المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٤

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في المحافظة على وقت الصلوات)

- ‌(باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت)

- ‌(باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها)

- ‌(باب في بناء المساجد)

- ‌(باب اتخاذ المساجد في الدور)

- ‌(باب في السرج في المساجد)

- ‌(باب في كنس المساجد)

- ‌(باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)

- ‌(باب في فضل القعود في المسجد)

- ‌(باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد)

- ‌(باب في المشرك يدخل المسجد)

- ‌(باب المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة)

- ‌(باب النهى عن الصلاة في مبارك الإبل)

- ‌(باب متى يؤمر الغلام بالصلاة)

- ‌(باب بدء الأذان)

- ‌(باب ما جاء في الإقامة)

- ‌(باب الرجل يؤذن ويقيم آخر)

- ‌(باب من أذن فهو يقيم)

- ‌(باب رفع الصوت بالأذان)

- ‌(باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت)

- ‌(باب الأذان فوق المنارة)

- ‌(باب في المؤذن يستدير في أذانه)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع المؤذن)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع الإقامة)

- ‌(باب في الدعاء عند الأذان)

- ‌(باب ما يقول عند أذان المغرب)

- ‌(باب أخذ الأجر على التأذين)

- ‌(باب في الأذان قبل دخول الوقت)

- ‌(باب الأذان للأعمى)

- ‌(باب الخروج من المسجد بعد الأذان)

- ‌(باب في المؤذن ينتظر الإمام)

- ‌(باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا)

- ‌(باب في فضل صلاة الجماعة)

- ‌(باب ما جاء في فضل المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب ما جاء في المشى إلى الصلاة في الظلم)

- ‌(باب ما جاء في الهدى في المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب من خرج يريد الصلاة فسبق بها)

- ‌(باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد)

- ‌(باب ما جاء في الجمع في المسجد مرّتين)

- ‌(باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد)

- ‌(باب في جماع الإمامة وفضلها)

- ‌(باب في كراهية التدافع عن الإمامة)

- ‌(باب من أحق بالإمامة)

- ‌(باب إمامة النساء)

- ‌(باب الرجل يؤمّ القوم وهم له كارهون)

- ‌(باب إمامة البرّ والفاجر)

- ‌(باب إمامة الأعمى)

- ‌(باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة)

- ‌(باب الإمام يصلى من قعود)

- ‌ مشروعية التبليغ عند الحاجة إليه

- ‌(باب الرجلين يؤمّ أحدهما صاحبه كيف يقومان)

- ‌(باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون)

- ‌(باب الإمام ينحرف بعد التسليم)

الفصل: ‌(باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا)

والملائكة والناس أجمعين. وروى الدارقطنى في الأفراد عن أنس مرفوعا من غشّ أمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين قيل يا رسول الله وما الغشّ قال أن يبتدع لهم بدعة فيعمل بها وروى الطبرانى عن الحكيم بن عمير الأمر المفظع والحمل المضلع والشرّ الذى لا ينقطع إظهار البدع. وروى ابن ماجه عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقبل الله تعالى لصاحب بدعة صلاة ولا صوما ولا صدقة ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا يخرج من الإسلام كما يخرج الشعر من العجين (إلى غير ذلك) من الأحاديث الكثيرة الدالة على ذمّ البدع والعاملين بها

(باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا)

(ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: ثَنَا أَبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» .

(ش)(قوله قالا حدثنا أبان عن يحيى) وفى رواية للبخارى حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام قال كتب إليّ يحيى الخ ولعلّ مسلم بن إبراهيم له في سند هذا الحديث شيخان و (أبان) هو ابن يزيد العطار. و (يحيى) بن أبى كثير

(قوله فلا تقوموا حتى تروني) أى قد خرجت فقوموا. وفى قوله لا تقوموا نهى عن القيام وقوله حتى ترونى تسويغ للقيام عند الرؤية وهو مطلق غير مقيد بشئ من ألفاظ الإقامة. ومن ثم اختلف العلماء في ذلك (فقال مالك) في الموطأ لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحدّ محدود إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس فإن منهم الثقيل والخفيف ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد. وقال في المجموعة قيل لمالك إذا أقيمت الصلاة فمتى يقوم الناس قال ما سمعت في حدّا وليقوموا بقدر ما استوت الصفوف وفرغت الإقامة. وقال ابن حبيب كان ابن عمر لا يقوم حتى يسمع قد قامت الصلاة (وذهبت) الشافعية إلى أنه لا يقوم كلّ من الإمام والمأموم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة (وبهذا) قال أبو يوسف وأهل الحجاز وإسحاق وهو رواية عن أحمد (وذهب) عمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب وسالم بن عبد الله وأبو قلابة وعراك بن مالك والزهرى وسليمان بن حبيب إلى أنهم يقومون حين الشروع في الإقامة مطلقا وقال به أحمد وإسحاق وعطاء إذا كان الإمام في المسجد. وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال قد قامت الصلاة. وقال سعيد بن المسيب إذا قال المؤذن الله أكبر وجب

ص: 222

القيام وإذا قال حيّ على الصلاة عدّلت الصفوف وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام. وقال زفر إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة مرّة قاموا وإذا قال ثانيا افتحوا (وقال أبو حنيفة) ومحمد يقومون في الصفّ إذا قال حيّ على الصلاة فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام قالا لأنه أمين الشرع وقد أخبر بقيامها فيجب تصديقه. واحتج لهما بما رواه البيهقى من طريق الحجاج ابن فرّوخ عن العوّام بن حوشب عن عبد الله بن أبى أوفى قال كان بلال إذا قال قد قامت الصلاة نهض النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكبر. وبما رواه المصنف أن بلالا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تسبقنى بآمين. قالا ولأنه إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ولم يكبر الإمام يكون كاذبا. لكن قولهما إن الإمام يكبر إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة مخالف لما تقدم للمصنف عن أبي أمامة أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقامها الله وأدامها وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان فإنه صريح في أنه لم يكن يكبر للصلاة إلا بعد فراغ الإقامة ولأن الإقامة دعاء للصلاة فلم يشرع الدخول فيها إلا بعد الفراغ منها كالأذان (وأجيب) عن حديث ابن أبى أوفي بأنه ضعيف لأنه من طريق الحجاج بن فرّوخ وهو مجهول كما قال أبو حاتم. وقال الدارقطنى ضعيف وضعفه ابن معين والنسائى. ولأن العوّام بن حوشب لم يدرك ابن أبى أوفى ولم يسمع أحدا من الصحابة. وروايته عن التابعين. وعن حديث بلال من وجهين (أحدهما) ما قاله البيهقى وغيره من أنه ضعيف لأنه روى مرسلا عن الثقات ومسندا إسناد ليس بشئ ورواه أحمد بإسناده عن أبى عثمان النهديّ قال قال بلال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تسبقنى بآمين (قال) البيهقى فيرجع الحديث إلى أن بلالا كان يؤمن قبل تأمين النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لا تسبقنى (الثانى) أن بلالا عرضت له حاجة خارج المسجد فسأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التمهل بقوله لا تسبقنى بآمين. على أن بين قوله قد قامت الصلاة وبين آخر الإقامة زمنا يسيرا يمكنه إتمام الإقامة وإدراك آخر الفاتحة بل إدراك أولها بل إدراك ما قبلها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ دعاء الافتتاح بعد الإحرام ثم يشرع في الفاتحة. وقولهما إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ولم يكبر الإمام يكون كاذبا ليس المراد منه الدخول في الصلاة بالفعل بل معناه قرب الدخول فيها كما قاله أهل العربية والفقهاء فهو مجاز حسن على حدّ قوله تعالى "فإذا بلغن أجلهنّ" أى قاربن بلوغهنّ اهـ من شرح المهذب للنووى ملخصا (وظاهر) حديث الباب أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من بيته. وهو معارض لحديث جابر بن سمرة المتقدّم فإن فيه أن بلالا كان يؤذن ثم يمهل فإذا رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج أقام الصلاة. ويمكن

