المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما جاء في الجمع في المسجد مرتين) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٤

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في المحافظة على وقت الصلوات)

- ‌(باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت)

- ‌(باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها)

- ‌(باب في بناء المساجد)

- ‌(باب اتخاذ المساجد في الدور)

- ‌(باب في السرج في المساجد)

- ‌(باب في كنس المساجد)

- ‌(باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)

- ‌(باب في فضل القعود في المسجد)

- ‌(باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد)

- ‌(باب في المشرك يدخل المسجد)

- ‌(باب المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة)

- ‌(باب النهى عن الصلاة في مبارك الإبل)

- ‌(باب متى يؤمر الغلام بالصلاة)

- ‌(باب بدء الأذان)

- ‌(باب ما جاء في الإقامة)

- ‌(باب الرجل يؤذن ويقيم آخر)

- ‌(باب من أذن فهو يقيم)

- ‌(باب رفع الصوت بالأذان)

- ‌(باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت)

- ‌(باب الأذان فوق المنارة)

- ‌(باب في المؤذن يستدير في أذانه)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع المؤذن)

- ‌(باب ما يقول إذا سمع الإقامة)

- ‌(باب في الدعاء عند الأذان)

- ‌(باب ما يقول عند أذان المغرب)

- ‌(باب أخذ الأجر على التأذين)

- ‌(باب في الأذان قبل دخول الوقت)

- ‌(باب الأذان للأعمى)

- ‌(باب الخروج من المسجد بعد الأذان)

- ‌(باب في المؤذن ينتظر الإمام)

- ‌(باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا)

- ‌(باب في فضل صلاة الجماعة)

- ‌(باب ما جاء في فضل المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب ما جاء في المشى إلى الصلاة في الظلم)

- ‌(باب ما جاء في الهدى في المشى إلى الصلاة)

- ‌(باب من خرج يريد الصلاة فسبق بها)

- ‌(باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد)

- ‌(باب ما جاء في الجمع في المسجد مرّتين)

- ‌(باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد)

- ‌(باب في جماع الإمامة وفضلها)

- ‌(باب في كراهية التدافع عن الإمامة)

- ‌(باب من أحق بالإمامة)

- ‌(باب إمامة النساء)

- ‌(باب الرجل يؤمّ القوم وهم له كارهون)

- ‌(باب إمامة البرّ والفاجر)

- ‌(باب إمامة الأعمى)

- ‌(باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة)

- ‌(باب الإمام يصلى من قعود)

- ‌ مشروعية التبليغ عند الحاجة إليه

- ‌(باب الرجلين يؤمّ أحدهما صاحبه كيف يقومان)

- ‌(باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون)

- ‌(باب الإمام ينحرف بعد التسليم)

الفصل: ‌(باب ما جاء في الجمع في المسجد مرتين)

(ش) أى روى الحديث محمد بن سيرين وأبو رافع عن أبى هريرة بلفظ القضاء كما رواه عنه أبو سلمة. ورواية ابن سيرين أخرجها مسلم بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا ثوّب بالصلاة فلا يسع إليها أحدكم ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار صلّ ما أدركت واقض ما سبقك. ورواية أبى رافع لم نقف على من أخرجها

(ص) وَأَبُو ذَرٍّ رَوَى عَنْهُ: «فَأَتِمُّوا، وَاقْضُوا» وَاخْتُلِفَ عنه

(ش) أى أنه روى عن أبى ذرّ جندب بن جنادة كلّ من العبارتين كما رويتا عن أبى هريرة فروى مبنىّ للمفعول. وفى بعض النسخ وروى عنه بالواو فيكون أبو ذرّ روى عن أبى هريرة فليقض كما رواها عنه أبو رافع وروى عنه أيضا فأتموا واقضوا ويكون روى مبنيا للفاعل. وقوله واختلف عنه أى اختلفت الرواة عن أبى ذرّ فبعضهم رواه عنه بلفظ فأتموا وبعضهم بلفظ فاقضوا واختلف فيما رواه أبو ذرّ عن أبى هريرة فمرّة رواه عنه بلفظ فاقضوا ومرّة بلفظ فأتموا

(باب ما جاء في الجمع في المسجد مرّتين)

أى في تكرار صلاة الجماعة في المسجد مرّتين في وقت واحد أيجوز أم لا. وفى نسخة باب في الجمع الخ. وبوّب الترمذى في جامعه بلفظ باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرّة وأورد حديث الباب

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ "أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ"

(ش)(رجال الحديث)(سليمان الأسود) الناجى البصرى أبي محمد. روى عن أبى المتوكل وابن سيرين. وعنه وهيب بن خالد وسعيد بن أبي عروبة ويزيد بن زريع وعبد العزيز ابن المختار. وثقه ابن معين وابن حبان وابن المدينى وأحمد بن صالح. روى له أبو داود والترمذى

(معنى الحديث)

(قوله أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبصر رجلا الخ) لم يعرف اسمه وفى رواية أحمد عن أبى سعيد أن رجلا دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأصحابه الخ. وهذه الصلاة صلاة الظهر كما صرّح به في رواية لأحمد والدارقطني. وقوله ألا رجل يتصدق على هذا يعنى يفعل معه خيرا. وفى رواية لأحمد من يتصدق على ذا. وفي رواية الترمذى أيكم

