن روى عن الدراوردى ومروان بن معاوية وسعيد بن بشير وسليمان بن بلال وآخرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود وابن ماجه وكثيرون. قال أبو حاتم وأبو مسهر وابن حبان وعثمان الدارمى ثقة وقال دحيم حجة ثقة لم يكن بدمشق في زمانه مثله. ولد سنة أربعين ومائة. ومات سنة أربع وعشرين ومائتين

(قوله عبد العزيز) بن محمد (يعنى الدراوردى) نسبة إلى دراورد أصلها درابجرد مدينة بفارس فاستثقلوا أن يقولوا درابجردى فقالوا راوردى

(قوله عبد الملك بن سعيد بن سويد) الأنصاري. روى عن أبى حميد أو أبى أسيد وجابر بن عبد الله وأبى سعيد وعنه بكير بن عبد الله وربيعة بن أبى عبد الرحمن وعبد العزيز الدراوردى. قال النسائى ليس به بأس وقال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه

(قوله سمعت أبا حميد) الساعدى قيل اسمه المنذر وقيل عبد الرحمن بن سعد بن المنذر وقيل اسم جدّه مالك بن سعد بن خالد بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج. روى له عن

ص: 73

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة وعشرون حديثا اتفق الشيخان على ثلاثة وانفرد البخارى بحديث ومسلم بآخر. روى عنه جابر بن عبد الله وعروة بن الزبير وعباس ابن سهل وعمرو بن سليم وعبد الملك إن سعيد وغيرهم. شهد أحدا وما بعدها. روى له الجماعة

(قوله أو أبا أسيد) بالشك وهكذا رواية مسلم وفى رواية لابن ماجة عن أبى حميد بدون شك وفى أخرى له عن أبى حميد وأبي أسيد يقولان. وأسيد بضم الهمزة مصغرا. واسم أبى أسيد مالك على الأشهر ابن ربيعة بن البدن بالموحدة وفتح الدال المهملة وكسرها ابن عمرو بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج الأنصارى الساعدى، شهد بدرا. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية وعشرون حديثا اتفق الشيخان على واحد وانفرد البخارى بحديثين ومسلم بحديث. روى عنه أنس بن مالك وأبو سلمة وابنه المنذر وعباس بن سهل وعبد الملك بن سعيد. قيل مات سنة ستين. روى له الجماعة

(معنى الحديث)

(قوله إذا دخل أحدكم المسجد الخ) أى إذا أراد دخوله أو شرع فيه فليسلم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وليدع بقوله اللهم افتح لى أبواب رحمتك أى سهل لى نعمك وحسانك. وكذا يصلى على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما رواه ابن السني عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل المسجد قال بسم الله اللهم صلّ على محمد وإذا خرج قال بسم الله اللهم صلّ على محمد. وما رواه الحاكم وصححه عن أبى هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا دخل أحدكم المسجد فليصلّ على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وليقل اللهم أجرنى من الشيطان الرجيم. ويطلب المغفرة أيضا في الدخول والخروج لما رواه ابن ماجه وأحمد عن فاطمة الزهراء رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل المسجد قال بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك وإذا خرج قال بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب فضلك. وما رواه الترمذى عن فاطمة بنت الحسين عن جدّتها الكبرى قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب فضلك "قال" الترمذى حديث فاطمة حسن وليس إسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى إنما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشهرا اهـ (وقال) النووى روينا الصلاة على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند دخول المسجد والخروج منه من رواية ابن عمر اهـ

(قوله اللهم إنى أسألك من فضلك) أى من رزقك الحلال (قال) ابن رسلان سؤال الفضل عند الخروج

ص: 74

موافق لقوله تعالى "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" يعنى الرزق الحلال. وقيل وابتغوا من فضل الله هو طلب العلم. والوجهان متقاربان فإن العلم من رزق الله تعالى لأن الرزق لا يختصّ بقوت الأبدان بل يدخل فيه قوت الأرواح والأسماع وغيرها وقيل فضل الله عيادة المريض وزيارة أخ صالح اهـ وظاهره أنه يقتصر في الخروج على سؤال الفضل لكن تقدم في رواية الترمذى أنه يصلى ويسلم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويسأل الفضل فيحمل هذا على ما تقدم (ولعل السرّ) في تخصيص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج أن من دخل اشتغل بما يقرّ به إلى ثواب ربه وجنته فيناسب ذكر الرحمة وإذا خرج لابتغاء الرزق الحلال ناسب ذكر الفضل كما قال تعالى "فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" قال في حجة الله البالغة الحكمة في تخصيص الداخل بالرحمة والخارج بالفضل أن الرحمة في كتاب الله أريد بها النعم النفسانية والأخروية كالولاية والنبوة قال تعالى "ورحمة ربك خير مما يجمعون" والفضل على النعم الدنيوية قال تعالى "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم" وقال تعالى "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" ومن دخل المسجد إنما يطلب القرب من الله تعالى والخروج وقت ابتغاء الرزق اهـ