ص: 223

الجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأوّل ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه الناس فإذا رأوه قاموا (وظاهره) أيضا يعارض رواية مسلم أقيمت الصلاة فقمنا فعدّلنا الصفوف قبل أن يخرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ورواية البخارى عن أبي هريرة أقيمت الصلاة فسوّى الناس صفوفهم فخرج صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الحديث" ويمكن الجمع بينهما أيضا بأن ذلك كان سببا للنهى في حديث أبى قتادة فإنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع شغل يبطئُ فيه عن الخروج فيشقّ عليهم انتظاره. أو بأن هذا وقع لبيان الجواز ليبين أن النهى في حديث الباب محمول على الكراهة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا رَوَاهُ أَيُّوبُ، وَحَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، عَنْ يَحْيَى، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى.

(ش) أى روى الحديث المذكور أيوب السختياني وحجاج عن يحيى مثل رواية أبان بالعنعنة. ورواية أيوب لم نقف على من أخرجها. ورواية حجاج أخرجها مسلم. و (حجاج) هو ابن أبى عثمان ميسرة (الصوّاف) أبو الصلت الكندى مولاهم البصرى. روى عن حميد بن هلال وأبى الزبير ويحيى بن أبى كثير والحسن البصرى وغيرهم. وعنه الحمادان ويحيى القطان ويزيد بن زريع وأبو عوانة وأبو عاصم وجماعة. وثقه ابن معين وأبو حاتم وأحمد وأبو زرعة والنسائى والعجلى وابن حبان وغيرهم. توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة

(قوله وهشام الدستوائى الخ) بالرفع أى وأما هشام الدستوائى فقال في روايته كتب إليّ يحيى بن أبى كثير هذا الحديث ورواية هشام أخرجها البخارى (قال) الحافظ قوله كتب إليّ يحيى ظاهر في أنه لم يسمعه منه وقد رواه الإسماعيلى من طريق هشيم عن هشام وحجاج الصوّاف كلاهما عن يحيى وهو من تدليس الصنيع وصرحّ أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن هشام أن يحيى كتب إليه أن عبد الله بن أبى قتادة حدّثه فأمن بذلك تدليس يحيى اهـ والحاصل أنه قد اختلف على يحيى فروى عنه أبان وأيوب وحجاج الحديث بالعنعنة ورواه هشام الدستوائى عنه كتابة

(ص) وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، وَقَالَا فِيهِ:«حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ» .

ص: 224

(ش) أى روى الحديث معاوية بن سلام وعلى بن المبارك عن يحيى بن أبى كثير أيضا بالعنعنة لكن بزيادة قوله وعليكم السكينة أى الخشوع والوقار بخلاف رواية أبان وهشام عن يحيى فليس فيها هذه الزيادة. ورواية معاوية وصلها مسلم. ورواية على بن المبارك وصلها البخارى في كتاب الجمعة وغرض المصنف بذكر هذا التعليق تقوية الرواية عن يحيى بالعنعنة وبيان أنه كما اختلف في السند اختلف في المتن هذا. و (على بن المبارك) هو الهنائى البصرى. روى عن عبد العزيز بن صهيب وأيوب السختياني وهشام بن عروة ويحيى بن أبى كثير وآخرين. وعنه وكيع والقطان وابن علية ومسلم بن قتيبة وجماعة. قال ابن حبان كان ضابطا متقنا ووثقه ابن معين وابن نمير والعجلى وابن المديني وجماعة. روى له الجماعة

(ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنَا عِيسَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، قَالَ:«حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ» ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَذْكُرْ: «قَدْ خَرَجْتُ» ، إِلَّا مَعْمَرٌ.

(ش)(قوله عيسى) بن يونس

(قوله بإسناده) أي سند الحديث السابق وهو عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله قال حتى ترونى قد خرجت الخ) أى قال معمر بن راشد في روايته هذه الزيادة عن يحيى بن أبى كثير ولم يذكرها غير معمر كما قال المصنف. وغرض المصنف بهذا تضعيف هذه الزيادة لتفرّد معمر بها ورواية معمر التى فيها هذه الزيادة أخرجها النسائى من طريق الفضل بن موسى عنه

(ص) وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ لَمْ يَقُلْ فِيهِ:«قَدْ خَرَجْتُ» .

(ش) أشار به إلى أنه قد اختلف على معمر في هذه الزيادة فرواه عنه عيسى بن يونس بها كما تقدم ورواه عنه سفيان بن عيينة بدونها وهى الموافقة للروايات الأخر. ورواية سفيان عن معمر أخرجها مسلم

(ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو: ح وَثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ -وَهَذَا لَفْظُهُ- عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَقَامَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ» .

ص: 225

(ش)(رجال الحديث)(أبو عمرو) هو عبد الرحمن الأوزاعي كما صرّح به في رواية مسلم

(قوله داود بن رشيد) بالتصغير الهاشمي مولاهم أبو الفضل الخوارزمى سكن بغداد. روى عن هشيم والوليد بن مسلم ومعتمر بن سليمان وابن علية وجماعة. وعنه مسلم وأبو داود وابن ماجه وأبو زرعة وأبو حاتم وآخرون. وثقه اين معين وابن حبان وقال أبو حاتم صدوق وقال الدارقطني ثقة نبيل. توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين

(قوله وهذا لفظه) أى ما ذكره المصنف لفظ حديث داود بن رشيد

(معنى الحديث)

(قوله فيأخذ الناس مقامهم الخ) أى مواضعهم التي يقومون فيها للصلاة قبل أن يأخذ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقامه. وفي رواية أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقامه. وهذا لا ينافى ما تقدم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تقوموا حتى تروني لأنه لا يلزم من عدم أخذه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقامه عدم رؤيته بل يرونه في غير مقامه فيقومون مقامهم قبل أن يقف صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مكان صلاته

(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية قيام الناس واصطفافهم للصلاة قبل أن يقوم الإمام في مكانه الذى يصلى فيه

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وأخرج النسائى نحوه

(ص) حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ، عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَمَا تُقَامُ الصَّلَاةُ فَحَدَّثَنِي، عَنْ أَنَسِ، قَالَ:«أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَعَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ رَجُلٌ، فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله حسين بن معاذ) بن خليف بالمعجمة وقيل بالمهملة مصغرا البصرى. روى عن عبد الأعلى وابن أبى عدى وعثمان بن عمر. وعنه أبو داود وبقىّ ابن مخلد والحسن بن سفيان. وثقه ابن حبان ومسلمة وقال أبو داود ثبت في عبد الأعلى ابن عبد الأعلى. و (حميد) هو الطويل. و (البنانى) بضم الموحدة وتحفيف النون نسبة إلى بنانة زوج سعد بن لؤى بن غالب بن فهر. وقيل كانت حاضنة لبنيه كما تقدم

(معنى الحديث)

(قوله فعرض لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجل الخ) لم أقف على اسمه وذكر بعضهم أنه كان كبيرا في قومه فأراد النبي صلى الله تعالى عليه