ص: 276

يتجر على هذا. وفى رواية الدارقطنى من يتجر على هذا فيصلى معه أى مقتديا به ليحصل له ثواب الجماعة فقام أبو بكر وصلى معه كما ذكره ابن أبى شيبة. وسمى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة معه صدقة لأنه قد صنع معروفا "ففى" رواية البخارى عن جابر ومسلم عن حذيفة كل معروف صدقة. ويصلى منصوب لوقوعه في جواب ألا لأنها أداة عرض كقولك ألا تنزل فتصيب خيرا. وقيل الهمزة للاستفهام ولا بمعنى ليس ويصلى مرفوع عطفا على الخبر (والحديث يدلّ) بظاهره على مشروعية تكرار الصلاة جماعة في مسجد قد صلى فيه جماعة قال الترمذى وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهم من التابعين قالوا لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلى فيه اهـ وبه قال إسحاق وداود وابن المنذر وابن مسعود وأنس (قال) في تحفة الأحوذى شرح الترمذي قال ابن أبى شيبة في مصنفه حدثنى إسحاق الأزرق عن عبد الملك بن أبى سليمان عن سلمة بن كهيل أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود وإسناده صحيح وهو قول أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال البخارى في صحيحه وجاء أنس بن مالك إلى مسجد قد صلى فيه فأذن وأقام وصلى جماعة اهـ (قال) الحافظ في الفتح وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبى عثمان قال مرّ بنا أنس بن مالك في مسجد بنى ثعلبة فذكر نحوه قال وذلك في صلاة الصبح وفيه فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه. وأخرجه ابن أبى شيبة من طرق عن أبى الجعد. وعند البيهقى من طريق أبى عبد الصمد العمى عن الجعد نحوه وقال في مسجد بنى رفاعة وقال فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه اهـ قال وهذا القول الحق ودليله أحاديث الباب اهـ من التحفة ملخصا (وإلى ذلك) ذهب ابن حزم قال ومن أتى مسجدا قد صليت فيه صلاة فرض جماعة بإمام راتب وهو لم يكن صلاها فليصلها في جماعة فقد روينا عن سفيان الثورى عن يونس بن عبيد عن الجعد أبى عثمان قال جاءنا أنس بن مالك عند الفجر وقد صلينا فأقام وأَمّ أصحابه. وروينا أيضا أنه كان معه نحو عشرة من أصحابه فأذن وأقام ثم صلى بهم. وروينا أيضا من طريق معمر وحماد بن سلمة عن أبى عثمان عن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وسماه حماد فقال في مسجد بنى رفاعة. وعن ابن جريج قلت لعطاء نفر دخلوا مسجد مكة خلاف الصلاة ليلا أو نهارا أيؤمهم أحدهم قال نعم وما بأس ذلك. وعن سفيان الثورى عن عبد الله بن يزيد أمنى إبراهيم النخعى في مسجد قد صلى فيه فأقامنى عن يمينه بغير أذان ولا إقامة. وعن معمر صحبت أيوب السختيانى من مكة إلى البصرة فأتينا مسجد أهل ماء قد صلى فيه فأذن أيوب ثم تقدم فصلى بنا. وعن حماد بن سلمة عن عثمان البتى قال دخلت مع الحسن البصرى وثابت البنانى مسجدا قد صلى فيه أهله فأذن ثابت وأقام وتقدم الحسن فصلى بنا فقلت يا أبا سعيد أما يكره هذا قال وما بأسه (قال) ابن حزم هذا مما لا يعرف فيه لأنس مخالف من

ص: 277

الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم. قال روينا من طريق أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبى عروبة عن سليمان الأسود عن أبى المتوكل وساق حديث الباب اهـ ببعض تصرّف (وبذلك قالت) الحنابلة إلا في مسجدى مكة والمدينة (وذهب) جمهور المالكية إلى كراهة إقامة جماعة بعد جماعة الإمام الراتب سواء أذن الإمام في ذلك أم لا وقد تكره قبله وله أن يجمع إن جمع غيره قبله إن لم يؤخر كثيرا عن عادته أو أذن لأحد أن يصلي مكانه وإلا كره (والحكمة) في عدم الجواز أنه يؤدى إلى تقليل الجماعة الأولى لأن الناس إذا علموا أن الجماعة تفوتهم يتعجلون فتكثر بخلاف ما إذا علموا أنه إذا فاتتهم الجماعة الأولى أدركوا جماعة ثانية فيتأخرون. ويؤدى أيضا إلى تفرق الكلمة وتشتيت الجموع الذى شرعت من أجلها الجماعة. وهذا عامّ في كل المساجد خلافا للحنابلة القائلين بتخصيص كراهة تكرار الجماعة مسجدى مكة والمدينة وعللوه بأنه أرغب في توفير الجماعة لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الإمام الأول فيهما لأن هذا التخصيص مخالف للنصوص ولأن علتهم المذكورة لا تختص بهذين المسجدين (وقال) أشهب لا كراهة في إقامة الجماعة بعد الإمام الرّاتب مستدلا بحديث الباب (قال) زرّوق وهو الأصل اهـ (وقال العينى) من الحنفية إن صلى في المسجد غير أهله بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن يصلوا فيه جماعة ولو صلى فيه أهله بأذان وإقامة أو بعض أهله يكره لغير أهله وللباقين من أهله أن يصلوا فيه جماعة. وعن أبى يوسف يكره إذا كانت الجماعة الثانية كثيرة فأما إذا كانوا ثلاثة أو أربعة فقاموا في زاوية من زوايا المسجد فصلوا جماعة لا يكره. وروى عن محمد يكره إذا كانت الثانية على سبيل التداعي والاجتماع فإذا لم تكن فلا. لكن ما ذكره أبو يوسف ومحمد من التفصيل غير وجيه لما تقدم. وفى شرح المنية إذا لم يكن للمسجد إمام ومؤذن راتب فلا يكره تكرار الجماعة فيه بأذان وإقامة عندنا بل هو الأفضل أما لو كان له إمام راتب ومؤذن فيكره تكرار الجماعة فيه بأذان وإقامة اهـ وفى المفتاح إذا دخل القوم مسجدا قد صلى فيه أهله كره أن يصلوا فيه جماعة لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج ليصلح بين الأنصار فاستخلف عبد الرحمن بن عوف فرجع بعد ما صلى فدخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيته وجمع أهله فصلى بهم فلو كانت تجوز إعادة الجماعة في المسجد لما ترك الصلاة فيه. والصلاة فيه أفضل اهـ (وذهبت) الشافعية إلى أنه إن كان للمسجد إمام راتب وليس مطروقا كره لغيره إقامة الجماعة فيه ابتداء قبل فوات وقت مجئ إمامه وكذا تكره إقامة جماعة أخرى بعده إن كان بغير إذنه (قال) النووى هذا هو الصحيح المشهور اهـ وإن كان المسجد مطروقا أو غير مطروق وليس له إمام راتب لم تكره إقامة الجماعة فيه ثانيا (قال) النووى أما إذا حضر واحد بعد صلاة الجماعة فيستحب لبعض الحاضرين الذين صلوا أن يصلى معه ليحصل له فضل الجماعة (وقال) أيضا إذا