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على استحباب السلام على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وطلب فتح أبواب الرحمة عند دخول المسجد، وعلى استحباب السؤال من فضل الله تعالى عند الخروج منه

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وأحمد وابن ماجه

(ص) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: لَقِيتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ حَدَّثْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ:«أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ، قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ: ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ

(ش)(رجال الحديث)

(قوله إسماعيل بن بشر بن منصور) أبو بشر السلمى البصرى روى عن أبيه وعبد الرحمن بن مهدى وفضيل بن سليمان وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وغيرهم وعنه أبو داود وابن ماجه وإبراهيم بن أبى طالب وكثيرون. ذكره ابن حبان في الثقات وقال

ص: 75

أبو داود صدوق وكان قدريا. مات سنة خمس وخمسين ومائتين

(قوله عقبة بن مسلم) أبا محمد التجيبى المصرى. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاصى وابن عمر وعقبة بن عامر وآخرين. وعنه حيوة بن شريح والوليد بن أبى الوليد وحرملة بن عمران وجعفر بن ربيعة وغيرهم. قال العجلى تابعى ثقة ووثقه يعقوب بن سفيان وابن حبان. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه.

(معنى الحديث)

(قوله بلغنى أنك حدّثت) بالبناء للفاعل

(قوله وبوجهه) هذا من المتشابه (وللسلف) والخلف فيه وأمثاله مذهبان مشهوران. فالسلف وهم من قبل الخمسمائة يقولون نؤمن بكل ما ورد من ذلك ولا نتكلم في معناه مع اعتقاد تنزيه الله عز وجل عن سمات الحوادث لقوله تعالى "ليس كمثله شيء" وهو الأسلم. والخلف وهم من بعد الخمسمائة يؤوّلون جميع المتشابهات فيقولون المراد بالوجه الذات على ما تقتضيه لغة القرآن

(قوله الكريم) أى الجواد الذى لا ينفد عطاؤه وهو الكريم المطلق الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل

(قوله وسلطانه القديم) أى قهره وقوّته الذى لا أوّل له

(قوله من الشيطان الرجيم) أى المبعد عن رحمة الله عز وجل فيكون من شطن من باب قعد أى بعد عن الحق ووزنه فيعال. أو المهلك بعذاب الله تعالى فيكون من شاط إذا احترق ووزنه فعلان. وهو على الأول مصروف. وعلى الثانى ممنوع من الصرف. والشيطان كل متمرد من الجنّ والإنس والدوابّ كما قاله ابن عباس. والرجيم فعيل بمعنى مفعول مأخوذ من الرجم وهو الرمي بالحجارة والمراد هنا المرجوم بشهب السماء واللعن. وهذا كله خبر معناه الدعاء أى اللهمّ احفظنى من وسوسته وإغوائه وخطواته وخطراته وتسوليه وإضلاله فإنه السبب في الضلالة والغواية والجهالة. ويحتمل أن يكون التعوّذ من صفات الشيطان وأخلاقه من الحسد والكبر والعجب والغرور والإباء والإغواء (وقد جاء) في هذا الباب أذكار كثيرة ومجموعها أن يقال عند الدخول أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم باسم الله والحمد لله اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد وسلم اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ويقال ذلك أيضا عند الخروج من المسجد غير أنه يقول اللهمّ إنى أسألك من فضلك بدل قوله اللهمّ افتح لى أبواب رحمتك

(قوله قال أقطّ الخ) الهمزة للاستفهام أى قال عقبة بن مسلم لحيوة بن شريح أبلغك عنى هذا القدر من الحديث فقط فقال حيوة نعم لم يبلغني إلا هذا المقدار

(قوله قال فإذا قال ذلك الخ) أى قال عقبة لم يتمّ الحديث بما ذكرت بل فيه بعده فإذا قال داخل المسجد هذا الدعاء المذكور قال الشيطان حفظ منى بقية اليوم فلا أقدر على أن أوسوس له فيه ويحتمل أن يكون فاعل قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويكون في الكلام حذف بعد قوله قلت نعم تقديره قال عقبة لم يتمّ الحديث بهذا بل تمامه قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا قال داخل المسجد هذا الدعاء قال الشيطان حفظ منى بقية اليوم. والمراد به مطلق