ص: 226

وعلى آله وسلم أن يتألفه للإسلام فحبسه أى منعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الدخول في الصلاة. زاد هشيم في روايته عند البخارى حتى نعس بعض القوم وسيأتى للمصنف (وفى هذا دليل) على جواز الفصل بين الإقامة والإحرام بالصلاة لحاجة (قال الحافظ) ويكره إذا كات لغيرها. وفيه ردّ على من قال من الحنفية يجب على الإمام أن يحرم بالصلاة عند قول المؤذن قد قامت الصلاة اهـ ملخصا (وقال العينى) فيه دليل على أن اتصال الإقامة بالصلاة ليس من وكيد السنن بل هو من مستحبها اهـ (وقالت المالكية) اتصال الإقامة بالصلاة سنة والفصل اليسير لا يضرّ بخلاف الكثير فإنه يبطلها وبه قال بعض الحنفية (وذهبت) الحنابلة إلى أنه يستحب أتصلها بالصلاة وأنها لا تعاد ولو طال الفصل

(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الفصل بين الإقامة وتكبيرة الإحرام، وعلى جواز تأخير الصلاة عن أول وقتها، وعلى مزيد رأفته وتواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى وأحمد وابن حبان

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ السَّدُوسِيُّ، ثَنَا عَوْنُ بْنُ كَهْمَسٍ، عَنْ أَبِيهِ كَهْمَسٍ، قَالَ: قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ بِمِنًى وَالْإِمَامُ لَمْ يَخْرُجْ فَقَعَدَ بَعْضُنَا، فَقَالَ لِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: مَا يُقْعِدُكَ؟ قُلْتُ: ابْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ: هَذَا السَّمُودُ: فَقَالَ لِي الشَّيْخُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ:«كُنَّا نَقُومُ فِي الصُّفُوفِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ طَوِيلًا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ» ، قَالَ: وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَمَا مِنْ خَطْوَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا يَصِلُ بِهَا صَفًّا»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله أحمد بن على) منسوب إلى جده فإنه أحمد بن عبد الله ابن على الخ. روى عن أبي داود الطيالسى والأصمعى وروح بن عبادة. وعنه البخارى والنسائى وابن خزيمة والمصنف وآخرون. وثقه ابن حبان وابن إسحاق وقال النسائى صالح. توفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين. و (السدوسى) نسبة إلى سدوس بوزن رسول قبيلة من بكر

(قوله عون بن كهمس) بن الحسن التميمى أبو يحيى البصرى. روى عن أبيه وبشر بن عمير وهشام ابن حسان وشعبة. وعنه السدوسى وخليفة بن خياط ومحمد بن يحيى وجماعة. ذكره ابن حبان

ص: 227

في الثقات وقال أبو داود لم يبلغنى عنه إلا الخير وقال أحمد لا أعرفه. روى له أبو داود

(قوله عن أبيه كهمس) بن الحسن أبى الحسن التميمي البصرى. روى عن عبد الله بن بريدة وأبى الطفيل وعبد الله بن شقيق وأبى نضرة العبدى. وعنه معاذ بن معاذ وابن المبارك ووكيع وآخرون وثقه ابن معين وأحمد وأبو داود وابن سعد وقال أبو حاتم لا بأس به وقال الساجى صدوق يهم ونقل أن ابن معين والأزدى ضعفاه وذكره ابن حبان في الثقات. وقال مات سنة تسع وأربعين ومائة. روى له الجماعة

(قوله قمنا إلى الصلاة بمنى) أى فيها وهو اسم موضع قرب مكة يقال بينه وبين مكة ثلاثة أميال والغالب عليه التذكير فيصرف وسمى الموضع بمنى لما يمنى ويراق به من الدماء

(قوله ما يقعدك) أى أىّ شئ يقعدك فما استفهامية وكأن كهمسا لم يكن مع من جلس لكن أراد الجلوس فخاطبه الشيخ. ولعلّ غرضه أنهم ينتظرون الإمام قائمين ولا يجلسون

(قوله قلت ابن بريدة الخ) أى قال كهمس مجيبا الشيخ أقعدنى قول ابن بريدة إن انتظار الناس للإمام قياما هو السمود فاسم الإشارة عائد على انتظار القوم للإمام من قيام المعلوم من السياق. والسمود رفع الرأس تكبرا يقال سمد سمودا رفع رأسه تكبرا وعلا كما في القاموس (وقال) في النهاية في حديث عليّ أنه خرج والناس ينتظرونه للصلاة قياما فقال مالى أراكم سامدين السامد المنتصب إذا كان رافعا رأسه ناصبا صدره أنكر عليهم قيامهم قبل أن يروا إمامهم. وقيل السامد القائم في تحير اهـ ويطلق السمود أيضا على الغفلة ومنه قوله تعالى "وأنتم سامدون" أى ساهون لاهون غافلون (وحكى) عن إبراهيم النخعى أنه قال كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قياما ويقولون ذلك السمود

(قوله فقال لى الشيخ الخ) أى قال كهمس فقال لى الشيخ لما ذكرت له قول ابن بريدة حدثنى عبد الرحمن الخ ومقصود الشيخ بذلك ردّ قول ابن بريدة. و (عبد الرحمن بن عوسجة) هو الهمدانى الكوفي. روى عن البراء وعلقمة بن قيس والضحاك بن مزاحم وأرسل عن علىّ. وعنه طلحة بن مصرّف وأبو إسحاق السبيعى وطلحة بن نافع. وثقه ابن حبان والنسائى والعجلى وقال ابن سعد كان قليل الحديث. توفي سنة اثنتين وثمانين. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب

(معنى الحديث)

(قوله كنا نقوم في الصفوف الخ) ذكره دليلا على إنكاره القعود لكن لا يدلّ على أن قيامهم كان لانتظاره صلى الله عليه وآله وسلم بل يجوز أن يكون بعد حضوره ويكون طول القيام لعارض. على أنه قال قبل أن يكبر ولم يقل قبل أن يأتى ولا يلزم من عدم تكبيره عدم حضوره. ولو سلم هذا كله فالحديث لا يخلو عن ضعف إذ الشيخ غير معلوم فلا يعارض حديث لا تقوموا حتى تروني

(قوله قال وقال الخ) أى قال البراء بن عازب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله عز وجل وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف الأول أى يرحم الله الذين

ص: 228

يصلون في الصفوف الأول ويقومون فيها وكذا الملائكة تستغفر لهم. وفي نسخة يصلون على الذين يلون الصفوف الأول. وليست الصفوف الأول في الفضيلة سواء بل الأفضل الأول فالأول. لما رواه النسائى وابن ماجه عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يستغفر للصف الأول المقدّم ثلاثا والثانى مرّة. ولما رواه مسلم وابن ماجه والترمذى والمصنف عن أبى هريرة خير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها

(قوله وما من خطوة الخ) بفتح الخاء المعجمة المرّة الواحدة وجمعها خطوات بفتح الطاء وخطاء بالكسر والمدّ مثل ركوة وركاء وبضم الخاء ما بين القدمين وجمعها خطوات بتثليث الطاء وخطا. وخطوة بالرفع اسم ما على أنها عاملة. وأحبّ بالنصب خبرها ويجوز أن يكون خطوة مبتدأ وأحب بالرفع خبر ومن زائدة في الوجهين

(قوله يمشيها الخ) بالمثناة التحتية صفة لخطوة وكذا قوله يصل بها صفا وقيل بالمثناة الفوقية فيهما. والتفضيل بالنسبة للخطوات التى يخطوها من بيته إلى المسجد وإلا فهناك ما هو مساو للخطوات التى يمشيها إلى المسجد في الفضل أو ما هو أفضل كالخطوات في الجهاد في سبيل الله تعالى وفي فريضة الحج