ص: 278

لم يكن للمسجد إمام راتب لا تكره إقامة جماعة ثانية وثالثة وأكثر من ذلك بإجماع الأئمة (وقال) الشافعى إنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة فصلوا بعلمه منفردين وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاءوا المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرّتين اهـ فتحصل من كلام الشافعية أنه إذا لم يكن للمسجد إمام راتب لا يكره تكرار الجماعة فيه لا فرق بين كونه مطروقا أو غير مطروق بخلاف ما إذا كان له إمام راتب فتكره في غير المطروق ولا تكره في المطروق. لكن جاء عن الشافعي رحمه الله تعالى ما ينافى ذلك حيث قال في الأمّ ما نصه: وإن كان لرجل مسجد يجمع فيه ففاتته فيه الصلاة فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحب إلىّ وإن لم يأته وصلى في مسجده منفردا فحسن. وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصلاة صلوا فرادى ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة فإن فعلوا اجزأتهم الجماعة فيه. وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم (قال) الشافعى وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة فإذا قضيت دخلوا فجمعوا فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة فيكون فيهما المكروه. وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن فأما مسجد بني على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام معلوم ويصلى فيه المارّة ويستظلون فلا أكره ذلك فيه لأنه ليس فيه المعنى الذى وصفت من تفرق الكلمة وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إماما غيره. وإن صلى جماعة في مسجد له إمام ثم صلى فيه آخرون في جماعة بعدهم كرهت ذلك لهم لما وصفت وأجزأتهم صلاتهم اهـ (وقال النووى) في شرح المهذب (قال) الشافعى والأصحاب إذا حضرت الجماعة ولم يحضر إمام فإن لم يكن للمسجد إمام راتب قام واحد وصلى بهم وإن كان له إمام راتب فإن كان قريبا بعثوا إليه من يستعلم خبره ليحضر أو يأذن لمن يصلى بهم وإن كان بعيدا أو لم يوجد في موضعه فإن عرفوا من حسن خلقه أنه لا يتأذى بتقدّم غيره ولا تحصل بسببه فتنة استحب أن يتقدّم أحدهم ويصلى بهم ويحفظ أول الوقت. الأولى أن يتقدم أولاهم بالإمامة وأحبهم إلى الإمام فإن خافوا أذاه أو فتنة انتظروه وإن طال الانتظار وخافوا فوات الوقت كله صلوا جماعة اهـ والأحوط لمن فاتته الصلاة مع الإمام الرّاتب أن يصليها جماعة خارج المسجد خروجا من الخلاف وهذا كله في جماعة أخرى جاءت بعد جماعة الإمام الراتب أو قبله (أما الجماعة) حال صلاة الإمام الراتب فمتفق على منعها. وكذا إذا كانت الجماعة الثانية في المسجد حال إقامة الجماعة الأولى ولم تدخل معها رغبة في الصلاة مع الإمام الآخر (قال) الحطاب اختلف في جمع الأئمة الأربعة

ص: 279

بالمسجد الحرام في مقاماتهم المعهودة هل هو من باب إعادة الجماعة بعد الإمام الراتب فيكون الإمام الراتب هو الذى يصلى في مقام إبراهيم وهو الأول ومن بعده حكمه حكم إعادة الجماعة بعد الإمام الراتب أو أشد من ذلك في الكراهة بل ربما انتهى إلى المنع لما سيأتي أو صلاتهم جائزة لا كراهة فيها ومقاماتهم كمساجد متعدّدة (فذكر ابن فرحون) في مناسكه عن جماعة من شيوخ المذهب أنهم أفتوا بأن صلاتهم على الوجه المذكور جائزة لا كراهة فيها إذ مقاماتهم كمساجد متعدّدة لأمر الإمام بذلك. وإذا أمر الإمام بذلك فقد زالت العلة التى لأجلها كره أن تصلى جماعة بعد جماعة. وكان الاستفتاء المذكور في المائة السابعة (ثم قال) ابن فرحون ووقفت بثغر الإسكندرية على تأليف يخالف ما أفتى به الجماعة وأن الإمام الراتب هو إمام المقام ولا أثر لأمر الخليفة في رفع الكراهة الحاصلة في جمع جماعة بعد جماعة. واستدلّ على ذلك بأدلة كثيرة وألف في ذلك تأليفا ولم يحضرني الآن اسم مؤلفه رحم الله الجميع اهـ قال الحطاب قد وقفت على تأليفين في هذه المسألة (أحدهما) للشيخ الإمام أبى القاسم عبد الرحمن ابن الحسين بن عبد الله بن الحباب السعدى المالكي فذكر أنه أفتى في سنة خمسين وخمسمائة بمنع الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مترتبة بالمسجد الحرام على مذاهب العلماء الأربعة وذكر أن بعض علماء الإسكندرية أفتى بخلاف ذلك وهم شدّاد بن المقدم وعبد السلام بن عتيق وأبو الطاهر ابن عوف. ثم ردّ عليهم وبالغ في الردّ وذكر أن بعضهم رجع عما أفتى به لما وقف على كلامه وقال في الردّ عليهم قولهم إن هذه الصلاة جائزة لا كراهة فيها خلاف الإجماع فإن الأمة مجمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز وأن أقل أحوالها أن تكون مكروهة لأن الذى اختلف العلماء فيه إنما هو في مسجد ليس له إمام راتب أو له إمام راتب وأقيمت الصلاة فيه جماعة ثم جاء آخرون فأرادوا إقامة تلك الصلاة جماعة فهذا موضع الخلاف. فأما حضور جماعتين أو أكثر في مسجد واحد ثم تقام الصلاة فيتقدم الإمام الراتب فيصلى وأولئك عكوف من غير ضرورة تدعوهم إلى ذلك تاركون لإقامة الصلاة مع الإمام الراتب متشاغلون بالنوافل والحديث حتى تنقضى صلاة الأول ثم يقوم الذى يليه وتبقى الجماعة الأخرى على نحو ما ذكرنا ثم يصلون أو تحضر الصلاة الواحدة كالمغرب فيقيم كل إمام الصلاة جهرا يسمعها الكافة ووجوههم مترائية والمقتدون بهم مختلطون في الصفوف ويسمع كل واحد من الأئمة قراءة الآخرين ويركعون ويسجدون فيكون أحدهم في الركوع والآخر في الرفع منه والآخر في السجود فالأئمة مجمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز وأقل أحوالها أن تكون مكروهة. فيقول القائل إنها جائزة لا كراهة فيها خرق لإجماع الصحابة والقرن الثانى والثالث والرابع والخامس والسادس إلى حين ظهور هذه البدعة (ثم قال) في موضع آخر بعد أن تكلم على هذه المسألة وأنها ممنوعة على مذهب مالك

