المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٤

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في المحافظة على وقت الصلوات)

- ‌(باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت)

- ‌(باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها)

- ‌(باب في بناء المساجد)

- ‌(باب اتخاذ المساجد في الدور)

- ‌(باب في السرج في المساجد)

- ‌(باب في كنس المساجد)

- ‌(باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)

- ‌(باب في فضل القعود في المسجد)

- ‌(باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد)

- ‌(باب في المشرك يدخل المسجد)

- ‌(باب المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة)

- ‌(باب النهى عن الصلاة في مبارك الإبل)

- ‌(باب متى يؤمر الغلام بالصلاة)

- ‌(باب بدء الأذان)

- ‌(باب ما جاء في الإقامة)

- ‌(باب الرجل يؤذن ويقيم آخر)

- ‌(باب من أذن فهو يقيم)

- ‌(باب رفع الصوت بالأذان)

- ‌(باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت)

- ‌(باب الأذان فوق المنارة)

- ‌(باب في المؤذن يستدير في أذانه)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع المؤذن)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع الإقامة)

- ‌(باب في الدعاء عند الأذان)

- ‌(باب ما يقول عند أذان المغرب)

- ‌(باب أخذ الأجر على التأذين)

- ‌(باب في الأذان قبل دخول الوقت)

- ‌(باب الأذان للأعمى)

- ‌(باب الخروج من المسجد بعد الأذان)

- ‌(باب في المؤذن ينتظر الإمام)

- ‌(باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا)

- ‌(باب في فضل صلاة الجماعة)

- ‌(باب ما جاء في فضل المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب ما جاء في المشى إلى الصلاة في الظلم)

- ‌(باب ما جاء في الهدى في المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب من خرج يريد الصلاة فسبق بها)

- ‌(باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد)

- ‌(باب ما جاء في الجمع في المسجد مرّتين)

- ‌(باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد)

- ‌(باب في جماع الإمامة وفضلها)

- ‌(باب في كراهية التدافع عن الإمامة)

- ‌(باب من أحق بالإمامة)

- ‌(باب إمامة النساء)

- ‌(باب الرجل يؤمّ القوم وهم له كارهون)

- ‌(باب إمامة البرّ والفاجر)

- ‌(باب إمامة الأعمى)

- ‌(باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة)

- ‌(باب الإمام يصلى من قعود)

- ‌ مشروعية التبليغ عند الحاجة إليه

- ‌(باب الرجلين يؤمّ أحدهما صاحبه كيف يقومان)

- ‌(باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون)

- ‌(باب الإمام ينحرف بعد التسليم)

الفصل: ‌(باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها)

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها فإن أدركتموهم فصلوا في بيوتكم الذى تعرفون ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة

(فقه الحديث) والحديث يدلّ زيادة على ما تقدم على أن الطائع له ثواب طاعته والمخالف عليه وبال مخالفته، ويدلّ بمفهومه على أن الكافر لا يطاع

(باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها)

أى في بيان حكم من نام عن الصلاة أو نسيها، وفي بعض النسخ باب ما جاء فيمن نام عن صلاة أو نسيها

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ فَسَارَ لَيْلَةً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَنَا الْكَرَى عَرَّسَ، وَقَال لِبِلَالٍ:«اكْلَأْ لَنَا اللَّيْلَ» قَالَ: فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَيْنَاهُ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا، فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:«يَا بِلَالُ» ، فَقَالَ: أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا ثُمَّ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ لَهُمُ الصَّلَاةَ وَصَلَّى لَهُمُ الصُّبْحَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: " مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِلذِّكْرَى» ، قَالَ يُونُسُ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ عَنْبَسَةُ: يَعْنِي عَنْ يُونُسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «لِذِكْرِي» ، قَالَ أَحْمَدُ: الْكَرَى النُّعَاسُ.

(ش)(قوله يونس) بن يزيد. و (ابن المسيب) هو سعيد

(قوله حين قفل من غزوة خيبر) أى رجع منها إلى المدينة وهكذا رواية مسلم بذكر غزوة خيبر وهو الصواب كما قا له الباجى

ص: 20

وابن عبد البرّ والنووى (قال) القاضى عياض وهو قول أهل السير وهو الصحيح اهـ خلافا للأصيلى القائل إن ذلك كان في غزوة حنين وكانت تلك الغزوة في المحرم سنة سبع من الهجرة

(قوله حتى إذا أدركنا الكرى عرّس) غاية للسير وفي رواية الطبراني عن ابن عمر حتى إذا كان مع السحر. والكرى بفتح الكاف النعاس كما ذكر أحمد بن صالح. وقيل النوم. وقيل أن يكون الإنسان بين النوم واليقظة، وعرّس من التعريس وهو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة كما قاله الخليل والجمهور. وقال أبو زيد هو النزول أىّ وقت كان من ليل أو نهار. وفى البخارى إنهم الذين سألوا التعريس فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخاف أن تناموا فقال بلال أنا أوقظكم فأخذ لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ابتداء بالأحوط فلما رأى حاجتهم أباح لهم النزول

(قوله اكلأ لنا الليل) أى ارقب لنا آخره واحفظه لإدراك صلاة الصبح. ولعله خصّ بلالا بذلك لأنه كان المؤذن فكان أعرف بالوقت

(قوله فغلبت بلالا عيناه) أى غلبه النوم فالمراد بالعينين النوم وعبر بهما عنه لأنه يظهر فيهما فهو مجاز مرسل علاقته المحلية. وفى رواية مسلم قال يا بلال اكلأ لنا الليل فصلى ما قدّر له ونام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال الى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلا لا عيناه

(قوله وهو مستند إلى راحلته) الجملة حالية تفيد اضطجاع بلال عند غلبة النوم عليه وعدم تفريطه في الحراسة. والراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى وبعضهم خصها بالأنثى

(قوله حتى ضربتهم الشمس) أى أصابهم حرّها وهو غاية لعدم استيقاظهم "فإن قيل" يعارضه قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تنام عيناى ولا ينام قلبي "أجيب" بأن معناه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث أو أنه أخبر أن عينيه تنامان وهما اللتان نامتا لأن طلوع الفجر يدرك بالعين لا بالقلب وهذا أحسن "وما قيل" من أن معناه لا ينام قلبه في أكثر الزمن وقد ينام نادرا "ضعيف أو باطل" لأنه لا يناسب مقام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أولهم استيقاظا) وفي رواية مسلم عن عمران بن حصين قال كنت مع نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مسير له فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان في وجه الصبح عرّسنا فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس فكان أول من استيقظ منا أبو بكر وكنا لا نوقظ نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من منامه إذا نام حتى يستيقظ ثم استيقظ عمر فقام عند نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولا تنافى بينهما لتعدّد القصة كما ذهب إليه القاضى عياض وابن حجر "ففى" الصحيحين عن عمران وأبي قتادة كنا في سفر بدون تعيين. وفي مسلم عن ابن مسعود أقبل صلى الله تعالى

ص: 21

عليه وعلى آله وسلم من الحديبية ليلا. وفي البيهقى عن عقبة بن عامر والطبراني عن ابن عمر بطريق تبوك. ويؤيده أيضا ما في هذه الرواية من أن الذى أمر بالحفظ بلال. وفى رواية الطبرانى أن الذى أمر بالحفظ ذو مخبر. وفى صحيح ابن حبان أن الذى كلأ عبد الله بن مسعود قال الحافظ فهذا كله يدل على تعدد القصة اهـ وهو يردّ ما قاله الأصيلى من أن القصة واحدة

(قوله ففزع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى هبّ وانتبه مذعورا لما رأى من فوات الوقت "وما قاله" الأصيلى من أن فزعه كان لأجل المشركين الذين رجع من غزوهم لئلا يتبعوه ويطلبوا أثره فيجدوه وجميع أصحابه نياما "غير مسلم" لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يتبعه عدوّ حين انصرف من خيبر وحنين ولا ذكر ذلك أحد من أهل المغازى بل انصرف منهما ظافرا