(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز انتظار المأمومين الإمام قياما قبل الإحرام. وعلى جواز الفصل بين الإقامة والصلاة، وعلى فضل الصفوف الأول على غيرها، وعلى الترغيب في سدّ الفرج في الصفوف

(من أخرج الحديث أيضا) أخرج ابن خزيمة قوله إن الله عز وجل وملائكته يصلون على الذين يلون الصفوف الأول

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:«أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَجِيُّ رَجُلٍ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ»

(ش)(قوله أقيمت الصلاة) أى صلاة العشاء كما صرّح به في رواية مسلم وكما يدلّ عليه قوله حتى نام القوم

(قوله ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نجىّ رجل) أى مناج رجلا. وفى رواية البخارى يناجى رجلا أى يتحدّث معه سرّا وهو بعيد عن القوم يقال تناجى القوم إذا دخلوا في حديثهم سرّا وهم متناجون

(قوله حتى نام القوم) غاية للمناجاة زاد شعبة عن عبد العزيز في رواية مسلم ثم قام فصلى. ولعلّ نجواه صلى الله عليه وآله وسلم كانت في أمر من أمور الدين لا ينبغى تأخيره وإلا لم يكن ليؤخر الصلاة عن أول الوقت حتى ينام القوم

ص: 229

(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز مناجاة الشخص غيره بحضور الجماعة، وعلى جواز تأخير الصلاة عن أول وقتها، وعلى جواز الكلام بين الإقامة والصلاة، وعلى جواز تأخير الصلاة عن الإقامة إن عرضت حاجة للإمام بخلاف المأموم لأنه لا يتقيد به غيره

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى وابن حبان

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا رَآهُمْ قَلِيلًا جَلَسَ لَمْ يُصَلِّ، وَإِذَا رَآهُمْ جَمَاعَةً صَلَّى» .

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عبد الله بن إسحاق) المصرى. روى عن أبى عاصم وعبد الله ابن رجاء وأبى زيد الهرواى. وعنه أبى داود وأبى حاتم والترمذى والنسائى وابن ماجه وجماعة ذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث. وقال في التقريب ثقة حافظ وقال ابن قانع كان حافظا مات سنة سبع وخمسين ومائتين. و (الجوهرى) نسبة إلى بيع الجوهر. و (أبو عاصم) الضحاك ابن مخلد النبيل. و (ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز. و (موسى بن عقبة) بن أبى عياش الأسدى أبي محمد مولى آل الزبير. روى عن أمّ خالد وكريب وعكرمة ومحمد بن المنكدر وعروة ابن الزبير وطائفة. وعنه يحيى بن سعيد وابن جريج ومالك وابن المبارك والسفيانان وشعبة وكثيرون قال ابن سعد كان ثقة ثبتا كثير الحديث ووثقه أحمد وابن معين والعجلي وغير واحد. مات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة. روى له الجماعة

(معنى الحديث)

(قوله حين تقام الصلاة في المسجد الخ) لعلها كانت تقام حين يرونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خارجا من الججرة وقبل دخوله المسجد فإذا دخل المسجد ووجد القوم قليلين جلس لاجتماعهم وإذا وجدهم كثيرين صلى بهم. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك في بعض الأحيان كما تقدم "ولا ينافيه" التعبير بكان المفيدة للدوام "لأن ذلك" أغلبي فيها بل لا تفيده إلا بقرينة كما تقدم. لكن روى البيهقى هذا الحديث من طريق موسى بن عقبة عن سالم أيضا بلفظ إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخرج بعد النداء إلى المسجد فإن رأى أهل المسجد قليلا جلس حتى يجتمعوا ثم يصلى (قال) الحافظ إسناده قوىّ مع إرساله اهـ فظاهره أن جلوسه في المسجد وانتظاره للجماعة بعد الأذان لا الإقامة ويمكن الجمع بينهما باحتمال أن يراد بالنداء في رواية البيهقي الإقامة ويؤيده ما في الروايات المتقدمة من أنه كان يخرج بعد الإقامة. وعلى احتمال أن يراد بالنداء في رواية البيهقي الأذان فيشبه أن

ص: 230

يكون المعنى في قوله في حديث الباب حين تقام الصلاة أى حين جاء وقت أدائها فيكون لفظ تقام ليس المراد به ذكر ألفاظ الإقامة المعروفة ويكون المعنى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل المسجد لأداء الصلاة ورأى الحاضرين قليلين جلس لانتظار غيرهم وإن رآهم كثيرين صلى. والإقامة المعروفة تكون عند الدخول في الصلاة. وعلى كلّ فالحديث مطابق للترجمة إذ يبعد أن يجلس صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويقوم الحاضرون

(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية انتظار الإمام لكثرة الجماعة، وعلى أنه لا يؤخر الصلاة إذا كثروا ولا سيما أئمة مساجد الأسواق والطرقات، وعلى جواز تأخير الصلاة عن أول وقتها لحاجة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى بلفظ تقدم. وهذا الحديث مرسل لأن سالما أبا النضر لم يدرك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، مِثْلَ ذَلِكَ

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عن أبى مسعود) الأنصارى. روى عن على. وعنه نافع بن جبير. روى له أبو داود. قال الحافظ مجهول من الثالثة. و (الزرقى) نسبة إلى بنى زريق قوم من الأنصار

(قوله مثل ذلك) أى حدّث عبد الله بن إسحاق بسنده حديثا مثل الحديث الذى حدّث به أولا بسنده عن سالم أبى النضر فمثل صفة لموصوف محذوف ولفظه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أقيمت الصلاة فرأى الناس قليلا جلس وإن رآهم جماعة صلى. والحديث وإن كان متصلا فيه الزّرقى وهو مجهول كما قال الحافظ

(باب التشديد في ترك الجماعة)

وفي نسخة باب في التشديد في ترك الجماعة

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زَائِدَةُ، ثَنَا السَّائِبُ بْنُ حُبَيْشٍ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ» ، قَالَ زَائِدَةُ: قَالَ السَّائِبُ: يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ: الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ

ص: 231

(ش)(رجال الحديث)(السائب بن حبيش) بالموحدة مصغرا الكلاعي الحمصى روى عن معدان بن أبى طلحة وأبى الشماخ الأزدى. وعنه زائدة بن قدامة وحفص ابن عمر. وثقة العجلى وابن حبان وقال الدارقطنى صالح لا أعلم حدّث عنه غير زائدة وسئل عنه أحمد أثقة هو فقال لا أدرى. روى له أبو داود والنسائى. و (معدان بن أبى طلحة) ويقال ابن طلحة الكنانى. روى عن عمر وأبى الدرداء وثوبان مولى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهم. وعنه سالم بن أبي الجعد والوليد بن هشام والسائب بن حبيش وثقه العجلى وابن حبان وابن سعد وذكره في الطبقة الأولى من أهل الشام. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذي. و (اليعمرى) نسبة إلى يعمر بوزن يشكر منقول من الفعل اسم موضع من كنانة

(معنى الحديث)