ص: 280

وغيره وردّ على من أفتى بخلافه. فأما أحمد فكفانا في المسألة مهمة فإنه منع من إقامة صلاة واحدة بجماعتين في المسجد الحرام الذى الكلام فيه ومسجد الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وقد حكى لك) أن مذهب مالك والشافعى وأصحاب الرأى الذين منهم أبو حنيفة أنهم لا يرون إقامة صلاة بإمامين في مسجد واحد. فأما إقامة صلاة واحدة بإمامين راتبين يحضر كل واحد من الإمامين فيتقدم أحدهما وهو الذى رتب ليصلى أوّل وتجلس الجماعة الأخرى وإمامهم عكوفا حتى يفرغ الأول ثم يقيمون صلاتهم فهذا مما لم يقل به أحد ولا يمكن أحدا أن يحكى مثل هذا القول عن أحد من الفقهاء لا فعلا ولا قولا فكيف بإمامين يقيمان الصلاة في وقت واحد يقول كل واحد منهما حيّ على الصلاة ويكبر كل واحد منهما وأهل القدوة مختلطون ويسمع كل واحد قراءة الآخر فهؤلاء زادوا على الخلاف الذى لسلف الأمة وخلفها ومخالفة قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. والله لم يرض هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمتنفلين تنفلا في المسجد بل لم يرضه لمقتد اقتدى به فصلى خلفه فكيف يرضى ذلك لإمامين منفردين. هذا مما لا نعلم له نظيرا في قديم ولا حديث (ثم قال) في موضع آخر فأما إقامة صلاة المغرب وصلاة العشاء في شهر رمضان في وقت واحد فلم يستحسنها أحد من العلماء بل استقبحها كل من سئل عنها. ومنهم من بادر بالإنكار من غير سؤال (ثم قال) وأما إذن الإمام في ذلك فلا يصيره جائزا (ثم ذكر) عن جماعة من علماء المالكية والحنفية وردوا إلى مكة في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وأنهم أنكروا صلاة الأئمة الأربعة مترتبين على الصفة المعهودة وأنه عرض ما أملاه في عدم جواز هذه الصلاة وأنكر إقامتها على جماعة من العلماء وأنهم وافقوه على أن المنع من ذلك هو مذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة اهـ مختصرا (الثاني) من المؤلفين للشيخ إبراهيم الغساني فذكر أن افتراق الجماعة عند الإقامة على أئمة متعدّدة إمام ساجد وإمام راكع وإمام يقول سمع الله لمن حمده لم يوجد من ذكره من الأئمة ولا أذن به أحد بعد الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا من صحت عقيدته ولا من فسدت لا في سفر ولا في حضر ولا عند تلاطم السيوف وتضامّ الصفوف في سبيل الله ولا يوجد في ذلك أثر لمن تقدم فيكون له له أسوة اهـ (وسئل القاضى) جمال الدين بن ظهيرة عن إقامة الأئمة الأربعة لصلاة المغرب في وقت واحد وقال القائل في السؤال إن ذلك لم يكن في زمن النبوّة ولا الخلفاء الراشدين ولا في زمن الأئمة الأربعة. وعن قول بعض فقهاء الإسكندرية إن المسجد الحرام كأربعة مساجد وإن ذلك مخالف لقول الله تعالى "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" ولقول الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة في مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام

ص: 281

ولم يقل المساجد الحرام (فأجاب) بأن صلاة الأئمة الأربعة المغرب دفعة واحدة من البدع الشنيعة التي لم تزل العلماء ينكرونها في الحديث والقديم ويردّونها على مخترعها القادم نهم والمقيم (ثم ذكر) بعض كلام ابن الحباب الذى ذكرناه وكلام الغساني (ثم قال) وقد كفانا هذان الرجلان في هذه المسألة وفيما نقله الأول منهما من إجماع الأمة وكلام الأئمة كفاية (قال) وقد أخبرنى بعض أهل العلم أنه اجتمع بالشيخ الإمام العالم العلامة عالم المغرب في وقته المجمع على علمه ودينه وفضيلته أبى عبد الله بن عرفة في حجته سنة اثنين وتسعين وسبعمائة بالمسجد الحرام فإنه لما رأى اجتماع الأئمة الأربعة في صلاة المغرب أنكر ذلك وقال إن ذلك لا يجوز بإجماع المسلمين لا أعلم بذلك بينهم اختلافا اهـ ثم قال وهذا صحيح لا شك فيه وبشاعة ذلك وشناعته ظاهرة لمن ألهم رشده ولم تمل به عصبية. ودلائل المنع من ذلك من السنة الشريفة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر. وقد يحصل من ذلك من الضرر في الموسم على المصلين ما لا مزيد عليه وتبطل صلاة كثير منهم للاشتباه. وجميع البلاد التي تقام فيها هذه الجماعات يجتمعون في صلاة المغرب على إمام واحد وهو الشافعى الراتب الأول كبيت المقدس ودمشق وغيرهما (وعلى الجملة) فذلك من البدع التي يجب إنكارها والسعى لله تعالى في خفض منارها وإزالة شعارها واجتماع الناس على إمام واحد وهو الإمام الراتب. ويثاب ولىّ الأمر على إزالة هذا المنكر وينال به عند الله تعالى الدرجات العالية ويؤجر وكل من قام في ذلك فله الأجر الوافر والخير العظيم المتكاثر "وأما قول" من قال من فقهاء الإسكندرية بأن المسجد الحرام كأربعة مساجد "فهو قول باطل" سخيف وهو أقلّ من أن يتعرّض له بردّ لمخالفته المحسوس والأدلة الظاهرة المتكاثرة من الكتاب والسنة اهـ (قال الحطاب) وما قاله هؤلاء الأئمة ظاهر لا شك فيه إذ لا يشك عاقل في أن هذا الفعل المذكور مناقض لمقصود الشارع من مشروعية صلاة الجماعة وهو اجتماع المسلمين وأن تعود بركة بعضهم على بعض وأن لا يؤدّى ذلك إلى تفرق الكلمة. ولم يسمح الشارع بتفريق الجماعة بإمامين عند الضرورة الشديدة وهي حضور القتال مع عدوّ الدين بل أمر بقسم الجماعة وصلاتهم بإمام واحد. وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهدم مسجد الضرار لما اتخذ لتفريق الجماعة اهـ ملخصا (وقد سئل) الشيخ محمد عليش عن حكم هذه المسألة بما نصه: ما قولكم في صلاة جماعتين فأكثر في محلّ واحد له "إمام" راتب أولا ووقت واحد يقيمون الصلاة معا أو متعاقبين ويحرمون بها معا أو متعاقبين أو يتقدم بعضهم بركعة أو أكثر ويقرءون معا الفاتحة أو يقرأ بعضهم الفاتحة والآخر السورة ويسمع بعضهم قراءة بعض أو بعضهم يقرأ وبعضهم يركع وبعضهم يسجد وبعضهم يتشهد وبعضهم يهوي للركوع أو السجود مكبرا وآخر يرفع للركوع مسمعا وتختلط صفوف المقتدين بهم فيجتمع في الصفّ الواحد إمامان

ص: 282

فأكثر ويلتبس على بعض المقتدين بهم صوت إمامهم بصوت إمام غيره فيقتدى بإمامه في بعض صلاته وبغيره في بعضها أو يشك فيمن اقتدى به هل هو إمامه أو غيره أو يقتدى بإمامه في جميعها مع اشتغاله بسماع قراءة غيره وتكبيره وتسميعه عن سماع ذلك من إمامه. فهل هذا من البدع الشنيعة والمحدثات الفظيعة التى يجب على أهل العلم وأولى الأمر إنكارها وهدم منارها. وهل هو من المجمع على تحريمه أو من المختلف فيه. وهل جريان العادة به من بعض العلماء والعوام يسوّغه أولا (فأجاب) بقوله الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله نعم هذا من البدع الشنيعة والمحدثات الفظيعة أول ظهوره في القرن السادس ولم يكن في القرون التى قبله وهو من المجمع على تحريمه كما نقله جماعة من الأئمة لمنافاته لغرض الشارع من مشروعية الجماعة الذى هو جمع قلوب المؤمنين وتأليفهم وعود بركة بعضهم على بعض وله شرع الجمعة والعيد والوقوف بعرفة. ولتأديته للتخليط في الصلاة التى هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين والتلاعب بها فهو مناف لقوله تعالى {ومن يعطم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} وقوله تعالى {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "صلوا كما رأيتمونى أصلى" وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "اتقوا الله في الصلاة اتقوا الله في الصلاة اتقوا الله في الصلاة" وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "اتموا الصفوف" وقوله "أتموا الصفّ المقدّم" وفى الموطأ سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون فخرج عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال أصلاتان معا أصلاتان معا وذلك في الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح. ولمشروعية صلاة القسمة حال الجهاد وتلاطم الصفوف وتضارب السيوف بجماعة واحدة كما في القرآن العزيز. ولم يشرع حاله تعدّد الجماعة فكيف يشرع حال السعة والاختيار إنها لا تعمى الأبصار. وقد أمر الله تعالى بهدم مسجد الضرار الذى اتخذ لتفريق المؤمنين فكيف يأذن بتفريقهم وهم بمحلّ واحد للصلاة مجتمعين وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادى الله تعالى ينادى بالصلاة ويدعو إلى الفلاح فلا يجيبه وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حسب المؤمن من الشقاء والخيبة أن يسمع المؤذن يثوّب بالصلاة فلا يجيبه. وإذا كان هذا حال سامع الأذان المتلاهي عنه فكيف حال سامع الإقامة المتصلة بالصلاة المتلاهى عنها وهو في المسجد. وكيف يمكن إجابة إقامتين فأكثر لو شرعتا في محلّ واحد ووقت واحد إنها لا تعمى الأبصار. وأخرج الإمام أبو عبد الرحمن النسائى في صحيحه بسنده عن عرفجة الأشجعى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر يخطب الناس فقال إنه سيكون بعدى هناة وهناة فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد تفرق أمر أمة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كائنا من كان فاقتلوه فإن يد الله على

ص: 283

الجماعة وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض. وعنه أيضا قال سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ستكون بعدى هناة وهناة فمن أراد أن يفرق أمر أمة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم جميع فاقتلوه كائنا من كان. وأخرج الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في صحيحه عن حذيفة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما ولا صلاة ولا صدقة ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين. وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته. وعن ابن أم مكتوم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قلت يا رسول الله إني رجل كبير ضرير شاسع الدار لا أجد قائدا يلازمني أتجد لى رخصة في التخلف فقال هل تسمع النداء قلت نعم قال لا أجد لك رخصة. وعن عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم للوقت الذى تعرفون ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة. وعن عبادة بن الصامت قال قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستكون أمراء تشغلهم الأشياء يؤخرون الصلاة عن وقتها فاجعلوا صلاتكم معهم تطوّعا. وعن أبى ذرّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال صل الصلاة لوقتها فإن أدركت الإمام يصلى بهم فصلّ معهم فهى لك نافلة وإلا فقد أحرزت صلاتك. فلم يأذن لهم في تعدّد الجماعة ولا في التخلف عنها. فيجب على العلماء وأولى الأمر وجماعة المسلمين إنكارها وهدم منارها. وجريان العادة بها من بعض العلماء والعوام لا يسوّغها. وقد ألف في هذه المسألة الشيخ الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله ابن الحباب السعدى المالكي والشيخ الإمام أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الغسانى المالكي وبسطا الكلام عليها وأجادا فكفيا من بعدهما مؤنتها جزاهما الله تعالى أحسن الجزاء. وساق ما تقدم عن الحطاب مع زيادة اهـ