(قوله يا بلال) أى لم نمت حتى خرج وقت الصلاة. وفى رواية ابن إسحاق ماذا صنعت بنا يا بلال وفى حديث أبى قتادة قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم يا بلال أين ما قلت قال ما ألقيت على نومة مثلها قط، وإنما قال له صلى الله عليه وآله وسلم ذلك تنبيها له على اجتناب الدّعوى والثقة بالنفس وحسن الظن بها ولا سيما في مظانّ الغلبة وسلب الاختيار فإن بلالا قد ألزم نفسه بحفظ الوقت بقوله أنا أوقظكم كما تقدم في رواية البخارى

(قوله أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك) أى قبض نفسى الذى قبض نفسك وهو اعتذار من بلال حيث لم يقم بما أمر به. ومراده أن الله عز وجل استولى علىّ بقدرته كما استولى عليك مع منزلتك (واختلف) هل النفس والروح شئ واحد وهو التحقيق أم شيئان "فعلى" الأول تعرّف النفس بأنها جسم لطيف مشتبك بالأجسام الكثيفة اشتباك الماء بالعود الأخضر على هيئة جسد صاحبها، وعلى الثانى تعرّف بأنها جسم لطيف مودع في الجسم محلا للأخلاق المذمومة كما أن الروح محلّ للأخلاق المحمودة (واختلف) أيضا هل في الإنسان روح واحدة والتعدّد باعتبار أوصافها وهو الراجح أم روحان أحدهما روح اليقظة التى أجرى الله تعالى العادة بأنها إذا كانت في الجسد كان الإنسان متيقظا فإذا خرجت منه نام ورأت المنامات والأخرى روح الحياة التي أجرى الله تعالى العادة بأنها إذا كانت في الجسد كان حيا فإذا فارقته مات

(قوله بأبى أنت وأمى) الجار متعلق بمحذوف خبر أى أنت مفدى بأبى وأمى أو متعلق بفعل محذوف أى فديتك بأبى وأمى وحذف المتعلق تخفيفا لكثرة الاستعمال

(قوله فاقتادوا رواحلهم) أى قادوها وساقوها شيئا يسيرا من الزمن أو اقتيادا قليلا بعد أن أمرهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك ففى الرواية الآتية تحولوا عن مكانكم الذى أصابتكم فيه الغفلة. وفى رواية لمسلم ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان "وقول بعضهم" إنما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالاقتياد لأنه انتبه حين طلوع الشمس والصلاة منهىّ عنها وفي هذا الوقت فأمر بالاقتياد حتى ترتفع الشمس "يردّه" قوله في الحديث حتى ضربتهم الشمس

ص: 22

فإنه يدلّ على أنها قد ارتفعت كثيرا فكيف يكون انتقالهم لارتفاعها. ويرده أيضا قوله في حديث عمران بن حصين فما أيقظنا إلا حرّ الشمس ولا يكون ذلك إلا بعد ارتفاعها. ومما يبين فساد هذا التأويل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن هذا واد به شيطان فجعل ذلك علة في خروجهم عن الوادى واقتيادهم رواحلهم شيئا ولو كان طلوع الشمس مانعا من الصلاة وموجبا للاقتياد لعلل به

(قوله فأقام لهم الصلاة) فيه دلالة على أن الفائتة يقام لها وليس لها أذان وبه أخذ مالك والشافعى في الجديد والأوزاعي مستدلين أيضا بما رواه الشافعى وأحمد عن أبى سعيد الخدرى قال حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هويّ من الليل فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلالا فأقام الظهر فصلاها كما كان يصلى في وقتها ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك. وقالوا إن الأذان إنما هو إعلام بدخول الوقت ودعاء للناس إلى الجماعة ووقت القضاء ليس وقت إعلام بدخول الوقت ولا دعاء للجماعة ولأن في الأذان في غير أوقات الصلاة تخليطا على الناس وإذا اختصّ بأوقات الصلاة لم يكن مشروعا في الفوائت لأنها لا تختصّ بوقت كالنوافل "وما ورد" في بعض الروايات من أنه أذن فهو محمول على الإعلام بالصلاة لا الألفاظ المخصوصة في الإعلام بدخول الوقت (وذهب) أبو حنيفة وأحمد وأبو ثور والشافعى في القديم وعليه عمل أصحابه إلى أنه يؤذن للفائتة ويقام لها مستدلين بما في الصحيحين في هذه القصة من قوله ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتين ثم صلى صلاة الغدوة فصنع كما كان يصنع كل يوم. وقالوا إن قوله في الحديث ثم صلى ركعتين الخ يفيد أن المراد بالأذان حقيقته لا الإقامة. واستدلوا أيضا بما سيأتى عن عمران بن حصين وعمرو بن أمية من أنه جمع بين الأذان والإقامة (وأجابوا) عن حديث الباب ونحوه مما لم يذكر فيه الأذان بأنه أقام الصلاة بعد أن أذن. أو أنه ترك الأذان لبيان الجواز. وعن حديث الخندق بأنه لا يعارض الأحاديث التى جمع فيها بين الأذان والإقامة لأنها أصح منه ومتأخرة عنه. على أنه قد جاء في بعض الروايات في قصة الخندق أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بلالا فأذن ثم أقام (أقول) دعوى أن الأذان حقّ للوقت ودعاء للناس إلى الجماعة غير مسلمة فقد نص الكتاب على أن الأذان للصلاة قال الله تعالى "إذا نودى للصلاة" وقال تعالى "وإذا ناديتم إلى الصلاة" ولذا أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأذان للفائتة كما تقدم وقد أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المنفرد بالأذان "فعن" عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدرى قال له إنى أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شيء إلا يشهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من

ص: 23

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رواه أحمد والبخاري والنسائى وابن ماجه ومالك في الموطأ والشافعى "وقولهم" إن في الأذان للفائتة تخليطا "مردود" بأنه إنما يؤذن لها على وجه لا يشوش "وحملهم" الأذان الوارد في الأحاديث على مجرد الإعلام ولو بالإقامة "لا دليل عليه" ولا سيما وقد صرّح في الأحاديث بالجمع بين الأذان والإقامة (وذهب) سفيان الثورى إلى أنه لا يؤذن ولا يقام للفائتة "وهو مردود" بما تقدم من الأحاديث (واختلف من قال) بالأذان للفائتة إذا تعدّدت (فذهبت) الشافعية ومحمد من الحنفية إلى أنه يؤذن ويقام للأولى فقط ويقام وكل صلاة من البقية (وقال) أبو حنيفة يخير في الباقى إن شاء أذن وأقام وإن شاء اقتصر على الإقامة

(قوله من نسي صلاة) أى أو نام عنها كما ذكر في ترجمة الباب وقد صرّح به في رواية الترمذى عن أبى قتادة ورواية لمسلم عن أنس. واكتفى بالنسيان عن النوم هنا لأنه مثله. بجامع عدم الشعور وعدم التقصير في كلّ

(قوله فليصلها إذا ذكرها) أى وقت تذكره لها (وفيه دلالة) على وجوب قضاء الفائتة على الناسى والنائم فورا وإليه ذهب الهادى والمؤيد بالله والناصر وأبو حنيفة وأبو يوسف والمزنى والكرخى مستدلين بأحاديث الباب وبما رواه النسائى والترمذى وصححه وسيأتى للمصنف عن أبى قتادة قال ذكروا للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نومهم عن الصلاة فقال إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها. وبما رواه مسلم عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول "أقم الصلاة لذكرى"(وذهب) القاسم ومالك والشافعى إلى أنه يجب القضاء على التراخى (مستدلين) بما في حديث الباب وغيره من أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرهم بالارتحال من المكان الذى أصابهم فيه النوم عن الصلاة. وقالوا إن الأمر في قوله فليصلها إذا ذكرها محمول على الاستحباب. وقالوا أيضا إن وقت التذكر متسع فإنه لو تذكرها ودام ذلك التذكر مدّة وصلى أثناء تلك المدّة صدق عليه أنه صلاها حين التذكر وليس بلازم أن يكون أوّل حال التذكر وقالوا أيضا إن الجزاء لا يلزم أن يترتب على الشرط في الحال بل يترتب عليه في الجملة (وفى الحديث) دلالة أيضا على وجوب القضاء على من فاتته الصلاة عامدا وإلى ذلك ذهب الجمهور وقالوا إن التقييد في الأحاديث بالنسيان أو النوم لا للاحتراز بل من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا وجب القضاء على الناسى والنائم مع سقوط الإثم عنهما فيجب على العامد بالأولى (وذهب) جماعة من الصحابة منهم عمر وابنه عبد الله وسعد بن أبى وقاص وابن مسعود وسلمان إلى عدم وجوب القضاء على العامد وهو رواية عن القاسم والناصر وبه قال داود وعمر بن عبد العزيز وسالم بن أبى الجعد ومحمد بن سيرين ومطرّف بن عبد الله أخذا بمفهوم قوله من نسى