ص: 76

الوقت (قال) ابن حجر المكي إن أريد حفظه من جنس الشياطين تعين حمله على حفظه من شيء مخصوص وهو الكبائر وإن أريد حفظه من إبليس فقط بقى الحفظ على عمومه فيشمل الصغائر وما يقع منه من الذنوب حاصل من إغواء جنوده اهـ بتصرّف. لكن الظاهر أن اللام في الشيطان للعهد والمراد منه قرينه الموكل بإغوائه وأن القائل ما ذكر من الذكر يحفظ منه في الجملة ذلك الوقت عن بعض المعاصى. وتعيينه عند الله تعالى اهـ من الرقاة

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتحصن من الشيطان تعليما للأمة، وعلى أن الشيطان له تسلط على بنى آدم، وعلى أن المرجع في دفع المضارّ وجلب المنافع إلى الله عز وجل

(باب ما جاء في الصلاة عند دخول السجد)

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُصَلِّ سَجْدَتَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْلِسَ» .

(ش)(رجال الحديث)

(قوله القعنبى) هو عبد الله بن مسلمة

(قوله عامر بن عبد الله ابن الزبير) بن العوّام القرشي الأسدى المدنى أبى الحارث. روى عن أبيه وأنس بن مالك وعوف بن الحارث وعمرو بن سليم وغيرهم. وعنه سعيد المقبرى وابن جريج ويحيى الأنصارى ومالك وكثيرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم وقال أحمد من أوثق الناس وقال أبو حاتم ثقة صالح وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان عابدا فاضلا ثقة مأمونا وقال الخليلى أحاديثه كلها يحتج بها وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان عالما فاضلا. مات سنة إحدى وعشرين ومائة روى له الجماعة إلا الترمذى

(قوله عن أبى قتادة) هو الحارث بن ربعى

(معنى الحديث)

(قوله فليصلّ سجدتين الخ) أى ركعتين تعظيما للمسجد. وفى رواية للبخارى إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين. العدد لا مفهوم له فلا خلاف في أنه لا حدّ لأكثر ما تحصل به تحية المسجد (واختلف) في أقله والصحيح أنه ركعتان فلا تتأدى هذه السنة بأقلّ من ركعتين. ويقوم مقامهما غيرهما من فرض وسنة وطواف (وظاهر الحديث) يدلّ على وجوب صلاة ركعتين تحية المسجد وبه قالت الظاهرية ما عدا ابن حزم فإنه قال بسنيتهما مستدلين بحديث الباب. وبما رواه البخارى ومسلم ويأتي للمصنف ولفظه في باب إذا دخل الرجل

ص: 77

والإمام يخطب من كتاب الجمعة عن جابر وعن أبى صالح عن أبى هريرة قالا جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال له أصليت شيئا قال لا قال صلّ ركعتين تجوّز فيهما (وذهب) الجمهور إلى أنهما سنة قائلين إن الأمر في ذلك للندب مستدلين بحديث ضمام ابن ثعلبة عند البخارى ومسلم والنسائى والمصنف وفيه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علىّ غيرهنّ قال لا إلا أن تطوّع. وبما رواه ابن أبى شيبة عن زيد بن أسلم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون. وبما رواه الطحاوى عن عبد الله بن بسر قال كنت جالسا إلى جنبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة فجاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اجلس فقد آذيت وآنيت. فأمره بالجلوس ولم يأمره بالصلاة (قال) العينى لو قلنا بوجوبهما لحرم على المحدث الحدث الأصغر دخول المسجد حتى يتوضأ ولا قائل به، فإذا جاز دخول المسجد على غير وضوء لزم منه أنه لا يجب سجودهما عند دخوله اهـ (قال) ابن دقيق العيد جمهور العلماء على عدم الوجوب لهما. ولا شك أن ظاهر الامر الوجوب وظاهر النهى التحريم فمن أزالهما عن الظاهر فهو محتاج إلى الدليل. ولعلهم يفعلون في مثل هذا ما فعلوا في مسألة الوتر حيث استدلوا على عدم الوجوب فيه بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد، وقول السائل هل علىّ غيرهنّ قال لا إلا أن تطوّع. فحملوا لذلك صيغة الأمر على الندب لدلالة هذا الحديث على عدم وجوب غير الخمس اهـ (وظاهر) الحديث يدلّ أيضا على مشروعية هاتين الركعتين في جميع الأوقات حتى وقت الخطبة وبه قالت الشافعية وابن عيينة وأبو ثور والحميدى وابن المنذر وداود وإسحاق بن راهويه والحسن البصرى ومكحول مستدلين بحديث الباب وأشباهه وبحديث سليك المتقدم. وقالوا إن أحاديث النهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس محمولة على ما لا سبب له من الصلوات واستدلوا أيضا بما يأتي للمصنف في باب الصلاة بعد العصر من حديث أم سلمة وفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عنهما "أى عن الركعتين بعد العصر" ثم رأيته يصليهما "أى بعد العصر" وقالوا إنه لم يترك التحية في حال من الأحوال بل أمر الذى دخل المسجد وهو يخطب فجلس قبل أن يركع أن يقوم فيركع ركعتين مع أن الصلاة حال الخطبة ممنوعة إلا التحية فلولا شدّة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما أمره بها أثناء خطبته (وذهب) ابن سيرين وعطاء بن أبى رباح والنخعى وقتادة وأصحاب الرأى والليث وشريح وسعيد بن عبد لعزيز إلى كراهة تحية المسجد في أوقات النهى وكذا حال الخطبة يوم الجمعة (وذهبت) المالكية إلى كراهتهما في أوقات النهى