(قوله ما من ثلاثة الخ) أى من الرجال لأن جماعة النساء وإمامهنّ منهنّ فيها خلاف. وتقييده بالثلاثة المفيد أن ما فوقها كذلك بالأولى ونظرا إلى أن أقلّ أهل القرية يكونون كذلك غالبا ولأنه أقلّ الجمع وأقلّ صور الكمال في الجماعة وإن كانت تحصل باثنين. وثلاثة مبتدأ خبره جملة استحوذ ومن زائدة. والقرية بفتح القاف وبكسرها لغة يمانية كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا وتقع على المدن وغيرها والجمع قرى على غير قياس لأن ما كان على فعلة من المعتلّ فبابه أن يجمع على فعال بالكسر مثل ظبية وظباء اهـ مصباح. وسميت قرية لاجتماع الناس فيها من قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه. وقوله ولا بدو أى ولا في بادية وبدو كفلس خلاف الحاضرة والنسبة إليه بدوىّ

(قوله لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان) أى غلبهم وحوّلهم إليه فينسيهم ذكر الله فيتركون الشريعة والعمل عليها واستحوذ مما جاء على أصله بلا إعلال على خلاف القياس إذ قياسه استحاذ بقلب الواو ألفاً كاستقام

(قوله فعليك بالجماعة الخ) أى استمسك بها فإن الشيطان بعيد عن الجماعة ويستولى على من فارقها كما علل صلى الله عليه وآله وسلم بقوله فإنما يأكل الذئب القاصية أى البعيدة من الشياه ومراده أن الشيطان يتسلط على تارك الجماعة كما يتسلط الذئب على الشاة المنفردة عن القطيع لأن عين الراعي تحمى الغنم المجتمعة

(قوله قال زائدة الخ) غرض المصنف بذلك بيان المراد من الجماعة المذكورة في الحديث لقوله لا تقام فيهم الصلاة فإن المراد إقامتها في جماعة وإلا فيمكن حمله على ملازمة جماعة المسلمين التى من ضمنها الصلاة في الجماعة

(فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكيد أمر الصلاة في الجماعة للحاضر والبادى، وعلى التحذير من تركها وأن من تركها تسلط عليه الشيطان واستولى عليه فيفتح له باب التهاون، وعلى مشروعية ضرب الأمثال تقريبا للأفهام

ص: 232

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم قال المنذرى زاد رزين في جامعه وإن ذئب الإنسان الشيطان إذا خلا به أكله اهـ

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقُ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»

(ش)(أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (الأعمش) سليمان بن مهران و (أبو صالح) ذكوان السمان

(قوله لقد هممت الخ) قال ذلك صلى الله عليه وآله وسلم لما فقد بعض الصحابة في بعض الصلوات كما في رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال لقد هممت الخ. وفى رواية البيهقى قال إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لا توهما ولو حبوا ولقد هممت الخ وهمّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإتيانهم في هذا الوقت لأن فيه تتحقق مخالفتهم وتخلفهم فيستحقون العقوبة. وقوله ثم آمر رجلا الخ يدلّ على أن الإمام إذا عرض له أمر يستخلف من يصلى بالناس

(قوله ثم أنطلق معى برجال الخ) أى أذهب برجال مصاحبين لى يحملون الحطب إلى قوم لا يحضرون الصلاة مع الجماعة من غير عذر فأحرّق عليهم بيوتهم وحزم جمع حزمة كغرف جمع غرفة ما يجمع ويربط بحبل ونحوه. ولفظ الصلاة عام يشمل جميع الصلوات كما هو ظاهر. ويحتمل أنه خاص بالعشاء لما رواه أحمد عن أبى هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لولا ما في البيوت، من النساء. والذرّية أقمت لصلاة العشاء وأمرت فتياني يحرّقون ما في البيوت بالنار. ولما رواه ابن خزيمة وأحمد والحاكم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شدّاد عن ابن أم مكتوم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال لقد هممت أن آتى هؤلاء الذين يتخلفون عن الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم. ولما رواه البخارى عن أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال والذى نفسى بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤمّ الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرّق عليهم بيوتهم والذى نفسى بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء (قال) الأصمعى العرق

ص: 233

بفتح العين المهملة وسكون الراء قطعة لحم والمرماتان تثنية مرماة بكسر الميم. قال الخليل هي ما بين ظلفي الشاة من اللحم. ويحتمل أن الصلاة التي وقع التهديد لأجلها هى صلاة الفجر والعشاء لما رواه مسلم والنسائى والمصنف وأحمد عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا "الحديث" ويحتمل أنها الجمعة لما رواه مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلى بالناس ثم أحرّق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم (وظاهر هذا التشديد) يدل على وجوب الجماعة في جميع الصلوات عينا وبه قال عطاء والأوزاعي وإسحاق والحنابلة وأبو ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وداود وأهل الظاهر. محتجين بحديث الباب وأشباهه. وبأحاديث أخر يأتى بعضها للمصنف. وقالوا لو كانت فرض كفاية لسقط بفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن معه ولو كانت سنة ما همّ بقتلهم لأن تارك السنة لا يقتل فتعين أن تكون فرضا على الأعيان "ولا يقال" إذا كانت الجماعة واجبة عينا فكيف يجوز أن يتخلف عنها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لأن تخلفه" كان لتكميل أمر الجماعة فكأنه حاضر فيها. واستدلت الحنابلة أيضا بقوله تعالى "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك" فأمر بالجماعة حال الخوف ففى غيره أولى (وهؤلاء اختلفوا) أهى شرط في صحة الصلاة أم لا فقال بشرطيتها داود ومن تبعه وابن حزم وقال لا تجزئُ صلاة فرض أحدا من الرجال إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته فإن كان بحيث لا يسمع أذانا ففرض عليه أن يصلى في جماعة مع واحد إليه فصاعدا ولابدّ فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا أن لا يجد أحدا يصليها معه فيجزئه حينئذ إلا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلف عن الجماعة اهـ (وذهب بعض) الشافعية والمالكية إلى أنها فرض كفاية وهو اختيار الطحاوى والكرخى من الحنفية. لكن خصه الشافعية بالصلاة المؤدّاة بخلاف المقضية فالجماعة فيها مستحبة إذا اتفق الإمام والمأموم فيها كأن يفوتهما ظهر. واستدلوا بأدلة القائلين بالوجوب العينى لقيام القرينة الصارفة للأدلة من فرض العين إلى فرض الكفاية وهى حديث صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بخمس وعشرين درجة فإنه يفيد صحة صلاة المنفرد فيبقى الوجوب المستفاد فيها وجوبا كفائيا (وذهب الجمهور) إلى أن الجماعة سنة مؤكدة وهو مشهور مذهب المالكية والشافعية والحنفية. مستدلين بما رواه الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال صلاة الرجل في الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة. وفي رواية لهما أيضا عن أبى هريرة بخمس وعشرين درجة. قالوا وجه الدلالة