ص: 24

لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلى (وردّ) بأن قوله من نسى يدل بفحوى الخطاب وقياس الأولى على وجوب القضاء على من تعمد ترك الصلاة. فهو مفهوم موافقة لا مفهوم مخالفة كما ادّعوا فهو نظير تحريم ضرب الوالدين بحرمة التأفيف المنصوص عليها بقوله تعالى "ولا تقل لهما أفّ" وقد اتفقت الأئمة على أن هذا من فحوى الخطاب فإن كل واحد يفهم بمجرّد سماع قوله تعالى "ولا تقل لهما أف" لا تضربهما ولا تشتمهما ولا تؤذهما بأيّ نوع من أنواع الإيذاء. وعلى فرض أنه مفهوم مخالفة فإنما يعمل به إذا لم يكن الشرط خرّج على الغالب كما هنا أو لم يكن ورد على سبب خاصّ كأن يكون جوابا لمن سأل عن فضاء الصلاة المنسية (قال) الشوكانى لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد على دليل ينفق في سوق المناظرة ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث "فدين الله أحقّ أن يقضى" باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسا. وأنهض ما جاءوا به في هذا المقام قولهم إن الأحاديث الواردة بوجوب القضاء على الناسى يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فتدلّ بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب. وهذا مردود لأن القائل بأن العامد لا يقضى لم يرد أنه أخص حالا من الناسى بل صرّح بأن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة فيه فيكون إثباته مع عدم النصّ عبثا بخلاف الناسى والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك وصرّح بأن القضاء كفارة لهما ولا كفارة لهما سواه. ومن جملة حججهم أن قوله في الحديث لا كفارة لها إلا ذلك يدلّ على أن العامد مراد بالحديث لأن النائم والناسى لا إثم عليهما قالوا فالمراد بالناسى التارك سواء أكان عن ذهول أم لا ومنه قوله تعالى "نسوا الله فنسيهم" وقوله تعالى "نسوا الله فأنساهم أنفسهم" ولا يخفى عليك أن هذا يستلزم عدم وجوب القضاء على الناسى والنائم لعدم الإثم الذى جعلوا الكفارة منوطة به والأحاديث الصحيحة قد صرّحت بوجوب ذلك عليهما. وقد استضعف الحافظ في الفتح هذا الاستدلال وقال الكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد. على أنه قد قيل إن المراد بالكفارة هي الإتيان بها تنبيها على أنه لا يكفى مجرّد التوبة والاستغفار من دون فعل لها. وقد أنصف ابن دقيق العيد فردّ جميع ما تشبثوا به والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقا من عموم حديث "فدين الله أحقّ أن يقضى" لا سيما على قول من قال إن وجوب القضاء بدليل هو الخطاب الأول الدالّ على وجوب الأداء فليس عنده في وجوب القضاء على العامد فيما نحن بصدده تردّد لأنه يقول المتعمد للترك قد خوطب بالصلاة ووجب عليه تأديتها فصارت دينا عليه والدين لا يسقط إلا بأدائه أو قضائه اهـ كلام الشوكاني (أقول) قد ثبت في حق تارك الصلاة أمران (أحدهما) ثبوت الإثم على تركها عمدا. والإثم

ص: 25

سواء أكان صغيرا أم كبيرا يرتفع بالتوبة وهي لا تتحقق إلا بقضاء ما عليه، ولا نزاع في أن تارك الصلاة عمدا إذا قضاها لا يسقط عنه إثم التأخير. ولا يلزم من عدم سقوطه أنه لا فائدة في القضاء فقد سقط به الطلب الثابت بطريق الأولى من أمر الناسى والنائم بالقضاء ومن عموم حديث "فدين الله أحقّ أن يقضى" ومنه تعلم ردّ قول الشوكاني إن قضاء العامد لا فائدة فيه فيكون إثباته مع عدم النصّ عبثا، على أن قول الشوكانى قد أنصف ابن دقيق العيد فردّ جميع ما تشبثوا به الخ يشعر بأنه قد رجع عما ذهب إليه من عدم وجوب القضاء على تارك الصلاة عمدا (الثانى) شغل ذمة التارك بوجوب الصلاة عليه إذا دخل وقتها وبراءة ذمته تكون إما بالأداء ولم يوجد في وقتها وإما بالعجز ولم يتحقق فإنه قادر على أصل العبادة وإن عجز عن إدراك فضيلة الوقت لخروجه وإما بإسقاط صاحب الحق لحقه وهذا لم يوجد لا صراحة ولا ضمنا إنما الذى وجد خروج الوقت وهو لا يصلح مسقطا لما تقرّر في ذمته أوّلا. ولما لم توجد براءة الذمة. بأىّ نوع من تلك الأنواع كان ما ترتب في ذمته باقيا يطلب منه أداؤه فيجب الإتيان به لأجل براءة الذمة فلو لم يصح إتيان القضاء من العامد لكان طلب الشارع منه طلبا للمحال (وما تقدم) في باب وقت صلاة العصر من أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه شغلوا يوم الخندق عن صلاة العصر فلم يصلوها إلا بعد المغرب كما في رواية مسلم. وفي رواية الترمذى والنسائى عن ابن مسعود أنهم شغلوا عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله. وما ثبت من أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر مناديا بعد غزوة الخندق أن ينادى لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم صلاة العصر في الطريق فصلاها قوم وامتنع آخرون فلم يصلوها إلا في بني قريظة ليلا آخذين بظاهر اللفظ فلم يعنف النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحدا منهم (لا دليل فيهما) للجمهور على وجوب قضاء الصلاة على من تركها عامدا لأن تأخير الصلاة يوم الخندق كان لاشتغالهم بالعدوّ ولم تكن شرعت صلاة الخوف فقد روى أحمد والنسائى عن أبى سعيد أنهم شغلوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الظهر والعصر والمغرب وصلوا بعد هوى من الليل وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف "فرجالا أو ركبانا" ومن أخرها يوم بني قريظة فهو متأوّل آخذ بظاهر اللفظ فهو في حكم الناسى (قال) القاضى عياض لم يختلف في أن الناسى يقضى. وشذّ بعض الناس وقال لا يقضى ما كثر كالستّ ولعله لمشقة قضاء الكثير كوجه الفرق في أن الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة لمشقتها لتكرّرها. وكذلك لم يختلف في أن المتعمد يقضى (وحكى) عن مالك أنه لا يقضى ولا يصحّ عنه ولا عن أحد ممن ينتسب إلى العلم إلا عن داود وأبى عبد الرحمن الشافعى ولا حجة لهما في الحديث لأنا إن لم نقل بدليل الخطاب فواضح وإن قلنا به فالحديث ليس منه بل من التنبيه بالأدنى على