(فقه الحديث) دلّ الحديث بظاهره على مشروعية تكرار صلاة الجماعة في مسجد صليت فيه جماعة. وتقدّم بيانه، وعلى صحة الاقتداء بمن دخل في الصلاة منفردا، وعلى مزيد رأفة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأمة وحب الخير لهم، وعلى الترغيب في التعاون على الخير

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والحاكم والبيهقى وابن حبان والترمذى وحسنه

(باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم)

وفى نسخة باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك جماعة يصلى معهم إذا كان في المسجد

ص: 284

(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ، فَلَمَّا صَلَّى إِذَا رَجُلَانِ لَمْ يُصَلِّيَا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَدَعَا بِهِمَا فَجِئَ بِهِمَا تُرْعُدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ:«مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ » قَالَا: قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، فَقَالَ:«لَا تَفْعَلُوا، إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ، فَلْيُصَلِّ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ» .

(ش)(رجال الحديث)(شعبة) بن الحجاج و (جابر بن يزيد بن الأسود) السوائى ويقال الخزاعي روى عن أبيه. وعنه يعلى بن عطاء. قال ابن المديني لم يرو عنه غيره وقال في التقريب صدوق من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى والنسائى

(قوله عن أبيه) هو يزيد بن الأسود ويقال ابن أبى الأسود العامرى حليف قريش. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه جابر. روى له أبو داود والترمذى والنسائى

(معنى الحديث)

(قوله أنه صلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى الصبح بمنى كما في الرواية الآتية

(قوله وهو غلام شاب) جملة حالية من الضمير في صلى والمراد أنه لم يبلغ سنّ الكهولة وهو ثلاثون أو أربعون سنة. ولعلّ غرضه بذلك قوّة ما تحمله

(قوله فلما صلى الخ) أى فلما فرغ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صلاته فاجأه رؤية رجلين في جانب المسجد لم يصليا معه. وفى رواية الترمذى عن يزيد بن الأسود قال شهدت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حجته فصليت معه الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذا رجلان الخ وفي رواية الترمذى والنسائى إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا فقال علىّ بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما أى تضطرب وتتحرّك من الخوف. وترعد من باب قتل. والفرائص جمع فريصة وهى اللحمة التى بين جنب الدابة وكتفها. واضطربت، فرائصهما لما له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الحرمة والهيبة

(قوله قد صلينا في رحالنا) أى منازلنا ومأوانا

(قوله فقال لا تفعلوا الخ) أى قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهما لا تصنعوا مثل صنعكم هذا. والمراد بالجمع ما فوق الواحد. وفى رواية النسائى والترمذى فقال لا تفعلا بالتثنية إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصلّ فليصل الخ أى فليصل الصلاة التي صلاها في رحله مع الإمام والأمر فيه للندب لقوله فإنها له نافلة (وهو يدلّ) بظاهره على أنه يستحب لمن صلى الصلاة

ص: 285

في بيته ثم أتى المسجد فأدرك الجماعة أن يصلى معهم سواء أكانت الصلاة التي صلاها في منزله فرادى أم جماعة وسواء أكانت الصبح أم العصر أم المغرب أم غيرها. وبه قال علىّ بن أبى طالب وحذيفة وأنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم وسعيد بن المسيب وابن حبيب والزهرى وأحمد إلا أنهم قالوا في المغرب يضيف إليها ركعة أخرى لتصير شفعا (وبهذا قالت) الشافعية لكنهم لم يقولوا بإضافة ركعة في المغرب (وقال ابن مسعود) ومالك والأوزاعي والثورى يعيد الصلوات في الجماعة إلا المغرب لئلا تصير شفعا. لكن حمل مالك الحديث على ما إذا صلى الصلاة أوّلا منفردا (وقال أبو حنيفة) وصاحباه يعيد الظهر والعشاء (وقال ابن عبد البرّ) قال جمهور الفقهاء إنما يعيد الصلاة مع الإمام في جماعة من صلى وحده في بيته أو في غير بيته. أما من صلى في جماعة وإن قلت فلا يعيد في أخرى قلت أو كثرت. ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له وهذا لا يخفى فساده اهـ (قال الخطابى) في الحديث من الفقه أن من كان صلى في رحله ثم صادف جماعة يصلون كان عليه أن يصلى معهم أية صلاة كانت من الصلوات الخمس وهو مذهب الشافعى وأحمد وإسحاق وبه قال الحسن والزهرى. وقال قوم يعيد المغرب والصبح وكذلك قال النخعى. وحكى ذلك عن الأوزاعي وكان مالك والثورى يكرهان أن يعيدا صلاة المغرب. وكان أبو حنيفة لا يرى أن يعيد صلاة العصر والمغرب والفجر إذا كان قد صلاهنّ (وظاهر الحديث) حجة على من منع من شيء من الصلوات كلها ألا تراه صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه ولم يستثن صلاة دون صلاة اهـ وقوله فإنها له نافلة أى أن الصلاة المعادة في الجماعة نافلة (قال الخطابى) فيه دليل على أن صلاة التطوّع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب. وأما نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فقد تأولوه على وجهين (أحدهما) أن ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سبب وأما إذا كان لها سبب مثل أن يصادف قوما يصلون جماعة فإنه يعيدها معهم ليحرز الفضيلة (والوجه الآخر) أنه منسوخ وذلك أن حديث يزيد بن الأسود متأخر لأن في قصته أنه شهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حجة الوداع اهـ (قال العينى) أما قوله إن ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سبب فغير مسلم لأن هذا تخصيص من غير مخصص فنهاية ما في الباب أنهم احتجوا بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر وقاسوا عليها كل صلاة لها سبب حتى قال النووى هو عمدة أصحابنا في المسألة وليس لهم أصح دلالة منه. ولكن يخدشه ما ذكره الماوردى منهم وغيره من أن ذلك من خصوصياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وقال) الخطابى كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مخصوصا بهذا دون الخلق (وقال) ابن عقيل لا وجه له إلا هذا الوجه