ص: 234

فيه أن المفاضلة إنما تكون بين فاضلين جائزين وإن الصلاتين قد اشتركتا في الفضيلة ولو كانت الفرادى غير مجزئة لما كانت لها فضيلة. وبما رواه الشيخان أيضا عن أبى موسى قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم والذى ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذى يصليها ثم ينام. وبما رواه النسائى وغيره من حديث يزيد بن الأسود من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما وجد رجلين جالسين ولم يصليا معه ما منعكما أن تصليا معنا فقالا يا رسول الله قد صلينا في رحالنا فقال لهما إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة (وأجابوا عن حديث) الهمّ بتحريق البيوت بوجوه (منها) أن الحديث ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون فرادى كما يدلّ عليه حديث ابن مسعود الآتى وفيه ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق بين النفاق (ومنها) أنه صلى الله عليه وآله وسلم همّ ولم يحرقهم بالفعل ولو كان واجبا لما تركه (ومنها) ما حكاه القاضى عياض من أن فرضية الجماعة كانت أول الإسلام لأجل سدّ باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ الوجوب (قال في الفتح) ويدلّ على النسخ الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة لأن الأفضلية تقتضى الاشتراك في أصل الفضل ومن لازم ذلك الجواز اهـ (والظاهر ما ذهب) إليه الجمهور من القول بالسنية لما فيه من الجمع بين الأدلة وعدم إهمال بعضها (قال في النيل) قد تقرّر أن الجمع بين الأحاديث ما أمكن هو الواجب وتبقية الأحاديث المشعرة بالوجوب على ظاهرها من دون تأويل والتمسك بما يقضى به الظاهر إهدار للأدلة القاضية بعدم الوجوب وهو لا يجوز. فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التي لا يخلّ بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشئوم. وأما أنها فرض عين أو كفاية أو شرط لصحة الصلاة فلا. ولهذا قال المصنف "يعنى ابن تيمية" رحمه الله تعالى بعد أن ساق حديث أبى هريرة ما لفظه "وهذا الحديث يردّ على من أبطل صلاة المنفرد لغير عذر وجعل الجماعة شرطا لأن المفاضلة بينهما تستدعي صحتهما. وحمل النصّ على المنفرد لعذر لا يصح لأن الأحاديث قد دلت على أن أجره لا ينقص عما يفعله لولا العذر فروى أبو موسى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا رواه أحمد والبخارى وأبو داود. وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا رواه أحمد وأبو داود والنسائى اهـ" استدلّ المصنف رحمه الله تعالى بهذين الحديثين على ما ذكره من عدم صحة حمل النصّ على المنفرد لعذر لأن أجره كأجر المجمع اهـ (وقال في حجة الله البالغة) الجماعة سنة مؤكدة

ص: 235

تقام اللائمة على تركها لأنها من شعائر الدين لكنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى من بعض من هنالك تأخرا واستبطاء وعرف أن سببه ضعف النية في الإسلام فشدّد النكير عليهم وأخاف قلوبهم. ثم لما كان في شهود الجماعة حرج للضعيف والسقيم وذى الحاجة اقتضت الحكمة أن يرخص في تركها عند ذلك ليتحقق العدل بين الإفراط والتفريط اهـ

(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الحلف من غير طلب، وعلى جواز تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة. وسرّه أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزّجر اكتقى به عن الأعلى وعلى مشروعية الاستعانة في الأمور، وعلى جواز المعاقبة بالمال بحسب الظاهر. وبه قال جماعة من المالكية. وقال الجمهور إن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ، ودلّ أيضا على جواز إخراج من طلب بحق من بيته إذا اختفى فيه وامتنع بكلّ طريق يتوصل إليه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أراد إخراج المتخلفين عن الصلاة بإيقاد النار عليهم في بيوتهم، ودلّ أيضا على جواز أخذ أهل الجرائم والمعاصى على غرّة، وعلى تأكد أمر الصلاة في الجماعة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرج الشيخان والنسائى وأحمد وابن ماجه نحوه

(ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَتِي فَيَجْمَعُوا لي حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ» ، قُلْتُ لِيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: يَا أَبَا عَوْفٍ الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا؟ فقَالَ: صُمَّتَا أُذُنَايَ إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَأْثُرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَا ذَكَرَ جُمُعَةً وَلَا غَيْرَهَا

(ش)(رجال الحديث)(النفيلى) هو عبد الله بن محمد. و (أبو المليح) هو الحسن بن عمر الرّقى. و (يزيد بن يزيد) بن جابر الرّقى الدمشقى أصله من البصرة. روى عن الزهرى ومكحول ويزيد بن الأصم وغيرهم. وعنه الأوزاعي والثورى وابن عيينة. وثقه ابن معين والنسائى وأبو داود وقال أحمد لا بأس به وقال ابن عيينة كان حافظا ثقة عاقلا وقال في التقريب مجهول وقال في الميزان لا يعرف. مات سنة ثلاث أو أربع وثلاثين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه

ص: 236

(معنى الحديث)

(قوله لقد هممت أن آمر فتيتي) جمع فتي أى جماعة من شبان أصحابى أو خدمى وغلمانى

(قوله ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم الخ) أى يتخلفون عن الجماعة في المسجد وليس بهم عذر من مرض أو خوف. وهو يدلّ على أن القصة كانت في شأن المؤمنين لا المنافقين لأنهم ما كانوا يصلون في بيوتهم وإنما كانوا يصلون مع الجماعة رياء وتقية من السيف

(قوله الجمعة عنى أو غيرها) أى أقصد النبى صلى الله عليه وآله وسلم بذلك من تخلف عن صلاة الجمعة أم قصد من تخلف عن الجمعة وغيرها من الصلوات

(قوله فقال صمتا أذناى الخ) أى كفتا عن السماع إن لم أكن سمعت أبا هريرة يذكره الخ وهو خبر بمعنى الإنشاء. والمقصود منه أنه متثبت فيما سمعه من أبى هريرة. وألحق بالفعل علامة التثنية مع إسناده إلى الظاهر على حدّ قوله تعالى "وأسرّوا النجوى الذين ظلموا" وقوله صلى الله عليه وآله وسلم يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل "الحديث" وقوله ما ذكر جمعة ولا غيرها أى أن أبا هريرة لم يذكر فيما سمعه من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمعة ولا غيرها بل ذكر الصلاة مطلقا

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والترمذى وابن ماجه والبيهقى

(ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبَّادٍ الْأَزْدِيُّ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:«حَافِظُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ بَيِّنُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ، وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ، وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَكَفَرْتُمْ»

(ش)(رجال الحديث)(هارون بن عباد) المصيصى الأنطاكي. روى عن جرير ومروان بن معاوية ووكيع بن الجرّاح وابن علية. وعنه أبو داود ومحمد بن وضاح والقرطبي. قال في التقريب مقبول من العاشرة. و (الأزدى) نسبة إلى أزد بوزن فلس حيّ من اليمن. و (المسعودى) هو عبد الرحمن بن عبد الله. و (عليّ بن الأقمر) بن عمرو بن الحارث الهمداني الوداعي الكوفي. روى عن أبى جحيفة وأسامة بن شريك وابن عمر. وعنه

ص: 237

الأعمش ومنصور بن المعتمر وشعبة. وثقه ابن معين والنسائى والدارقطني وأبو حاتم وقال صدوق

(قوله عن أبى الأحوص) هو عوف بن مالك بن فضلة الجشمى الكوفى. روى عن أبيه وابن مسعود وعلى وأبى هريرة ومسروق بن الأجدع. وعنه أبو إسحاق السبيعى ومالك بن الحارث وحميد بن هلال وعلى بن الأقمر. وثقه ابن معين وابن حبان والنسائى وابن سعد. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى

(معنى الحديث)

(قوله حافظوا على هؤلاء الصلوات الخ) أى أدّوها مستوفية لشروطها وأركانها وآدابها في المساجد مع الجماعة. وفى رواية مسلم وابن ماجه من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنّ الخ أى حين يؤذن لهنّ أول أوقاتهنّ فإنهنّ من سنن الهدى بضم السين وفتحها أى طريق الهدى والصواب والإضافة فيه بيانية. وسنة الهدى ما تكون إقامتها تكميلا للدين تاركها بلا عذر على سبيل الإصرار ملوم فهى من العبادات بخلاف سنن الزوائد كقيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقعوده ونومه ولباسه أخذها حسن يثاب عليه وتركها لا يساء عليه (قال ابن عابدين) في حاشيته على الدرّ المختار ما نصه: المشروعات أربعة أقسام فرض وواجب وسنة ونفل فما كان فعله أولى من تركه مع منع الترك إن ثبت بدليل قطعىّ ففرض أو بظنىّ فواجب وبلا منع الترك إن كان مما واظب عليه الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو الخلفاء الراشدون من بعده فسنة وإلا فمندوب ونفل. والسنة نوعان سنة الهدى وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والأذان والإقامة وسنة الزوائد وتركها لا يوجب ذلك كسير النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في لباسه وقيامه وقعوده. والنفل ومنه المندوب يثاب فاعله ولا يساء تاركه وقيل هو دون سنن الزوائد اهـ