ص: 26

الأعلى لأنه إذا قضى الناسى مع عدم الإثم فأحرى المتعمد فالخلاف في قضاء المتعمد كالخلاف في الكفارة في قتل العمد. وينبنى الخلاف في الآية وفى الحديث على الخلاف هل هما من دليل الخطاب أو مفهومه (وأخذ) بعضهم قضاء العامد من الحديث من قوله فليصلها إذا ذكرها لأنه بغفلته عنها بجهله وعمده كالناسى ومتى ذكر تركه لها لزمه قضاؤها ومن قوله لا كفارة لها إلا ذلك لأن الكفارة إنما هي مع الذنب والذنب إنما يكون في العمد اهـ من الأبىّ شرح مسلم

(قوله أقم الصلاة للذكرى) بلامين وفتح الراء بعدها ألف مقصورة أى لذكراها (قال) القاضى عياض فيه أن شرع من قبلنا شرع لنا لأن الحكم أخذ من الآية وهي إنما خوطب بها موسى عليه الصلاة والسلام اهـ (قال) الأبىّ ليس فيه ذلك لأن ذلك إنما يكون في احتجاج غير المشرّع به أما المشرّع فاحتجاجه به إدخال له في شريعته اهـ

(قوله قال يونس وكان ابن شهاب الخ) أىَ قال يونس بن يزيد وكان محمد بن شهاب الزهرى يقرؤها في تلاوته للقرآن للذكرى كما في الرواية وهي قراءة شاذة أو أن المراد كان يقرؤها في روايته للحديث

(قوله قال أحمد الخ) أى قال أحمد بن صالح قال عنبسة بن خالد عن يونس بن يزيد أقم الصلاة لذكرى بلام واحدة وكسر الراء وهى القراءة المشهورة وهي رواية للبخارى ومسلم وابن ماجه أى لتذكرني فيها بلا رياء فهو من إضافة المصدر لمفعوله وقيل إنه مضاف للفاعل والمعنى لأذكرك بالثاء أو لأني ذكرتها في الكتاب وأمرت بها، وفى بعض النسخ للذكرى ولعلها خطأ من النساخ. والغرض من هذا بيان تعدّد الطرق عن يونس

(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية النوم وأخذ الراحة عند الجاجة، وعلى طلب اتخاذ الحارس للأمور المهمة، وعلى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تجوز عليه الأعراض البشرية التي لا نقص فيها، وعلى مشروعية قبول عذر من لم يف بما وعد به لعذر طرأ عليه، وعلى مشروعية التحوّل عن المكان الذى يظنّ أنه مأوى للشيطان، وعلى طلب قضاء الصلاة الفائتة، وعلى مشروعية الإقامة لها، وعلى مشروعية الجماعة فيها، وعلى أنه يطلب من ذوى العلم أن يعلموا غيرهم أحكام الدين، وعلى أن وقت صلاة الفائتة وقت ذكرها

(من روى الحديث أيضا) رواه مسلم وابن ماجه والبيهقى

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبَانُ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ» ، قَالَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى،

ص: 27

(ش) غرض المصنف بسياق هذا بيان أن الزهرى قد اختلف عليه في رواية الحديث فرواه عنه يونس ولم يذكر فيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بلالا بالأذان عند الصلاة إنما الذى فيه أنه أمره بالإقامة وتقدم بيانه. ورواه معمر عن الزهرى بذكر الأذان والإقامة. وقد أخرج البيهقي رواية معمر عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال عرّس بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرجعه من خيبر قال من يحفظ علينا الصلاة فقال بلال أنا فناموا حتى طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تحوّلوا عن مكانكم الذى أصابتكم فيه الغفلة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا بلال نمت فقال أخذ بنفسى الذى أخذ بأنفاسكم فأمر بلالا فأذن وأقام وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل قال "أقم الصلاة لذكرى" وقال والأذان في هذه القصة صحيح ثابت قد رواه غير أبى هريرة

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْأَذَانَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ هَذَا، وَلَمْ يُسْنِدْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبَانُ الْعَطَّارُ، عَنْ مَعْمَرٍ

(ش) ساق المصنف هذه التعاليق (أولا) لتقوية رواية يونس بعدم ذكر الأذان فيها وللإشارة إلى أن زيادة الأذان في حديث أبى هريرة ضعيفة لأنها لم ترو عن الزهرى إلا من طريق أبان عن معمر. لكن يعضدها ما سيأتى للمصنف عن عمران بن حصين وأبى قتادة وفيه ذكر الأذان. والزيادة إذا صحت لزم قبولها والعمل بها (وثانيا) أنه قد اختلف على الزهرى في رفع الحديث فرواه مالك في الموطأ وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق بن همام مرسلا لم يذكروا فيه أبا هريرة. ورواه الأوزاعي وأبان ويونس متصلا بذكر أبى هريرة (قال) الزرقاني رواية الإرسال لا تضرّ في رواية من وصله لأن يونس من الثقات الحفاظ احتج به الأئمة وتابعه الأوزاعي وابن إسحاق في رواية ابن عبد البرّ اهـ ورواية مالك أخرجها في الموطأ عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين قفل من خيبر أسرى حتى إذا كان من آخر الليل عرّس وقال لبلال اكلأ لنا الصبح ونام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وكلأ بلال ما قدّر له ثم استند إلى راحلته وهو مقابل الفجر فغلبته عيناه فلم يستيقظ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا بلال ولا أحد من الركب حتى ضربتهم الشمس ففزع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال بلال يا رسول الله

ص: 28

أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقتادوا فبعثوا رواحلهم واقتادوا شيئا ثم أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصبح ثم قال حين قضى الصلاة من نسى الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول في كتابه "أقم الصلاة لذكرى" اهـ ولم نقف على من أخرج بقية التعاليق

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ، ثَنَا أَبُو قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ لَهُ فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَمِلْتُ مَعَهُ، قَالَ:«انْظُرْ» ، فَقُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانِ رَاكِبَانِ، هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ، حَتَّى صِرْنَا سَبْعَةً، فَقَالَ:«احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا» -يَعْنِي صَلَاةَ الْفَجْرِ- فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ فَقَامُوا فَسَارُوا هُنَيَّةً ثُمَّ نَزَلُوا فَتَوَضَّئُوا وَأَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّوْا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوُا الْفَجْرَ وَرَكِبُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:«إِنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا وَمِنَ الْغَدِ لِلْوَقْتِ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله حماد) بن سلمة

(قوله عبد الله بن رباح) أبو خالد (الأنصارى) سكن البصرة. روى عن أبيّ بن كعب وعمار بن ياسر وأبى قتادة وأبى هريرة وعائشة وآخرين. وعنه ثابت البناني وقتادة وعاصم الأحول وأبو عمران الجونى وكثيرون وثقه النسائى وابن سعد وقال العجلى تابعى ثقة. روى له الجماعة إلا البخارى. و (أبو قتادة) هو الحارث بن ربعى

(معنى الحديث)

(قوله فمال) أى تحوّل عن الطريق

(قوله فقال انظر) أى هل ترى أحدا من السائرين فإنهم كانوا متفرّقين في سيرهم "ففى" مسلم عن أبى قتادة قال خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله غدا فانطلق الناس لا يلوى أحد على أحد قال أبو قتادة فبينما رسول الله صلى الله تعالى عليه

ص: 29

وعلى آله وسلم يسير حتى ابهارّ الليل وأنا إلى جنبه قال فنعس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمال عن راحلته فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته ثم سار حتى تهوّر الليل مال عن راحلته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشدّ من الميلتين الأوليين حتى كاد ينجفل فأتيته فدعمته فرفع رأسه فقال من هذا قلت أبو قتادة قال متى كان هذا مسيرك مني قلت مازال هذا مسيرى منذ الليلة قال حفظك الله بما حفظت به نبيه ثم قال هل ترانا نخفى على الناس ثم قال هل ترى من أحد قلت هذا راكب ثم قلت هذا راكب آخر حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب قال فمال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الطريق ووضع رأسه ثم قال احفظوا علينا صلاتنا "الحديث" أى وقت صلاتنا

(قوله فضرب على آذانهم) أى حجب الصوت والحسّ بسبب النوم عن أن يلج آذانهم فينتبهوا فكأنها قد ضرب عليها حجاب ومن هذا قوله تعالى "فضربنا على آذانهم في الكهف"