ص: 286

(وقال) الطبرى فعل ذلك تنبيها لأمته أن نهيه كان على وجه الكراهة لا التحريم اهـ وأما قوله إنه منسوخ فغير صحيح لأن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ما برح النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أن توفي ولو كان منسوخا لعمل بناسخه مع أنه كان يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير فدلّ هذا على أن النهى ليس بمنسوخ وأن الركعتين بعد العصر مخصوصة به دون أمته (وقال) أبو جعفر الطحاوى ويدلّ على الخصوصية أن أم سلمة هي التي روت صلاته إياهما قيل لها أفنقضيهما إذا فاتتا بعد العصر قالت لا اهـ والأولى أن حديث الباب مخصص لأحاديث النهى عن الصلاة بعد الفجر والعصر (قال في النيل) حديث الباب يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوّع لمن كان قد صلى تلك الصلاة وإن كان الوقت وقت كراهة للتصريح بأن ذلك كان في صلاة الصبح فيكون حديث الباب مخصصا لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة الصبح. ومن جوّز التخصيص بالقياس ألحق به ما سواه من أوقات الكراهة اهـ (والحديث صريح) في أن الصلاة الثانية نافلة والأولى هي الفريضة سواء أصليت في جماعة أم فرادى لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الاستفصال في قولهما صلينا في رحالنا. وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزّل منزلة العموم في المقال، وروى ذلك عن عليّ وبه قال الثورى وأبو إسحاق وأبو حنيفة والشافعى في الجديد والحنابلة. مستدلين بحديث الباب وأشباهه. قالوا لأن الأولى قد وقعت فريضة وأسقطت الفرض لأنها لا تجب ثانيا وإذا برئت الذمة بالأولى استحال كون الثانية فريضة وجعل الأولى نافلة. ولأن تأدية الصلاة الثانية بنية الفريضة يستلزم أن تصلى الصلاة الواحدة في اليوم مرّتين وقد نهى الشارع عنه كما يأتي للمصنف من حديث ابن عمر مرفوعا لا تصلوا صلاة في يوم مرّتين. وأخرجه النسائى أيضا وابن حبان وابن خزيمة. ويدلّ لهم أيضا ما رواه الدارقطنى من طريق الحجاج بن أرطاة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفيه فقاله لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجدا فصليا معهم فتكون لكما نافلة والتى في رحالكما فريضة (وهذا) هو المختار لقوّة أدلته (وقال الشافعى) في القديم إن فرضه إحداهما لا بعينها ويحتسب الله بما شاء (قال) النووى وعبر بعض أصحابنا عن هذا القول. أن الفرض أكملهما (وذهب الأوزاعي) إلى أن كلا منهما فرض. ووجهه بأن كلا منهما مأمور به والأولى مسقطة للحرج لا مانعة من وقوع الثانية فرضا (قال) النووى وهذا كما قال أصحابنا في صلاة الجنازة إذا صلتها طائفة سقط الحرج عن الباقين فلو صلت طائفة أخرى وقعت الثانية فرضا أيضا فتكون الأولى مسقطة للحرج عن الباقين لا مانعة من وقوع فعلها فرضا. وهذا الحكم في جميع قروض الكفاية (وأما كيفية) النية فعلى القديم ينوى بالثانية الفرض أيضا. وعلى الجديد فالأكثرون ينوى بها الفرض. وقيل

ص: 287

ينوى الظهر أو العصر مثلا ولا يتعرّض لفرض ولا نفل وهو الذى اختاره إمام الحرمين وهو المختار الذى تقتضيه القواعد والأدلة اهـ (وقالت المالكية) أمره مفوّض إلى الله تعالى في أيتهما شاء فرضه "فقد" روى مالك في الموطأ عن نافع أن رجلا سأل عبد الله بن عمر فقال إنى أصلى في بيتى ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه فقال له عبد الله بن عمر نعم فقال الرجل أيتهما أجعل صلاتى فقال له ابن عمر أوذلك إليك إنما ذلك إلى الله تعالى يجعل أيتهما شاء. وروى أيضا عن يحيى ابن سعيد أن رجلا سأل سعيد بن المسيب فقال إني أصلى في بيتي ثم آتي المسجد فأجد الإمام يصلى أفأصلى معه قال نعم قال الرجل فأيتهما صلاتى فقال سعيد أوأنت تجعلهما إنما ذلك إلى الله تعالى. قال ابن حبيب معناه أن الله تعالى يعلم التى يتقبلها منه. فأما على وجه الاعتداد بها فهى الأولى وهذا يقتضى أن يصلى الصلاتين بنية الفرض. ولو صلى إحداهما بنية النفل لم يشك أن الأخرى هي فرضه اهـ. وروى عن مالك قول آخر وهو أن الأولى فرض والثانية نفل. والقولان مبنيان عندهم على صحة رفض الصلاة بعد تمامها. وأما على القول بعدم صحته فيتعين القول الثاني