ص: 78

وإلى حرمتهما حال الخطبة وحال طلوع الشمس وغروبها. وقاوا إن حديث الأمر بالصلاة عند دخول المسجد عامّ فيخصّ بأحاديث النهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب "ودعوى" أن أحاديث النهى محمولة على ما لا سبب له "لا دليل عليها""وصلاته" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتى الظهر بعد العصر "مختصة به" لما ثبت عند أحمد وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما قالت له أم سلمة أفنقضيهما إذا فاتتنا قال لا "ولو سلم" عدم الاختصاص "لما كان" في ذلك إلا جواز قضاء سنة الظهر لا جواز جميع ذوات الأسباب (وأجابوا) عن حديث أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سليكا بصلاة الركعتين بوجوه "الأول" أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنصت له حتى فرغ من صلاته "ويؤيده" ما رواه الدارقطنى من حديث عبيد بن محمد العبدى قال ثنا معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس قال دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قم فاركع ركعتين وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته قال الدارقطنى أسنده عبيد بن محمد العبدى ووهم فيه. ورواه أيضا أحمد ابن حنبل بسنده إلى معتمر عن أبيه قال جاء رجل والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال يا فلان أصليت قال لا قال قم فصلّ ثم انتظره حتى صلى. قال وهذا المرسل هو الصواب. ثم أخرج عن أبى معشر عن محمد بن قيس أن النبى صلى الله. تعالى عليه وعلى آله وسلم حين أمره "يعنى سليكا" أن يصلى ركعتين أمسك عن الخطبة حتى فرغ من ركعيه ثم عاد إلى خطبته "قال" وهذا مرسل لا تقوم به الحجة وأبو معشر ضعيف "الثاني" أنه يحتمل أن دخوله كان قبل شروعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الخطبة "وقد" بوّب النسائي في سننه الكبرى على حديث سليك فقال باب الصلاة قبل الخطبة. ثم أخرجه عن ابن الزبير عن جابر قال جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أركعت ركعتين قال لا قال قم فاركعهما "الثالث" أن ذلك مخصوص بسليك الغطفاني فإنه كان فقيرا فأراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيامه لتستشرفه العيون ويتصدّق عليه "ويؤيده" ما رواه الطحاوى عن أبى سعيد أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر فناداه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فما زال يقول ادن حتى دنا فأمره فركع ركعتين قبل أن يجلس وعليه خرقة خلق ثم صنع مثل ذلك في الثانية فأمره بمثل ذلك ثم صنع مثل ذلك في الجمعة الثالثة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للناس تصدّقوا فألقوا الثياب فأمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأخذ ثوبين فلما كان بعد ذلك أمر الناس أن