(قوله فساروا هنية) أى قليلا من الزمن بأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففى رواية مسلم قال اركبوا فركبوا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس. وهنية تصغير هنة ويقال هنيهة أيضا

(قوله فصلوا ركعتى الفجر) أى سنة الفجر (وبهذا استدل) أبو حنيفة وأبو يوسف على أن سنة الفجر إذا فاتت مع الفرض تقضى بعد طلوع الشمس قبل الفرض وقال أبو حنيفة إذا فاتت السنة وحدها فلا تقضى خلافا لمحمد فإنه يقيسها على ما إذا فاتت مع الفرض ولأبي حنيفة وأبى يوسف أيضا أن الأصل في السنن أن لا تقضى لكن سنة الفجر إذا فاتت مع الفرض خصت بهذا الحديث (وذهبت) الشافعية إلى أن سنة الفجر تقضى فاتت مع الفرض أو وحدها والأفضل أن تكون قبله وكذا بقية الرواتب (ولا تقضى) في المشهور عن مالك. وعند أصحابه تقضى مطلقا إلى الزوال فاتت مع الفرض أو وحدها ومشهور المذهب أنها تصلى بعد الفرض. وقال ابن زياد وأشهب تقضى قبله وسيأتى هذا مزيد إن شاء الله تعالى في باب قضاء ركعتى الفجر

(قوله قد فرّطنا في صلاتنا) أى قصرنا في صلاتنا حيث أوقعناها في غير وقتها المحدّد لها

(قوله لا تفريط في النوم الخ) أى لا تقصير فيه وإنما التقصير في اليقظة لوجود التقصير حالة التكليف. وفى رواية مسلم إنما التفريط على من لم يصلّ الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه وقوله لا تفريط في النوم دليل لمن قال إن النائم ليس مكلفا إنما القضاء بأمر جديد

(قوله ومن الغد للوقت) أى وليصلّ أيضا من الغد في الوقت فظاهره أن الفائتة يصليها مرّة حين ذكرها ومرّة من الغد في وقتها. وبهذا قال بعضهم لكن حملوا الإعادة على الاستحباب. قال الخطابى لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به وجوبا. ويشبه أن يكون الأمر به استحبابا ليحرز فضيلة الوقت في القضاء عند مصادقة الوقت اهـ (وقال) جمهور العلماء ليس هذا الظاهر مرادا ولم يقل

ص: 30

أحد من السلف باستحباب إعادة الصلاة من الغد (قال) النووى معناه أنه إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ولا يتحوّل في المستقبل بل يبقى كما كان فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد ولا يتحول وليس معناه أنه يقضى الفائتة مرّتين مرة في الحال ومرّة في الغد وإنما معناه ما قدمناه فهذا هو الصواب اهـ ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور قوله في الرواية الآتية لا كفارة لها إلا ذلك فإنه يستفاد من الحصر أنه لا يجب غير إعادتها. وما رواه الدارقطني عن عمران بن حصين وفيه أمر بلالا فأقام فصلى الغداة فقلنا يا نبي الله ألا نقضيها لوقتها من الغد فقال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم. وقد ترجم البخارى لحديث من نسى صلاة الخ فقال باب منى نسى صلاة فليصلها إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة. وقال إبراهيم النخعى من ترك صلاة واحدة عشرين سنة لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة (قال) الحافظ يحتمل أن يكون البخارى أشار بقوله ولا يعيد إلا تلك الصلاة إلى تضعيف ما وقع في بعض طرف حديث أبى قتادة عند مسلم في قصة النوم عن الصلاة حيث قال فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها فإن بعضهم زعم أن ظاهره إعادة الصلاة مرّتين عند ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتى ولكن اللفظ المذكور ليس نصا في ذلك لأنه يحتمل أن يريد بقوله فليصلها عند وقتها أى الصلاة التى تحضر لا أنه يريد أن يعيد التى صلاها بعد خروج وقتها ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك، ويؤيد ذلك ما رواه النسائى من حديث عمران ابن حصين أيضا أنهم قالوا يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم اهـ

(فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على مشروعية الأذان للفائتة وتقدم بيانه وعلى أن ركعتى الفجر تقضى، وعلى أن تأخير الصلاة بسبب النوم لا إثم فيه سواء أكان قبل دخول وقتها أم بعده قبل تضييقه. وقيل إنه إذا تعمد النوم قيل تضييق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة بغلبة ظنه أنه لا يستيقط إلا وقد خرج الوقت كان آثما، لكن الظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم لأنه فعله في وقت له فعله فيه فيشمله الحديث. وأما من نام بعد تضييق الوقت فلا شك انه آثم لتعلق الخطاب به والنوم مانع عن الامتثال والواجب إزالة المانع

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم بلفظ أتمّ تقدم بعضه وأخرج النسائى والترمذى وابن ماجه طرفا منه وقال الترمذى حديث حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ

ص: 31

سُمَيْرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، مِنَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ، فَحَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ جَيْشَ الْأُمَرَاءِ -بِهَذِهِ الْقِصَّةِ- قَالَ: فَلَمْ تُوقِظْنَا إِلَّا الشَّمْسُ طَالِعَةً فَقُمْنَا وَهِلِينَ لِصَلَاتِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُوَيْدًا رُوَيْدًا» ، حَتَّى إِذَا تَعَالَتِ الشَّمْسُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيَرْكَعْهُمَا» ، فَقَامَ مَنْ كَانَ يَرْكَعُهُمَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَرْكَعُهُمَا فَرَكَعَهُمَا ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ يُنَادَى بِالصَّلَاةِ فَنُودِيَ بِهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:«أَلَا إِنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّا لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا عَنْ صَلَاتِنَا وَلَكِنَّ أَرْوَاحَنَا كَانَتْ بِيَدِ اللَّهِ عز وجل فَأَرْسَلَهَا أَنَّى شَاءَ فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْغَدِ مِنْ غَدِهِ صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا» .

(ش)(رجال الحديث)

(قوله على بن نصر) بن عليّ بن نصر بن عليّ بن صهبان أبو الحسن الأزدى الجهضمى البصرى الصغير. روى عن وهب بن جرير وأبى داود الطيالسى وعبد الصمد بن عبد الوارث وعبد الله بن داود وكثيرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وآخرون، وثقة أبو حاتم وأطنب في الثناء عليه وقال صالح بن محمد ثقة صدوق وقال الترمذى كان حافظا صاحب حديث ووثقه النسائى وابن حبان. مات سنة خمسين ومائتين

(قوله الأسود بن شيبان) السدوسى أبو شيبان البصرى مولى أنس بن مالك روى عن الحسن البصرى ويزيد بن عبد الله وموسى بن أنس وخالد بن سمير وغيرهم. وعنه ابن المبارك وابن مهدى ووكيع ووهب بن جرير وآخرون، وثقه العجلى وأحمد والنسائى وابن معين وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. مات سنة ستين ومائة

(قوله خالد بن سمير) هكذا في جميع النسخ الموجودة بأيدينا بالسين المهملة

ص: 32

مصغرا. وفى الخلاصة خالد بن شمير بالشين المعجمة مصغرا، السدوسى البصرى. روى عن عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وبشير بن نهيك وعبد الله بن رباح وغيرهم. وعنه الأسود بن شيبان. قال العجلى بصرى ثقة ووثقه ابن حبان والنسائى. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله وكانت الأنصار تفقهه) أى تعدّه فقيها