(فقه الحديث) دلّ الحديث على عظم هيبة الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى أن من رأى مخالفة يطلب منه أن يسأل مرتكبها عن سبب ارتكابها، وعلى أنه ينبغى لمن أمّ الناس في الصلاة أن يراعي حالهم فإن رأى من شخص مخالفة أرشده إلى الصواب. وعلى جواز وقوع الصلاة المكتوبة خارج المسجد، وعلى أن من صلى خارج المسجد ثم أدرك الجماعة فيه يطلب منه الدخول معهم، وعلى أنه إن دخل مع الجماعة تكون الأولى فرضه والثانية نافلة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والنسائى من طريق يعلى بن عطاء وأحمد والطحاوى في شرح معانى الآثار وأخرجه الدارقطنى وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن وأخرجه البيهقى من طريق وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال صلينا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الفجر بمنى فجاء رجلان حتى وقفا على رواحلهما فأمر بهما صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجئ بهما ترعد فرائصهما فقال لهما ما منعكما أن تصليا مع الناس ألستما مسلمين قالا بلى يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا فقال لهما إذا صليتما في رحالكما ثم أتيما الإمام فصليا معه فإنها لكما نافلة

(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الصُّبْحَ بِمِنًى بِمَعْنَاهُ

(ش)(ابن معاذ) هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ بن نصر

(قوله بمعناه) أى بمعنى حديث حفص بن عمر السابق

ص: 288

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ نُوحِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: جِئْتُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَجَلَسْتُ وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى يَزِيدَ جَالِسًا، فَقَالَ:«أَلَمْ تُسْلِمْ يَا يَزِيدُ» ، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ:«فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ؟ » ، قَالَ: إِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي وَأَنَا أَحْسَبُ أَنْ قَدْ صَلَّيْتُمْ، فَقَالَ:«إِذَا جِئْتَ إِلَى المسجد فَوَجَدْتَ النَّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ لَكَ نَافِلَةً وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ»

(ش)(رجال الحديث)(معن بن عيسى) بن يحيى بن دينار الأشجعى مولاهم القزّار. روى عن إبراهيم بن طهمان ومعاوية بن صالح ومالك وابن أبى ذئب وهشام بن سعد وطائفة. وعنه ابن معين وابن المديني وأبو خيثمة وقتيبة والحميدى وكثيرون. قال أبو حاتم كان أثبت أصحاب مالك وأتقنهم وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا مأمونا ووثقه ابن معين وابن حبان وقال الخليلى متفق عليه. مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين ومائة. روى له الجماعة. و (نوح بن صعصعة) الحجازى. روى عن يزيد بن عامر. وعنه سعيد بن السائب. ذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني حاله مجهول وقال في التقرب مستور من الرابعة. روى له أبو داود و (يزيد بن عامر) بن الأسود بن حبيب أبى حاجز السوائى بضم المهملة. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه نوح بن صعصعة والسائب بن أبى حفص. يقال إنه شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم. روى له أبو داود

(معنى الحديث)

(قوله فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة) أتى به لدفع توهم أن يكون جلس لعذر ودخل معهم في الصلاة

(قوله فانصرف علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى أقبل علينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد فراغه من الصلاة فرأى يزيد جالسا على غير هيئة الصلاة بعيدا عن صفوفها. وفيه وضع الظاهر موضع المضمر وكان السياق أن يقول فرآنى جالسا فقال ألم تسلم يا يزيد. والظاهر أن الاستفهام للتوبيخ قصد به توبيخه على ترك الصلاة مع الجماعة التي لا يتركها إلا منافق لأن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك

ص: 289

لا يقتضي أن من لم يصلّ مع الناس يكون غير مسلم لأن ذلك لا يقول به أحد فهو كقول القائل لمن علم أنه قرشىّ مالك لا تكون كريما ألست بقرشىّ لا يريد بذلك نفيه عن قريش وإنما يوبخه على أنه قد ترك أخلاق قريش

(قوله بلى يا رسول الله قد أسلمت) بلى حرف جواب نفى للنفى السابق وقد أسلمت تأكيد لما أفادته بلى (وقوله إنى كنت قد صليت في منزلى الخ) أفاد بذلك أنه لم يترك الصلاة وإنما اجتزأ بالصلاة في أهله. ولعله عمل على الحديث الآتى لا تصلوا صلاة في يوم مرّتين ولم يبلغه حديث الإعادة لفضل الجماعة. وقوله وأنا أحسب أن قد صليتم الخ تعليل لقوله إنى كنت قد صليت أى إنى قد صليت في منزلى لأنى أحسب أنكم صليتم فقال له صلى الله عليه وآله وسلم إذا جئتت إلى المسجد. وفي بعض النسخ إذا جئت إلى مكان الصلاة فوجدت الناس يصلون فصلّ معهم. وفى بعضها إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس الخ (وظاهره) أنه يدخل مع الجماعة إذا أتى المسجد حال الصلاة فإن أتاه قبل أن تقام الصلاة فله أن يخرج ما لم تقم الصلاة وهو فيه لأن الصلاة معهم لا تلزمه إلا بإقامتها (قال الباجى) فإن أتي المسجد فوجد الصلاة تقام أو وجدهم قد شرعوا في الصلاة فعليه أن يصليها معهم. ووجه ذلك أن الصلاة قد تعينت عليه لدخول المسجد في ذلك الوقت فأما من رأى الناس يصلون وهو مارّ في الطريق فإنه لا تلزمه إعادة الصلاة معهم اهـ

(قوله وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة الخ) أى تكن الصلاة التى صليتها مع الجماعة زائدة في الثواب على ثواب الفرض وهذه الصلاة التي أديتها في رحلك هي الفريضة فالضمير المستتر في تكن عائد على الصلاة مع الجماعة واسم الإشارة عائد على الصلاة التى صلاها في بيته وهذا أقرب لموافقته للأحاديث خلافا لمن زعم أن الضمير في تكن عائد على الصلاة التى في بيته واسم الإشارة عائد على التى صلاها مع الجماعة فإن ظاهره يكون معارضا للحديث المتقدم لأنه صريح في أن صلاته في بيته فريضة والتي صلاها مع الجماعة نافله. وعلى تسليم هذا الاحتمال فلا معارضة أيضا لأن حديث يزيد بن عامر هذا من رواية نوح بن صعصعة وفيه مقال فهو ضعيف (قال) البيهقى إن حديث يزيد بن الأسود أثبت منه وأولى اهـ

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى والبيهقى

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَفِيفَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ، فَقَالَ: يُصَلِّي أَحَدُنَا فِي مَنْزِلِهِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ

ص: 290