(قوله ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها الخ) أى لقد رأيتنا معاشر الصحابة أو جماعة المسلمين وما يتخلف عن صلاة الجماعة في المسجد من غير عذر إلا منافق. والجملة حال دالة على المفعول الثاني لرأى فكأنه قال لقد علمت نفسي والصحابة نصلى الصلوات في جماعة والحال أنه ما كان يتأخر عنها حينئذ إلا منافق ظاهر النفاق. وفى رواية لمسلم وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق والنفاق ستر الكفر وإظهار الإيمان. والمنافق هو الذى يستر كفره ويظهر إيمانه وأصله مأخوذ من النافقاء أحد حجرى اليربوع إذا طلب من واحد هرب إلى الآخر وخرج منه. وقيل هو من النفق وهو السرب الذى يستتر فيه لستره كفره اهـ من النهاية (وفيه دلالة) على أن المراد بالتغليظ المتقدّم والهمّ بإحراق البيوت خصوص المنافقين

(قوله ليهادى بين الرجلين) وفي رواية مسلم ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين أى يمشى بينهما معتمدا عليهما من ضعفه وتمايله (وهذا يدلّ) على تأكيد أمر صلاة الجماعة وتحمل المشقة في حضورها وأنه إذا أمكن المريض

ص: 238

ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها

(قوله وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته) أى موضع صلاة فيه. ولعله قال ذلك لعلمه بأن المخاطبين كانوا يصلون النافلة في بيوتهم عملا بما رواه النسائى عن عمر من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة

(قوله ولو صليتم في بيوتكم الخ) أى لو صليتم الصلوات المكتوبة في مساجد بيوتكم لتركتم طريقة نبيكم فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى المكتوبة في المسجد العامّ ولا يصليها في بيته إلا لعذر ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم. وفي رواية مسلم والنسائى لضللتم (واستدلّ بهذا) الحديث من قال إن صلاة الجماعة فرض على الأعيان. لكن لا دلالة فيه لأنه محمول على التغليظ والتهديد في ترك صلاة الجماعة. أو أنه محمول على الترك تهاونا وقلة مبالاة بها (وقال) الخطابي معناه أنه يؤديكم إلى الكفر بأن تتركوا عرى الإسلام شيئا فشيئا حتى تخرجوا من الملة اهـ

(فقه الحديث) دلّ الحديث على الحثّ على المحافظة على أداء الصلوات الخمس جماعة. وعلى أنه ينبغى للمريض حضور صلاة الجماعة ولو بإعانة. لكن محله إذا أمكنه، وعلى الترهيب من ترك صلاة الجماعة إلا لعذر

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه موقوفا كما أخرجه المصنف

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ، عَنْ مَغْرَاءَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ، عُذْرٌ» ، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ ، قَالَ:«خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى» .

(ش)(رجال الحديث)(قتيبة) بن سعيد. و (جرير) بن عبد الحميد

(قوله عن أبى جناب) هو يحيى بن حيّ الكلبي الكوفى. روى عن أبيه وعبد الرحمن بن أبى ليلى والضحاك بن مزاحم والحسن البصرى وشهر بن حوشب وجماعة. وعنه السفيانان والحسن بن صالح والنضر بن زرارة ووكيع وأبو نعيم وغيرهم. قال ابن سعد كان ضعيفا في الحديث وقال على بن المديني كان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وفي أبيه وقال البخارى وأبو حاتم كان يحيى القطان يضعفه وقال يزيد بن هارون كان صدوقا يدلس وقال ابن معين ليس به بأس صدوق وقال النسائى ليس بالقوىّ. قيل مات سنة سبع وأربعين ومائة

(قوله عن مغراء) بفتح فسكون أبي المخارق

ص: 239

الكوفي. روى عن ابن عمر وعدى بن ثابت. وعنه أبو إسحاق السبيعى والأعمش والحسن بن عبيد الله النخعى. قال الترمذى حديثه ليس بالمعروف وقال في الخلاصة مجهول. و (العبدى) نسبة إلى العبد جبل لبنى أسد أو موضع بالسبعان في بلاد طيء

(معنى الحديث)

(قوله من سمع المنادى الخ) أى من سمع نداء المؤذن للصلاة المكتوبة فلم يمنعه من إتيانه المسجد إلى الجماعة التي دعا إليها المؤذن نوع من الأعذار لم تقبل منه الصلاة التي صلى والتقييد بسماع النداء وبالجماعة التي يسمع مؤذنها جرى على الغالب لأن الإنسان إنما يذهب إلى الجماعة التي يسمع مؤذنها غالبا فإذا لم يسمع المؤذن ولا عذر له لم يسقط عنه الطلب إذ عدم سماعه المؤذن ليس من الأعذار ولو ذهب إلى جماعة لم يسمع مؤذنها فقد أدّى ما طلب منه

(قوله قالوا وما العذر) أى قالت الصحابة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما العذر الذى يبيح التخلف ويحتمل أن المسئول ابن عباس فيكون السؤال والجواب مدرجين في الحديث

(قوله قال خوف أو مرض) أى خوف على نفس أو عرض أو مال أو مرض يشقّ معه الذهاب إلى المسجد (ومن) الأعذار أيضا المطر والبرد الشديدان لما رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على إثره ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر. وفي رواية لمسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ألا صلوا في الرحال. والرحال المنازل سواء أكانت من مدر أم شعر أم وبر أم غيرها (ومنها) حضور الطعام ونفسه تتوقه ومدافعة البول والغائط لما رواه مسلم والمصنف عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان. وما رواه البخارى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضى حاجته منه وإن أقيمت الصلاة (قال) النووى ومثل البول والغائط الريح اهـ

(قوله لم تقبل منه الصلاة التي صلى) أى لم تصح (وبه استدلّ) من قال إن صلاة الجماعة فرض على الأعيان. لكن المراد لم تقبل قبولا كاملا (قال العينى) هذا الحديث حكمه الزجر والتهديد وقوله لم تقبل من قبيل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. والمراد منه نفى الفضيلة والكمال اهـ (وقال) النووى معنى عدم قبول الصلاة أن لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه كالصلاة في الدار المغصوبة. تسقط الفرض ولا ثواب له فيها اهـ على أن الحديث ضعيف لأنه من رواية أبى جناب ومغراء وفيهما مقال كما علمت

(فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكيد أمر الصلاة في الجماعة وأن من تخلف عنها لغير عذر حرم من الثواب الكثير، وعلى مشروعية التخلف عن الجماعة لعذر من الأعذار

ص: 240

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى وكذا ابن حبان والحاكم وابن ماجه بلفظ من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر. وفى بعض النسخ بعد هذا الحديث زيادة "قال أبو داود روى عن مغراء أبو إسحاق" ولعل الغرض منها تقوية مغراء العبدى حيث روى عنه أبو إسحاق السبيعى