(قوله بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جيش الأمراء) هو جيش غزوة موتة بضم الميم وسكون الواو بغير همزة وحكى بالهمزة أيضا، وسميت بذلك لكثرة الأمراء فيها. وذكر جيش الأمراء في هذه الرواية غلط لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن مع الجيش في غزوة موتة بل كان بالمدينة. ويؤيده ما في البخارى في باب غزوة موتة من أرض الشام عن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله تعالى حتى فتح الله تعالى عليه. أو أن المراد به من كانوا في غزوة خيبر فإنه قد تولى على الجيش فيها أمراء كثيرة فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما نزل خيبر أخذته الشقيقة "وجع في الرأس" فلم يخرج للقتال وإن أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالا شديدا هو أشدّ من القتال الأول ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال أما والله لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة وليس ثمة عليّ فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك فجاء عليّ على بعير له حتى أناخ قريبا من قباء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو أرمد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مالك قال رمدت بعد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ادن منى فدنا منه فتفل في عينيه فما وجعهما قط ثم أعطاه الراية فنهض بها معه إلى آخر القصة فهذه الغزوة أيضا تستحق أن تسمى بجيش الأمراء لأنها تأمر فيها أميرا بعد أمير وهذا هو الموافق لسياق الحديث وليس المراد بجيش الأمراء غزوة موتة

(قوله بهذه القصة) أى قصة نومهم عن صلاة الصبح التى ذكرها ثابت البنانى عن عبد الله بن رباح في الحديث السابق

(قوله فقمنا وهلين الخ) أي فزعين لأجل فوات صلاتنا. ووهلين جمع وهل بفتح الواو وكسر الهاء صفة مشبهة من وهل يوهل إذا فزع من شيء يصيبه

(قوله رويدا رويدا) أى أمهلوا إمهالا فهو اسم فعل وكرّر للتأكيد والمراد أخروا الصلاة حتى تنتقلوا من هذا المكان كما تقدم

(قوله حتى إذا تعالت الشمس) أى ارتفعت وتكامل ظهورها. وفي نسخة تقالت بالقاف وتشديد اللام وهي بمعنى

ص: 33

الأولى

(قوله من كان منكم يركع ركعتي الفجر الخ) أى من كان يعتاد صلاة ركعتين سنة الفجر في السفر فليصلهما ومن لا فلا فخيرهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك من أجل السفر فقاموا جميعا فركعوهما بعد أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويحتمل أن المراد من كان منكم يصليهما قبل اليوم في الحضر فليصلها الآن فصلاهما بعد أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كان من الصحابة يصليهما قبل ومن لم يكن يصليهما فدلّ على أن بعض الصحابة لم يكن يصلى ركعتى الفجر في الحضر. ولعله لم يبلغه ما ورد فيهما من الفضل فإنه يبعد على الصحابة أن يتركوا ما واظب عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورغب فيه فقد روى مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشدّ معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح. وروى أيضا عنها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها. أو لعل هذا خطأ من خالد بن سمير في أداء العبارة فإن حديث عبد الله ابن رباح عن أبى قتادة رواه ثابت البناني عن عبد الله بن رباح ولم يذكر من كان منكم يركع الخ كما تقدم وثابت البناني أحد الأئمة الأثبات، وإنما تفرّد به خالد بن سمير عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة فوهم فيه. على أن جماعة من الصحابة غير أبى قتادة رووا قصة النوم عن الصلاة مفصلة ومجملة منهم الله بن مسعود وبلال وأبو هريرة وعمران بن حصين وعمرو بن أمية الضمرى وأنس وابن عباس وعبد الله بن عمر وأبو أمامة ولم يذكر أحد منهم في حديثه هذه العبارة وأحاديث هؤلاء مروية في الصحيحين وغيرهما ولم ينقل أحد من الصحابة أنهم كانوا مخيرين في أداء ركعتى الفجر

(قوله أن ينادى بالصلاة) أى يقام لها لقوله فقام فصلى بنا ولأن النداء كان عقب صلاة سنة الفجر

(قوله ألا إنا نحمد الله الخ) ألا بفتح الهمزة وتحفيف اللام حرف تنبيه تدلّ على تحقق ما بعدها أى نحمد الله عز وجل على عدم كوننا في شيء من أمور الدنيا يلهينا عن صلاتنا ولكن أرواحنا بيد الله عز وجل فأرسلها متى شاء فإنه يتوفى نفس النائم عند النوم ثم يرسلها عند اليقظة وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهم ذلك لما رأى من الصحابة عظم فوات وقت الصبح فسهل عليهم الأمر بهذا القول. والرّوح يذكر ويؤنث وهو جوهر لطيف مشتبك بالجسم اشتباك الماء بالعود الأخضر على هيئة جسد صاحبها كما تقدم "لا يقال" كيف تفسر الروح وقد قال تعالى حكاية عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "قل الروح من أمر ربى""لأن السؤال" كان عنها من حيث قدمها وحدوثها وليس فيه ما ينافي جواز تفسيرها وأيضا أمر الروح كان مبهما في التوراة فقالت اليهود نسأله عن أصحاب الكهف وعن ذى القرنين وعن الروح فإن أجاب عنه أو سكت فليس بنبيّ وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبى فبين لهم القصتين وأبهم الروح حتى لا يطعنوا في نبوّته

(قوله فليقض معها مثلها) أى يصلى مع صلاة الغداة الحاضرة فائتة

ص: 34

مثلها فهو صريح في أن الفائتة تصلى مرتين مرة حين ذكرها ومرّة من الغد في وقتها. لكن قال البيهقى في معرفة السنن قد روى الأسود بن شيبان عن خالد بن سمير عن عبد الله بن رباح عن أبى قتادة في قصة نومهم عن الصلاة وقضائهم لها قال فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمن أدركته هذه الصلاة من غد صالحا فليصل معها مثلها ولم يتابعه على هذه الرواية ثقة وإنما الحديث عند سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبى قتادة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذه القصة قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصلّ الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى فإذا كان ذلك فليصلها حين يستيقظ فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها ورواه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فرّوخ عن سليمان وإنما أراد والله تعالى أعلم أن وقتها لم يتحوّل إلى ما بعد طلوع الشمس بنومهم وقضائهم لها بعد الطلوع فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها يعنى صلاة الغد هذا هو اللفظ الصحيح وهذا هو المراد به فحمله خالد بن سمير عن عبد الله بن رباح على الوهم اهـ (والحاصل) أن خالد بن سمير وهم في هذا الحديث في ثلاثة مواضع "الأول" في قوله جيش الأمراء "الثاني" في قوله من كان منكم يركع ركعتي الفجر الخ "الثالث" في قوله فليقض معها مثلها

(ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، فِي هَذَا الْخَبَرِ قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حَيْثُ شَاءَ وَرَدَّهَا حَيْثُ شَاءَ قُمْ فَأَذِّنْ بِالصَّلَاةِ» فَقَامُوا فَتَطَهَّرُوا، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ.

(ش) لعلّ غرض المصنف بسياق رواية حصين بن عبد الرحمن السلمي بيان أن فيها التصريح بالأمر بالأذان بخلاف رواية شيبان السابقة فإن فيها الأمر بالنداء وهو يصدق بالإقامة وأن فيها التصريح بالطهارة

(قوله خالد) بن عبد الله الطحان. و (ابن أبى قتادة) هو عبد الله بن الحارث بن ربعيّ

(قوله في هذا الخبر الخ) متعلق بقال الآتية أى قال أبو قتادة في هذا الخبر فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله قبض أرواحكم الخ

(قوله فتطهروا الخ) ظاهر هذه الرواية أن الأمر بالأذان وتطهرهم كانا قيل ارتفاع الشمس وما تقدم من الروايات وما سيأتى يفيد أنهما كانا بعد ارتفاع الشمس ولا منافاة بينهما لتعدد القصة. وهذه الرواية أخرجها البيهقى من طريق محمد بن فضيل عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه قال سرينا مع رسول الله صلى الله تعالى

ص: 35

عليه وعلى آله وسلم ليلة فقال بعض القوم لو عرّست بنا يا رسول الله فقال إنى أخاف أن تناموا عن الصلاة فقال بلال أنا أوقظكم فنزل القوم فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عينه فاستيقظ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد طلع حاجب الشمس فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا بلال أين ما قلت قال بلال يا رسول الله ما ألقيت على من نومة مثلها قط فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردّها إليكم حين شاء ثم قال يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابيضت قام فصلى

(ص) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، ثَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ حِينَ ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى بِهِمْ