ص: 79

يتصدّقوا فألقى الرجل أحدث ثوبيه فغضب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره أن يأخذ ثوبه (فهذه أجوبة) عن حديث أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الداخل المسجد أن يركع ركعتين حال الخطبة (وكلها ضعيفة) يعارضها ما في الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله أنه قال جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب يوم الجمعة فجلس قبل أن يصلى فأمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يصلى ركعتين ثم أقبل على الناس بوجهه فقال إذا جاء أحدكم إلى الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين يتجوز فيهما (فهذه) الرواية تنفى الاحتمالات كلها (وأقوى أدلة) من قال بعدم جواز الصلاة حال الخطبة ما رواه الستة والطحاوى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت. قالوا فإذا منع من هذه الكلمة مع كونها أمرا بمعروف ونهيا عن منكر في زمن يسير وهو واجب فلأن يمنع من الركعتين مع كونهما مسنونتين وفي زمن طويل من باب أولى (وردّ بأن) هذا قياس في مقابلة النصّ فلا يعوّل عليه (والظاهر من الأدلة) أن من دخل المسجد أىّ وقت يصلى ركعتين ولو حاله الخطبة إلا في أوقات الكراهة (قال) الخطابى إذا دخل المسجد كان عليه أن يصلى ركعتين تحية المسجد قبل أن يجلس وسواء أكان في جمعة أم غيرها كان الإمام على المنبر أم لم يكن لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمّ ولم يخصّ اهـ (وقال) في النيل التحقيق أنه قد تعارض في المقام عمومان. النهى عن الصلاة في أوقات مخصوصة من غير تفصيل. والأمر للداخل بصلاة التحية من غير تفصيل فتخصيص أحد العمومين بالآخر تحكم. وكذلك. ترجيح أحدهما على الآخر مع كون كلّ واحد منهما في الصحيحين بطرق متعدّدة "إلى أن قال" والمقام عندى من المضايق والأولى للمتورّع ترك دخول المساجد في أوقات الكراهة اهـ ملخصا (وما قاله) فيه نظر فإن العموم في النهى من حيث الصلوات والعموم في الأمر بالصلاة لداخل المسجد من حيث الأوقات فالجهة ليست متحدة فلا تعارض بينهما والحق أن حديث النهى خاص في الأوقات. وحديث الأمر بالصلاة لداخل المسجد عامّ فيها فيحمل العامّ على الخاص وفي ذلك إعمال لكل من الدليلين (وما قاله) من أن الأولى للمتورّع ترك دخول المساجد في أوقات الكراهة "غير مسلم" إذ المساجد مأذون في دخولها في جميع الأوقات (وهل تحية المسجد) تفوت بالجلوس فيه خلاف (فذهبت) الحنفية والمالكية إلى أنها لا تفوت بالجلوس ولو طال وإن كان الجلوس قبلها مكروها لما تقدم في قصة الرجل الذى دخل المسجد فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره بالصلاة بعد جلوسه. ولما رواه ابن حبان في صحيحه عن أبى ذرّ أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أركعت ركعتين قال لا قال قم فاركعهما (وذهبت) الحنابلة إلى أنها لا تفوت بالجلوس إلا إذا طال وكذلك قالت الشافعية