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَاوِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ ، قَالَ:«هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ» ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:«لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً»

(ش)(أبو رزين) مسعود بن مالك

(قوله شاسع الدار) أى بعيدها عن المسجد

(قوله ولى قائد لا يلاومنى) أى لا يوافقنى والقائد من القود بفتح القاف وسكون الواو وهو أن يكون الرجل أمام الدابة آخذا بقيادها وجمعه قادة وقوّاد ويلاومنى بالواو في أكثر النسخ وفي بعضها يلائمنى بالهمزة (قال) الخطابى وهي الصواب أى لا يوافقنى ولا يساعدنى فأما الملاومة فإنها مفاعلة من اللوم وليس هذا موضعه اهـ

(قوله فهل لى رخصة الخ) أى فهل يسوغ لى بذلك التأخر عن الصلاة جماعة في المسجد وأن أصلي في البيت. والرخصة في الأصل السهولة

(قوله لا أجد لك رخصة) وفى رواية لمسلم قال فأجب (وهو صريح) في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يرخص له في التأخر حيث إنه يسمع الأذان (وفى الحديث دلالة) لمن قال إن صلاة الجماعة فرض على الأعيان لأنه لم يرخص له عند سماع الأذان وإن كان قد ذكر له العذر. وتأوّله من ذهب إلى السنية بأن معناه لا أجد لك رخصة تحصل لك فضل الجماعة من غير حضورها. وليس المراد منه الإيجاب عليه. ويؤيده ما ذكر في الصحيحين من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رخص لعتاب بن مالك في الصلاة في بيته لما شكا إليه بصره. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم من حال ابن أم مكتوم أنه قادر على الإتيان إلى المسجد بدون مشقة فلذا لم يرخص له وإلا فالعمى عذر (قال في سبل السلام) في شرح حديث ذكره عن أبى هريرة عند مسلم بلفظ أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب. والحديث من أدلة الإيجاب للجماعة عينا لكن ينبغى أن يقيد الوجوب عينا على

ص: 241

سامع النداء لتقييد حديث الأعمى وحديث ابن عباس به. وما أطلق من الأحاديث يحمل على المقيد. وإذا عرفت هذا فاعلم أن الدعوى وجوب الجماعة عينا أو كفاية والدليل هو حديث الهمّ بالتحريق وحديث الأعمى وهما إنما دلا على وجوب حضور جماعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مسجده لسامع النداء وهو أخصّ من وجوب الجماعة ولو كانت الجماعة واجبة مطلقا لبين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك للأعمى ولقال له انظر من يصلى معك ولقال في المتخلفين إنهم لا يحضرون جماعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا يجمعون في منازلهم والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة فالأحاديث إنما دلت على وجوب حضور جماعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عينا على سامع النداء لا على وجوب مطلق الجماعة كفاية ولا عينا. وفيه أنه لا يرخص لسامع النداء عن الحضور وإن كان له عذر فإن هذا ذكر العذر وأنه لا يجد قائدا فلم يعذره إذًا. ويحتمل أن الترخيص له ثابت للعذر ولكنه أمره بالإجابة ندبا لا وجوبا ليحرز الأجر في ذلك. والمشقة تغتفر بما يجده في قلبه من الروح في الحضور. ويدلّ لكون الأمر للندب أى مع العذر قوله وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر رواه ابن ماجه والدارقطنى وابن حبان والحاكم وإسناده على شرط مسلم لكن رجح بعضهم وقفه اهـ

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من اشتبه عليه أمر من أمور الدين يطلب منه أن يسأل عنه العالم به. وعلى تأكد أمر صلاة الجماعة، وعلى أن العمى قد لا يكون عذرا في التخلف عنها

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وأحمد والحاكم وابن خزيمة

(ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:«أَتَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؟ فَحَيَّهَلَا» .

(ش)(رجال الحديث)

(قوله هارون بن زيد بن أبى الزرقاء) أبو موسى الموصلى نزيل الرملة. روى عن أبيه وداود بن الجرّاح وضمرة بن ربيعة. وعنه أبو داود والنسائى وأبو حاتم وابن أبى عاصم وجماعة. وثقه ابن حبان ومسلمة بن قاسم وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائى لا بأس به. مات سنة خمسين ومائتين

(قوله حدثنا أبى) هو زيد بن أبى الزرقاء الثعلبي أبو محمد

ص: 242

الموصلى. روى عن الأوزاعي ومالك وسفيان الثورى وحماد بن سلمة وجرير بن حازم وآخرين وعنه ابنه هارون والقاسم بن يزيد وعيسي بن يونس وعلى بن سهل وكثيرون. وثقه أبو حاتم وابن معين وقال أحمد صالح لا بأس به وذكره الأزدى في الطبقة الثالثة من أهل الموصل وقال هو من أهل الفضل والنسك. توفى سنة أربع وتسعين ومائة. و (عبد الرحمن بن عابس) بالموحدة هو ابن ربيعة النخعى الكوفى. روى عن أبيه وابن عباس وأبى بردة وأبى موسى. وعنه الثورى وشعبة وحجاج بن أرطاة. وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائى والعجلى وابن نمير وابن وضاح. توفى سنة تسع عشرة ومائة. روى له الشيخان وابن ماجه والنسائى وأبو داود

(معنى الحديث)

(قوله كثيرة الهوامّ والسباع) يعنى وأخشى منها الأذى فهل يرخص لى في التأخر عن الجماعة. والهوامّ جمع هامة كدابة وهي ما لها سمّ يقتل كالحية وتطلق على ما لا تقتل كالحشرات والمراد الأول. والسباع جمع سبع ما له ناب يعدو به ويفترس كالذئب والفهد

(قوله أتسمع حيّ على الصلاة إلخ) وفي نسخة هل تسمع. والمراد به الأذان وخصّ هذين اللفظين بالذكر لما فيهما من معنى الطلب. وكأن ابن أم مكتوم قال له نعم أسمع الأذان فلذا أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالإجابة بقوله حيهلا وهي كلمة حثّ واستعجال وضعت موضع أجب وهي في الأصل كلمتان جعلتا كلمة واحدة فحىّ بمعنى أقبل وهلا بمعنى أسرع (قال) في مرقاة الصعود وفي شرح المفصل هو اسم من أسماء الأفعال مركب من حىّ وهلا وهما صوتان معناهما الحثّ والاستعجال وجمع بينهما وسمى بهما للمبالغة وكان الوجه أنه لا ينصرف كحضرموت وبعلبك إلا أنه قد وقع موقع فعل الأمر فبنى كصه ومه. وتارة يستعمل حىّ وحده نحو حىّ على الصلاة وتارة هلا وحدها واستعمال حىّ وحده أكثر اهـ ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم أنه لا يلحقه ضرر من الهوامّ والسباع فلذا لم يجعلهما من الأعذار التى تبيح التخلف عن الجماعة وإلا فالخوف على النفس من الأعذار المبيحة للتخلف عنها كما تقدم

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والحاكم قال المنذرى وقد اختلف على ابن أبى ليلى في هذا الحديث فرواه بعضهم عنه مرسلا

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ الْجَرْمِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ

(ش) أى روى هذا الحديث القاسم الجرمى عن سفيان الثورى كما رواه زيد بن أبى الزرقاء عنه لكن لم يذكر القاسم لفظ حيهلا وقد صرّح بها في بعض النسخ وإنما هى في رواية زيد بن أبى الزرقاء وقد أخرج النسائى رواية القاسم عن سفيان وذكر فيها حيهلا. ولعلّ القاسم روى

ص: 243