(ش) مقصود المصنف من ذكر هذه الرواية بيان أنه قد اختلف على حصين فروى عنه خالد أن تطهر الصحابة كان قبل ارتفاع الشمس وروى عنه عبثر أن تطهرهم كان بعد ارتفاع الشمس وقد علمت أنه لا منافاة بينهما لتعدد القصة

(رجال الحديث)

(قوله هناد) بن السرىّ

(قوله عبثر) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن القاسم أبو زبيد الزبيدى الكوفي. روى عن أبى إسحاق الشيباني والأعمش وحصين والثورى، وعنه عمرو بن عون ويحيى بن آدم وأبو نعيم وكثيرون. وثقه النسائى وابن معين وأبو داود وابن سعد ويعقوب بن سفيان وابن حبان وقال أبو حاتم صدوق. مات سنة ثمان أو تسع وسبعين ومائه. روى له الجماعة

(معنى الحديث)

(قوله بمعناه) أى حديث عبثر عن حصين بن عبد الرحمن بمعنى حديث خالد عنه. وهذه الرواية أخرج البخارى نحوها مطوّلة من طريق محمد بن فضيل عن حصين

(ص) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَهُوَ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى»

(ش) غرض المصنف من ذكر حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت بيان الزيادة في حديثه

ص: 36

بأن فيه أن التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى ولم يكن هذا مذكورا في حديث حماد عن ثابت ولا في حديث خالد بن سمير وكان ينبغى للمصنف أن يذكر هذه الرواية عقب رواية حماد المذكورة حيث كان الغرض أن ابن المغيرة عن ثابت زاد على رواية حماد عن ثابت في حديث أبى قتادة زيادة ليست فيها

(رجال الحديث)

(قوله العباس العنبرى) هو ابن عبد العظيم

(قوله سليمان بن المغيرة) أبو سعيد القيسي مولاهم البصرى. روى عن أبيه والحسن البصرى وابن سيرين وثابت البنانى وحميد بن هلال. وعنه الثورى وشعبة وابن مهدى وأبو داود الطيالسى وآخرون. قال أحمد ثبت ثبت وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا وقال سليمان بن حرب ثقة مأمون ووثقه ابن معين وابن حبان والنسائى وابن أبى شيبة والعجلى والبزّار. روى له الجماعة

(معنى الحديث)

(قوله ليس في النوم تفريط الخ) أى ليس في حالة النوم تقصير إذ ليس للإنسان اختيار حينئذ وإنما التفريط في اليقظة بأن تؤخر الصلاة إلى أن يدخل وقت التي بعدها وذلك بأن يتركها عامدا كسلا، وفي ذلك دلالة على امتداد وقت كل صلاة إلى وقت الأخرى وهو عامّ في كل صلاة حتى في المغرب على المختار إلا الصبح فإنها لا تمتدّ إلى الظهر بل يخرج وقتها طلوع الشمس لمفهوم قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن فوات الصلاة بالنوم ومثله النسيان لا يعدّ تقصيرا وأن التقصير والإثم في عدم أدائها في الوقت بدون عذر، وعلى أن وقت كل صلاة يمتدّ إلى الأخرى وتقدّم بيانه

(من أخرج الحديث أيضا) أخرج الطحاوى والترمذى نحوه من طريق أبى عوانة عن قتادة

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:«مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ»

(ش)(قوله همام) بن يحيى. و (قتادة) بن دعامة

(قوله لا كفارة له إلا ذلك) أى إلا فعلها وقت تذكرها (وفى هذا) الحصر دلالة على أنه لا يجب غير فعلها مرة خلافا لمن قال إنها تصلى ثانيا في وقتها من اليوم الثاني كما تقدم (قال) الخطابى يريد أنه لا يلزمه في تركها غرم كفارة من صدقة أو نحوها كما تلزمه في ترك الصوم في رمضان من غير عذر الكفارة وكما يلزم المحرم

ص: 37

إدا ترك شيئا من نسكه كفارة وجبران من دم أو طعام ونحوه. وفيه دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يصلى عن أحد كما يحجّ عنه وكما يؤدّى عنه الديون ونحوها. وفيه دليل على أن الصلاة لا تجبر بالمال كما يجبر الصوم وغيره اهـ وبهذا يعلم أن ما يفعله بعض الناس بعد موت تارك الصلاة من إعطاء بعض الناس شيئا من المال ويسمونه إسقاط الصلاة لا دليل عليه

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى وابن ماجه والطحاوى من طريق أبى الوليد وأخرجه الترمذى وقال حديث حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ فِي مَسِيرٍ لَهُ فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَاسْتَيْقَظُوا بِحَرِّ الشَّمْسِ فَارْتَفَعُوا قَلِيلًا حَتَّى اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعى أبى نجيد أسلم عام خيبر. روى له عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانون ومائة حديث اتفق الشيخان على ثمانية وانفرد البخارى بأربعة ومسلم بتسعة. روى عنه أبو رجاء العطاردى ومطرّف ابن عبد الله والشعبى وابن سيرين والحسن البصرى. قال ابن سعد كانت الملائكة تصافحه وتسلم عليه وهو ممن اعتزل الفتنة وغزا عدّة غزوات وكان صاحب راية خراعة يوم الفتح وقال ابن عبد البرّ كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم يقول عنه أهل البصرة إنه كان يرى الحفظة وكانت تكلمه حتى اكتوى فلما اكتوى احتبست عنه حتى ذهب أثر الكيّ وقال أبو نعيم كان مجاب الدعوة. روى له الجماعة. توفي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالبصرة سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين

(معنى الحديث)

(قوله في مسير له) أى سفر ولعله كان راجعا من خيبر. والمسير مصدر ميمى من سار على غير قياس إذ القياس مسار

(قوله فارتفعوا الخ) أى انتقلوا حتى ارتفعت الشمس. وهذه الرواية تدلُّ على أنه أذن وأقام للفائتة وتقدم بيانه

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان مطوّلا من طريق أبى رجاء العطاردى وليس فيه ذكر الأذان والإقامة وذكر ابن المديني وأبو حاتم الرّازى وغيرهما أن الحسن لم يسمع من عمران في حصين وأخرجه البيهقى من طريق عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا يونس بن عبيد عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان في سفر فنام

ص: 38

حتى طلعت الشمس قال فأمر بلالا فأذن وصلى ركعتين ثم انتظر حتى استقلت الشمس ثم أمره فأقام فصلى بهم. ورواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والدارقطنى والطحاوى والحاكم في المستدرك وقال صحيح

(ص) حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ، ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَهَذَا لَفْظُ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي الْقِتْبَانِيَّ، أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ صُبْحٍ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ الزِّبْرِقَانَ حَدَّثَهُ، عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَامَ، عَنِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ:«تَنَحَّوْا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ» ، قَالَ:«ثُمَّ أَمَر بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ تَوَضَّئُوا وَصَلَّوْا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ» .