ص: 80

إن كان الجلوس عن سهو أو نسيان وإلا فاتت به مطلقا (قال) النووى ولا يشرع قضاؤها (وقال) الطبرى يحتمل أن يقال وقتها قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده وقت جواز أو يقال وقتها قبله أداء وبعده قضاء (وظاهر الحديث) أيضا أن التحية مشروعة وإن تكرّر دخول المسجد وإلى ذلك ذهبت الشافعية (وذهبت) الحنفية إلى أنه إذا تكرّر دخوله يكفيه ركعتان لها في اليوم (وقالت) المالكية إن تكرّر دخوله كفته الأولى إن قرب رجوعه عرفا وإلا كرّرها (وقالت) الحنابلة تسن تحية المسجد لكل داخل في غير وقت النهي قبل أن يجلس إذا كان متطهرا ولو تكرّر دخوله غير خطيب دخل للخطبة وغير داخل لصلاة عيد وغير قيم للمسجد تكرّر دخوله (قال) ابن دقيق العيد من كثر تردّده إلى المسجد وكرّر هل يتكرّر له الركوع مأمورا به. قال بعضهم لا وقاسه على الخطابين والفكاهين المترددين إلى مكة في سقوط الإحرام عنهم إذا كثر ترددهم. والحديث يقتضى تكرار الركوع بتكرار الدخول. وقول هذا القائل يتعلق بمسأله أصولية وهو تخصيص العموم بالقياس وللأصوليين في ذلك أقوال متعددة اهـ (فوائد)"الأولى" هل يصلى التحية من دخل المسجد لصلاة العيد "الظاهر" من لفظ هذا الحديث أنه يصلى "ولا ينافيه" ما ذكره المصنف في باب الصلاة بعد صلاة العيد من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يصلى قبل العيد ولا بعدها "فإنه محمول" على صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياها في الصحراء كما كانت عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما صلاها في المسجد إلا لضرورة مطر كما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى (الثانية) يستثنى من عموم طلب تحية المسجد من دخل المسجد الحرام فإن تحيته الطواف إلا إذا أراد الجلوس قبل الطواف فإنه يشرع له أن يصلى التحية (قال) ابن دقيق العيد لفظة المسجد تتناول كل مسجد وقد أخرجوا عنه المسجد الحرام وجعلوا تحيته الطواف فإذا كان في ذلك خلاف فلمخالفهم أن يستدلّ بهذا الحديث. وإن لم يكن فالسبب في ذلك النظر إلى المعنى وهو أن المقصود افتتاح الدخول في محل العبادة بعبادة وعبادة الطواف تحصل هذا المقصود مع أن غير هذا المسجد لا يشاركه فيها فاجتمع في ذلك تحصيل المقصود مع الاختصاص. وأيضا فقد يؤخذ ذلك من فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حجته حين دخل المسجد فابتدأ بالطواف على ما يقتضيه ظاهر الحديث واستمر عليه العمل وذلك أخصّ من هذا العموم. وأيضا فإذا اتفق أن طاف ومشى على السنة في تعقيب الطواف بركعتيه وجرينا على ظاهر اللفظ في الحديث فقد وفينا بمقتضاه اهـ "ويستثنى أيضا" خطيب الجمعة إذا دخل المسجد بعد الزوال فإنه يصعد المنبر كما كان يفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن دخل قبل الزوال صلاها (الثالثة) قال ابن القيم من هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن الداخل إلى المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد ثم يسلم على القوم فتكون تحية المسجد

ص: 81

قبل تحية أهله فإن تلك حقّ الله تعالى والسلام على الخلق حقّ لهم وحق الله تعالى في مثل هذا أحق بالتقديم بخلاف الحقوق المالية فإن فيها نزاعا معروفا. والفرق بينهما حاجة الآدمى وعدم تساع الحقّ المالى لأداء الحقين بخلاف السلام وكانت عادة القوم معه صلى الله عليه وآله وسلم هكذا يدخل أحدهم المسجد فيصلى ركعتين ثم يسلم على النبى صلى الله عليه وآله وسلم "ففي" حديث رفاعة ابن رافع أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينما هو جالس في المسجد يوما قال رفاعة ونحن معه إذ جاء رجل كالبدوى فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعليك السلام ارجع فصلّ فإنك لم تصل "الحديث" فأنكر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه صلاته ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه بعد الصلاة، وعلى هذا فيسنّ لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مرتبة "أحدها" أن يقول عند دخوله باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله "ثم يصلى" ركعتين تحية "ثم يسلم" على القوم اهـ (الرابعة) إذا دخل مجتازا لا يطالب بالتحية عند المالكية ويطالب بها عند الجمهور لعموم الأحاديث

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخاري ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه وأحمد والبيهقى والدارقطنى وكذا الأثرم في سننه بلفظ أعطوا المساجد حقها قالوا وما حقها قال تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، نَا أَبُو عُمَيْسٍ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ وزَادَ:«ثُمَّ لِيَقْعُدْ بَعْدُ إِنْ شَاءَ أَوْ لِيَذْهَبْ لِحَاجَتِهِ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله أبو عميس) بضم العين المهملة مصغرا هو (عتبة بن عبد الله)

ابن عتبة بن مسعود الهذلى المسعودى. روى عن أبيه والشعبى وأبي إسحاق وعمرو بن مرّة وكثيرين

وعنه محمد بن إسحاق وشعبة وابن عيينة ووكيع وآخرون. قال أحمد وابن معين وابن سعد

وابن حبان ثقة وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له الجماعة

(قوله عن رجل من بني زريق) قال

الحافظ هو عمرو بن سليم الزّرقى ثقة من كبار التابعين اهـ ويدل له الرواية المتقدمة. ومنه تعلم أن قول

المنذرى إنه مجهول غير مسلم

(معنى الحديث)

(قوله نحوه) أى نحو حديث مالك عن عامر

(قوله وزاد الخ) أى زاد أبو عميس في حديثه ثم ليقعد بعد أن صلى الركعتين إن شاء القعود أو ليمض إلى حاجته. وهذه الرواية تدل على أن من دخل المسجد ولو مجتازا يطلب منه التحية خلافا

ص: 82