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عياش) بالمثناة التحتية والشين المعجمة (ابن عباس) بالموحدة، و (القتباني) نسبة إلى قتبان بكسر القاف وسكون المثناة الفوقية وبالموحدة موضع من نواحى عدن

(قوله كليب بن صبح) الأصبحى المصرى. روى عن عقبة بن عامر والزبرقان ابن عبد الله. وعنه جعفر بن ربيعة وعياش بن عباس. وثقه ابن معين وابن حبان. روى له أبو داود

(قوله الزّبرقان) بن عبد الله بن أمية

(قوله عمرو بن أمية) بن خويلد بن عبد الله بن إياس أبو أمية. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عشرون حديثا اتفق الشيخان على واحد وانفرد البخارى بآخر. روى عنه عبد الله بن جعفر والشعبى وأبو سلمة والزبرقان وآخرون. قال ابن سعد أسلم حين انصرف المشركون عن أحد وكان شجاعا له إقدام. مات بالمدينة في زمن معاوية. روى له الجماعة. و (الضمرى) بفتح فسكون فكسر نسبة إلى ضمرة موضع

(معنى الحديث)

(قوله تنحوا عن هذا المكان) أى انتقلوا عنه وتقدم أن انتقالهم عن المكان الذى ناموا فيه لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان أو أصابتنا فيه الغفلة. وهذه الرواية حجة لمن قال إنه يؤذن للفائتة ويقام لها

(ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا حَجَّاجٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَرِيزٌ، ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ

ص: 39

بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ يَعْنِي الْحَلَبِيَّ، ثَنَا حَرِيزٌ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ذِي مِخْبَرٍ الْحَبَشِيِّ، وَكَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ -يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ - وُضُوءًا لَمْ يَلُتَّ مِنْهُ التُّرَابُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ:«أَقِمِ الصَّلَاةَ» ، ثُمَّ صَلَّى الْفَرْضَ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ. قَالَ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيْحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي ذُو مِخْبَرٍ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ وقَالَ عُبَيْدٌ: يَزِيدُ بْنُ صُلْحٍ

(ش)(رجال الحديث)

(قوله إبراهيم بن الحسن) بن الهيثم الخثعمى المصيصى أبو إسحاق. روى عن مخلد بن يزيد وحجاج بن محمد والحارث بن عطية وآخرين. وعنه أبو داود والنسائى وموسى الحمال وغيرهم. كتب عنه أبو حاتم وقال صدوق وقال النسائى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه في التفسير

(قوله عبيد بن أبى الوزير) ويقال ابن أبى الوزر. روى عن مبشر بن إسماعيل. وعنه أبو داود قال الحافظ لا يعرف حاله وقال السيوطى لا يعلم راو عنه سوى أبى داود ولا يعلم فيه توثيق ولا حرج

(قوله مبشر) بن إسماعيل

(قوله يزيد بن صالح) كذا في النسخة الصحيحة وقيل ابن صبح وقيل ابن صليح أو ابن صبيح الرحبي الحمصى. روى عن ذى مخبر. وعنه حريز بن عثمان. وثقه أبو داود وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو داود شيوخ حريز كلهم ثقات وقال الدارقطنى لا يعتبر به وقال في الميزان يزيد بن صالح أو يزيد بن صبيح تابعى حمصى لا يكاد يعرف

(قوله عن ذى مخبر) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة ويقال ذو مخمر بالميم بدل الموحدة (الحبشى) الصحابى كان الأوزاعى لا يقوله إلا بالميم وصححه الترمذى بالموحدة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعنه جبير بن نفير وخالد بن معدان ويحيى بن أبى عمرو وأبو حيّ المؤذن وعمرو بن عبد الله الحضرمى وآخرون. نزل الشام. ومات به. روى له أبو داود

(معنى الحديث)

(قوله في هذا الخبر الخ) متعلق بقوله حدثني أى قال حريز حدثنى بهذا الخبر يزيد بن صالح ففى بمعنى الياء وقوله وكان يخدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معترض بينهما ويحتمل أن يكون متعلقا بقال بعده أى قال ذو مخبر في هذا الخبر فتوضأ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ

(قوله لم يلت منه التراب) بفتح المثناة التحتية وضم اللام وبمثناة

ص: 40

فوقية من لتت أى لم يختلط بماء وضوئه التراب يقال لتّ السويق يلته إذا خلطه بالماء ونحوه وفي نسخة لم يلث بالمثلثة وهى بمعنى الأولى وهو كناية عن قلة ماء وضوئه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله غير عجل) أى حال كونه غير مسرع فيما

(قوله قال عن حجاج عن يزيد بن صليح الخ) أى قال إبراهيم بن الحسن في روايته عن حجاج الأعور عن حريز حدثني يزيد بن صليح باللام مصغر صلح. وفي نسخة قال حجاج. فعلى الأول ضمير قال يعود إلى إبراهيم ابن الحسن وعلى الثانى فاعل قال حجاج. وفى نسخة قال غير حجاح

(قوله قال عبيد الخ) أى قال عبيد بن أبى الوزير في روايته عن مبشر عن حريز حدثنى يزيد بن صليح وقد ذكر المصنف بعد ذلك رواية أخرى لحديث ذى مخبر عن مؤمل بن الفضل عن الوليد عن حريز وقال فيهما عن يزيد ابن صليح كما في النسخ الكثيرة (وحاصل) ما ذكره المصنف أنه قد اختلف في اسم والد يزيد فقال المصنف إن شيخى إبراهيم بن الحسن قال عن شيخه حجاج عن حريز قال يزيد بن صليح وقال عبيد بن أبى الوزير بسنده عن حريز قال ابن صالح أو ابن صبح أو ابن صبح فعلى هذا تختلف روايتهما في هذا اللفظ

(ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ، ثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ حَرِيزٍ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيْحٍ، عَنْ ذِي مِخْبَرٍ ابْنِ أَخِي النَّجَاشِيِّ، فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَأَذَّنَ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ

(ش) لعل غرض المصنف بسياق هذه الرواية تقوية رواية حجاج في أن اسم والد يزيد صليح وأن ذى مخبر ابن أخى النجاشي. وحديث ذى مخبر أخرجه الطحاوى من طريق داود ابن أبي هند عن العباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم عن ذى مخبر بن أخى النجاشي قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سفر فنمنا فلم نستيقظ إلا بحرّ الشمس فتنحينا من ذلك المكان قالا فصلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما كان من الغد حين بزغ الشمس أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام فصلى بنا الصلاة فلما قضى الصلاة قال هذه صلاتنا بالأمس

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَلْقَمَةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

ص: 41

وَسَلَّمَ: «مَنْ يَكْلَؤُنَا» فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، فَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:«افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ» ، قَالَ: فَفَعَلْنَا، قَالَ:«فَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عبد الرحمن بن أبى علقمة) ويقال ابن علقمة الثقفى مختلف في صحبته ذكره يعقوب بن سفيان وخليفة وابن منده في الصحابة وقال الدارقطني لا تصحّ له رؤية ولا نعرفه وقال أبو حاتم ليست له صحبة وفرق ابن حبان بين الراوى لحديث إن وفد ثقيف قدموا عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومعهم هدية وبين الراوى عن ابن مسعود فذكر الثاني في التابعين والأول في الصحابة وفرق أيضا ابن أبي حاتم بينهما فقال في الأول روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي الثاني روى عنه مرسلا. روى عن ابن مسعود وعنه جابر بن شداد وعبد الملك بن محمد وعون بن أبى جحيفة. روى له أبو داود والنسائى

(معنى الحديث)

(قوله زمن الحديبية) أى في زمان غزوها وهو سنة ست من الهجرة والحديبية بتخفيف المثناة التحتية وتشديدها قرية قريبة من مكة سميت ببئر هناك. ثم هو في يحتمل أن يكون إقبالهم من الحديبية نفسها ويؤيده ما في بعض النسخ أقبلنا من الحديبية. ولا منافاة بينه وبين ما تقدم من أنهم كانوا في خيبر لأن القصة متعدّدة على ما هو المختار. ويحتمل أنهم كانوا مقبلين من خيبر كما تقدم لأنها كانت عقب انصرافهم من الحديبية فذكر الحديبية

(قوله افعلوا كما كنتم تفعلون) أى كل يوم من الطهارة والأذان والإقامة والصلاة وفي رواية لمسلم وأحمد فصنع كما كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع كل يوم

(قوله قال فكذلك فافعلوا الخ) أى قال فليفعل مثل ذلك من نام عن صلاة أو نسيها فاللام في قوله لمن نام زائدة أو متعلقة بقال ومن بدل من الواو. ويحتمل أن المعنى مروا من نام عن صلاة أو نسيها أن يفعل مثل ذلك

(فقه الحديث) والحديث يدلّ كما تقدم على أن صفة قضاء الصلاة الفائتة كصفة أدائها فيؤخذ منه أنه يجهر في صلاة الصبح المقضية بعد طلوع الشمس وكذلك المغرب والعشاء ويسرّ في صلاة الظهر والعصر إذا قضاهما ليلا

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وكذا البيهقى بنحوه

ص: 42